منتدى استراحات زايد

منتدى استراحات زايد (http://vb.ma7room.com/index.php)
-   منتدى أخبار المواقع والمنتديات العربية والأجنبية (http://vb.ma7room.com/forumdisplay.php?f=183)
-   -   قصة تمرد الأرانب السحرية (http://vb.ma7room.com/showthread.php?t=556409)

محروم.كوم 08-15-2011 04:10 PM

قصة تمرد الأرانب السحرية
 
هذه قصة قراتها سابقاً .. فلم استطع ان ابخل بها عليكم، فهي تسقط على واقعنا في البحرين ... فشكراً لمن كتبها، ومن ترجمها، ومن نشرها، ومن يقراها :)
اقتباس:
تمرد الأرانب السحرية

تأليف: آريل دورفمان
غزت الذئاب أرض الأرانب وانتصرت عليها، وكان أول ما فعله كبير الذئاب أن نصب نفسه ملكًا على الأرض التي احتلها، ثم أعلن لرعاياه أن الأرانب لم تعد موجودة على هذه الأرض، وأصدر قانونًا يحرّم على الجميع أن يتطرقوا إلى ذكر الأرانب بأي شكل من الأشكال. ولكي يتحقق الملك من تطبيق القانون فإنه فتش في جميع الكتب التي في المملكة وشطب منها كل الكلمات التي تتحدث عن الأرانب، ومزق كل صورة لهم فيها لكي يمحو بذلك كل أثر يدل على وجود هذه الحيوانات في مملكته. ولكن مستشار الملك، الثعلب العجوز، كان يأتي له دومًا بالأخبار السيئة. قال الثعلب للملك: "إن الطيور ياسيدي تصر على أنها رأت هذه المخلوقات؛ تقول إنها رأتها في أثناء تحليقها في الجو."


تساءل الملك: "ولماذا لا أرى أيًا منها وأنا أجلس فوق هذا العرش العالي؟"
أجاب الثعلب: "في هذه الحال ياسيدي الملك، فإن الرؤية تكذب الخبر. يجب أن نبرهن للرعية أن هذه المخلوقات غير موجودة بالفعل."
قال الملك: "إذن سألقن هذه الطيور درسًا لن تنساه أبدًا. ادع لي القرد المكلف بالتقاط الصور في المملكة."
ذهب رسول الملك إلى القرد وهو جالس في بيته وبين عائلته. أخبره أن الملك يطلبه حالاً. وتساءل القرد وهو يرتجف خوفًا: "وماذا عساه يريد الملك مني؟" فطمأنته ابنته الصغيرة قائلة: "لعله يريدك أن تلتقط صورًا للأرانب."
فزع القرد من جواب ابنته وعنفها قائلاً: "اخفضي صوتك! لا يوجد في مملكتنا شيء اسمه أرانب." ولكن القردة الصغيرة كانت تعلم في قرارة نفسها أن الأرانب موجودة. صحيحٌ إن الأرانب لم تعد تزورها في غرفتها منذ أن أصدر الملك قانونه الجديد، ولكنها مازالت ترى الأرانب في أحلامها، وتسمع أغانيها الخافتة وكأنها خرير المياه في البركة المجاورة، وكثيرًا ماكانت القردة الصغيرة تستيقظ من منامها لترى بجانب سريرها هدية صغيرة تركتها لها الأرانب التي زارتها في الليلة الماضية. واستفاقت القردة الصغيرة من حلمها الجميل لتقول لأبيها: "أنا أنام جيدًا كل ليلة لأن الأرانب تأتي لزيارتي في النوم. الملك يريد صورة للأرانب حتى يبعد عن نفسه الكوابيس المزعجة في الليل وينام جيدًا كما أنام."
اشتد فزع القرد الأب وأمر زوجته أن تحبس القردة الصغيرة في غرفتها عقابًا لها حتى تتعلم أن هناك أشياء معينة لا يجوز الحديث عنها.
