منتدى استراحات زايد - الكاتب والصحفي سمير حجاوي محذرا النظام من الانزلا ق كالحاله العراقيه

الكاتب والصحفي سمير حجاوي محذرا النظام من الانزلا ق كالحاله العراقيه

أعجبتني عبارة شهيرة تنسب لبيل غيتس، مؤسس شركة مايكروسوف الشهيرة وأغنى رجل في العالم، عندما سأل: لماذا نجحت وفشل الآخرون؟ فأجاب لأنني انعطفت مع التاريخ في حين أصر الآخرون على السير في نفس الاتجاه فوصلوا إلى الحائط المسدود! وهي إجابة بليغة تنطبق على الأفراد كما تنطبق على المجتمعات والدول..
أستهل بهذه المقدمة للولوج إلى الأوضاع في البحرين، الجزيرة العربية التي تواجه أوقاتا صعبة، وتصدعا في البنية الاجتماعية، وانقسامات طائفية تحولت إلى حالة عاصفة من الاحتجاجات استدعت تدخل قوات من دول مجلس التعاون الخليجي للحيلولة دون تدهور الأمور.
هذه الوقائع تحولت إلى حقائق على شاشات التلفزة والفضائيات والمواقع الإلكترونية وشبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي مثل التويتر والفيسبوك واليوتيوب، وشاهدها العالم بالصوت والصورة، وتفاعل معها بكل جدية واعترف بها العالم لكن المنظومة الوحيدة التي لم تعترف بهذه الحقائق هي الحكومة البحرينية التي عمدت إلى هدم دوار اللؤلؤة في تصرف "ساذج" لإنكار التململ الاجتماعي، وكأن هدم الدوار سينهي المشكلة إلى الأبد.
يذكرني ما فعلته الحكومة البحرينية بمقبرة كانت على بعد كيلومترات من بيتنا عندما كنت صغيرا، وعندما كنت أضطر للخروج من المنزل في ساعة متأخرة من الليل لإحضار شيء للمنزل كنت أغمض عيني عندما اقترب من المقبرة كي أشعر بالأمان، وكأنني أردت نفي وجود المقبرة، لكنه كان شعورا كاذبا، لأنني كنت أعرف في قرارة نفسي أنه أمان كاذب، ومع ذلك كنت استمر بإغماض عيني.
الحكومة البحرينية تفعل نفس الشيء، تغمض عينيها عن رؤية الاحتجاجات والتململ الاجتماعي، لكي تشعر بطمأنينة زائفة، وتتخيل أن الأمور على ما يرام، وتمضي قدما وكأن لا شيء يحدث، وسرعان ما تثور عندما يأتي من "يقرصها" لكي تصحو من حلم الطمأنينة الزائفة، وتنظر إلى ما يجري حولها، وهذا بالضبط ما حدث مع الحكومة البحرينية عندما شاهدت الفيلم الوثائقي "صراخ في الظلام" الذي عرضته قناة الجزيرة الإنجليزية، فكان هذا الفيلم بمثابة "القرصة" التي أيقظتها وأيقظت صحافتها وإعلامها، وخرجت من حالة الإنكار، على غير رضا، لتتذكر وجود أوضاع اجتماعية مضطربة وانتهاكات لحقوق الإنسان وتجاوزات لا بد من وقفها، وهي أمور أقرت بها ضمنيا حين شكلت لجنة قانونية لبحث المظالم والشكاوى.
ومن هنا فإن الفيلم الوثائقي لم يزيف الأحداث، بل كان نقلا لوقائع تجري على الأرض، رفضت الحكومة البحرينية أن تعلق عليها لدحض ما تعتقد أنه "أكاذيب وافتراءات" وأغمضت عينيها خوفا من "المقبرة" بحثا عن الطمأنينة الزائفة. وبدل أن تناقش ما تضمنه الفيلم من "افتراءات"، عمدت إلى استخدام لغة خشبية مثل وصف وزير الخارجية البحريني قطر "بالعدو وأنها تكن لمملكة البحرين عداء غير مفهوم وأن الفيلم خرب جهود رأب الصدع وأعاد الأوضاع في البحرين إلى نقطة الصفر"، وتحول عرض الفيلم إلى حفلة لمهاجمة قطر من قبل "كتاب التدخل السريع"، باستخدام منظومة من المصطلحات مثل " أجندة خفية ومفبركة ومشبوهة ومؤامرة وفتنة وافتراءات وإساءة" وتكليف مسؤول بحريني بإدارة حملة إعلامية تستهدف قناة الجزيرة والحكومة القطرية، من أساليب تعود إلى الماضي ولا علاقة لها بالحاضر.
