بين العالم الواقعي والافتراضي
 

كان يجلس بهدوء امام منزله يحتسي كوب شاي ويراقب المارة على الشارع بابتسامته المعهودة حين مررت بقرب منزله، فناداني قائلا :
- تفضل اشرب شاي .
رددت عليه وانا ابتسم :
- ما اشرب شاي من الوفاقيين
فرد بابتسامته المعهودة :
- شاي الوفاقيين كله بركة انت الخسران .
كان هذا قبل دقائق من دخول قوات الشغب التي حولت ابتاسمته الى عبوس فانتفض من مكانه واخذ لثامة وخرج في الشارع مع الخارجين،
لا ادري لماذا فكرت في ملتقى البحرين وانا ارى جاري الوفاقي يقوم من مكانه ويخرج في الشارع، يغلق الطرقات امام سيارات الدهس ويرمي الحجارة على المرتزقة، ينقل الجرحى بسيارته احيانا واحيانا اخرى يحول منزله الى ملجأ للثوار عندما يشتد القمع، تذكرت الملتقى وانا اشاهده امامي وكأني مستغرب من وجوده بيننا، فلعنت تلك السجالات التي جعلتنا ننسى لوهلة باننا في ثورة (بحرانية) ثورة اشترك فيها الجميع من وفاقيين وممانعين من ولائيين وشيرازيين من اسلاميين وعلمانيين، من معارضين وحتى حكوميين - تحركت فيهم الغيرة البحرانية - نعم نسينا لوهلة اننا كلنا بحارنة واننا كلنا نواجه نفس العدو وان جميعنا ضربنا من نفس الجهة.
فالحكم اعلن الحرب على البحارنة تحت عنوان عريض - اسمه بحارنة وكفى - فلم يكن يميز بين الوفاقي والحقي او بين المعارض والحكومي، كلنا اصبحنا هدف مشروع له ولمرتزقته فغدت اموالنا واعراضنا ودمائنا حلال لهم يفعلون بها ما يشاؤون.

في الشارع الجميع موجود والجميع يقاتل، فلا ارى فرق بين الوفاقي وغيره بل اني لا اكاد اميز بين صمودهم، فلا هذا اقوى من ذاك ولا ذاك اقوى من هذا ولا هذا اكثر بطولة من ذاك ولا ذاك اقل بطولة من هذا.
فالشارع اصبح كالبوتقة التي اندمج فيها الجميع، متجاوزين اوساخ السياسة وقاذورات التحزب، فاصبحنا اليوم اكثر قربا من بعض واكثر حبا لبعض، فحتى من كنت مثلا اراهم سابقا في اسفل السفالة واحقر المواضع اصبحت اليوم اعمل معهم ويعملون معي، اساغدهم ويساعدوني، فعدونا لم يفرق بيننا في حملته المجرمة ضدنا فلم نفرق نحن !!!
نعم قد ارجع - بل سأرجع - لخصومتي مع من اتعاون اليوم معهم، فهذا من طبيعة الحياة والبشر، لكني لن افعل ذلك اليوم، فاليوم امر وغدا خمر - كما يقال -

نعم هذه هي الصورة في العالم الحقيقي، التي تختلف وتتناقض معها في العالم الافتراضي الذي يعج بالخصومة والفرقة والتحزب، فهذا يكره ذاك لانه يقلد رجل غير رجله، وهذا يحقد على ذاك لان حزبه هو الاقوى، هذا يأتمر بذاك الكاذب الذي يعيش خلف البحار وهذا يأتمر بجاهل يعيش في البلد.
في العالم الافتراضي لا احد يعرف احد ، فالجميع يرتدي قناع اسمه اسم رمزي ومن خلاله يستطيع ان يخرج كل ما حمله في نفسه الوضيعة من اوساخ وعقد دون ان يجد رادع من ذلك النوع الذي يتواجد عند يكون الحديث والكلام في الواقع وامام الجميع، حين تكون كل كلمة تخرج يخرج معها كم من المسؤولية تقع علي عاتق قائلها.
للاسف ها قد بدأ العالم الافتراضي يلقي بضلاله على الواقع وللاسف بدأ تحول ما يصيب الناس في الواقع نتيجة الانقسام الحاد الذي نعاني منه في العالم الافتراضي، وللاسف ها هو ذلك الشمل الذي التم في الدوار وقد بدأ في التشتت والتفرق.

بصراحة لا اعرف حل لما نعاني، ولا اعرف ان كانت هذه الكلمات ستفيق بعض الاخوة من سباتهم فالموضوع صعب خصوصا مع اولائك الذين - ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا - لكن ان نذكر خير من ان نبقى صامتين وان ندعوا خير من ان لا نفعل .

وتذكروا اننا كلنا بحارنة وكلنا مستهدفين.