البرطمانيون يصحون متأخرين!
 

البرطمانيون يصحون متأخرين!


http://www.alwasatnews.com/pictures/writers/w34.jpg
قاسم حسين

تاريخ البحرين السياسي الحديث لم يبدأ بإعطاء رخصة لتأسيس جمعية «الوفاق»، وحيوية هذا الشعب لن تتوقّف بالتجنيس!

السيمفونية الأكثر رواجا هذه الأيام هي أن السلطة أخطأت خطأ استراتيجيا قاتلا حين سمحت بتأسيس جمعية «الوفاق»، ولكنهم لا يتجرأون على الحديث عمّا سبق تأسيس «الوفاق» من إرهاصات.
بداية لست عضوا في «الوفاق» ولست ملزما بتبني الكثير من مواقفها، ولست مدافعا عنها، وكثيرا ما انتقدت أخطاءها، ومع ذلك لا يمكن الإغضاء عن حملة التزوير الفاضح للوعي العام. فالطائفية والتمييز كانا قبل «الوفاق»، وقبل أحداث التسعينيات.
اليوم يلمحون باستحياءٍ إلى أن منح الحكومة ترخيص «الوفاق» ربما لا يكون خطأ استراتيجيا بل خطوة مقصودة ومتعمدة من باب «فرق تسد». إذا... صح النوم! (توكم منتبهين)؟
على ان الاكتشاف المتأخر جدا جدا، بأن النظرة القصيرة لأي حكم التي تضع الاحتراب الداخلي صماما لأمنه ومنجاة من المحاسبة الشعبية، هي نفسها معطلٌ للتنمية ومهددٌ للاستقرار الداخلي! وهذه «الصحوة» احتاجت عشرين عاما حتى تتضح الرؤية ويتبدد الغَبَش عن الأبصار.
إن تاريخ البحرين السياسي لم يبدأ بإعطاء رخصةٍ للوفاق، فقد سبق ذلك وجود حركة شعبية طالبت بعودة الحياة البرلمانية، وتم توقيع عريضتين نخبوية وشعبية، ودخلت سياسة «فرق تسد» حينها لتقطع عليها الطريق... فسُجن الجمري، وضُيّق على المحمود، واعتقل الشملان. وحين توحّدت القوى الوطنية والإسلامية على أهدافٍ عامةٍ للتغيير، ورفعت شعار «البرلمان هو الحل»، رفعتم كجزءٍ من النخبة المشتراة، شعار «البرطمان»، في أسوأ حركةٍ استفزازيةٍ صبيانيةٍ لن ينساها لكم شعب البحرين، الذي قدّم أربعين ضحية من خيرة شبابه ورجاله ونسائه، قربانا للإصلاح والتغيير... ثم تتكلمون اليوم عن خطأٍ استراتيجي للنظام! على من تبيعون بطيخكم في هذا الشتاء؟
ثم ان «التلصّق» بكلماتٍ قالها هذا الشخص أو ذاك قبل عشرة أعوام، لن يضمن لكم البراءة، ومن تستشهدون بكلامه في العام 2001 ليس ناطقا رسميا باسم هذه الكتلة البشرية الكبيرة من الشعب حتى تلزموا الجميع بقوله، إنما هو صوتٌ واحدٌ من بين عدة أصوات، يتيحها الحراك السياسي وحيوية هذا المجتمع المتمتع بالعافية والنشاط، والذي لم يجرِ تدجينه بعد.
تريدون أن ننشّط ذاكرتكم أكثر؟ هل نسيتم ما جرى في انتخابات 2006؟ من الذي منع المرشحين الوطنيين (النعيمي وشريف وفخرو...) من الوصول إلى البرلمان؟ «الوفاق» التي تحالفت معهم ودعمتهم أم لعبة «المراكز العامة» التي عميتم عنها؟ ومن الذي تولّى بكتاباته تنفيذ خطة «فرّق تسد» بين الإسلاميين والعلمانيين في المعارضة؟ ولمصلحة من؟
«الوفاق» لم تهبط من السماء، وإنما جاءت من رحم الأحداث، بعد نجاح سياسة «فرّق تسد» التي اكتشفتموها قبل يومين فقط! ومهما كانت ملاحظاتنا عليها، ورفضنا للتعاطي مع الشأن السياسي على أساس مذهبي أو اصطفاف طائفي، فإن «الوفاق» ابنة مرحلتها، التي أعقبت عقدين من سياسات التهميش والحرمان والتمييز. وتُوّجت بشقّ الصف الوطني وتحويل الحراك السياسي إلى حقل تصادم بين مكونات المجتمع على أسس طائفية بحتة. وختام اللعبة أن يجتمع نوابٌ في دار أحدهم، ليعلنوا دون خجلٍ، عزمهم على مواجهة «الآخر» على انه عدو، وليس شريكا في الوطن والدين واللغة والتاريخ.
احتاج الأمر إلى عشرين عاما لتكتشفوا لعبة «فرّق تسد»، فكم ستحتاجون لتكتشفوا خيوط لعبة التجنيس؟



قاسم حسين
العدد : 2614 | الإثنين 02 نوفمبر 2009م الموافق 15 ذي القعدة 1430 هـ