عندما دخل القرد على ملك الذئاب وجد مزاج الملك متعكرًا جدًا:
- "لقد تأخرت في المجيء وأنا في عجلة من أمري. أحتاج إلى مجموعة من الصور تمثل كل حدث مهم في حياتي، ودعني أخبرك أن كل حدث في حياتي مهم للغاية. هل يمكنك أن تخمّن ماذا سأفعل بهذه الصور؟ لن تعرف بالطبع. سأضع صورة عند كل شارع، وفي كل غابة، وداخل كل بيت. وسأكون هناك أراقب كل فرد بعينيّ هاتين. وسترثي لحال أولئك الذين لا يعلقون أحدث صورة لي على جدران بيوتهم. أتعلم من سيوزع هذه الصور على الناس؟ أؤكد لك أنك لن تعرف."
استمع القرد إلى هدير الملك وفرائصه ترتعد، وأسنانه تصطك في بعضها البعض بدرجة تمنعه من الرد على أسئلة الملك.
قال الملك: "إنها الطيور. إن الطيور هي التي ستوزع صوري أيها القرد القبيح، وسوف لن يمكنها بعد الآن أن تثرثر بين الناس وتنقل الشائعات حول وجود الأرانب." ولشدة ارتعاش أصابع القرد فإنها ضغطت على زر الكاميرا والتقطت أول صورة للملك.
زأر الملك: "اذهب الآن وحمّض الصورة بأسرع ما يمكنك. أريد أن أراها معلقة على كل جدار في مملكتي."
ولكن عندما عاد المصور بالصورة لم يجرؤ على الدخول على الملك، وطلب من أحد الحراس أن يدعو المستشار العجوز، وأعطاه الصورة ليراها بنفسه قبل عرضها على الملك. طرفت عين الثعلب وهو يحملق في صورة الملك، ثم طرفت ثانية لشدة دهشته، فهناك في أقصى الصورة، وخلف منظر الملك الذي يظهر فيه مكشرًا عن أنيابه، والشرر يتطاير من عيونه، وذراعاه تلوّحان في الهواء، هناك يبدو طرف أذن أرنب. صحيحٌ إن الجزء البارزمنها صغير، ولكنه لشدة وضوحه لا يمكن أن تخطئه العين، ولعلّها أذن أرنب يتجسس على فخامة الملك.
"أيها القرد الأعمى،" قال الثعلب مزمجرًا، "كيف لم تلاحظ هذا ... هذا الشيء؟ هل كان موجودًا ساعة التقاط الصورة؟ كيف لم يمكنك ضبط العدسة؟" أجاب القرد مدافعاً عن نفسه: "إذا كان هذا الشيء قد دخل إلى هناك فلأنك أنت وحرّاسك سمحتم له بالإقتراب." قال الثعلب: "لن يحدث ذلك ثانيةً، وأنا أعدك بذلك. هيا اذهب فامسح هذه الأذن قبل أن يراها فخامته".
أخرج القرد من حقيبته سائلاً يستخدمه عندما يريد أن يمحو التفاصيل التي لا تعجب زبائنه، وهكذا اختفت الأذن من زاوية الصورة وكأنها لم تكن موجودة أبدًا.
أعجب ملك الذئاب بالصورة كثيرًا وأصدر أوامره بتوزيعها في كافة أرجاء المملكة. وبعد ساعتين خرج بنفسه يتفقد تنفيذ أوامره، إنه يريد أن يتأكد من أن كل نافذة قد ألصقت عليها صورته المرعبة اللامعة.
- "همم، لا بأس، ولكن هذه الصورة أصبحت قديمة الآن. يجب أن يطلع الناس على آخر أخباري. هيا أيها القرد العجوز، خذ لي صورة غيرها، وبسرعة. صوّرني مرعبًا، مخيفًا. وأحضرها لي في الحال، فقد استغرقت وقتًا طويلاً في المرة السابقة."
