النموذج الثوري لاحتجاجات القرى (رؤية تفصيلية)
 

يتصور البعض من الأخوة أن صاحب هذه الكلمات ممن يسعون إلى تثبيط عزائم الناس أو ممن يرفضون النفس الثوري في المواجهة، وتقديم التضحيات والقرابين من أجل الحرية، وأنا أقول لهم: لا يوجد عندكم دليل واحد من كلماتي تثبت هذا الفهم، وإنما أنتم تقرأون ما في رؤوسكم لا ما بين السطور. فأنا جذري الفعلي هو مدرسة الممانعة، وسلوكي وكتاباتي تدل على ذلك ولا تدل على العكس، بل إنني تقدمت بأفكار ثورية كفكرة تحرير حرائرنا من مركز شرطة مدينة عيسى عنوة عن طريق زحف أبناء القرى بعد إعلان النفير من المساجد لمركز الشرطة المذكور لتحقيق هذا الهدف، ولدي موضوعان في هذا الصدد وصل عدد المداخلات فيهما أكثر من 130 مداخلة، فاعرفوا من تكلمون حتى لا تتهمون الناس بالباطل، واقرأوا ما يكتب بتمعن حتى لا تقعوا في الالتباسات نتيجة سوء الفهم أو سوء الظن في بعض الأحيان!!
الكثير ممن لم يوافقني في دعوتي لتجميد احتجاجات القرى، ظن أني ضدها بالمطلق، أو أني ضدها خوفا من انتهاكات السلطة وجبنا عن مواجهتها، في حين أن عقيدتي في هكذا نوع من المواجهات تبلغ مبلغا أكبر مما هو قائم حاليا، ويرتكز على معطيات موضوعية سأفصلها في هذا الموضوع، ليعرف الناس حقيقة ما أدعو إليه من خيار، وما أتبناه من فعل ثوري على مستوى التكتيك والاستراتيجيا، وليقف الجميع عند مسئولياتهم الفعلية إذا كانوا صادقين في طرح شعار إسقاط.
في البداية سأقدم بعض النقاط التمهيدية الضرورية للوصول إلى تسليط الضوء على النموذج الثوري المطلوب لاحتجاجات القرى:
النقطة الأولى: تعد ثورة البحرين الثورة الأولى في العالم العربي من حيث المشروعية الثورية التي يحق لها أن تدعي عدم مشروعية النظام ومؤسساته ودستوره وقوانينه ورموزه، لأنها الثورة الوحيدة في العالم العربي التي استطاعت أن تخرج أكثر من ثلثي الشعب على رأي وموقف واحد، ألا وهو شعار "إسقاط النظام".
إلا أن هذه الثورة الشعبية لم تستطع تحقيق مشروعية القوة التي بإمكانها أن تجعل من المشروعية الثورية القانونية بنسبتها العالية أمرا واقعا بالسيطرة على مفاصل الدولة ومؤسساتها ومرافقها ومنع النظام من مارسة دوره كحاكم وناظم للحياة السياسية في البحرين، نتيجة لسيطرة النظام على القوى الأمنية من جيش وشرطة، واستعانته بجيش أجنبي لضرب الحالة الثورية وتحويلها من مشهد ثوري إلى مشهد احتجاجي يقتصر على فئة الشباب فقط!!
النقطة الثانية: إن أهم قصور موضوعي يحول دون تحول المشروعية الثورية القانونية إلى مشروعية القوة وفرض الأمر الواقع المضاد للواقع المفروض حاليا، هو أن النظام أبعد قطاعات كبيرة من أبناء الشعب عن الكثير من المواقع الحساسة التي تمثل عصب دورة الحياة وتسيير شئون الدولة في البلاد، وهذا النقص سيؤثر على قدرة الثوار في السيطرة على هذه المواقع وإدارتها فيما لم انتصرت الثورة وإسقط النظام، ومن هذه المواقع الجيش، الموانئ البحرية، المطارات، الجزر المملوكة لأفراد في العائلة الحاكمة، فضلا عن رقعة جغرافية كبيرة محرمة على أبناء الشيعة السكن فيها فضلا عن معرفة تفاصيلها الجغرافية والديمغرافية، فالصعوبات التي وضعها النظام نتيجة اتباعه سياسة التهميش والتمييز والتي بموجبها أصبح الشيعة ناقصي الخبرة في إدارة قطاعات كبيرة من الدولة، هي ذاتها العقبات التي ستؤسس لصعوبة إسقاط النظام أو إمكانية الإدارة الفورية في حال سقط النظام بأي شكل من الأشكال.
النقطة الثالثة: هناك فارق نوعي بين الفعل الاحتجاجي والفعل الثوري، فالفعل الاحتجاجي حسه مطلبي وقبول بالأمر الواقع مع محاولة تغييره وفق شروط ومطالب يرفعها المحتجون، وهو يمكن أن يدخل في دائرة الاستنزاف للدولة ولقواها الأمنية على المدى الطويل، أما الفعل الثوري، فهو فعل تقويضي للمؤسسات القائمة وللكيان القائم، بهدف بناء مؤسسات جديدة وكيان جديد، وعادة ما يكون الفعل الثوري ذو إيقاع سريع يهدف لإنجاز المهمة الثورية بسرعة من دون الدخول في المساومات ولا الاستنزاف، لأن كلا الأمرين فيهما قبول بالكيان القائم ومؤسساته!!
ففي الفعل الثوري: لا تقول للنظام إذا لم تفعل كذا سأنفذ كذا، فأنت هنا تساومه ولا تسعى لتقويضه، وإنما تمارس الفعل الذي يقوض وجوده ووجود مؤسساته لتفرض أنت عليه شروطك بعد أن تسقط من يديه عنصر المساومة!!
وبالنظر لفعاليات القرى بوصفها مرتكز عند الثوار والائتلاف، فإن مؤداها الفعلي ليس سقفه إسقاط النظام بكل ما يملك من مؤسسات لا دور لك فيها وتجهل كل عناصر إدارتها نتيجة إقصائك عنها، وإنما ما يحصل هو احتجاج بلبوس ثورة، من دون أن يرقى لما تفرضه الثورة من معطيات على الأرض!!
فالثورة تتطلب إيقاعا سريعا وأدوات ثورية تمهد لعنصر التقويض للقديم والبناء عليه لكل ما هو جديد ومختلف عن القديم، وهذا ما سنناقشه ونحن نسعى لتشكيل النموذج الثوري المطلوب للاحتجاج داخل القرى!!

يتبع .. مع مزيد من المناقشة والإثراء لما هو مكتوب