منتدى استراحات زايد - وقفة قانونية حول أوجه تعارض تقرير بسيوني مع اجتهاداته العلمية

بالرغم من أن العديد من الاجتهادات والآراء العلمية لرئيس اللجنة الدكتور محمود شريف بسيوني ما هي إلا مبادئ مستقرة في القانون الجنائي الدولي غير أن لجنة تقصي الحقائق لم تلتزم بتلك الآراء والاجتهادات العلمية وإنما خالفتها بطريقة سافرة.
ويمكن استعراض بعض الأمثلة حول أوجه التعارض بين التقرير وآراء رئيسها العلمية واجتهاداته وذلك على النحو التالي:

أولاً: عدم الإشارة إلى المسئولين عن الانتهاكات:
يقول الدكتور محمود شريف بسيوني حول أهداف لجان تقصي الحقائق:" إن تقصي الحقائق ليست غايات في حد ذاتها، وإنما وسيلة لتحقيق قيم الحق والعدالة، والغاية الحقيقية هي الوصول إلى المسئولين الحقيقيين عن ارتكاب الجرائم المثبتة التي لا خلاف عليها في القانون الدولي.."
" الدكتور محمود شريف بسيوني، الوثائق الدولية المعنية بحقوق الإنسان، المجلد الأول، الطبعة الأولى، 2003، دار الشروق، القاهرة، ص984"
ومن الواضح أن تقرير لجنة انتهج خطاً هو عدم الإشارة إلى أي مسئول عن الانتهاكات، بل في أحايين يكتفي بالتوصية بضرورة معالجة الانتهاك دون بيان أن هذا الانتهاك يعد جريمة من عدمه ومثال ذلك هدم المنشآت الدينية حيث اقتصرت اللجنة في توصياتها إلى الحث على ضرورة متابعة توجيهات الملك ببناء دور العبادة، كما أن اللجنة ترحب بمعالجة الحكومة لهذه المسألة في أقرب وقت.

ثانياً: عدم اعتبار الأجانب في قوات الأمن مرتزقة:
أنيط بالدكتور محمود شريف بسيوني رئاسة لجنة تقصي الحقائق التي شكلها مجلس حقوق الإنسان لتقييم الأوضاع الإنسانية في ليبيا والتي خلصت في تقريرها إلى اتهام النظام الليبي بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب.
ولعل أبرز ما تناوله تقرير لجنة تقصي الحقائق التي يرأسها بسيوني هو إدانة نظام قذافي على استخدامه جنسيات خارجية في الصراع في ليبيا ومشاركتهم في القوات التابعة للقدافي مما أدى ذلك إلى انتهاكات جسيمة ارتكبها النظام في ليبيا وأدت إلى مآس إنسانية.
وصلة حول ملخص لتقرير بسيوني في ليبيا:
http://www.aljazeera.net/Mob/Templates/Postings/HRDetailedPage.aspx?GUID=DC0D8EAA-5E7D-4BA0-8C95-F933830AD29C
وبخلاف ما أشار إليه تقرير لجنة بسيوني في ليبيا فإن تقرير لجنة تقصي الحقائق في البحرين لم تعتبر الأجانب في قوات الأمن ومشاركتها في قمع الثورة أنهم مرتزقة بالرغم من ديباجة الاتفاقية الدولية لمناهضة تجنيد واستخدام وتمويل وتدريب المرتزقة نصت على أنه:
"بصرف النظر عن طريقة استخدام المرتزقة أو الأنشطة ذات الصلة بالمرتزقة أو الشكل الذي يتخذونه لاكتساب بعض مظاهر الشرعية، فإنهم يعتبرون تهديداً لسلام وأمن الشعوب وتقرير مصيرها وعقبة في سبيل تمتع الشعوب بحقوق الإنسان."

ثالثاً: مخالفة مبدأ "مسئولية القادة":
يقول الدكتور محمود شريف بسيوني حول المبدأ المعروف في القانون الجنائي الدولي وهو "مسئولية القادة" بأنه يشترط لقيام مسئولية رئيس الدولة طبقاً لمبدأ "مسئولية القادة" تحقق ثلاثة شروط وهي:
1- إذا أصدر أمراً بارتكاب الجريمة.
2- علم بوقوع الجريمة ولم يقم بواجبه لمنعها.
3- لم يكن على علم بوقوع الجريمة ولكن علم فيما بعد ولم يتخذ إجراءاً للتحقيق والمعاقبة.
وصلة لكلام بسيوني:
http://www.youtube.com/watch?v=Wd-ExK6zpLY
وبالتأكيد فإن اللجنة لم تلتزم بالمبدأ المعروف في القانون الجنائي الدولي "مسئولية القادة" حيث لم توجه الاتهام في هدم المساجد وغيرها من جرائم إلى المسئولين في النظام.

رابعاً: مخالفة مفهوم المنهجية في ارتكاب الجريمة:
يقول د. بسيوني بأنه "يشترط لقيام الجريمة ضد الإنسانية أن ترتكب تلك الأفعال في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أي مجموعة من السكان المدنيين في وقت السلم أو الحرب، وكان الفاعل على علم بالهجوم عملاً بسياسة دولة أو منظمة تقضي بارتكاب هذا الهجوم، أو تعزيزاً لهذه السياسة.

مبيناً بسيوني أن الأفعال السابقة قد ترتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي، بمعنى أن حالات ارتكاب الجريمة ضد الإنسانية قد ترتكب أثناء هجوم قد يقع على عدد كبير من الضحايا أو يكون الهجوم منهجياً بحيث يكون على درجة من التنظيم تطبيقاً لسياسة دولة أو لخطة موضوعة. مؤكداً بأن مقتل مدني واحد يكفي لإثبات الجريمة ضد الإنسانية في حالة ارتكابها من خلال هجوم منهجي."
المصدر:
كتابالمحكمة الجنائية الدولية، للدكتور محمود شريف بسيوني، دار الشروق، الطبعة الأولى، 2004، القاهرة، ص 165 و166.

ومن الواضح أن قمع المتظاهرين باستعمال القوة المفرطة وهدم المساجد تدخل في إطار جريمة الاضطهاد وهي إحدى صور جرائم ضد الإنسانية وقد ارتكبت تلك الجريمة في إطار هجوم واسع ومنهجي إلا أن تقرير اللجنة جاء مجافياً لمفهوم المنهجية بغية عدم تحويل الجرائم من وطنية إلى دولية.