![]() |
الدكتور سعيد الشهابي .. . التلوث البيئي في الخليج http://www.alhramain.com/hiic/_upl/p...1273037974.jpg د. سعيد الشهابي في ضوء الكوارث البيئية العديدة في الفترة الاخيرة، اصبح من الضروري فتح ملف هذا الجانب من الحياة الانسانية من اجل تقييم تطور الوعي البيئى الذي يتنامى بشكل بطيء على المستويين الاداري والاجتماعي في المنطقة العربية، خصوصا منطقة الخليج. فهل هو 'بوادر صحوة متأخرة'؟ كما يراها بعض أخصائيي البيئة؟ ام إدراك حقيقي للمخاطر الكبيرة المحدقة بالمنطقة بعد ان بلغ السيل الزبى؟ ام هي محاولات لاراحة الضمير والتنصل من مسؤولية الجهل والتجهيل بما يحدث للبيئة العربية من تدمير متواصل؟ أيا كان الامر، فربما وصل التردي البيئي في بعض مفاصله الى نقطة اللارجعة، واصبح الدمار دائما لا يمكن احتواؤه. ووفقا للبروفيسور تشارلز شيبرد، استاذ العلوم البيولوجية بجامعة وارويك البريطانية، فربما بلغت الكارثة البييئة مستوى بحيث 'لا يمكن استعادة الشعب المرجانية ولا يمكننا أبدا أن نعيد حدود الشواطئ إلى مكانها وسيكون من الصعب إعادة تكوين مخزون الأسماك'. وأدى ارتفاع معدلات التلوث الى ارتفاع درجات الحرارة في مياه الخليج وموت الأسماك وتدهور حالة الشعب المرجانية الأمر الذي أصبح قضية مقلقة لدى الواعين من اهل المنطقة. السيد شبرد كان يتحدث في البحرين على هامش مؤتمر البيئة العربية 2010 الذي عقد الشهر الماضي في المنامة. هذه التصريحات قد تصدم الكثيرين ولكنها معروفة لدى من راقب تطورات الاوضاع البيئية منذ الطفرة النفطية في منتصف السبعينات. فقد ادت الوفرة المالية لتوسع عمراني امتد الى البحار وأحدث دمارا هائلا في البيئة البحرية وقضى على الشعب المرجانية وحول قاع المياه الساحلية الى طين لا تنبت فيه الاعشاب ولا تعيش فيه الاسماك. واذا اضيفت هذه الخطوة المدمرة الى سياسات الحفر خلال التنقيب عن النفط في الثلاثينات والاربعينات من القرن الماضي، وما نجم عنها من تسرب مياه البحر الى التجويفات المائية، أصبحت صورة الدمار البيئي اكثر وضوحا. وبرغم تصاعد الوعي العالمي بالمخاطر البيئية وصدور الاتفاقات والقوانين الدولية الهادفة لوقف التداعي البيئي، فما تزال الجهود المبذولة في هذا الجانب محدودة جدا. يتضح ذلك من عدد من الامور: اولها التجاهل الذي حظي به 'اليوم العالمي للبيئة' الذي حدد الثاني والعشرين من نيسان/ابريل من كل عام للاحتفاء به. وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد اتخذت القرار في عام 1972 ليواكب افتتاح مؤتمر استكهولم المعني بالبيئة البشرية. وفي اليوم ذاته اتخذت الجمعية العامة قرارا أنشأت بموجبه برنامج الأمم المتحدة للبيئة. وقد مر ذلك اليوم بدون ان يكون هناك اهتمام عملي بما يقتضيه الاحتفاء به، ولم يسمع به الا القليلون جدا من المهتمين بشؤون البيئة. الثاني: ان هناك تعارضا كبيرا بين ما يسعى اليه نشطاء البيئة وما تصر عليه قطاعات الصناعة الكبيرة في الدول الصناعية، الامر الذي كثيرا ما ادى الى تراجع السياسيين عن اطروحاتهم رغبة في تفادي التصادم مع الشركات الكبرى ومجموعات الضغط التي تحظى بتمويلها وتدافع عن مصالحها. فمثلا من بين اهم الاتفاقات التي توصلت اليها دول العالم 'اتفاقية كيوتو' التي تعتبر خطوة تنفيذية لاتفاقية الأمم المتحدة المبدئية بشأن التغير المناخي. والاخيرة معاهدة بيئية دولية خرجت للضوء في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة والتنمية. ويعرف