وفي هذه المرة أيضًا فشل القرد في تحقيق رغبة الملك، واجتمع بالمستشار الذي تساءل متحيرًا: "هل حدث الشيء نفسه هذه المرة أيضًا؟" إن هذه المرة أسوأ من سابقتها. فبدلاً من الأذن المتوارية كان هناك وجه أرنب يطل بكامله من زاوية الصورة، ويغمز بإحدى عينيه، متحديًا الحراسة المشددة على عرش الملك. "علينا أن نشدد الحراسة أكثر وأكثر." قال الثعلب مدمدمًا. "هيا اذهب فامسح وجه هذا المتطفل من الصورة."
- "إنها رائعة!" قالها الملك سعيدًا وهو ينظر إلى صورته الجديدة. "انظروا إلى الحمامات الخائفات وهي تحاول أن تهرب من أمامي! أريد أن تطبعوا مليون نسخة من هذه الصورة وتلصقوها فوق علب الحليب، وتوزعوها مع كوبونات رقائق الذرة. أما أنت أيها القرد فتعال معي لتصوّرني وأنا أهدم السد، إن المجد والشهرة في انتظارنا معًا."

كانت حيوانات القندس قد واصلت العمل صيفًا وشتاء لمدة ثلاث سنوات تبني في أرضها سدًا جميلاً يسمح بزراعة أرض الوادي البعيد. ولكن ذئب الذئاب تسلق شجرةً قريبة من السد وأعلن: "أريدك أن تصوّرني وأنا أقفز من أعلى هذه الشجرة، وفي اللحظة التي تنغرس فيها قدماي في وسط هذا السد. وإذا فاتتك هذه اللقطة فسأقفز قفزة ثانية أقع فيها على رأسك العجوز، ثم أعين مصورًا آخر بدلاً منك. فهل أنت جاهز؟" وبالطبع فقد كان القرد المصور مستعدًا وكذلك كان المستشار الثعلب يطل من خلف المصور متحفزًا لأي متطفل يتسلل إلى صورة الملك.
وكم كانت دهشة المستشار والمصور معًا عظيمة وهما يتأملان الصورة الجديدة بعد تحميضها. كان في الصورة أرنب مستلقٍ على أحد جانبيه باسترخاء تام كما لو كان في نزهة خلوية، وقريبًا منه أرنب ثانٍ يخرج لسانه للمصور!
"هذا وباء!" قال الثعلب، "ودعني أقول لك إن حياتينا في خطر!" فرد عليه القرد في إعياء واضح: "هيا دعنا نبدأ في مسح هذه الأجزاء من الصورة." فقال له الثعلب: "امسح أنت، أما أنا فسأكلف سربًا من الصقور والحدآت بمراقبة جميع المناطق. إنهم يرون كل شيء، أصغر شيء وأسرع شيء."
قفز فخامة الملك من شدة السعادة وهو ينظر إلى صورته الجديدة. أنها تصوّر حدث تهديم السد بدقة متناهية، وفي باقي أطراف الصورة تبدو عائلات القندس وهي تتقافز هاربة، وليس في الصورة ظل لأرنب واحد.
أصدر الملك أمره السامي: "هيا، ابعثوا بالصورة إلى الجميع. فالدولة القوية هي الدولة المتعلمة التي تتابع أخبار العالم أولاً بأول. والآن ماذا سنفعل بعد هذا الإنجاز العظيم؟" قال القرد متوسلاً: "يمكننا أن نرتاح قليلاً." قال ذلك وهو يمسح أصابعه التي تقشرت لكثرة تعرضها لسائل مسح الصور.
نظر الملك إلى القرد شزرًا: "ومن طلب منك أن تبدي رأيك؟ أنا وحدي أقرر ما نفعل وما لا نفعل. وادع ربك ألا يعرضك مرة لأن تقع تحت أنيابي فتمزقك، أو تحت أضراسي فتهشم عظامك. هيا إلى الأمام. نحن المستقبل، نحن الغد، نحن فجر هذا الوطن."
