هل تحل الوفاق نفسها وتترك الشعب يقرر مصيره؟
 

السؤال ليس كيدياً، بل سؤال جوهري حقيقي. لماذا في كل الثورات التي شهدها الربيع العربي تنحت الأحزاب والتيارات عن الواجهة وتركت الشعب يصنع ثورته ويقودها لغايتها وبقيت في المؤخرة تدعم بصورة خفية، توفر إمدادات، تموّل وجبات الغذاء والعشاء في ميادين الاعتصامات، دون أن يكون لها يد ظاهرة أو دور محوري في صنع الثورة وتسييرها. ثم بعد أن سقط الحكم، عادت الأحزاب، بما فيها تلك التي كان دورها مهمشاً ومغيباً بسبب قمع النظام، وطرحت مرشحيها وبرامجها السياسية كي يختار الشعب من يريد أن يمثله في هيكله السياسي ما بعد الثورة..

لماذا فقط عندنا استعجلت الوفاق الدخول على خط الثورة وتشويهها وتحريف مطالبها وخزم أنفها وربطها لإعادتها من جديد إلى حظيرة العمل السياسي البطئ والممل الذي لم تفتأ تمارسه منذ 10 سنوات دون نتيجة محمودة تُذكر لهذا الشعب؟

وبعيداً عن الأسباب التي دعت الوفاق لذلك، فقد تم تناولها في الكثير من المواضيع، وحفظاً لغرض هذا الموضوع: لماذا لا تصحح الوفاق هذا الخطأ الشنيع الذي اغتال المظهر الجماهيري الشعبي للثورة بخطوة بسيطة جداً هي: أن تحل نفسها وتقول للشعب أنت في حلٍ مني ومن خياراتي، وأنا وجماهيري منذ اليوم أبناء الشعب فحسب.. معرضين مثلهم لقمع النظام وبطشه وممارساته، ولكم أن تختاروا ما تريدون فعله أمام هذه الممارسات والانتهاكات، إن أردتم أن تنضموا لقافلة الثوار وتعيدوا للثورة زخمها الجماهيري الهادر كما كانت أيام الدوار فلكم ذلك، وإن أردتم أن تجلسوا في المنازل وتنتظروا القمع أن يطرق بابكم فلكم أيضاً ذلك.

لنرى ما هي الفوائد المتوقعة لو حلّت الوفاق نفسها:

- يفقد النظام المجرم ونظم الاستكبار العالمي الداعمة له الورقة التي يساوم بها الشعب على مطالبه ويمطط بها تنفيذ التزاماته، يصبح نظاماً قمعياً أمام شعب مقموع وعليه أن يواجه مطالب هذا الشعب المقموع مباشرة وعلى العالم أن يواجه قمعه وبطشه وإبادته لهذا الشعب أيضا مباشرة

- تحمي الوفاق نفسها من انتقادات الشعب وسخط السلطة وضغوطها، إذ لا يعود لها وجود هيكلي مركزي يسمح لها بالتفاوض أو الحوار أو حتى دعوة الناس لفعل شيء أو تركه.. ويصبح قادتها وأتباعها كسائر الشعب لا أكثر ولا أقل

- عندما لا تكون هناك جهة رسمية تفرمل إرادة الناس في مقارعة النظام والذود عن حرماتهم بمختلف الذرائع، ويكون للناس فرض إرادتهم مباشرة دون أن يتسلط عليهم رأي شرعي أو حزبوي مخالف، فإن أغلب الظن أن يتبع الناس فطرتهم، والفطرة هي مقارعة الظلم والموت دون الكرامة والعرض والحرية

- تستعيد الثورة زخمها الجماهيري، أي تصبح ثورة حقيقية من جديد شعبية جماهيرية ويجد النظام المجرم نفسه أمام مد شعبي يعجز عن وقفه وتركيعه، كما كان أيام الدوار

- تعود ثورتنا بقوة إلى واجهة الإعلام واهتمام الأوساط السياسية والدبلوماسية الدولية، كما كانت الثورات الشعبية العارمة قبلنا، ويجد المجتمع الدولي نفسه مكرهاً على الخضوع لإرادة هذا الشعب غير المشذبة بمطالب توهينية مميعة، وقد نحصد تدخلاً مباشراً إما من الشرق أو من الغرب، إما بسبب حدوث مجازر جماعية لا يحتملها ضمير الشرق أو نفاق الغرب، أو لوقوع البلد في فشل وشلل تام بسبب تفشي العصيان المدني والإضراب العام الذي سيفرضه الشكل الجماهيري الموحد للثورة

- يعود الوفاقيون – ونعني دائماً بالوفاقيين عندما نتحدث عنهم القيادات وليس الأتباع- إلى حضن الشعب وتتحقق تلقائياً الوحدة الشعورية والمبدئية التي يدعون لها بأقل الأثمان حقيقةً، فلا شيء يوازي توحد المظلومين في مطلبهم وانصهارهم في بوتقة الهدف المبدئي الواحد

هي دعوة حقيقية لم يفت أوانها بعد.. وقد عددنا فوائدها فهل من يرى لها مضار أو سلبيات؟ وهل يمكن أن تستجيب الوفاق لهكذا دعوة؟ وإن لم تستجب فلماذا؟