باسم قمة الأرض الذي عقد في ريو دي جانيرو في البرازيل، في الفترة من 3-14 يونيه 1992. هدفت المعاهدة إلى تحقيق 'تثبيت تركيز الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي عند مستوى يحول دون تدخل بشري خطير في النظام المناخي.' نصت معاهدة كيوتو على التزامات قانونية للحد من انبعاث أربعة من الغازات الدفيئة (ثاني أكسيد الكربون، والميثان، وأكسيد النيتروس، وسداسي فلوريد الكبريت)، ومجموعتين من الغازات (هيدروفلوروكربون، والهيدروكربونات المشبعة بالفلور (perfluorocarbon) التي تنتجها الدول الصناعية 'المرفق الأول'، ونصت أيضا على التزامات عامة لجميع البلدان الأعضاء. واعتبارا من عام 2008 م، صادق 183 طرفا على الاتفاقية، التي كان قد اعتمد استخدامها في 11 كانون الاول/ديسمبر 1997 في كيوتو في اليابان، والتي دخلت حيز التنفيذ في 16 شباط/فبراير 2005. وقد رفضت الولايات المتحدة توقيع الاتفاقية طوال العقدين الاخيرين، وما تزال على موقفها حتى الآن. ومن معوقات التصدي للمخاطر البيئية سياسات الدول الغربية في المجال العسكري وشن الحروب المتوالية بدون مراعاة انعكاساتها على البيئة. وقد عانت منطقة الخليج في العقدين الاخيرين من مخاطر اشعاعية كبيرة ناجمة عن الاستعمال المكثف لليورانيوم المخصب في الحربين اللتين شنتهما الولايات المتحدة وحلفاؤها ضد العراق. وفي الاسبوع الماضي قالت وزيرة شؤون البيئة العراقية نرمين حسن عثمان ان 'تأثيرات الاسلحة اليورانيومية والكيميائية المدمرة التي استخدمت في حرب العراق ماتزال باقية لحد الآن'. وقالت في تصريح صحافي على هامش الاجتماع الرباعي لايران وتركيا والعراق وسورية حول شؤون البيئة الذي عقد في العاصمة التركية انقرة انه 'خلال حرب العراق واحتلاله بلغت الاوضاع البيئية في العراق مرحلة خطيرة بسبب تخريب البنى التحتية ومن بينها تدمير المصانع في هذا البلد'. وقد اتخذت دول الخليج بعض الاجراءات للحد من انتشار مخاطر اليورانيوم المنضب، فقامت وزارة التجارة الكويتية بمنع إستيراد الحديد الخردة (السكراب) من العراق للإشتباه بأنه ملوث باليورانيوم المنضب نتيجة العمليات الحربية. وأدركت السلطات العراقية مخاطره كذلك، فسعت لمحاصرة المناطق والمعدات الموبوءة لمنع انتشار آثاره المدمرة. وقد تعرضت مساحات كبيرة من الأراضي السعودية لمواد مشبعة بمواد اليورانيوم والزرنيخ والزئبق والكادميوم، أدت إلى إصابة أكثر من 20 ألف شخص بالسرطان، بمعدل 1500 حالة سنويا. وكان البروفسور الألماني آزاد خانقاه- من جامعة هنوفا الألمانية والمتخصص في الزراعة البيولوجية- قد أفاد قبل بضعة اعوام بأن هناك حاجة ماسة لعلاج الأراضي التي ما تزال مشبعة بالمواد المشعة من اليورانيوم وغيرها من المواد الضارة التي تؤدي إلى أمراض جلدية وسرطانات متنوعة ادت الى ارتفاع حالات الاصابة والوفاة بمعدلات غير مسبوقة. الامر المزعج ان الهيئات الحكومية أو الأمم المتحدة أو الجمعيات الأهلية لم تبادر لمعالجة تلك الإشكالية التي أدت إلى وفاة العديد من الأطفال والرجال والنساء. ووفقا لما يقوله الخبراء فان بقاء تلك الأراضي من دون زراعة قد يؤدي الى انتقال الأتربة والمواد الضارة من خلال الغبار والهواء إلى باقي المناطق الخليجية الأخرى، التي تزداد معها نسبة الإصابة بأمراض السرطان والعقم وغيرها من الأمراض المستعصية. وفي العام 2003 قام فريق علمي برئاسة العالم الأمريكي أساف دوراكوفيتش، بدراسة ميدانية اشعاعية علمية،هي الأولى من