منتدى استراحات زايد - مقال: الحق والباطل في فتنة البحرين

بسم الله الرحمن الرحيم

قال إمام المتقين وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم نقلاً عن كتاب نهج البلاغة: " قد أضاء الصبح لذي عينين".

وقال كذلك: لرجل التبس عليه الحق من الباطل: " اعرف الحق تعرف أهله".

وقال في موضع آخر: " يعرف الرجال بالحق ولا يعرف الحق بالرجال".

ليس هنا معرض الحديث عن أخطاء بعضٍ أو تجاوزاتهم، بل مصب حديثنا هو ما هو الحق الذي يجب أن يتبع، وما هو الباطل الذي يجب أن يُبتعد ويُنأى عنه.

فمن جهة؛ قدم آل خليفة إلى البحرين كقطاع طرق، وتوسلوا بالقتل والسلب والنهب وعبادة المستعمرين حتى وصلوا إلى ماهم عليه الآن، ولم يقفوا عند ذلك، بل واصلوا في غيهم وإساءتهم لكل الأعراف والعادات سواء كانت العالمية أو العربية أو الإسلامية.

و من جهة أخرى، نجد اتفاقاً بين جميع الأطراف " البحرينية المسلمة _ وليست الشيعية فقط" بأن أمريكا هي الشيطان الاكبر، وأنها لا تدخل في شيء إلا وتقصد من وراءه غايةً خبيثة ولا تصب في نهاية الأمر إلا لمصلحتها وفساد من يتبعها.

ومن جهة أخرى كذلك، نرى الشرع الإسلامي _ ولا أقصد هراء البعض بل الشرع نفسه _ ينادي بالمطالبة بالحقوق (الأمر بالمعروف) ورفض الظلم والفساد (النهي عن المنكر)، ويفتح المجال الرحب في هذا الأمر حتى يصل إلى التضحية بالنفس.

وتتابعاً للنقطة الأخيرة أن الله تعالى القادر القاهر قد رضيّ للمؤمن أن يعيش فقيراً وأن يعاني مختلف الابتلاءات لكنه لا يقبل منه أن يُهان أو يُهين نفسه لأي كان، لذا نجد أحياناً التشديد في أمور المعاش بأن نطمئن بأن الرزاق هو الله لكي لا يهيننا أي أحدٍ في معاشٍ ونسكت لنقول كما يقول البعض : " دا أكل عيش يا سيدي".

ونجد في كلام الله المنزل على نبيه المرسل صلواته عليه وآله تلك الآية المعجزة والتي تدللنا على جبروت وقدرة الله الكبيرة التي يقول سبحانه فيها: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) (محمد:7)؛ ولم يشترط الله في هذه الآية أن تكون لكم أموال أو أسلحة أو عتاد أو دولة عظمى تقف بجانبكم، بل اشترط جبّار الجبابرة وناصر المستضعفين أن ننصره فقط. وفي اللغة العربية أن بتحقق الشرط يتحقق معه جواب الشرط.

ونذّكر كذلك بأنه من الواجب على الإنسان المسلم المؤمن بعدالة الشريعة الإسلامية أن يسعى لتحقيقها ما أمكنه، وليس في ذلك أبواب يستطيع التهرب منها فيه.

ونذكر كذلك بحقائق مهمة، لكي تساعدنا في معرفة الحق ومعرفة أهله؛ بأن الخوارج عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين _ الذين خرجوا على حكم الإمام علي عليه السلام وحاربوه وكانوا عشرين ألفاً (إذا لم تخنّي الذاكرة)_ كانوا من أعبد الناس وأزهدهم وكان يرى على وجوههم أثر السجود و شدّة العبادة، حتى قال أحد أعوان أمير المؤمنين عليه السلام: لو لم أعرفك لاتبعتهم.

وكذلك في ثورة الإمام الخميني (قدس سره) عندما حاول آية الله العظمى والمرجع الذي كان يقلده أكثر من نصف الشعب الايراني "شريعتمداري" أن يغتال السيد الإمام، وظهر بعد ذلك على شاشات التلفاز يعتذر ويستغفر الله مما اقترفه، وكان من مقلديه أن حرقوا رسالته العملية و من السيد الإمام أن وضعه تحت الحراسة حتى لا يقتله مقلدوه الغاضبون.

هنا وبالنظر إلى هذه الحقائق وبدون أن نضع هالات التقديس نستطيع أن ننظر إلى أي شخص_ علينا أن ننظر إلى أنفسنا أولاً قبل الآخرين_ لنحكم هل هذا الشخص يتبع الحق أم لا، ومنه نصل إلى اتباعه لأنه يتبع الحق أو لا يتبعه.

فعوداً لدرر أمير المؤمنين عليه السلام، بأن كل من وهبه الله عينين_ يقصد بالعينين البصر والبصيرة القلبية_ يستطيع من خلالها تشخيص موقعه من الإعراب، لكن عليه أن يتجرد_ أي يبتعد _ عن كل التعصبات دينية كانت أم حزبية أم عرقية.

ملاحظة مهمة: أعتقد والله العالم أن البعض سيعتقد أنّي أقصد بكلامي آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم أو جمعية الوفاق الوطني الإسلامية، لكن وقبل أن يظنّوا فيّ سوءاً أحب أن أنوه أنّ هذا مقال تشخيصي؛ بمعنى أن أي عاقل لابد أن يأخذ _بعد نفسه طبعاً_ كل انسان يتصدى للعمل الاجتماعي _سواء كان دينياً اقتصادياً أو سياسياً _ وينظر إليه لا بعين الحب بل بعين الفحص والامتحان؛ لأن أي اتباع في هذه الدنيا الدنية محاسبٌ عليه الإنسان ولا يستطيع أن يعتذر منه لأن الله قال في كتابه المحكم آيته:

"بَلِ الإنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ،وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ" (القيامة: 14،15)