وإذا بليتم فاستتروا يا خواجة..!
 

إبراهيم الشيخ صالح

عجيب غريب، ما حدث خلال الأيام الماضية. فبعد أن نشرت "أخبار الخليج" خبر قيام (الناشط الحقوقي)! عبدالهادي الخواجة، بزيارة الكيان الصهيوني، وبجواز سفر دنماركي، كنت أنتظر النفي ثاني يوم، عبر إحدى الصُحف - كالعادة - أو الصمت في أسوأ الأحوال. لكن ما استفزني للخوض في الموضوع، هو أن ردّة الفعل، كانت مقابلة من نصف صفحة، يبرّر فيها الخواجة زيارته للكيان الصهيوني، مدعياً أنّه سيكررها متى ما استدعت الظروف!!
قرأت المقابلة، وما فاجأني فيها هو الإصرار الغريب والعجيب، من أنّ ما قام به هو موقف بطولي، لخدمة القضيّة الفلسطينية، هذا فضلاً عن محاولته في الختام قلب الطاولة على الدولة ونظامها، وعلى الكتاب وصحفهم، وأنّ الدولة تسير في التطبيع بخطة ممنهجة، بينما ما قام به من دخول الأراضي الفلسطينية المحتلة عبر مطار تل أبيب، هو أمر قانوني وعلني، وليس سرياً، كما نقل ذلك الموقع العبري (مصدر الخبر)!
لو صمتَ لكان خيراً له، لو لم يعلّق لكان أستر له، ولنناقش القضيّة بوضوح، كل المُشكلة المرتبطة بالتطبيع بين الدول العربية والكيان الصهيوني، هو أنّ الكيان الصهيوني، سَحب سُلطة المعابر لدخول الأراضي الفلسطينية المُحتلة ومنها القدس الشريف، من أيدي أصحاب الأرض، واغتصبها كحق له، فلا يدخل ولا يخرج من هناك أحد، إلاّ عبر سُلطات الاحتلال الصهيوني، عبر مطارات بن غوريون وسدي دوف وهاتزور العسكري، وغيرها من المطارات العسكرية، التي تخضع جميعها لسلطات الاحتلال الصهيوني، بمعنى آخر؛ أن أي تعامل مباشر مع تلك السلطات هو غاية المنى بالنسبة الى الصهاينة، لأنّه نوع هام من التطبيع، الذي يرفضه الشرفاء، دفاعاً عن حقوق الشعب الفلسطيني، ورفضاً لقبول سياسة فرض الأمر الواقع التي تريد (إسرائيل) فرضها على الجميع، بمن فيهم المنظمات الحقوقية، التي أشهر العديد من رجالها (غير المسلمين) أوروبيين وأمريكان، رفضهم لما يحدث، لأنه تكريس حقوقي للاحتلال، فهِمَه السيد الخواجة أم لم يفهمه.
القضيّة الأخطر، هو تاريخ فكرة السفر للكيان الصهيوني، كخطوة متقدّمة جداً في التطبيع، يأتي ما دونها بعد ذلك، من لقاء صحفيين صهاينة، أو المشاركة في برامج يتواجد فيها صهاينة.
قبل مدّة، وأثناء زيارة أوباما لمصر، دُعي الكاتب المصري فهمي هويدي لمقابلة صحفية مع أوباما، ضمن مجموعة من الصحفيين العرب، ليفاجأ كاتبنا الكبير، أنّ من بين الصحفيين المدعوين خِلسة، صحفيين (إسرائيليين)، فما كان منه إلا أن انسحب حفاظاً على مواقفه الشريفة في الدفاع عن مبدأ رفض التطبيع، ورفض القبول بالأمر الواقع، الذي يريد الكيان المحتل تكريسه، وهو ما نفّذه الخواجة بمهنية واحتراف!
ليس ذلك فحسب؛ فعلى الصعيد الرياضي، رفض اللاعب المغربي مروان الشماخ مرافقة فريقه الفرنسي إلى (إسرائيل) رفضاً لمبدأ التطبيع، وقبله فعلها لاعبون مصريون كبار مثل أحمد حسن وعبدالظاهر السقا وأيمن عبدالعزيز واللاعب الجزائري كريم مطمور والسعودي حسين عبدالغني، حيث رفضوا جميعهم الدخول إلى الكيان المحتل مع فرقهم الأوروبية أولاً عبر مطاراته، ثم رفضوا ثانياً اللعب ضد أندية (إسرائيلية)، والسبب طبعاً شرف الانتماء، وحفاظاً على مبدأ إسلامي وقومي لا يمكن التنازل عنه. كما رفض اللاعب المصري عمرو زكي اللعب مع نادي بورتسموث الإنجليزي لوجود لاعبين (إسرائيليين) في الفريق!!
وقبل أن أختم أستذكر خبر الراقصة المصرية، التي كانت تؤدي وصلتها في الرقص، لتعلم بعد ذلك، أن بين الحضور السفير الصهيوني في القاهرة وعدد من ضيوفه القادمين من (إسرائيل)، هنا لم تتمالك نفسها، وأجبرها شرف الانتماء السياسي، على التوقف وطرد السفير ومن معه، في موقفٍ وفهمٍ سياسي تفوّقت فيه كثيراً، على فهم السيد الخواجة لفكرة التطبيع!!
منظّمة كبيرة، لم تستطع إرسال آخرين سواك يا خواجة، هل يُعقل ذلك؟! ووفقاً للتبريرات الساذجة التي وردت في مقابلته الأخيرة، يعني أننا نستطيع السفر إلى القدس، وإلى المسجد الأقصى، عبر التطبيع الديني، وهو أوجب من التطبيع (الحقوقي)! وهو الأمر الذي أفتى بحرمته غالبية علماء أهل القبلة!!
يقول الحديث الشريف، وإذا بليتم فاستتروا، وأنا أقول لأولئك، كفاكم لعباً بالأوراق، فيكفي المرء في تلك المصائب، أن يستر نفسه وعيبه، بدل أن يستأسد بتبريرات ساذجة، يكذب بها على نفسه، ويفضح بها عوراته بين الخلائق!!