الأجندات السياسية ومقتضيات الفتوى(الكاتب لبيب الشهابي)
 

لبيب الشهابي

ليس لأحد كائناً من كان أن يبدي تندره من زيارة وفد من تيار معين إلى المراجع العظام لأن مكانة الفقيه ودوره في الأمة من المسلمات في الفقه الشيعي؛ فمن حق أي طرف سياسي أو ديني أو اجتماعي أن يتواصل مع المرجعية للتشاور معها في شؤون الدين والدنيا،ولكن أن تكون ''المداولات'' التي يجريها طرف هنا أو طرف هناك مع هذه المرجعيات المحترمة هي ''مفتاح الحل'' للأزمات السياسية أو مفترقات الطرق فهو أمر يحتاج إلى وقفة وتأمل.
المواقف السياسية التي تفرضها طبيعة التصدي للشأن العام تحددها التيارات السياسية في كل بلد على حدة، مع عدم الإخلال بمخرجات الأحكام الشرعية، أو الخروج على قاعدة دفع الضرر أو غيرها، إلا أن المتصدين للشأن العام من منطلق الواجب الشرعي المتمثل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حريٌ بهم أن يكونوا هم أصحاب الموقف مقتنعين بذلك آخذين في حسبانهم طبيعة الظروف الموضوعية لكل بلد على حدة، أوليس أهل مكة أدرى بشعابها؟!
ورغم النصائح السياسية التي ترد من المراجع العظام إلا أن الموقف من العملية السياسية برمتها فضلاً عن موقف سياسي معين هو وظيفة المتصدين؛ فليس للفقيه علم تفصيلي بالواقع السياسي لجميع البلدان التي يتواجد فيها مقلدوه.
وما لم يأت الحث من قبل الفقيه على شكل فتوى ملزمة لمقلديه فإن النصائح السياسية التي يريد البعض أن يجريها مجرى ''الفرمانات'' واستقطاب الناس وتحشيدهم إلى صناديق الاقتراع أو تنفيرهم منها ليست ملزمة مع التأكيد على أن ما يرد عن الفقهاء العظام من تشخيص المصلحة العليا ليس وارداً من أطفال - حاشاهم - فهم يتحدثون كما بينت أعلاه بشكل عام دون الانشغال بالتفاصيل؛لأنه أياً تكن مدة الزيارة المسموح بها للوفود مع الفقيه فإنها لأسباب أمنية أو صحية لا تكون بالقدر الذي يسمح لهذه الوفود بنقل الصورة كاملة عن الوضع السياسي لبلد ما بالدقة التي تمكن الفقيه من إعطاء رأي تشخيصي يصلح لكل بلد على حدة، سواء على شكل نصيحة أو فتوى.
ومن الغرابة بمكان أن يكون السياسيون والقادة في بلد ما، وهم بيدهم - حسب رؤيتهم - مفاتيح التغيير سواء بالاندماج في العملية السياسة أو مقاطعتها، وهم الذين يسهمون كل بحسب توجهه في تراكمات العملية السياسية،وهم الذين سيكون لحراكهم السياسي من داخل المؤسسات الدستورية وخارجها تأثير على مستقبل العملية السياسية،أم هل عقمت أرحام البحرين عن أن تلد مرجعية سياسية أو دينية بإمكانها أن تقنع الناس وتوجههم باتجاه سياسي معين؟
إذا كان البعض يعتقد مؤمناً بأن في البحرين فقهاء متصدون للشأن العام، وأن شعبيتهم الجارفة من شأنها أن تسهم في التوجيه السياسي للجماهير باتجاه موقف معين فلماذا يستوردون نصائح من المراجع العظام؟ فهل نصائح الخارج توفر قدراً من الاقناع لا تتحصل عليه نصائح الداخل؟
السيد السيستاني والسيد الحكيم وغيرهم من الفقهاء العدول لن يكونوا موجودين بين ظهراني كتلة برلمانية، أو تيار سياسي معين،ولن يكونوا معنيين بمجمل الحراك السياسي وتفصيلاته، ولن يكونوا هم المتصدون للشأن العام بحذافيره، بل تقع هذه المسؤولية على المتصدين الحقيقيين؛ فعليهم أن تكون قراراتهم منسجمة مع أدائهم السياسي سواء من داخل المؤسسات الدستورية أو غيرها.
ولا بد أنكم تتذكرون جيداً أن ما ورد عن السيد السيستاني في الانتخابات السابقة جاء على شكل ''نصيحة'' ولم يكن ''فتوى'' شرعية ملزمة لجميع مقلديه يكون العمل بها مجزءاً ومبرئا للذمة،بحيث لو خالفها مقلدوه دون غيرهم فإنهم ''مأثومون''، وهذه الحكمة من سماحة السيد جعلته لا يورط نفسه بفتوى ملزمة كان من شأنها لو أن النتائج لم تسر في سياق قاعدة دفع الضرر واستجلاب المنفعة لكان اللوم سيقع على مقام المرجعية المقدس، وهو أمر لا ترتضيه المرجعية لنفسها؛مما جعلها تفسح المجال للاجتهادات السياسية وما تفرضه طبيعة التصدي للشأن العام.
وللعلم فإن نصيحة المراجع العظام تأتي في مجملها في سياق دفع الضرر واستجلاب المنفعة فيما يتعلق بالمشاركة في العملية السياسية أو مقاطعتها،وأن الإجابة التي يريدها كل طرف من الأطراف السياسية في الساحة ستكون مرهونة بصيغة السؤال، بل وبهندسة السؤال نفسه.
فلو قصد وفد من الراغبين في المشاركة إلى المرجع ووجه له سؤالاً كهذا السؤال مثلاً: أليست المشاركة في المؤسسات السياسية للدولة من شأنها أن تدفع الضرر وتستجلب المنفعة، وأن تسهم في حفظ الدين عن طريق مراقبة التشريعات المتعلقة بالدين، وحفظ بيضة الإسلام مما تنصحون به سماحتكم؟ فماذا ستتوقعون أن يكون جواب المرجع؟
وهذا هو بالضبط ما ستكون عليه الإجابة في حال كان الوفد الزائر للمرجع من الداعين إلى المقاطعة وجرى تغيير السؤال بما يتناسب مع رؤيتهم،وعلى ذلك فقس ما سواه.