«لما سيدنا يزيد قتل سيدنا الحسين»
 

«لما سيدنا يزيد قتل سيدنا الحسين»
لميس ضيف

http://www.alwaqt.com/imagescache/28...hor100crop.jpg


يختزل الإخوة المصريون واقعة كربلاء بعفوية بقولهم ''هي لما سيدنا يزيد - قام أيه- قتل سيدنا الحسين'' وهي عبارة كنت أظنها لوقت قريب مقتصرة على بعض العوام والبسطاء حتى سمعتها تردد من مثقفيهم وبعض دعاتهم أيضا.. بالطبع لا يشكك أحدٌ منا في حب المصريين وتوقيرهم للإمام الحسين الذي يحتضنون مقام رأسه منذ قرون؛ ولكنَّ ثمة أمرا يستدعي التحليل والتأمل في هذا الموقف الذي ترى شبيهاً له عند كثير من مسلمي العالم العربي..

فالتعبير أعلاه؛ وليد ذخيرة من الروايات التاريخية والخطب التي سطحت واقعة كربلاء وصورتها على أنها تقاتل على السلطة ومغانم الدنيا وتغاضت - بشكل جزئي- عن انحراف يزيد وجهاد الحسين؛ وركزت على فعل الصراع - كصراع ونتاج- لا على دوافع المتصارعين ومنطلقاتهم.. في المقابل فعل الشيعة النقيض: خلدُوا الواقعة وربوا عليها أجيالهم جيلاً بعد آخر واستخدموا في تجسيدها الشعر والنثر والأداء المسرحي.. واستحدثوا لأحيائها طقوساً؛ عُدَّت في ما بعد شعائر، لخلق ارتباط وجداني وعاطفي ذي ديمومة تصمد عبر الزمن والتحولات..

المفارقة كانت أن البناء القصصي والشعري الذي قدم فيه الشيعة الواقعة؛ فضلاً عن شعائر الأحياء الرمزية التي تستخدم اللطم والأكفان والأطفال والشموع والزناجير والسيوف أحياناً؛ وإن كانت قد ساهمت -من جهة- في تخليد الواقعة وصهر أبناء المذهب فيها ''من كافة الأجيال ومن متدينين وغير متدينين''، إلا أنَّها في الوقت نفسه جعلت الواقعة/ الثورة تبدو للآخرين - من غير الشيعة- كأسطورة ''حصرية للشيعة'' مبالغ في تقديرها وقراءتها.. وهو ما حوَّل الحسين من رمز للأمة الإسلامية - كما يفترض به أن يكون- إلى رمز للطائفة.. وحول الواقعة من صراع مبدئي بين قوى الخير والشر؛ والإصلاح الفساد، إلى صراع بين السادة على الحكم؛ صراع مؤلم هزَّ هيبة التاريخ الإسلامي ومهَّد لانشقاق المسلمين وتخندقهم في طوائف ونِحَل..
شيئان يلامان في تقديري على ظلم مبادئ الثورة الحسينية وضياع رسالتها: كتب التاريخ الإسلامي التي كُتبت بمعية السلاطين والسياسيين والتي يأتيها الباطل من خلفها وأمامها وفوقها.. وعجز الشيعة الذين آمنوا وتواصوا بها، لا عن نشرها والترويج لها بين الآخرين فحسب، بل عن عدم الإضرار بها والتنفير منها بممارسات وروايات أضرت الثورة ومنطلقاتها أكثر مما نفعتها!!

في السنوات الماضية؛ قامت عدة مشاريع لإنتاج مسلسلات درامية تاريخية عن حياة الإمام الحسين (ع) وعترته، ولكنها أجهضت لكونها انطلقت من المقولة عنوان المقال، وبالتالي خُشي عليها من غضب الشيعة في العالم العربي!! في المقابل ترى الشيعة ينفقون سنوياً ثروات في إحياء هذه المناسبة؛ ورغم ذلك لم نجدْهم قد توجهوا للعالم بإنتاج درامي يتيم يحاول إيصال صورة المشهد ''كما يرون ويطمحون'' للناس.. ناهيك بالطبع عن أن كل الأصوات التي تطالب بتجديد طرق إحياء ذكرى الواقعة/الثورة بطريقة مقبولة ومستساغة للآخرين - تُرجم- وتعتبر مارقةً متمردةً على المذهب؛ وكأنَّ الهدف من عاشوراء هو الأجر والثواب وجمع الطائفة؛ لا إحياء مبادئ الحسين ونشر قيمه!!
نعم؛ لقد لجأ الأولون للنياحة واعتمدوا الاستدرار العاطفي لحفظ تاريخ الواقعة ونشرها وضمان الالتفاف حولها ما يقول المؤرخ الفرنسي غيبون: إن ذكرى الحسين تحيى في تخوم الهند وأعماق العجم، وما وراء الترك والديلم إلى المغرب الأقصى بفضل قوة رسالتها، ففرقة الشيعة حتى في زمن السلاطين الصفويين لم تسع لنشر رسالتها بقوة السيف بل ترقت هذا الترقي المحير للعقول بقوة المنطق الذي هو أشد تأثيراً من السيف''.. المؤلم اليوم أن النياحة - التي سيقت للترويج للرسالة- بقيت.. أما الرسالة - ذاتها- فأهدرت وسُطحت.. وضاعت بوصلة المسلمين فما عادوا يفرقون بين الحقائق والأباطيل!!