|
شعار الوحدة ـ الشيخ محمد صنقور شعار الوحدة إنَّ أي شعار يُراد رفعه وجعله منهجاً لمجتمع من المجتمعات أو لمرحلة من المراحل يتطلب أولاً البحث عن إمكانية رفع ذلك الشعار من حيث انسجامه مع متبنيات ذلك المجتمع والاصول الفكرية المعتمدة عنده, إذ من غير الصحيح عقلائياً رفع شعار لا ينسجم مع المتبنيات التي يقوم عليها المجتمع. ثم إن البحث عن إمكانية رفع ذلك الشعار تقتضي البحث أولاً عن معالمه ومفهومه, فما لم تتحدد معالم ذلك الشعار فإن البحث عن إمكانية رفعه لا يكون بحثاً موضوعياً, إذ قد يكون للشعار بريق وجذابية تمنع من التأمل في مدى إمكانية رفعه ويترتب على ذلك تبني ذلك الشعار إنسياقاً مع جذابيته وبريقه رغم ما يكتنفه من ضبابية وغموض وبذلك يصبح الشعار شيئاً مقدساً وخطاً أحمر يحرم تجاوزه في حين انه لو بحثنا عن مفهومه قبل البحث عن إمكانية رفعه لكان من الممكن اختلاف النتيجة ولما وقعنا في أسر بريقه. ومن هنا ينبغي لكل مجتمع يحترم ثوابته ومتبنياته وأصوله المعتمدة عنده أن يتحرى كل شعارٍ يريد رفعه أو يبحث عن إمكانية رفعه في مرحلة من المراحل حتى لا يكون غير المقدس مقدساً وحتى لا يطمح الآخرون في تذويب ثوابته بواسطة الشعارات العائمة كشعار الوحدة والحرية والمكتسبات وحقوق المرأة ومقتضيات المرحلة والعصرنه والتحضر وغيرها. وبهذه المنهجية نبحث عن شعار الوحدة بين المذاهب الاسلامية والوحدة بين التيارات الفكرية والاجتماعية. فما هو المقصود من مفهوم الوحدة وهنا نطرح عدة احتمالات لما هو المراد من مفهوم الوحدة. الاحتمال الأول: إن المراد من الوحدة هو تأسيس أصول وثوابت فكرية واجتماعية تتفق عليها كل شرائح المجتمع على اختلاف متبنياته وانتماءاته السابقة, ومعنى ذلك أن نصوغ مجتمعنا فكرياً وسلوكياً صياغة جديدة تذوب معها كل الافكار والمتبنيات المتباينه بل وحتى الافكار الغير متناغمة وعندها ينطلق المجتمع من فكرٍ واحد ويتحرك في إطار سلوك واحد. وهذه هي الاطروحة العلمانية لمفهوم الوحدة, فالافكار تنخلق في رحم المجتمع وتنمو في احضانه ثم تكبر فتكون هي الخلاقة لهويته. والمهيمنة على مجرياته. الاحتمال الثاني: إن المراد من الوحدة هو التنسيق بين المذاهب والتيارات على أن يحتفظ كل مذهب وكل تيار بهويته. ويبقى التنسيق مفهوماً عائماً يحتاج إلى تحديد, فهل التنسيق يعني التخلي عن المتبنيات المرحلية فقط؟ أو انه يتسع ليشمل حتى بعض الثوابت التي تكون مثاراً للخلاف؟ ثم أنه من الذي تكون له أهلية تشخيص المتبنيات المرحلية من المتبنيات الثابته؟ ثم ماذا لو كانت هناك متبنيات ثابته وكانت مثاراً للخلاف بين المذاهب والتيارات وحصل التزاحم بين التحفظ عليها والتنازل عن الوحدة –التنسيق- وبين التخلي عن تلك المتبنيات وترجيح جانب الوحدة والتنسيق. الاحتمال الثالث: إن المراد من الوحدة هو السعي لتفعيل المشتركات مع تحرّي أخلاقية الخلاف في كل مواطن الخلاف, على أن تكون تلك المشتركات محددة وواضحة المعالم, إذ كثيراً ما يؤدي عدم وضوح المفاهيم إلى توهم كثرة المشتركات, فمفهوم الحرية مثلاً مفهوم براق وجذاب إلا إنه لو وقع التصدي لتنقيحه وتحديد مفهومه لوجدنا إن هذا المفهوم هو مثار الخلاف والشقاق بين التيارات الفكرية, وهكذا هو مفهوم الحق ومفهوم العدالة الاجتماعية. وهنا أيضاً لابد من تمحيص وبلورة المراد من أخلاقية الخلاف, فهل المراد من أخلاقية الخلاف هو التعاطي حتى في حالات الاختراق والتذويب الهادئ للأفكار الأصيلة؟ أو أن المراد من أخلاقية الخلاف هو المعاشرة بالمعروف وترك السباب والتشنيع وتبادل التهم وافتعال المشاكل؟ وبعد تبلور المراد من احتمالات مفهوم الوحدة نصل للبحث عن إمكانية رفع هذا الشعار, فلو كان المراد من الوحدة هو المعنى الأول فإن هذا الشعار لا يمكن رفعه كما هو واضح, لان معناه التخلي عن ديننا وهويتنا, وأما لو كان المراد منه هو الاحتمال الثاني لكان من غير الممكن أيضاً رفع هذا الشعار أولاً لعدم اتضاح المراد من معنى التنسيق وثانياً لعدم الاتفاق عن من له أهلية تشخيص المتبنيات الثابتة من المتبنيات المرحلية وثالثاً لوجود متبنيات ثابتة في كل مذهب وفي كل تيار هي مثار للخلاف ولا أظن أن أحداً يقبل بالتخلي عن ثوابته لمجرد أن ذلك يزاحم الوحدة بمعنى التنسيق. وبذلك يتعين الاحتمال الثالث على أن يكون المراد من أخلاقية الخلاف هو المعنى الثاني وهو المعاشرة بالمعروف ونبذ السباب والتشنيع. والحمد لله رب العالمين محاضرة ألقيت في المولد النبوي1422هـ الشيخ محمد صنقور |
| الساعة الآن 04:51 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.5.2 TranZ By
Almuhajir