ولكن، وفي كل صورة جديدة تبرز الأرانب أكثر، وبجرأة أكبر، وبوقاحة أشد. ومضى فخامة الملك، ذئب الذئاب في مشاريعه التقدمية: يهدم الطواحين، ويشرد السناجب ويخفي عنها البندق والجوز الذي تجمعه في بيوتها، وينتف ريش البط، ويدفع الحملان من فوق المنحدرات، ويحفر حفرًا في الطريق حتى تقع فيها الخيول فتنكسر قوائمها، والمصوّر يلتقط صور هذه المنجزات واحدة تلو الأخرى بينما تلتمع عينا فخامة الذئب سعيدأ بإنجازاته. وفي الوقت نفسه كانت صور الأرانب تزين حواف الصور وخلفياتها، وبدت جميع الصور ملأى بالشوارب الدقيقة، والصوف الأبيض أو الأسمر، والذيول المستديرة.
أمسك الذئب العظيم بطائر السنونو قبل أن يطير محملاً بمجموعة من الصور وسأله: "هيا قل لي أي لحن ستنشد الآن؟ من الذي يقف في وسط الصور التي تحملها؟ من هو الملك؟" أطبق الطائر منقاره جيدًا لكي لا تفلت منه أي كلمة. وصاح الملك مناديًا: "أين الأضواء؟ أين الكاميرا، أيها القرد؟ التقط صورتي الآن واكتب تحتها: الملك يتقبل فروض الطاعة والولاء من أحد المبعوثين." وأطاع القرد الذي يجاهد لإخفاء إحساسه باليأس. وبالرغم من أن أحدًا لم يكن يرى المتمردين عندما تؤخذ الصور إلا إنهم كانوا دائمًا هناك، ويظهرون بعد ما يتم تحميض الصور، يظهرون وهم يقضمون الخس بهدوء قريبًا من أقدام الملك الذئب الشرس.
ويهمس المستشار في أذن المصور: "هيا اقض عليهم جميعًا. لقد أحضرت لك سائلاً جديدًا أقوى وأكثر فاعلية في مسح صور هذه المخلوقات. لا تترك لهم أي أثر كان." ولكن مع تزايد أعداد الأرانب في الصور فإن النتيجة النهائية أصبحت أقل جودة؛ فقد كثرت المساحات الفارغة في الصور الجديدة وانتشرت في كل مكان. وخطرت للقرد فكرة، وهي أن يقنع فخامة الملك أن يجلس على عرش عال جدًا جدًا، فلا يصل إليه أحدهم أو يتسلل خلسة إلى الصورة. ولحسن الحظ فقد أعجبت الفكرة الملك لأنها ستجعله أكثر تأثيرًا وأعظم سلطانًا، فضلاً عن إنه سوف يقدر على مراقبة الطيور وهي توزع صوره على أفراد المملكة: "كم ستكون دهشة شعبي عظيمة وهم يرون صورتي الجديدة داخل علب رقائق الذرة فيماهم يتناولون إفطارهم! هيا احضر باكرًا غدًا أيها القرد."
وعندما عاد القرد المنهك إلى بيته وهو يعصر أصابعه من شدة الألم، وجد أحدث صورة للملك قد ألصقت على باب داره، وشاهد شرطيًا واقفًا هناك. قال الشرطي للقرد مطمئنًا: "لا داعي للقلق، لقد حضرت لكي أتأكد من أن أحدًا لم يخرب صورة فخامة الملك." ولكن القرد هرع إلى داخل البيت قلقًا: "أين صغيرتي؟ هل هي بخير؟ هل قالت شيئًا؟" فقالت له القردة الصغيرة: "اطئن يا أبي، أنا بخير. هل أحضرت لي الصورة التي طلبتها منك؟" ونظر القرد إلى الصور المعلقة على جدران البيت، وبدت عينا الذئب الشرستان تحدقان فيه وكأنهما تنصتان لكل كلمة يتفوه بها.
