منتدى استراحات زايد - الأســـوار و الجـدران

الأســـوار والجدران
الطفل الذي ولد قبل عشرين عامآ في برلين
لا يعرف الجدار إلا بصفته معلمآ سياحيآ *
لأن الثقافة التي إقترنت به لم تعد قائمة إلا كأطلال وأشباح في ذاكرة من تجاوزوا الخمسين .
عندما ســقط الجدار شهد العالم تحولات أنذرت أكثر مما تبشر بنظام
كوني جديد ، المقالتان اللتان كتبتا في ذلك العام تحولت إلى كتابين شهيرين
ملأتا الدنيا وشغلتا الناس ، ولا تزال الردود عليهما ترشح من الصحف ومن الميديا كما ترشح وتفيض الردود في منتدي المنتديات ؟؟؟؟؟
السجال لم ينته بعد، لأن التاريخ كذب من نعوه وشيعوه ولم يسدل عليه الستار .
الجدار فاصل بين لغتين تنبعان من لسان واحد
شطر العاصمة إلى نصفين مرصعين بالشعارات بدلا من أن ترصع بالفسيفساء .
واللغة الواحدة عندما يتحدث بها شعبان مختلفان فكريآ وإيديولوجيآ وسياسيآ
وإقتصاديآ تتحول إلى لغتين رغم أن الحروف واحدة ومعاني الكلمات في المعاجم هي ذاتها ، ولكن كلمة شرطي أو فقر أو حرية أو إختيار لم تعد تعني لدى من يعيشون شرقي الجدار أو غربه. الدلالات تتغير بمرور الوقت .
وعندما تحول ما تبقى من جدار برلين إلى جدارية مفعمة ومطعمة بالرسوم والالوان
فإن زمنآ جديدآ قد بدأ يتشكل
احتفظ كثير من الناس بما تبقى من قطع الاحجار المكسرة من الصور ،
لأن بعد تدميره أستخدمت ما يشبه طوابع البريد ، تم تداولها وإرسالها للإصدقاء والأحباء .الجدار الذي شيدته الصهيونية في فلسطين بعد إن إلتهم الكثير
من الأرض وقضم الكثير من جذور التين والزيتون والصفصاف .
سيتحطم مثل جدار برلين عاجلآ أو أجلآ لأن الشعب الفلسطيني
لا يقبل تجزئة الأرض إلى جزئين واللغة إلى لغتين والكلمة إلى كلمتين
ولن يرضى حتى لو تم هدمه على الرؤوس .
جدران تسقط وأخرى تقوم والجدل دائر بين من يبني ومن يهدم وبين من يبشر بإنسانية بلا حدود ومن يريد إعادة الناس إلى ما قبل الدولة والتمدن والقانون .
فشل جدار برلين بأن يقسم فلاسفة وشعراء إلى أنصاف،
لهذا لم يدم طويلآ، الثقافة الأصيلة تنتصر في النهاية ،
مثلما إستطاعت فيروز أن تكون القاسم المشترك بين كل الطوائف
في لبنان ، فقد كان صوتها ولا يزال يعبر الحواجز ولا يجرؤ أحد أن يسأل عن الهوية أو الإنتماء، لأن إنتمائه إلى تراب يخص الجميع ، وإلى خريطة يتطابق فيها التاريخ بكل عمقه مع الجغرافيا بكل مساحتها .
أن الأسوار والعوازل قد تتحول إلى أطلال .
يلتقط السياح الصور بجوارها . لكن الأفكار والمفاهيم التي أدت إلى إنجازها ليست كذلك . الفكرة تدم أكثر من أي تمثال حجري يجسدها ،
لأن عوامل التعرية لا تصلها إلا إذا جاءت من التاريخ بعد أن تنتهي صلاحيتها ويلفظها العقل .
ذكرى ســقوط الجدار مناسبة لتأمل الجدران كلها .
بعد سقوطه حاول البعض بناء جدران بين أحياء العاصمة الواحدة كما في بغداد وثـمة أسوار غير مرئية وليست من حجر أو إسمنت أو حتى أسلاك مكهربة
إنها من صناعة ذهنيات سياسية تركها بحر التاريخ وراءه في لحظات المد والجزر فتحجرت كالأســماك .

مع خالص تحياتي لكم
نجيب ايوب