منتدى استراحات زايد - الشعارات بين الثابت والتطبيقي (مقال فكري)

"الشعار" تلخيص للمطالب

الشعار عادة ما يركز عليه في كل حركة مطلبية كإحدى الوسائل التي تلخص مطلب هذه الحركة المطلبية, وعادة ما يكون الشعار متميزا بالقصر والايقاع الموسيقي الخاص الذي يكفل له الحفظ من جميع الطبقات المشاركة في هذه الحركة المطلبية. وهنا لا يفوتني أن أذكر أن الهتاف بالشعار عادة ما يكون في الأساليب الخطابية التي تحاكي الجمهور ولا يكون له موضوع إذا كان الكلام في جانبه التحليلي العلمي الموضوعي. وعادة ما يكون شعار وسيلة مختصرة لشد الجماهير وضمان تفاعلهم مع المتحدث في خطاب أو اعتصام أو مسيرة مما يعطي لهذه الوسيلة الاحتجاجية زخمها وهيبتها على الأرض.
هذه مقدمة ولا أريد أن يكون كل الكلام حول أهمية الشعار وما له وما عليه فقد تكفل بعض أعضاء ملتقى البحرين "جزاهم الله خيرا" بذلك منذ بداية الثورة عبر موضوع مستقل عنونه بـ (دليل الوعي الجماهيري) فمن أحب فليراجع ذلك الموضوع في المنتدى الوطني.
لكن الذي أريد تسليط الضوء عليه هنا هو تقسيم الشعارات إلى قسمين:

أولا: الشعارات الفكرية الثابتة: هي التي تعتمد تجسيد المبادئ التي دعت جماعة معينة للتحرك باتجاه التصعيد أو الدخول في حركة مطلبية، ثورة كانت أو انتفاضة فمثلا نحن كشعب بحراني نعرف مثل هذه الشعارات جيدا كشعار" هيهات منا الذلة" الذي يكتسب أهمية بالغة في البناء المعرفي لدى الشعب البحراني، ويمثل حالة فكرية وعقائدية تربى عليها منذ نعومة أظفاره والسبب في ذلك كما لا يخفى يرجع للتربية الحسينية المسيطرة والحمد لله. هذه الفكرة وهي عدم القبول بالذلة تعتبر محركا استراتيجيا للكثير من التحركات على الصعيد السياسي.
مثال آخر " لن نركع إلا لله" هذا الشعار أيضا يمكنني الادعاء بسهولة أنه شعار استراتيجي لكل شعب مسلم، ومحرك أساسي للحركات المطلبية على مدى سنين عديدة وخصوصا إذا لاحظنا الشخصية المتدينة للمجتمع البحراني.
ويمكن ذكر الكثير من الشعارات على ساحتنا والتي نرددها منذ زمن على هذا الصعيد فهي شعارات أساسية محركة للوعي المجتمع ومحددة لمسارت الحركات المطلبية, وتشكل ضمانا لعدم انحراف الحركات عما يؤمن به الشعب البحراني الملتزم.
تبقى أن نشير إلى الوظيفة تجاه مع هذه النوعية من الشعارات فأقول إنها هي المحفز الحقيقي لصياغة البناء الفكري لكل التحركات وبالتالي يجب الاستمرار عليها والإصرار على إحيائها في جميع المفاصل والتحركات حتى اليومية منها.

