نادر المتروك .. صوموا عن الغلوّ والإسراف
 

إشكالات
صومُوا عن الغلوّ والإسراف
نادر المتروك


لا أدري لماذا يصرّ البعض على ''تخريب'' الصّوم، وفي أوّل يوم من رمضان؟! مباشرةً، وبدون لفّ ولا دوران، مناسبة هذا السّؤال هو خطبة النّائب السّيد حيدر السّتري، والتي تحدّث فيها عن الشّيخ عيسى قاسم بكلامٍ لا أعتقد أن تقوى الشّيخ واحتياطه - بتعبير الزّميل عبّاس المرشد - تقبله أبداً (انظر: ''الوقت''، ع 22 ,1279 أغسطس 2009). الشّيخ قاسم رفضَ طبْع صوره، فهل يقبل بكلامٍ تقديسي جاوَز حدود المبالغة، ومن الممكن أن يفتح الباب أمام تراشقاتٍ لا أحدَ يعتقد أن الشّيخ يطلبها أو يتمنّاها؟! ما معنى أن يُشبَّه الشّيخ قاسم بالإمام علي بن أبي طالب، وضمن خطابٍ ترويجي موبوء بإرثٍ قديم من المطاردة الحزبيّة؛ كنّا نظنّ أنّ القوم تخلّصوا منه وندموا عليه ضمناً، وإنْ لم يعتذروا من ضحاياه علناً؟ ليس ممنوعاً على أحدٍ أن يمتدح أحداً، خصوصاً إذا كان الممدوح من العلماء المعروفين بالطّهارة الرّوحيّة والنّزاهة، والشّيخ قاسم منهم، ولكن من غير الحميد أن يأخذ المدح ذلك الشّكل التّعظيمي المبالَغ فيه، خصوصاً حينما يُطرح بشكل علني، وفي ظروفٍ ملتبسةٍ، ومليئةٍ بالقيل والقال. لن يكونَ كافياً القوْل إنّ المسألة مجرّد ''تشبيه بلاغي''. وأيّ كلامٍ يُبرِّر ما قيل فيتحدّث عن حرّية الولاء والتّعبير عن عشْق القيادة؛ سيكون فذلكةً لفظيّة تتحايلُ على الواقع. فمن حقّ المرء أن يسأل النّائب السّتري عن الغاية التي يريد الوصول إليها من هذا الكلام، وفي هذه الظّروف العصيبة التي تجتاح تياره الدّيني؟! هل يرغب في مزيدٍ من المفاصلة مع جمهورٍ، قلّوا أو كثروا، إلاّ أنهم موجودون، ويحيطون به، ويُعبّر عنهم نخبةٌ من العلماء؟! ماذا سيكون المصير ''الدّيني'' و''العقيدي'' لأولئك الذين يختلفون مع الشّيخ قاسم في الاجتهاد السّياسي والحركي؟! أكرّرُ، ليس مُتاحاً لعاقلٍ أن يقتنعَ بأنّ المسألة لا تعدو أن تكون خطاباً ولائيّاً لا صلة له بالسّجالات الجارية، وبالتّالي فلا أحد يمكنه أن يُنكِر التّداعيات السّلبيّة لتلك الخطبة غير الموفّقة.
خطابُ النّائب السّتري لن ينفعَ معه توضيح آت. رغم أنّ أيّ توضيح، فيما أظنّ، لن يكونَ أفضل حالاً من التّوضيحات ''التأزيميّة'' التي نطقَ بها زميله الشّيخ حمزة الدّيري بُعيد حادثة المنع الشّهيرة. أخطرُ ما في الأمر، هو أنّ الأحوال تُوحي بأنّ جملةً من زعماء التّيار ''التّقديسي'' - لن أقول بعد اليوم ''التّيار الولائي'' - عازمون على المضي في النّهج التّقسيمي، وبدرجاتٍ صاعدة في شهر الله. في نفس يوم خطبة الغلوّ هذه، تحدّث المرجع محمد حسين فضل الله عن أنّ رجل الدّين لا يُمثّل الدّين، داعياً إلى نقد رجال الدّين وعدم إسباغ القدسيّة عليهم (انظر: ''الأخبار'' اللّبنانيّة، ع21 ,901 أغسطس 2009). هذا هو درسُ رمضان المبارك، وما عداه، فلا يمتّ له بصلة.

- ملاحظة: كُتب هذا العمود يوم الجمعة؛ أوّل رمضان بحسب رأي السّيد فضل الله.