منتدى استراحات زايد

منتدى استراحات زايد (http://vb.ma7room.com/index.php)
-   منتدى أخبار المواقع والمنتديات العربية والأجنبية (http://vb.ma7room.com/forumdisplay.php?f=183)
-   -   3 (http://vb.ma7room.com/showthread.php?t=330387)

محروم.كوم 02-16-2010 10:30 PM

3
 

حينما فتح الباب الخلفي باستعجال وإهمال ليرمي على المقعد كيس ملابسه المتسخة، سقطت من السيارة ثلاثة أشياء: مخدة برتقالية ريشية ناعمة مخملية على هيئة قلب أحد أطرافها ملون بحبر قلم أزرق، يستخدمها لإسناد رقبته على مقعد السيارة أو تستخدمها زوجته لرفع جسدها فوق المقعد، وبالونة حمراء على شكل دب له أذنان بارزتان ووجهه الضاحك مرسوم باللون الأبيض، وشيء ثالث يكاد أن يتذكره.

قال لنفسه: أعود إلى المنزل لآخذ عطري ثم أرجع الأشياء التي سقطت مكانها. تأخر عن موعده فنزل مستعجلاً، فعاد إلى المنزل مستعجلاً، فنزل للمرة الأخرى مستعجلاً، ركب سيارته وانطلق. لم يدهس أياً من الأشياء الثلاثة، ظلت كما هي بحالتها الرائعة. رش تسع رشات أو عشرة من العطر ثم انطلق متضايقاً.

لو أنه فقط انحنى لوهلة.

المخدة البرتقالية تذكرها بعد دقائق حين آلمته رقبته. لا وقت للعودة، يتصل بزوجته فلا ترد, يضرب كف يده اليسرى بقبضة اليمنى بغضب حينما يتذكر البالونة الحمراء التي سقطت، فكل أسبوع أو اثنين يُحضر لابنه بالونة يلعب بها، وهذه المرة بقي ولده من غير بالونة لأكثر من أسبوعين، يشاهد البالونات على قناة "بيبي تي في" فيؤشر بيده ويصفق ويصرخ بفرح، ثم يبكي. آلمه نسيانه، فأطال دربه ليأخذ من متجر بعيد بعيد بالونة أخرى مشابهة، على هيئة دب له أذنان بارزتان، وملامحه الفرحة مرسومة بالأبيض البهيج.

لو أنه فقط انحنى لوهلة.

فقد ثلاثة أشياء وكاد أن يتذكر ثالثها.

أي طفل يلعب في الشارع سيأخذ البالونة قبل أن تدهسها سيارة قبل أن يمل منها ويرميها لغيره؟

ومن المحظوظ الذي سينتبه للمخدة؟ وهل ستحظة باهتمامه وبدفء أحضانه أم سيرميها بعد دقائق معدودات لتكون سقطتها الثانية؟

وربما يكون مصيرها أقل رومانسية في يد آسيوي يجمع الخردوات فيبيعها في سوق المقاصيص بمئتي فلس أو ثلاثمئة.

لا لا.. لماذا لا يلتقطها طفل صغير فرحته بالمخدة شديدة، يقدر قيمتها ويشعؤر بحنانها، فيجعلها جزءً من ألعابه أو ينزع وسطها لتكون عشاً لعصفور أو حمامة؟

أم تجدها متسولة تشم رائحة العطر الثمين الملتصقة بالمخدة فتسرح في عالم الخيال. تضعها في الكيس الممتلئ ببقايا الهمبرغر والجبس الطازج الذي بعضه مقضوم. لعلها تأخذها هدية لزوجها، أو تنتهي فوق سرير طفلها لتحل أخيراً محل مخدته العتيقة التي يسكنها العث، وتكاد بويضات ذبابة تفقس وتخرج من ثقبها الكبير - الذي يتسع يوماً بعد يوم - بعد أن تتغذى على قشور برتقالة متعفنة لم ينتبه لها الطفل لأن رائحة الغرفة هي هكذا. تتنفس من أنفاسه وتشرب من لعابة الذي يسيل حلماً كل ليلة، ومن عرقه المتصبب بحرارة لها مصادر عديدة منها: خلل في المروحة، وانتهاء الغاز في المكيف الذي لا ينفع إلا في إحداث هدير مزعج، وغياب النوافذ في الغرفة الصغيرة التي كانت في الأصل مخزناً قبل أن يضطرون إلى استخدام كل ما في المخزن، ولم يعد هناك مجال لتخزين أي شيء، فلهم في كل شيء حاجة. لكن مصدر الحرارة الأساسي هو الأجساد السبعة المتراكمة التي تنتظر ظهور الشمس لتتكرر معاناتها ولكن على الأقل خارج المنزل حيث لا أحد يلومك على التقاط شيء من القمامة.