"دعيني أستريح أولاً يا صغيرتي، ما عندي سوى الصور التي ترينها أمامك على الجدران مثلنا مثل كل مواطن صالح." ولكن في صباح اليوم التالي استقيقظ القرد على قبلة ناعمة من القردة الصغيرة التي اقتربت من أبيها وهمست في أذنه بكلمات لم يسمعها غيره: "أشكرك يا أبي فقد كانت تلك أجمل هدية، أنت أب ساحر حقًا!" قال الأب مدهوشًا: "شكرًا؟ شكرًا على ماذا؟" فأشارت الصغيرة إلى صورة الملك المرعب التي تطل من أمامه. وفغر القرد فاه وعقدت الدهشة لسانه؛ ففي إحدى زوايا تلك الصورة بدأت تطل من خلف الملك العظيم زوج آذان وردية لا يمكن أن تخطئ العين معرفة صاحبهما.
قفز القرد من سريره. إذن فإن السائل الذي مسح به الصورة لم يكن دائم المفعول، وقد احتاجت الأرانب إلى ليلة كاملة حتى تتسلل ثانية ولكنها في النهاية وصلت إلى غايتها. وغمغمت الصغيرة لوالدها: "أظن أنهم علموا أنني كنت خائفة البارحة، ولذا فقد جاءوا لزيارتي وأنا نائمة."

ارتدى القرد الكبير ثيابه بأسرع من لمح البصر وأسرع نحو القصر قبل أن يتناول إفطاره. كان يتساءل في ذهنه: هل حدث الشيء نفسه في مكان آخر؟ هل شمل الغزو كل الصور في المملكة؟ وإذا كانت جميع الصور قد تضررت فهل سيمكن مسح مناظر الأرانب من جميع الصور؟
عندما وصل المصور إلى القصر كان فخامة الملك مايزال يغط في نومه العميق، ولكن المستشار كان يذرع الأرض جيئة وذهابًا. "إنه طاعون." بادره المستشار بالقول، "ولكن لحسن الحظ مازال الأمر تحت سيطرتنا، فقد حرقنا جميع الصور المتمردة. أما أنت ..." وهنا ارتعد المصور وقال مرعوبًا: "أقسم لك إنني ..." فنهره المستشار: " صه! ولا كلمة! من حسن الحظ أن هذه المخلوقات غير موجودة على أرض الواقع. ولك أن تتخيل الخراب الذي سيسببه وجودهم، لو كانوا حقيقيين. ولكن دعنا من الكلام الآن. نريد صورة جديدة تحل محل تلك الصور الملوثة."
سارع الإثنان إلى غرفة العرش الجديد الذي يرتفع فوق أربع قوائم خشبية ضخمة بعيدًا عن تلك المخلوقات المشاكسة طويلة الأذن. وما إن رآهم فخامة الملك حتى أصدر أوامره: "أريد لقطتين: واحدة لي وأنا أتسلق هذه القوائم إلى أعلى العرش، والثانية تظهرني وأنا أتربع عليه بعظمة وكبرياء. ثم ابعثوا بالصور إلى أقاصي الدنيا حتى تخرسوا بها ألسنة الصحافة الأجنبية التي تهاجمني وتنتقد حكومتي."
في هذه المرة كانت الصور رائعة، لا تبدو فيها ولا حتى جزرة صغيرة لأي أرنب من أي شكل كان. هلل المستشار فرحًا: "ألم أقل لك؟ ألم أقل لك أنهم لا يوجدون في أي بقعة من العالم؟ كل ما في الأمر أنك كنت بحاجة إلى أن تضبط عدسة كاميرتك بشكل أفضل." وبالفعل، فقد مضت عدة أيام من غير أي نوع من المفاجآت، وكان ملك الذئاب سعيدًا، لا تكاد قدماه تطآن الأرض لشدة السعادة. وترك العساكر يديرون شئون المملكة بينما وقف هو لالتقاط الصور واحدة تلو الأخرى، ويلقي على الرعية خطبًا بليغة، ويوقع على الكثير من المراسيم، ولكنه في كل مرة كان يتفحص الصور جيدًا. وقال يومًا للمصوّر: "أهنئك كثيرًا على إتقانك لعملك، ويبدو أنك تتعلم صنعتك أفضل كلما بقيت إلى جانبي، فلم أعد أرى تلك البقع البيضاء التي كانت تشوه صوري في السابق."
