![]() |
أمريكا والإبادات الثقافية.. لعنة كنعان الانجليزية !؟ "أمريكا والإبادات الثقافية.. لعنة كنعان الانجليزية"!؟ سميرة رجب | نشر في اليوم الأربعاء 12/5/2010 "على مدى خمسمائة سنة، تعرّض هنود أمريكا لحملات غزو أسبانية وبرتغالية وفرنسية وهولندية وانجليزية سلبتهم إنسانيتهم، وأنزلت بهم فنوناً عجيبة من القتل والتدمير، ونظرت كلها إلى حياتهم ولغاتهم وأديانهم باحتقار، لكن الإنجليز (الانجلوسكسون البروتستانت) وحدهم كانوا الأكثر عنجهية وعدوانية وإصرارا على تدمير الحياة الهندية واقتلاعها من الذاكرة الإنسانية. وحدهم جاءوا بفكرة مسبقة عن أمريكا، نسجوها من لحم فكرة إسرائيل التاريخية، فكرة احتلال أرض الغير، واستبدال شعب بشعب، وثقافة بثقافة وتاريخ بتاريخ. فاستنسخوا بذلك أحداثها، وتقمصوا أبطالها وجعلوها قدرهم المتجلي".. بهذا النص بدأ الباحث الأمريكي العربي منير العكش كتابه البحثي القيّم "أمريكا والإبادات الثقافية.. لعنة كنعان الانجليزية" (رياض الريس للنشر، 2009)، وبين صفحاته الثلاثمائة وثّق تاريخ وحشية السياسات والممارسات الاستعمارية الانجليزية في احتلال أمريكا (العالم الجديد) واجتثاث الهنود الحمر، سكان أمريكا الأصليين، وجوداً وثقافة وتاريخاً، مدعوماً بكم كبير من الوثائق التي استخرجها الكاتب من أرشيف المحفوظات الوطنية والوزارات والدوائر الأمريكية ليسجل بها شهادة تاريخية نادرة على عدم آدمية الإنجليز المحتلين والمستعمرين. يكشف الكتاب عن حقيقة الثقافة الفوقية التي رسمت قناعات وسياسات وتاريخ الانجليز "واستحوذت على ألبابهم وعقولهم"، والتي تتلخص في اقتناعهم، بل إيمانهم، بأن الانجليز شعب الله وهو الذي اختارهم لنشر "الحضارة" و"تمدين" شعوب الأرض، لأنهم "الأكثر تحضرا"، وأن "الله رجل انجليزي" God to be an Englishman، لذلك قامت إمبراطوريتهم الاستعمارية على ثقافة التضحية بالآخر، بكل ما تحمل هذه الكلمات من معان وحشية تحقق الإبادة التامة والكاملة لوجود وثقافة الشعوب الضعيفة.. هذه الثقافة التي استمدوا حوافزها من "إنعاش أسطورة (لعنة كنعان) التي نسجها بدو رعاع متسيبون حاقدون على كل حضارات عصرهم، نسجوها من هاجس نهب هذه الحضارات بأهلها وأرضها وسمائها".. هذه هي المفاهيم التي يتوارثها الانجليزي جيلاً بعد جيل ويرضع معها ثقافة العنجهية التي وصفها الكاتب بثقافة "الجلاد المقدس" الذي يمارس آداب "مسخ الآخر، وعبادة الذات، وتقديس الجريمة"، بدعوى نشر "الحضارة" عبر المعايير والنظم والقيم الاستبدادية.. ولخّص الكاتب مفهوم رسالة الانجليز "الحضارية" كالتالي: - "أن احتلال أرض الغير واستبدال شعب بشعب وثقافة بثقافة وتاريخ بتاريخ عمل مقدّس أمر به الله. وبالتالي فإنه يسمو على أخلاق وأعراف وقوانين وحياة وحريات البشر. - أن فكرة أمريكا تجسد مشيئة الله في أرض كنعان الجديدة (أمريكا) وأهلها وثقافتها كما جسدت فكرة إسرائيل مشيئة الله في ارض كنعان القديمة (فلسطين) وأهلها وثقافتها؛ - أن المستوطنين الانجليز كالإسرائيليين التاريخيين، استثناء وجودي