يكاد يتعود على الأمر لولا لقطات الكارتون المفرحة المبهجة التي يراها في تلفزيونهم القديم، فتمده بشيء من الأنل، إضافة إلى ما بدأ يفهمه من أخبار في التلفزيون المحلي، كلمات مثل "ازدهار" و"نماء" و"رخاء" و"تطور" و"تنمية" و"تقدم" وتزداد مشاعره المحبة للوطن اشتعالاً في المناسبات الوطنية، ثم يعود لينام على مخدته القديمة لكن الحلم يتخلى عنه، يتقلب مراراً وتكراراً، تأتيه الضربات على رأسه كلما انقلب ولا يمتلك القدرة على الرد، ولا حتى الإرادة.

تأخذ المخدة الجديدة مكانها على سريره، فقط لأنه المدلل (نسبياً). تختفي بعد دقيقة واحدة لم تزد ثانية واحدة. معادلة القوة بسيطة، ثلاثة أكبر منه وأقوى، والأقرب سناً إليه من الثلاثة الأصغر سناً يفوز عليه أحياناً وأحياناً أخرى يخسر.

في الصباح دوماً يستيقظ والدها وهما غاضبان من كل شيء،، فليس في يومهما لا حلاوة نوم ولا سهر ولا حتى حلاوة خصام وصراخ، فكل آه مكشوفة، وحتى عندما يهدأ الأولاد مرة في الشهر – ربما – فالوسواس يلعب في عقلهما من تسرب الصوت - أياً كان - عبر الجدار المتهالك لبيتهما الآيل للسقوط، ويحسدان الأسر التي حيطات بيوتها عالية على أنها تستطيع أن تصرخ وتتجادل وتعبر عن نفسها دون قيود.

في صباح اليوم التالي أحرقت أمه المخدة. بقي منها بعض الريش فوضعه أسفل مخدته لكن دون أن يشعر أحد، إخلاصه لها جعله أخيراً يعيش حلماً رائعاً كأنه فيه طاووس تنظر إليه بقية الطيور في حسد.

...

لو أنه فقط انحنى لوهلة.

ولكن!!! يقول لنفسه: لعل من الخير أني لم أفعل.

يأمل أن المخدة وصلت إلى مكانها المناسب، منذ شهور عديدة قرر مساعدة بعض المحتاجين أملاً في "دفع البلا" لكنه انشغل كثيراً في أمور كثيرة. شيء من الضيق ينزاح عن كاهله.

أكثر الاحتمالات أن الأشياء الثلاثة غير موجودة، لكنه يأخذ نظرة احتياطية لم تسفر عن أية نتيجة. لم يتحسر أكثر من السابق.
يحمل البالونة الحمراء على شكل الدب إلى منزله، وفي يده الأخرى وردة اشتراها دون تخطيط لزوجته.

ثلاثة أشياء ضائعة يعرف أن منها البالونة الحمراء على شكل الدب، والمخدة البرتقالية المخملية، وشيء ثالث.. كاد أن يتذكره، ثم نسيه للأبد.


الساعة الآن 12:47 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.5.2 TranZ By Almuhajir


1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 105 106 107 108 109 110 111 112 113 114 115 116 117 118 119 120 121 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131 132 133 134 135 136 137 138 139 140 141 142 143 144 145 146 147 148 149 150 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 162 163 164 165 166 167 168 169 170 171 172 173 174 175 176 177 178 179 180 181 182 183 184 185 186 187 188 189 190 191 192 193 194 195 196 197 198 199 200 201 202 203 204 205 206 207 208 209 210 211 212 213 214 215 216 217 218 219 220 221 222 223 224 225 226 227