ثانيا: الشعارات التطبيقية أو المرحلية:بعد أن انتهينا من الكلام حول الشعارات الأساسية يمكن أن يقول قائل إن الشعارات الثابتة والفكرية غير كافية في التحشيد الجماهيري نحو المطالب الحقيقية التي نسعى لها (والكلام ينطببق على أية حركة مجتمعية مطلبية وطبعا منها ثورتنا المباركة) فأقول: هذا القول صحيح ولكن الصورة لم تكتمل بعد حيث إن هناك شعارات أخرى لابد منها في الثورة وهي التي تتجسد فيها المطالب الثورية في هذه المرحلة وتكون تجسيدا حقيقيا للشعارات الثابتة بمعنى تطبيق الأمور الفكرية على الأرض وعدم تركها تسبح في عالم المفاهيم فقط . هذه الشعارات تفيد جماهيريا بأن يعي الجماهير المطلب الأساسي في هذه المرحلة بمعنى لو سُئلَ أبسط شخص في الشارع ماذا تريد لأمكن لهذا الشعار أن يكون الجواب هذا من جهة، ومن جهة أخرى هذه ثمرة للفكرة التي يؤمن بها أي أحد ومن دونها تكون اللوحة المعرفية مشوهة حيث انفصال المفاهيم عن التطبيق وعندها يكون من مصاديق (لم تقولون ما لا تفعلون) وهنا مكمن الأهمية والخطر في هذا الموضوع.
ولو طبقنا هذه الفكرة على ساحتنا يمكننا أن نقسم الشعارات إلى هذين القسمين (الله أكبر - النصر للإسلام - هيهات منا الذلة – لن نركع إلا لله – لبيك يا حسين – معكم معكم يا علماء – أخوان سنة وشيعة هذا الوطن ما نبيعه) هذه من الشعارات الأساسية والتي لابد لنا أن نحافظ على وجودها بيننا وفي تحركاتنا ولابد لنا من التمسك بفكر هذه الشعارات لأنها تلخيص لشخصيتنا الاجتماعية.
(الشعب يريد إسقاط النظام – يسقط حمد – ارحلوا – تقرير المصير)هذه الشعارات المرحلية التي تعكس مطالب الثورة وتجسد المفاهيم والقيم التي تحركنا من مثل عدم القبول بالواقع الظالم وعدم مبايعة الطاغوت وغيرها من القيم النبيلة التي يؤمن بها شعبنا البحراني العزيز.
وهي أيضا لابد من حضورها القوي في تجمعاتنا وتحركاتنا اليومية لأنها تعكس الإدراك الجماهيري للمرحلة ومتطلباتها فضلا عن أثر هذه الشعارات على العدو ما يوقعه في قلبه من رعب (ترهبون به عدو الله).
وهنا أسجل بعض الملحوظات وهي لو أن الشباب الثوري تخلى عن إحدى الشعارات الثابتة أو التطبيقية أو غلّب إحدى الشعارات على الأخرى فهنا وقع في خطأ له دلالات سلبية على المستوى الفكري فلابد من تداركه.
وكذلك الوفاق حين تركز على الشعارات الثابتة والأساسية على حساب الشعارات المرحلية والتطبيقية - حتى بما يتناسب مع سقف مطلبها – فهي تقع بغير قصد (بناء على حسن الظن بالمؤمنين) في خطأ لابد من تداركه. وهنا يحضرني الشعار (فلتسقط الحكومة أو تنحى يا خليفة) فمثلا هذا الشعار يتناسب مع السقف المطلبي للوفاق فلابد منه في تجمعاتها لتعكس الشعارات الجانبين الثابت والتطبيقي معا ويتحقق الغرض من الشعار بشكل عام. فعدم التركيز على الشعارات المرحلية يورث التعميم في الرؤية وعدم الوضوح بشكل عام عند الجمهور وهذا ما لا ينبغي الوقوع فيه في أية انتفاضة وحركة مطلبية. كما أن التركيز الدائم على العموميات يكشف عن خلل ما وهو عدم تجانس الخطاب بشكل عام، ويكشف عن عدم التناسب بين الفكر والتطبيق، وعدم تسمية الأشياء بأسمائها وهذه النقطة مما لا شك فيها سيستغلها العدو فيما يخدم مشروعه، والحكيم لا يعطي مثل هذه النقطة حتى لو كانت جزئية لعدوه ليستغلها ضده متى شاء.

وهذا المقال القصير الغرض منه التعاطي بشكل أكثر وعياً مع شعاراتنا وحتى لا يأتي أحد لنا بشعار غير حكيم ، فيتحول شيئا فشيئا إلى أمر واقع في حين أنه لا يلبي طموحنا ولا يعكس مطالبنا بشكل واضح، أو نكون ممن يقع في التركيز على العموميات من قبيل رفض الظلم ونجانب تسمية الظالم بأنه ظالم نتيجة حسابات مادية خاطئة، أو نغرق في جزئيات المشهد اليومي في الثورة وتسقط من وعينا القيم المحركة لنا في هذا الاتجاه. لكل هذا أقول مجددا لابد لنا من التركيز على كلا النوعين من الشعارات الثابتة والتطبيقية وبهذا نحقق الغرض من فلسفة الشعار ويبقى الشعار باختصاره يختزل فكراً يحرك واقعاً معاشاً على الأرض.

اللهم بحق شهرنا هذا انتقم لنا ممن ظلمنا وتعدى على حرمنا يا عزيز يا جبار، ووحد كلمتنا على إزالة الطاغوت من الأرض يا أرحم الراحمين بمحمد وآله.

((المجال مفتوح للنقاش الفكري الفاتح عينه على الواقع ))