يحتكر لنفسه الاضطلاع بإرادة الله ويختص وحده بتنفيذها؛ - أن معاملة السكان الأصليين لا تخضع للقوانين الأخلاقية أو الإنسانية، أو المبادئ العقلية بل يحكمها ما نسجه العبرانيون من أساطير تجربتهم مع الكنعانيين، وهذا ما جعل المستعمرين الانجليز الذين يعتبرون أنفسهم شعباً مختاراً يطلقون إسم الكنعانيين على كل الشعوب التي أبادوها. - أن نجاح فكرة أمريكا في العالم الجديد يشكل مثالاً طيباً يمكن تكراره حيثما اشتهى شعب الله (فالأرض صحن من اللحم موضوع على المائدة يقطع منه الإنسان الأبيض ما يشتهي)، وما تحقق في كنعان المجاز (أمريكا) ليس إلا خطوة على طريق كنعان الحقيقة (فلسطين والعالم العربي)".. هذه الدلالات، التي جاءت في مقدمة الكتاب، استخلصها منير العكش من بحثه الذي يوثق سلوك المحتل الانجليزي الوحشي في إبادة سكان أمريكا الأصليين، الهنود، فيسرد جرائم القتل الجماعي والتعذيب الوحشي التي يندى لها جبين التاريخ لمدى وحشيتها، والتي ما كان سلخ فروة رأس الهندي الحي أسوأها، حتى تمكنوا من اقتلاع الوجود الهندي والقضاء على "لغتهم وثقافتهم وتراثهم الروحي" في أشنع معركة إبادة بشرية وثقافية في التاريخ.. كما استمد الكاتب هذه الدلالات من خلال التقارب الشديد لذلك التاريخ مع السلوك الانجليزي المستعمر والمحتل، قبل ذلك التاريخ، في احتلاله لأيرلندا، وبعد ذلك التاريخ، في احتلاله واستعماره شبه جزيرة الهند والمنطقة العربية، وأخيراً في فلسطين والعراق، فكان التقارب مطابقاً لم يتغير خلال قرون من التاريخ الاستعماري الذي كان الإنجليز عموده الأساسي الممتد لداخل الإدارة الأمريكية بسياساتها الوحشية في العالم. وأتذكر هنا ما جاء في كلمة الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون بجامعة جورج تاون، يوم الأربعاء 7 نوفمبر 2001. حينها ذكر كلينتون أن أحداث 11 سبتمبر ما هي إلا عبارة عن عملية تسديد ديون متراكمة على الولايات المتحدة الأمريكية نتيجة لسياساتها الداخلية والخارجية غير الإنسانية على مدار تاريخها، بدءً بممارساتها الخاطئة في عمليات الإبادة ضد الهنود الحمر، سكان أمريكا الأصليين، مروراً بالتاريخ الأمريكي في القرصنة واختطاف الأفارقة من مواطنهم الأصلية وبيعهم في أسواق الرق واستعبادهم والممارسات العنصرية ضد السود، انتهاء بالمواقف الأمريكية من أحداث وقضايا الشرق الأوسط وقهر هذه الشعوب بالظلم وانتهاك أبسط مبادئ العدالة.. وذكر أيضاً أن الولايات المتحدة الأمريكية تستحق ما حدث لها في 11 سبتمبر 2001 وإن الإرهاب موجود في أمريكا منذ أكثر من 100 عام عندما كانوا يقتلون الزنوج ظلماً وكأنهم كلاب بدون أية محاسبة أو مساءلة.. وطلب كلينتون في كلمته من الأمريكيين التخلي عن عنجهيتهم والنظر بواقعية لهذه الأحداث والتفكير الجاد بتغيير سياساتهم، كما طالبهم بالتنازل عن شعورهم واعتقادهم بالتفوق الأمريكي وبأنهم هم فقط من يمتلك الحقيقة كاملة. "وهناك بقية".. |
الساعة الآن 10:39 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.5.2 TranZ By
Almuhajir