ربيع العرب بين البحرين وسورية
 

ربيع العرب بين البحرين وسورية

كتب حسين مرتضى:

تشير الأحداث الدائرة في المنطقة العربية في هذه الفترة بشكل واضح إلى محفزات ودوافع لحركة الاحتجاجات المطلبية الشعبية الشرق أوسطية وشكلت بطريقة أو بأخرى المنابع الحقيقية لهذا الحراك الشعبي.

منذ انهيار الاتحاد السوفيتي وتحول العالم نحو القطب الواحد، أمسى التناقض الصارخ بين الخطاب والممارسة في المجتمع الدولي هو سمة أساسية، ومن ضمن ذلك، فكرة أن المبادئ لا تتجزأ وأن حقوق الإنسان لا تخضع لهوى المجتمع الدولي، الذي يعيش اليوم أسوأ حالاته، فتارة لا يعترف بالمظاهرات السلمية المطالبة بأبسط حقوق الإنسان في البحرين، ويؤيد التدخل العسكري السعودي فيها لقمع المتظاهرين السلميين، وتارة أخرى يتغافل عن التنظيمات المسلحة التي تقوم بترويع الأهالي وقتل العسكريين والمدنيين السوريين، و غير ذلك من أعمال العنف كإحراق المباني العامة ذات الطابع الخدماتي المدني، والممتلكات الخاصة.

ولو قمنا بالمقارنة بين الوضع في البحرين وسورية، ومع حساب نسبة السكان والمساحة فإن ما يجري في البحرين يشكل ثلاثة أضعاف ما يجري في سورية، وعندما نتابع رأي المجتمع الدولي اتجاه الحدثين نلاحظ الفرق الشاسع بين الحدثين.

أولا : من حيث الشرعية:

إن النظام في البحرين يفرض على الشعب سلطة الملك الدكتاتور الذي يكون مجرد التفكير في تغييره كفراً، وكانت مطالب المتظاهرين في البحرين تنحصر في التحول إلى الملكية الدستورية، أما في سوريا فأن الرئيس السوري بشار الأسد يتمتع بقاعدة دعم شعبية كبيرة في البلاد وعلى الرغم من ضخامتها فإن وسائل الإعلام بالكاد ذكرت مسيرة التأييد الضخمة للرئيس الأسد التي خرجت في دمشق في 29 آذار الماضي، وهو ما كشف الأجندة التي تعمل وفقها وسائل إعلام ناطقة بالعربية سعياً لخلق الفتنة في سورية.

ثانياً: من حيث الوسيلة والأسلوب:

لقد اعتمد البحرينيون على الاحتجاجات السلمية كما حدث في مصر من خلال اختيار مكان واحد للاحتجاج وهو دوار اللؤلؤة، للسماح لوسائل الإعلام الأجنبية والمحلية بمراقبة وتصوير ونقل ما يحدث في هذه الاحتجاجات، ولعل سلمية هذه الثورة المجردة من أي سلاح هي التي دفعت بالنظام إلى اختراع أكاذيب دهس الشرطة بالسيارات، وعلى النقيض من ذلك فإن الأحداث في سورية انتشرت في الشوارع ولجأت لاستعمال العنف المسلح، والدليل تمكنها من قتل عدد كبير من العسكريين ورجال الشرطة والأمن، إضافة إلى ضحايا من المدنيين.

ثالثا : من حيث مواجهة هذه الثورة من طرف الحكومة:

بحجة المعاهدة الأمنية لمجلس التعاون الخليجي، تدخلت القوات السعودية وأيضا قوات إماراتية وكويتية تحت عنوان \"درع الجزيرة\" التابع لمجلس التعاون الخليجي، وحتى قوات من الدرك الأردني قوامها خمسمائة فرد، مترافقة بتغطية أميركية مباشرة سارع إليها البيت الأبيض معتبرا أن هذا الأمر ليس غزواً خارجيا للبحرين.

