منتدى استراحات زايد - الرجل الذي يشبه أبي

اللهم صلِ على محمد وآل محمد

أتذكّر في صغري أنّ الشتاء كان مبعث فرحاً لنا؛ كنا نحمل مظلاتنا الصغيرة ونركض في زقاق قريتنا غير مبالين

بالضرب الذي تنتظره ظهورنا عقاباً لنا عند عودتنا للمنزل

كبرنا ولم يكبر الطفل المحبّ للشتاء في داخلنا، كان هذا الفصل الممطر - وحتى الشتاء الماضي - ينشئ في ذواتنا

رغبة جنونية للركض تحت المطر والمشي في الطرقات المبلّلة ونحنُ حفاة

ولكن الطفل في داخلي شاخ فجأة، عندما جاءنا اتصال في فجر أحد الأيام من مشهد المقدّسة يحمل لنا خبر وفاة الوالد.

هبطنا على أرض مشهد وتفاجأنا بالغيوم الرمادية التي تملأ السماء مع حبات المطر، لم نتوقّع أنّ مشهد لا زالت تعيش

أواخر الشتاء فيما كان الربيع قد غطّ على الخليج

أيام قليلة وانتهينا من اجراءات استخراج شهادة الوفاة وشراء قبر والدفن هناك، ودّعنا القبر وزخّات المطر تغسل التراب

عن رخامته البيضاء الباردة

كنتُ أستشعر برودتها وأنا أتذكر دفء أصابعكَ يا والدي..

عدنا سريعاً للبحرين وعاد الجميع - بعد انتهاء أيام العزاء - لرتابة مشاغله اليومية. اعتدتُ على الذهاب للدوام كل

صباح في تمام الساعة السابعة إلا ربع، لم أكن أغيّر الوقت أبداً

لكنني اضطررتُ في أحد الأيام للخروج مبكراً لقضاء مشوار قبل الذهاب للعمل، أتذكّر أنّي كنتُ ممسكة بكيسٍ شفّاف

يحتوي على بعض الأوراق قبل أنْ أفاجئ بمرور رجلٍ كبيرٍ من أمامي يشبه أبي كثيراً!!

أصبحتُ كالصنم لعدة دقائق، لم أستوعب ما رأيت بعد..

كانت شماغ الرجل ملفوفة بطريقة تشبه شماغ والدي رحمه الله، ويحمل الخبز الإيراني بيده كوالدي أيضاً

دقيقتان فقط واختفى الرجل بداخل أحد الزقاق، ظننتُ لثواني بأنّ أبي قد عاد للحياة..

يتبع..