ما يحذر من سوء الخاتمة ما يحذر من سوء الخاتمة وما سبق من ذلك لأكثر الخلق في السابقة . اعلم رحمك الله أن هذا أمر إذا ذكر حقيقة ذكره انفطرت له القلوب وتشققت وانصدعت له الأكباد وتقطعت ولولا أن الآجال محدودة والأنفاس معدودة فلا يتجاوز ذلك المحدود ولا يزاد على ذلك المعدود لزهقت الأنفس عند أول ذكره زهوقا لا تجد لسرعته طعم وفاة بل تكاد تنعدم معه انعداما لا تعود معه إلى وجود ولا حياة ولكنها مربوية مدبرة مقهورة مصرفة تخرج إذا أذن لها في الخروج وتلج إذا أذن لها في الولوج وقد كتب عليها الوجود والبقاء فلا انعدام ولا مطمع لها في ذلك ولا مرام . وما يمنع القلوب رحمك الله من الانشقاق والانصداع والانفطار والانقطاع والذي يلقى المختوم له بهذه الخاتمة عذاب لا تقوم السموات والأرض لشدته ولا آخر لمدته وما منا أحد إلا ويخاف أن يكون هو وما الذي أمنه منه وما الذي حاد به عنه والخاتمة مغيبة والعاقبة مستورة والأقدار غالبة والنفس كما تدري والشيطان منها بحيث تدري وهي مصغية إليه ملتفتة نحوه مقبلة عليه وأنشدوا في هذا المعنى . ( هي النفس إن تنظر إلى الحق نظرة ... فإن لها في غيره نظرات ) . ( وإن نهضت يوما إلى الله نهضة ... فإن لها عنه غدا نهضات ) . ( إلى الله أشكوها فبالله حولها ... وبالله تمضي في الأمور وتأتي ) . كذا جرت الأقلام وانبرمت الأحكام فقسم الخلق إلى قسمين وفرقهم إلى فريقين شقي وسعيد غوي ورشيد قريب وبعيد ذميم وحميد ارتفاع واتضاع واتصال وانقطاع إجابة وامتناع وانت يا هذا ما تدري بما جرى سهمك ولا كيف ثبت في هذه الأسماء اسمك . ( قد حكم الله بما شاء من ... وضع لمن شاء وإعلاء ) . ( وقدر الأمر على ما يرى ... من منع أقوام وإعطاء ) . ( وأبرمت أحكامه في الورى ... من قبل بإسعاد وإشقاء ) . ( وأنت لا تدري بماذا جرت ... طيرك في محكم الأجواء ) . ( هل بشفاء أو بسعد وهل ... مرت برشد أو بإغواء ) . ( فاقدح زناد الخوف بين الحشا ... واقنع من النوم بإغفاء ) . ( وابك على نفسك حتى ترى ... ما اسمك في مثبت الأسماء ) . ورد في الخبر الصحيح عن النبي http://www.nourschool.com/images/library/r.gif أنه قال إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة وإنما الأعمال بالخواتيم وروي أيضا من طريق آخر ليس فيه فيما يبدو للناس . وصح عنه http://www.nourschool.com/images/library/r.gif أنه قال جف القلم بما أنت لاق . وقال http://www.nourschool.com/images/library/r.gif رفعت الأقلام وجفت الصحف لكن حجاب الغفلة الذي غطى القلوب كثيف فلا يرى ما وراءه والوقر الذي في الآذان عظيم فلا يسمع من ناصح دعاءه . روى في الصحيح عن النبي http://www.nourschool.com/images/library/r.gif أنه قال يجاء بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح فيوقف بين الجنة والنار فيقال يا أهل الجنة هل تعرفون هذا قال فيشرئبون وينظرون ويقولون نعم هذا الموت ثم يقال يا أهل النار هل تعرفون هذا فيشرئبون وينظرون ويقولون نعم هذا الموت فيذبح ثم يقال يا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار خلود فلا موت ثم قرأ رسول الله http://www.nourschool.com/images/library/r.gif ( وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون ) وأشار بيده إلى الدنيا . وقال البخاري ( وهم في غفلة ) وهؤلاء في غفلة أهل الدنيا وهم لا يؤمنون . فانظر رحمك الله إلى عظيم هذه الغفلة وكثافة حجابها وكيف منعت من النظر في هذا الحديث والفكرة فيه والعمل بمقتضاه . وقد بكى أولو الألباب على هذا فأكثروا وسهروا من أجله الليالي الطويلة وأسهروا ورام عاذلوهم كفهم عما هم فيه فلم يقدروا وكلموهم في الإقصار فلم يقصروا ولم يسمعوا ولم يبصروا وذلك للعلم الذي لاح لهم والتأييد الذي شملهم والتوفيق الذي قطع عنهم ما صدهم عن طريق الله http://www.nourschool.com/images/library/D.gif وشغلهم وربما هبت عليهم نفحات الرجاء فاستبشروا وسكنوا من ذلك الهيجان وفتروا ثم ذكروا ما هم معرضون له فعادوا لما كانوا عليه من الاجتهاد وربما زادوا عليه وأكثروا . ومع هذا فإنهم لشدة خوفهم وكثرة جزعهم يحسبون كل صيحة عليهم ويظنون كل إشارة إنما يشار بها إليهم الاشبيلي |
الساعة الآن 01:08 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.5.2 TranZ By
Almuhajir