ونستطيع القول ببساطة أن هذا التدخل الذي وصفه قادة الاحتجاجات في البحرين بالاحتلال، فتح المملكة على كل الاحتمالات لاسيما بعد الترجمة السريعة لوظيفة التدخل التي قيل رسميا أنها لحماية مؤسسات النظام، فإذا بها تتحول إلى سلوك عنفي غير مسبوق باشرته القوات السعودية مع عناصر أمنية بحرينية وموالين النظام، وجميعهم لم يبادروا للتصدي للمحتجين السلميين فحسب، بل قاموا بشن اعتداءات دموية على القرى والمناطق ودخلوا البيوت وهدموا المساجد واستخدموا أسلحة حادة ورشاشة، موقعين عددا كبيرا من الجرحى تجاوز الألف ومائة ومودين بحياة عدد كبير من الضحايا.

إن المظاهرات التي خرجت في سوريا، لم تبدأ كما هو مفترض من دمشق أو من حلب بل بدأت في درعا، ووصفتها وكالة اسوشيتد برس نقلاً عن ناشطين وشهود، بأنها تحولت بسرعة إلى تحد كبير للحكومة السورية.

فالمراقبة لحقيقة ما يجري في سوريا، يتأكد بقليل من الجهد، أن المظاهرات لم تكن سلمية كما روج لها الإعلام الناطق بالعربية والغربي، إذ إن العديد من المتظاهرين امتلكوا أسلحة نارية واستخدموها ضد الشرطة والجيش، وبالنظر إلى الأرقام الأولية للقتلى نرى أن عدد القتلى بين الشرطة أكبر منه بين المسلحين، ما يشير إلى إمكانية أن يفوق عدد عصابة مسلحة منظمة تنظيما جيدا قوات الشرطة.

وأرقام القتلى التي تم عرضها في التقارير الإعلامية، لا أساس لها في كثير من الأحيان، وتستند إلى شهادة أشخاص تتعمد عدم التعريف بهويتهم.

وكانت التغطية الإعلامية للأحداث في سوريا، تركز على قوات الشرطة والأمن السوريين واتهامهم بإطلاق النار عشوائياً، وقتل المتظاهرين متفادية في الوقت نفسه الإشارة إلى وجود التنظيمات الإرهابية، والعصابات المسلحة والقناصة بين المتظاهرين، والذين أطلقوا النار على الجنود والمتظاهرين أنفسهم.

وضمن الانحراف وحملة التضليل غير الاعتيادية، عمدت إمبراطوريات إعلامية ناطقة بالعربية والإعلام الغربي، إلى استخدام لقطات الصور والفيديو لأحداث عديدة مؤيدة للحكومة والادعاء بأنها مظاهرات، لإقناع الرأي العام الدولي بأن الرئيس الأسد يواجه مظاهرات حاشدة معارضة للحكومة، وهذه الصور ومقاطع الفيديو التي تبثها قنوات الجزيرة و العربية، والـ سي إن إن الأميركية، لا تتفق مع الأحداث التي تمت تغطيتها من قبل التقارير الإخبارية.

رابعا : من حيث مواقف الشعوب العربية من النظامين السوري والبحريني :

إن صورة الحكومة السورية والرئيس بشار الأسد، في الشارع العربي أنقى بكثير من صورة النظام البحريني، لأن النظام السوري في صف المواجهة الأول مع الكيان الصهيوني، في حين فإن النظام البحريني يضع نفسه في صف التطبيع، والدليل هو موقف الإدارة الأمريكية العدائي مع كل ما يتعلق بسوريا، في حين فإن موقف النظام البحريني من الإدارة الأمريكية يقوم على الموالاة والطاعة والانصياع، بدليل وجود الأسطول الأمريكي الخامس على أرضها، وهو ما يفسر موقف الإدارة الأمريكية من ثورة البحرين.

وأخيراً يظل السؤال الذي يطرح نفسه في هذه المرحلة، هل سيكون لما يسمى الربيع العربي، قدرة على الاستمرار؟! تحديداً بعد أن تجلت محاولات الغرب ركوب هذا الربيع وتسخيره لخدمة مصالحه.

موقع المنار