فلوسك يا صابر..
 

عندما عرض أحد المحتالين على "حسين بن عاقول" في المسلسل الشهير "درب الزلق" شراء الأهرامات الثلاثة ونقلها للكويت لتوزيعها على ساحة الصفاة و"مشرف" و"المهبولة" راقت له الفكرة؛ واعتقد بوجاهتها سيما لما عرضوا منحه أبو الهول "كدعاية" فوق البيعة.. لم يكن "حسينوه" معتوها ولكن السعر المؤاتي وإغراء الثراء زينا له الفكرة..

استدر المشهد - عند عرضه في 1977- ضحكات الناس؛ ففكرة أن "حسينوه" ظن أنَّ شيئا كهذا ممكن التحقق على الأرض بدت ظريفة آنذاك؛ ولازالت.. في الواقع البحريني يتكرر المشهد اليوم بصورة أبعد ما تكون عن الكوميديا.. فقد كشف تداعي شركات توظيف الأموال الوهمية القناع عن عشرات الآلاف من الحالمين غير الواقعيين كـ"حسينوه".. الذين أودعوا تحويشة العمر لدى مستثمرين مغمورين لا يعرفهم أحد، ولم ترتبط أسماؤهم بمشاريع ضخمة يوماً؛ منتظرين عوائد وأرباحا تصل لـ46% كما تنص عقودهم.. ولو كانت عوائد كتلك موجودة في قاموس الاقتصاد لأودعت البنوك - بل والدولة نفسها- أموالها لدى تلك الشركات الصغيرة لأن الاستثمار الذي يدر 20% يعد في عرف السوق اليوم أسطورة.. ولكن لمعان الذهب أذهب بأبصار الكثيرين ولا فائدة اليوم بالتأكيد من البكاء على اللبن المسكوب وعدِّ النوى..

نحن اليوم أمام واقع.. وواقع سيطيح بآلاف الأسر التي دخلت هذه المتاهة جهلاً وطمعاً..

فالآن، وبعد سنوات من النوم في العسل، استيقظ المسؤولون وتحركوا لكبح جماح تلك الشركات، وكالعادة لجأت السلطات للإجراءات"القراقوشية" غير المدروسة.. فعندما تشمع وزارة التجارة شركات كـ(وسام الخليج) التي أعلن بالأمس عن اختفاء صاحبها وتسلله عبر الجسر، أو" الشركة السويسرية للاستثمار".. هكذا دون حجز على حساباتهم وممتلكاتهم أو حبسهم على ذمم القضايا، فإننا حينئذ نغامر بالتأكيد بهروبهم أو تهريبهم للأموال.. فقبل اختفائه حذر حسين حسن صاحب إحدى تلك الشركات من (أن المتضرّر الأوّل من إغلاق شركته هم المتعاملون "مرددا "أن إغلاق الشركة لن يعيد ديناراً واحداً من أموال الناس) وبالفعل.. فبعض أصحاب تلك الشركات لصوص بلا شك وبعضهم مغامرون حالمون كمن وثقوا بهم.. والفئة الثانية يمكنها تحت التهديد بالسجن وفقدان الحرية، أن تعيد أصول الأموال للناس أو تدبر أمورها، ولكن تكبيلها وإغلاقها بهذا الشكل قد يتخذ - مباشرة- كذريعة لعدم رد تلك الأموال!!

بالمناسبة سمعنا عن كراتين الموز التي خزن فيها كفاح القفاص 21 مليون دينار، ولكننا لم نسمع شيئاً - بعد- عن مصير الملايين التي كانت فيها!! فأين ذهبت إن كان صاحبها لم يستطع إيداعها في البنوك..؟ هل تبخرت أم صودرت أم ماذا؟


إن الجهات الثلاث "البنك المركزي، وزارة التجارة، التحقيقات الجنائية" التي قصرت على مدار السنوات الماضية بغفلتها عن تلك الشركات التي كانت تعلن - جهارا نهارا- عن عروضها الخيالية وتتضخم حساباتها دونما مسوغ ودونما محاسبة ولا أخذ ورد.. على الجهات الثلاث نقول أن تنتفض وتنشئ لجنة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وإعادة الأموال وفق تقسيم معين للناس.. سواء بسجن النصابين والتضييق عليهم.. أو بمنح المغامرين منهم فرصة لتعديل أوضاعهم وتسوية مطالبات الناس التي تعيش في محنة منذ سقوط الأقنعة عن تلك الشركات التي تحدثنا عنها في الصحافة مراراً ومنذ سنوات ولم تكن الجهات المسؤولة تكلف نفسها عناء معرفة أسمائهم!!

أما أن تغلق شركاتهم لرفع العتب؛ ويتركوا طلقاء ما يمهد لهروبهم؛ ويُعهد بمطالبات الناس للمحاكم لتمشي مسيرة الألف ميل فأمر غير مقبول.. وتحلل غير مسوغ من المسؤولية..