ولكن، ذات يوم أوقظت المصور ابنته الصغيرة بصوتها الخافت يهمس في أذنه: "لقد عادوا ياأبي. أظن أن الصور التي التقطتها مؤخرًا هي صور سحرية!" ونظر القرد إلى صورة الملك معتليًا عرشه الضخم، ورأى في قاعدته سربًا كبيرًا من الأرانب يحيطون بالعرش يقضمون قوائمه الخشبية بجد ومثابرة.
وفي القصر كان المستشار في انتظار المصور وهو منتفخ لشدة الغيظ والحنق. فسأله المصور مفزوعًا: "كم هو عددهم هذه المرة؟" فرد عليه المستشار: "لقد تولينا أمر الصور كلها، ولكن الطيور سمعوا بما حدث وهم الآن يتناقلون الخبر فيما بينهم وينقلونه إلى كل مكان. إنهم يقولون إن هذه المخلوقات الكريهة موجودة بالفعل. وقد بدأ فخامته يشك أن في الأمر سرًا. لقد سألني عن الطيور لم هي فرحة وتغرد بكل سعادة؟ فقلت له إنها مجرد طيور خفيفة العقل، ورؤسها فارغة إلا من الهواء الساخن."
وبالطبع فقد كان رد فخامته إن البالونات كذلك فارغة إلا من الهواء الساخن، ولكن البالونات يمكن أن تفرقع، وإذا استمرت هذه الطيور في ثرثرتها فإنه يعرف كيف يجعلها تسكت. إلا إن مستشاره المخلص أشار عليه بأن يسجل أحدث خطبة له على أشرطة صوتية ثم يعلق تسجيلاً لها في عنق كل طير، ويأمره أن ينقل التسجيل مع الصور إلى أقاصي المملكة وأقاصي الدنيا فلا يعود أحد يسمع أغاني الطيور أو أخبارها الكاذبة. أعجب الملك بالفكرة وقال مهللاً لها: "إذن فالسماع بالأذن يكذب الخبر؛ وسنعطي هذه الطيور تسجيلات لبعض الأناشيد، والمارشات العسكرية، ودروس في التاريخ والاقتصاد والأخلاق." ولم يتأخر فخامته عن توفير هذه التسجيلات بعوائه وعواء مزعج من فرقة وحوش مصاحبة.
ومع هذا، فمن آن لآخر كانت تظهر في الصور أذن طويلة هنا أو أنف وردي هناك أوشوارب بيضاء، أو شيء آخر يقضم جانبًا من قوائم العرش الخشبية. وعيّن المستشار مكان كبير الحرس أفعى كبيرة من ثعابين البوا الضخمة استوردها من بلدة مجاورة، وثبّت عناكب من ذوات العيون المتعددة في مواقع استراتيجية من المملكة لتسهر على المراقبة، وأصدر قانونًا يقضي بأن يحلق كل الذئاب وسائر الحيوانات نصف الفرو الذي يغطي أجسامهم لكي لا تختبىء بداخله تلك الجواسيس الصغيرة. وعاقب الأبقار بأن يترك حليبها حتى يحمض لأنها كانت تصدر نداءات تحريضية في أثناء وجودها في المرعى، وفي إجراء احتياطي آخر رفع أصوات أجهزة التسجيل إلى أعلى درجة لكي لا يسمع أهل المملكة صوتًا غير زعيق الملك.
وبالرغم من كل ذلك الضجيج والعجيج فقد بدأ الناس يسمعون أصواتًا متوالية ذات طابع مرح ومشاكس يشبه اصطكاك آلاف الأسنان ببعضها البعض وهي تقضم شيئًا. وشعر القرد بالدوار، فقد كان إيقاع هذه الأصوات مثيرًا للجنون. في أثناء الليل كانت أصوات تقرض قوائم العرش التي بدأت تستدق يومًا بعد يوم، وهو يفتش عن كل حيلة فوتوغرافية ممكنة يصلح بها الصور الجديدة من مسح أو قص أو تظليل، ويلجأ إلى الصور القديمة لعله يظهّرها بكيفية تجعلها تبدو جديدة.

