مكافآت النواب... بألف عافية عليهم !
 

مكافآت النواب... بألف عافية عليهم !

http://www.alwasatnews.com/pictures/writers/hasanm.jpg
حسن المدحوب

كلما أردنا الابتعاد عن الحديث عن النواب وتركهم يهنئون بإجازتهم السنوية التي مضى عليها أكثر من ثلاثة أشهر ونيف وبقي منها نحو الشهر والنصف، يصر إخواننا النواب إلا وأن يجعلونا نخوض في شئونهم وأمورهم، ليس لأننا لا نجد قضية غيرهم فنفتحها، بل لأن القضايا التي يجروننا إليها هي شئون تمس وتخص المواطنين في الأصل، حتى قبل النواب أنفسهم.

تقول المادة 96 من الدستور «تُحدد بقانون مكافآت أعضاء كل من مجلس الشورى ومجلس النواب، وفي حال تعديل هذه المكافآت لا ينفذ هذا التعديل إلا ابتداء من الفصل التشريعي التالي».

لنتحدث صراحة، الدستور هو أبو القوانين، وقد نص بشكل لا مواربة فيه على أن المكافآت تحدد بقانون، أي أن الجهة الوحيدة المخولة بتحديد هذه المكافآت هي السلطة التشريعية، بدءا من النواب، فعلامَ استغنى هؤلاء عن حق أصيل لديهم وأعطوه لجهة أخرى في مخالفة صريحة للدستور، الذي لم يعطهم حق تفويض أية جهة بإصدار أي تشريع عنهم ومن دون أن يمر عليهم.

الخطير في الموضوع ليس زيادة مكافآت النواب، وإن كنا لا نجد مبررا لا أخلاقيا ولا شرعيا وحتى سياسيا لها وهي تأتي في الدور الأخير من عمر المجلس الحالي، وتأتي في الوقت الذي لا تجد الحكومة من يقرضها لإنشاء المشروعات الإسكانية التي وعدت الناس بها، وفي الوقت الذي يرزح المواطنون تحت ضنك غلاء مستلزمات الحياة وارتفاع معدلات التضخم في مقابل بطء نمو الرواتب وخصوصا في القطاع الخاص، الخطير في الأمر هو كيف تجرأ النواب على مخالفة الدستور الذي أوضح الكيفية الحصرية في تحديد المكافآت بـ «القانون» من دون أي طريق آخر، فإذا كان النواب اليوم تنازلوا عن حق أصيل كفله لهم الدستور مقابل مبالغ قد لا تزيد على 500 دينار في الشهر، فما الذي سيمنعهم مستقبلا من الاستمرار في هذا النهج لغاياتٍ أو أغراض أخرى!

سألتُ عددا من رجال القانون، عن قضية التفويض فأوضحوا لي أنها حيلة سياسية يلجأ لها البرلمانيون في بعض الدول عندما يريدون أن يمرروا أحد أمرين في الغالب، الأول زيادات لهم في مكافآتهم - وهو ما حصل عندنا -، والأمر الثاني يتعلق بالحريات العامة، حين يراد التضييق عليها، فيلجأ النواب في هذا التفويض غير المسند قانونا، غالبا إلى السلطة التنفيذية لتفادي نقمة الناخبين أو على الأقل التقليل من حدتها، كون أن الأمر لم يخرج من عندهم بل من جهات أخرى لا يد لهم عليها.

وإذا كان هناك من يروج مبررا لهذا التفويض أنه جاء لحساسية هذا الموضوع وصعوبة تحديد هذه المخصصات لأعضاء المجلسين من قبلهم كونهم المعنيين بها، فلنا أن نسأل النواب في هذا المقام سؤالين، الأول هو في أية مادة دستورية يوجد هذا التبرير؟

وثانيا: لماذا لم تنهجوا النهج ذاته في قضية تقاعدكم الذي أقرته أيديكم حينما صوتم عليه، أم إنكم وجدتم أن الحديدة كانت أشد حرارة من احتمالكم، فلجأتم لمن هو أشد منكم قوة وبأسا؟

اليوم لا يحق لأي نائب أو كتلة برلمانية أن تتباكى رافضة للزيادة و «الهبرة» المرتقبة لأن الجميع بلا استثناء منهم وافق من دون أدنى تحفظ حينها على سلب صلاحياتهم التشريعية، وتفويضها لغيرهم، وكأن هذه الصلاحيات التشريعية، ألعوبة يلعب بها النواب حينما يريدون، ومتى ما أرادوا رموها لغيرهم ليواصل اللعب بها.

ثم تعالوا أيها النواب، ألا تعلمون إن مكافآتكم أصلا متضخمة، ألا يكفيكم أن تحصلوا على 3250 دينارا في الشهر الواحد في الوقت الذي يحلم الآلاف من المواطنين أن يحصلوا على معشار ما تحصلون؟

هل لنا أن نسألكم عن الآلاف التي ستحصدونها من هذه الزيادة من أين ستتم تغطيتها، وأنتم للتو وقبل إجازتكم التي مازالت مستمرة قد أقررتم للحكومة أن تقترض لسد نفقات رواتب المواطنين بالقطاع العام، فهل تريدونها أن تقترض أيضا من أجل زياداتكم؟

لا أحد ينكر أن النواب يستحقون بدل ما ينالونه أكثر من ذلك، لكن هذا المنطق ينطبق على جميع المواطنين، فالطبيب يستحق أكثر، والمهندس كذلك، وباقي المهن تباعا، فعلامَ يستبق النواب جميع أولئك، وهم ما وصلوا لكراسيهم إلا ليدافعوا عنهم وعن مطالبهم!

خطابي الأخير، عبارة عن مقترح أقدمه للإخوة في «الوفاق»، وهم الوحيدون الذين أعلنوا صراحة أنهم ضد أية زيادات للنواب، نتمنى منكم يا نواب الشعب أن تكونوا المثل الأعلى - وأنتم كذلك - لإخوانكم النواب، وتعلنوا عن أن المبالغ المزادة لن تبقى في حسابات نوابكم بل ستتم جبايتها منهم، وينشأ لها صندوق خاص للعمل الخيري أو لأي أمر مقارب، لأنكم حينها ستكبرون أكثر في أعين الناس، وسيعلم الجميع أن قولكم يتلوه العمل، وكذلك هي دعوة موجهة إلى الكتل الأخرى كذلك، لأنكم بعد أن تقوموا بذلك لن تجدوا إلا قولا واحدا يطرح حينما يتم الحديث عن مكافآتكم «عليكم بألف عافية».


حسن المدحوب