نوعها في المنطقة، شملت مناطق واسعة من جنوب العراق ووسطه، كبغداد وضواحيها، والصويرة، والكوت، والناصرية، والشطرة، وكربلاء، والنجف، والبصرة، وام قصر، والفاو، والزبير، وأبي الخصيب. وأكدت الدراسة وجود تلوث إشعاعي واسع وخطير. وأشار البرفسور دوراكوفيتش، رئيس الفريق الى إن مستويات التلوث الإشعاعي تتراوح ما بين مئات واَلاف المرات عن الحد المسموح به. وعزا ذلك الى إستخدام القوات الأمريكية والبريطانية لكميات من ذخيرة اليورانيوم المنضب أكثر بكثير مما إستخدمته منها في حرب عام 1991، مقدراً إياها بنحو 1700 طن (The Japan Times في 22 /11/2003). وليس معروفا بعد حجم الدمار البيئي الذي احدثته الحروب الاسرائيلية ضد غزة وجنوب لبنان، خصوصا في ظل السياسات الصهيونية لتدمير البيئة الفلسطينية وحصر التنمية بالمناطق الخاضعة للاحتلال. كما ليس معروفا بعد حجم التلوث في مياه الخليج نفسها، التي تعرضت لتلوث واسع بسبب مرور ناقلات الطائرات العملاقة التي تشغل بالطاقة النووية فيها. ووفقا لبعض التقارير فقد تم التخلص من بعض نفايات الوقود النووي المنضب في اعماق مياه الخليج في غياب اية رقابة حقيقية على تلك الاساطيل. ما مدى الامراض البيئية التي تعاني منها المنطقة العربية؟ وما مظاهر الازمة البيئية؟ وما انعكاساتها على حياة البشر؟ هناك أربعة اسباب للازمة البيئية في المنطقة. اولها: الحروب التي حدثت طوال العقود الثلاثة الاخيرة، خصوصا التي شاركت فيها الولايات المتحدة وحلفاؤها مستعملين كميات هائلة من القنابل والمتفجرات والقذائف المشعة التي تحتوي على كميات من اليورانيوم المنضب. وقبل سنوات حذر العالم الأمريكي أساف دوراكوفيتش بأنه 'لا توجد شرطة حدود لليورانيوم المنضب، إنه ينتقل بحرية من بلد الى اَخر بفعل قدرة الرياح على حمل جزيئاته المشعة، وإن أي مكان في الخليج أثرت فيه الرياح أو العواصف أو ترسبات الأتربة يحتمل أن يكون ملوثاً، وأن يكون سكانه إستقطبوا في أجسادهم تركيزات مرتفعة من اليورانيوم مقارنة بسكان المناطق الأخرى، التي لم تتعرض لفعل الرياح والأتربة وتركيزات اليورانيوم'. وأضاف: 'حتى يصبح اليورانيوم بلا إشعاع، عليك أن تنتظر 4.5 مليار سنة'. وأكد تحذيراته حول العثور على غبار اليورانيوم في كل من هنغاريا واليونان ورومانيا، وغيرها، عقب ضرب يوغسلافيا بسلاح اليورانيوم عام 1995. وأكدت الدراسات التي قام بها برنامج الأمم المتحدة للبيئة في البوسنة وكوسوفو، بقاء تلوث التربة والهواء والمياه باليورانيوم المنضب حتى بعد مرور 7 سنوات على إستخدامه. ومن ذلك اتضحت مخاطر تسربه الى مصادر مياه الشرب، وإمكانية ان تؤدي درجة إشعاعه الضعيفة الى الأضرار بالكلى والكبد والرئتين، وقد تسبب أنواعاً من السرطان. السبب الثاني للازمة البيئية نجم عن التنقيب المتواصل عن النفط منذ ثمانية عقود، وقد أدت عمليات التنقيب الى نضوب المياه الجوفية او تحولها الى مياه مالحة غير صالحة للشرب نتيجة تسرب المياه البحرية الى باطن الارض. وهذا واضح في كافة بلدان الخليج التي كانت معتمدة على عيون المياه الطبيعية التي توفر مياها صالحة للشرب والري تنقلها من التجويفات المائية في باطن الارض. اما الآن فقد نضب اغلب تلك العيون، او اصبحت مياهها مالحة لا تصلح للاستعمال البشري. وفي مقابل ذلك توفر لدول الخليج وفرة نفطية كبيرة وندرة مائية مدمرة. وعلى المدى البعيد ستكون الخسارة اكبر، بعد ان تنتهي المخزونات النفطية كما انتهت المصادر المائية. صحيح ان هناك