وذات ليلة، هب القرد من نومه فزعًا فقد أوقظته يد غاضبة ورأى نفسه محاطًا بالمستشار ومعه عساكر كثيرة، إن الملك يدعوه إليه وبسرعة. وبالطبع فقد استيقظ جميع من في البيت، قالت الصغيرة وهي تنظر إلى أبيها يرتدي ملابسه: "لا تنس أن تبلغ سلامي إلى فخامة ملك الذئاب، ولا تنس كذلك أن تحضر معك الصورة التي طلبتها منك." وهنا سألها المستشار بكل فضول: "صورة؟ أي صورة؟ صورة من؟" فردت الصغيرة ببراءة: "ستحضر لي يا أبي صورة الأرانب، أليس كذلك؟ أريد أن أعلقها على حائط غرفتي." وهنا وضعت القردة الأم يدها على جبين الطفلة وقالت معتذرة للمستشار: "إنها محمومة قليلا.ً" والتفتت إلى ابنتها: "ألم يقل لك أبوك إن هذه المخلوقات غير موجودة في أي مكان؟ ألم نعاقبك بالحبس في غرفتك لأنك ترددين مثل هذه الأكاذيب؟" ولكن الصغيرة قالت في إصرار: "إنها موجودة، الكل يعرف أنها موجودة."

كان الملك الذئب، بكل فخامته، في انتظارهم وهو على قمة عرشه، وحول كل قائمة من قوائم العرش وقف المئات من الثعابين والحراس يراقبون كل من يقترب. وبادر الملك القرد مرعّدًا ومهددًا: "أيها القرد الخائن! إن الناس يستخدمون الصور التي التقطتها لي لكي يروّجوا لفكرة وجود مخلوقات غريبة معادية ـ نحن نعلم كما يعلم الجميع أنها غير موجودة، وهم يقولون إن هذه المخلوقات تتآمر على الإطاحة بعرشي الليلة وعلى إنهاء سلالتي. هل من دليل على أن عرشي الآن يهتز؟ هل يجرؤ أحد على أن يخبرني بذلك؟" ثم زعق زعقة مرعبة تشبه ضجيج مائة طائرة حربية نفاثة في آن واحد. واستأنف قائلاً: "هيا نسجل هذا الزعيق الذي أصدرته الآن. وأنت أيها القرد ستساعدني على إخماد هذه الشائعات. أريد أن تأخذ لي لقطة واسعة جدًا ثلاثية الأبعاد تغطي كل حائط في المملكة، وأن تكون بالألوان، لأني سأنصب نفسي إمبراطورًا للذئاب: الإمبراطور الذئب العظيم! وإذا اجترأ أي واحد من هذه الأرانب التعسة على أن يبرز أرنبة أنفه في أي زاوية منها فسأجعلك تأكل كل الصور، مليوناً من الصور، واحدة واحدة، وبعدها سآكلك، ولن آكلك وحدك بل سآكل معك زوجتك وابنتك وكل القردة الذين في المملكة. هيا التقط الصورة."

أدخل القرد رأسه خلف غطاء الكاميرا الأسود وركز العدسة على العرش، ولكن بدرت منه أنّة يائسة. حتى هذا اليوم كانت الأرانب لا تُرى إلا بعد تحميض الصورة وتظهيرها، ولكن هاهي هنا الآن، تقف أمام العدسة مباشرة، لايمكن السيطرة عليها أو إبعادها، إنها تسرح وتمرح بلا مبالاة، وتقضم قوائم عرش الملك بكل شهية، وتهاجم الثعابين والحراس بكل جرأة وشجاعة.
