منتدى استراحات زايد - قاسم حسين "الطائفة الثالثة!"

من جريدة الوسط البحرينية : العدد : 2565 | الإثنين 14 سبتمبر 2009م الموافق 24 رمضان 1430 هـ

للكاتب الصحفي القدير قاسم حسين

الطائفة الثالثة!
في سياق تعليقه على تصريح وزير الداخلية بشأن «مراجعة سياسة التجنيس»، استخدم إبراهيم شريف مصطلح «الطائفة الثالثة»، في إشارة إلى عشرات الآلاف من أبناء الأوطان الأخرى الذين تم تجنيسهم سياسيا في السنوات الأخيرة.

ربما نتفق مع شريف في بروز كتلة سكانية كبيرة من حاملي الجنسيات الأخرى، لكنها لن تكون «طائفة ثالثة»، وإنّما «طوائف» عديدة، بعدد الجنسيات والأوطان واللغات التي تم تغييرها لتذوب في هذه البقعة الصغيرة التي تغص بسكانها الأوائل.

الكتلة السكانية الجديدة لن تكون طائفة واحدة، وإنّما ستبرز ككتل وتجمعات سكانية منغلقة على نفسها، فيما يشبه الـ «غيتوات»، وسيكون لهذه «الطوائف» دورٌ كبيرٌ في تحديد المسار السياسي للبحرين في غضون السنوات العشر المقبلة ليس أكثر، بما لم يخطر ببال أنصار ورعاة ودعاة التجنيس.

ليست قضية تفاؤل ولا تشاؤم، فالتحليل السياسي لهذه القضية يجب أن يكون بعيدا عن العواطف والحساسيات، فهذه هي النتائج المرتقبة لسياسةٍ اصطدمت بممانعةٍ شعبيةٍ واسعة النطاق، من أغلب مكونات الطيف الوطني والسياسي بالبحرين في السنوات الأخيرة.

الوزير في تصريحه الأخير أعاد استخدام شعار قديم، حين قال إن «شرف حمل الجنسية البحرينية يناله من يستحق هذا الشرف»، وهو كلامٌ ردّ عليه شريف نفسه قبل عامين حين قال إنه بهذه المعادلة «يجب أن نهب الجنسية البحرينية لكلّ الأشراف في الوطن العربي والعالم وهم بالملايين»! وهو شرفٌ لا تتحمله البحرين وحدها، ويجب أن تقوم بأعبائه دول أكبر منا مساحة، وأغنى منا اقتصادا، فنحن أصغر دولة عربية، وأصغر اقتصاد خليجي، فلماذا نحمّل أنفسنا أعباء لا تتحمّلها مالية قارون؟

على أن مأزق التجنيس السياسي، خرج عن نطاق الجدل السياسي الداخلي إلى النطاق الخليجي بعد التداعيات الأمنية على المستوى الإقليمي. فمبرّر منح الجنسية بالقانون لم يعد يصدقه أي بحريني من أي محافظة كان، فالآثار تعدّت جانب الصراع المحتدم على فرص العمل المحدودة، إلى بيت الإسكان والخدمات الصحية وفرص الوظيفة والبعثات والترقيات في التعليم. وهي كلها محاور ساخنة يعاني منها عشرات الآلاف من المواطنين «القدامى»، وستزداد سخونة مع الأيام.

البحريني ليس عنصريا. إرث التاريخ وفروض الجغرافيا، وطبيعة العمل في البحر والزرع، كل ذلك أكسبه رقة الحاشية، وتلك «الطيبة» التي يفخر بها دون تبجح أو ادعاء، وأصبح يُعرف بها أينما ارتحل. مع ذلك لن يقبل البحريني، من أيّ محافظةٍ كان، استبداله بعشرات الآلاف من أبناء الجنسيات الأخرى، لأيّ سببٍ سياسي كان.

سياسة التجنيس تحتاج فعلا إلى مراجعة صارمة وإيقاف، فلم يعد البحرينيون يتلقون الترحاب في المطارات الخليجية كما كان قبل حركة التجنيس، بل أصبحت تلاحقهم نظرات الشك، وبعض جيراننا لا يتردّد في إسماعنا عبارات التهكم بعد أن هانت هوياتنا على أنفسنا وأهلنا.

إن كنا نبحث عن الأمن في المستقبل، فإن التجنيس لن يجلب إلا مزيدا من الاضطراب السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وخصوصا أن الكثير من البيئات الأصلية للفئاتِ المستهدفِ تجنيسها، مبتلاةٌ أصلا بانعدام الأمن وتفريخ الإرهاب. ويكفيك أن تراجع الخريطة، أو تشاهد الفضائيات التي تبث أخبارا على مدار الساعة عن المناطق الملتهبة بالحرب والعنف والخراب.

إن بلدا يتراجع عن تكريس قيم التعايش والثقة بين مكوّنين اجتماعيين كبيرين، يشتركان في اللغة والدين والحب والتاريخ والأرض... سيكون أكثر عجزا وشللا حين يتوزع أشلاء وطوائف جديدة وكانتونات.

كلام واقعي جدا جدا