عمليات تحلية واسعة، ولكنها هي الاخرى مصدر للتلوث البيئي ولا يمكن ان تكون بديلا للمصادر الطبيعية. اما السبب الثالث: فيتصل بسياسات دفن اضي البحرية لبناء العمارات الشاهقة، كما يحدث في دولة الامارات والبحرين على وجه الخصوص. فعمليات دفن الاراضي الساحلية تتضمن عددا من الاجراءات. اولها تدمير الشعب المرجانية التي تعتبر المحضن الطبيعي للكثير من الاسماك. وهو تدمير لا يمكن اصلاحه. ثانيها: ان الكميات الطينية التي تستعمل لدفن المناطق الساحلية تسحب بآلات عملاقة من داخل البحر وتحدث بذلك تخريبا اضافيا للشعب المرجانية وتحدث حفرا عميقة تساعد على تسرب مياه البحر الى مصادر المياه الجوفية. وبالاضافة الى تدمير الاحواض المائية الجوفية، فقد بدأ بعض انواع الاسماك طريقه نحو الانقراض، بينما اصبح سمك 'الهامور' الشهير الذي كان مائدة الفقراء، شحيحا لاسباب من بينها تدمير الشعب المرجانية التي يعيش فيها. عمليات الردم هذه حدثت بسبب الطمع في تحقيق ارباح مالية كبيرة بدون الالتفات الى مخاطرها البيئية، او اجراء دراسات جدوى او اعداد تقارير علمية حول تأثيرها على البيئة. كما ان حالة التسابق بين دول مجلس التعاون لبناء ناطحات السحاب سياسة غير موفقة وليست مضمونة النتائج. وما الاوضاع الاقتصادية المتردية التي حدثت في دبي الا نتيجة تلك السياسات. ويتمثل السبب الرابع بتدمير الاراضي الزراعية بشكل منهجي لانشاء عمارات سكنية او تجارية طمعا في عائدات مالية اكبر، ونظرا لعدم وجود ضوابط وقوانين لحماية هذه الاراضي، تم القضاء على اغلب المناطق الزراعية خصوصا في البحرين نظرا لمساحتها الجغرافية المحدودة، بينما تقلصت المساحات المزروعة في بقية البلدان بسبب شحة المياه او فساد التربة نتيجة تسرب المياه البحرية وتكدس الاملاح فيها. وقد ساهمت ظاهرة 'التصحر' هذه في رفع درجات الحرارة خصوصا مع توسع الشوارع الاسفلتية وانتشار مبردات الهواء، وكلها مصادر لبث الحرارة في الهواء. ان الاهتمام بالدراسات البيئية امر ايجابي بشرط ان يكون ذلك نابعا عن ارادة سياسية لوقف حالة التداعي البيئي التي تشهدها المنطقة. فانعقاد مؤتمر البيئة العربية في البحرين الشهر الماضي، وبعده 'المؤتمر البيئي العربي الاقليمي التاسع' في القاهرة، فعاليات ايجابية بدون شك، ولكنها لن تكون مجدية الا اذا نجم عنها سياسات جديدة للتعاطي العلمي والسياسي مع قضايا البيئة. لقد تعدت آثار هذه الازمة الحدود المادية واصبحت تمثل تهديدا لحياة البشر وصحتهم، وادت الى تصاعد الامراض الخطيرة خصوصا بين الاطفال والشباب، فليس هناك اولوية تسبق التصدي لهذه الظاهرة بمشاركة الجميع، على اختلاف مذاهبهم السياسية واولوياتهم الحياتية. لقد تحول الامر الى سباق بين الحياة والموت يواجهه الاجيال الحاضرة والمقبلة، التي لن تكون استفادتها من العمارات الشاهقة او القصور العملاقة او الاحتياطات المالية مساوية لخسارتها من فقدان المصادر المائية او تدمير البيئة الطبيعية في البر والبحر. فمن يتصدى لهذا التحدي؟ ومن يوقف المسيرة العبثية للقضاء على البيئة؟ ' كاتب وصحافي بحريني يقيم في لندن المصدر للخبر . .. . الرجاء اضغط من هنا يقول الأمام علياً عليه السلام (الناس ثلاثة ، عالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق ، يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجأوا إلى ركن وثيق). |
الساعة الآن 10:37 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.5.2 TranZ By
Almuhajir