رأى إمبراطور المستقبل القرد مترددًا في التقاط الصورة: "ما بك أيها القرد؟" كان الإمبراطور يجلس عاليًا جدا، شامخًا برأسه استعدادًا لالتقاط الصورة، ولا يرى ما يجري عند قوائم العرش.
اقترب المصور من العرش أكثر فأكثر ليلتقط صورة مقرّبة للملك وهو يدعو في قلبه أن يظل جيش الأرانب خارج اللقطة، ولكن الأرانب كانت تتحرك بأسرع مما يتخيل، يعتلي الواحد منها فوق ظهر الآخر لكي يصعد إلى حيث يجلس الملك، والحراس يحاولون إخافتها وإبعادها بلا جدوى، فقد كان الحراس يحاذرون أن يشعر الملك بما يجري في الأسفل، والأرانب تتحرك برشاقة فائقة. تخبّط الحراس واصطدموا ببعضهم البعض. وتنبه القرد المصور إلى أن سربًا من الطيور قد دخل قاعة العرش ولاحظ أن الطيور لا تحمل أجهزة التسجيل حول أعناقها، وسمع كذلك زعيق الملك: "هيا أسرع بالتقاط الصورة." وأغمض القرد عينيه بقوة حيث كان من الأفضل له ألا يرى ما سيحدث.
وفي اللحظة التي ضغط فيها القرد على زر الكاميرا سمع ضجة مدوّية، وعرف ماسيرى أمامه قبل أن يفتح عينيه، ومع ذلك فهو لم يصدق ما رأت عيناه. فقد انهار العرش الضخم كما تنهار شجرة دردار نخرة، وسقط ملك ملوك الذئاب من فوق العرش في وسط جمع من الحراس والثعابين ومعه مستشاره العجوز. طرف القرد بعينيه لشدة دهشته مما رأى، فهاهو الذئب الأكبر والأسوأ والأشد غرورًا في العالم مستلق على الأرض عند قدميه، مكسور الأضلاع، ممزق الفرو، محمر العينين، ويئن من شدة الألم! نادى إمبراطور المستقبل القرد بصوت ممطوط: "هذه الصورة التي التقطتها لتوّك، أنا آذن لك في أن تتخلص منها ولا حاجة لتوزيعها."

في تلك اللحظة انطفأت جميع الأنوار في القصر، وحار القرد في أمره لا يعرف كيف يتصرف ولا يدري أين يذهب. وفجأة لمعت أمامه فكرة أنارت طريقه فاحتضن كاميرته وفرّ هاربًا.
كانت ابنته تنتظره عند باب البيت، فقال لها: "انتظري قليلاً، فقد أحضرت لك شيئًا." وسبقها إلى الداخل حيث يقوم بتحميض الصور لكي يظهّر آخر صورة التقطها بأسرع ما يمكن. وبعد بضع دقائق خرج ليرى زوجته وابنته تنزعان صور الملك من فوق جدران البيت. أعطى القرد ابنته الصورة: "خذي! هذه هي الصورة التي كنت تطلبينها دائمًا. أخيرًا حصلت لك على الهدية التي كنت تريدين." فردت البنت الصغيرة: "شكرًا يا أبي، ولكني لم أعد بحاجة إليها الآن." وأشارت إلى أرجاء الغرفة، وإلى خارج النافذة، وإلى الشارع والحقول الممتدة، حيث بدأت الشمس تشرق من جديد. وكانت الأرانب تنتشر في كل مكان.


الساعة الآن 03:52 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.5.2 TranZ By Almuhajir


1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 105 106 107 108 109 110 111 112 113 114 115 116 117 118 119 120 121 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131 132 133 134 135 136 137 138 139 140 141 142 143 144 145 146 147 148 149 150 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 162 163 164 165 166 167 168 169 170 171 172 173 174 175 176 177 178 179 180 181 182 183 184 185 186 187 188 189 190 191 192 193 194 195 196 197 198 199 200 201 202 203 204 205 206 207 208 209 210 211 212 213 214 215 216 217 218 219 220 221 222 223 224 225 226 227