مشكلة الحكومة البحرينية أنها ترفض الدخول إلى الزمن الجديد وما زالت تفكر بطريقة قديمة وتستخدم أدوات عفا عليها الزمن، فكيل الاتهامات لفيلم وثائقي أو مهاجمة قطر لن يحل الأزمة الاجتماعية التي تعصف بالبحرين، فالجزيرة لم تكن سببا في اندلاع الاحتجاجات ولم تخلق الانقسامات الطائفية أو انسحاب نواب جمعية الوفاق الشيعية من البرلمان ونزولهم إلى الميدان أو عدم مشاركتهم بالانتخابات وقطر لم تنكأ جراحا في البحرين.
في زمن الثورات العربية لم يعد بالإمكان جر الناس إلى بيت الطاعة بالسلاسل، والبحرين ليست استثناء، ولا أي دولة عربية، والحلول الأمنية لن تجدي نفعا، ولهذا لا بد من الاستجابة لمطالب الشعب والاستجابة لها بدل الدخول في حالة من الصراع الاجتماعي والسياسي يودي بالبلاد والعباد.
لا أحد في قطر يرغب بالدخول في حرب "داحس والغبراء" مع البحرين، فالسياسة القطرية تقوم على بناء "جسور المحبة" وتصرف من مال شعبها على الأشقاء دون أن تمن عليهم بذلك، ولم تكن يوما إلا بلسما للجراح وليس سكينا يجرح، ويشهد على ذلك لبنان وفلسطين واليمن والسودان والصومال وإريتريا وموريتانيا.
ولا أحد في الدوحة يرغب بالانزلاق على حرب "بسوس جديدة"، فمشاكل الأمة ومصائبها أعظم من الانزلاق إلى مثل هذه المعارك الجانبية، وسيكون من الحكمة للقيادة البحرينية أن تدرك أن الزمن تغير وأن تعترف بالمظالم الاجتماعية للناس لكي تشفى البحرين من الجراح وتقطع دابر كل التدخلات الخارجية.
تعلم القيادة البحرينية أن البحرين دون عمقها العربي لا تساوي شيئا، وتعلم أنها دون العمق الخليجي العربي ستكون نهبا للأطماع الإيرانية المعلنة، ولذلك فمن الحكمة أن تستميل أشقاءها إلى جانبها وأن تعمل على حل مشاكلها الداخلية بواقعية وأن تتعامل مع مطالب المعارضة بجدية وأن تبني البحرين الجديدة على أساس المواطنة المتساوية وأن يكون ولاء الجميع للبحرين والأمة العربية وليس للفقيه القابع في طهران أو قم، وأن تقطع اليد الإيرانية عن التدخل بالشؤون الداخلية عن طريق بناء هوية عربية بحرينية جامعة يكون ولاؤها للأمة وليس لمن يطالب بضم البحرين.
لا يمكن إلا أن نكون مع البحرين العربية بكل تاريخها وأمجادها وعهودها الزاهرة، وبكل ما تشكله من ثقل في التاريخ العربي، ولن نكون يوما مع الأطماع الإيرانية مهما جرى، ولكن هذا لا يمنعنا من المطالبة برفع المظالم وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وإعادة المفصولين إلى وظائفهم والكف عن التمييز بين المواطنين البحرينيين وإجراء انتخابات نزيهة عادلة شفافة وتشكيل حكومة منتخبة يتم التوافق على شكلها وهي أمور لابد منها ولا يمكن تجاوزها في الزمن العربي الجديد.
وفي المقابل على المعارضة الشيعية البحرينية أن تتواضع في مطالبها وألا تنزلق إلى الحالة العراقية أو اللبنانية وأن تبتعد عن المربعات الطائفية المقيتة وأن تكف عن رفع صور خميني وخامنئي التي تعني ولاء لدولة أجنبية.
البحرين بحاجة لمساعدة أشقائها العرب للخروج من أزمتها، وفي مقدمتهم قطر، ولكنها قبل ذلك هي بحاجة إلى مساعدة نفسها بالتصالح مع الذات بدل إضاعة الوقت في معارك "دونكيشوتية" مع الجزيرة وقطر