منتدى استراحات زايد - لبيب الشهابي: الدور الريادي للجماهير

الدور الريادي للجماهير
لبيب الشهابي
http://alwaqt.com/imagescache/310blog_author100crop.jpg
تحاول القوى السياسية أن تخطب ود الجماهير وتغازلها؛ فهي تعتبرها وقوداً لكل عملية انتخابية، ولكن حين تنتهي السكرة وتأتي الفكرة يطلب إليها أن تدخل في ''بيات حركي''، وعلى النخب التي صوت لها الجمهور ودعمها أن تفكر نيابة عنه، وتتخذ القرارات المتعلقة بحاضره ومستقبله، وهذا المسعى من قبل النخب السياسية والقيادية يحول الحركات والقوى السياسية إلى كيانات نخبوية تتخذ فيها القرارات في بروج عاجية يكون الجماهير آخر اهتماماتها، ويطلب منها أن تستريح فهناك من يفكر عنها، وسيستدعيها عند الحاجة!
حين تقترب الانتخابات الرسمية، الحزبية أو المحطات المصيرية نرى الكيانات المختلفة تتسابق لإرضاء الجماهير وتوجيهها إلى مبتغياتها وبرامجها السياسية من أجل دعم هذه الفئة أو تلك، ويتم تحشيدها لتبني هذا النهج أو ذاك، ولكن بعد أن تفرز الانتخابات إفرازاتها، وتتشكل الخريطة السياسية أو الحزبية فإنه يطلب من الجماهير بكل أريحية أن تراوح مكانها، وتجمد عقلها، وتنتظر الإنجازات - إن وجدت - تحت ذريعة التفويض أو الإنابة.
ولكن ألم يحن الوقت للجماهير أن تكون مسؤولة عن خياراتها؟ ألم يحن الوقت لكي تكون الجماهير أكثر وعياً ودراية وتأثيراً في الحراك العام، وتوجيهه إلى ما يخدمها ويفيدها، ويحقق تطلعاتها وآمالها؟
أقول:إن الجماهير مطالبة أكثر من أي وقت مضى أن تكون أكثر تأثيراً، وأن تكون أكثر وعياً، وأن تصبح أكثر إلماماً بما يدور حولها من أحداث تؤثر على حاضرها ومستقبلها، ولا يفوتني أن أؤكد على أن الجماهير يجب أن يكون لها دورٌ محوريٌ في اختيار مرشحيها، فهي أعرف من غيرها من النخب - بحكم الخبرة - مَن مِن المرشحين هو الأكثر إخلاصاً وقدرة على تمثيلها وتلمس احتياجاتها، والنطق بلسانها، ومن هو الذي يروم أن يتسلق على أكتافها، وينتفع من دعمها وتأييدها تحت مظلة حزبية هنا أو فئوية هناك، ولا يجب أن تترك الجماهير هذه الوظيفة المهمة للنخب بحيث تقرر الكيانات من يترشح لتمثيل الناس دون أن يكون للناس قدرة على ترجيح الخيارات المختلفة، وهذا الأمر بما يمثله من أهمية بالغة، يجعل هذا المرشح أو ذاك مدعوماً من الناس لأنهم هم الذين انتخبوه بأنفسهم ولم يفرض عليهم بطريقة فوقية، أو نتيجة ''إملاءات'' تحركها نزعات وتوجهات مختلفة.
الجماهير مطالبة بعد أن أثبتت التجارب المتعاقبة أن الأجندات الحزبية والفئوية تخدم الحزب والفئة، أكثر مما تخدم الناس وتحقق تطلعاتهم، أن تكون أكثر قدرة على مراقبة الأداء ونقده وتصويبه، وأن يكونوا - لجماهير- أكثر دقة في اختيار الناشطين، والذين يؤمل منهم أن يكونوا أكثر قدرة على تمثيلهم.
ومن المؤكد أن استخدام الجماهير على أساس أنهم ''وقود انتخابي''، ثم ما أن يفوز هذا المرشح أو ذاك حتى يسبح بحمد الحزب ويقدس له، يعد استغفالاً من قبل الأحزاب للجماهير المنهكة، وابتساراً للدور الجماهيري، وهو لعمري أكبر احتقار يمكن أن يمارس بحق الجماهير.
الأحزاب القوية والمتماسكة هي التي تتعاطى مع قاعدتها الجماهيرية بشفافية واحترام تماماً كما هو حزب الله اللبناني الذي ينطلق من الجماهير، ويعمل للجماهير، وفيه الجماهير هم الرقم الأصعب، أما أن تكون الجماهير مؤطرة في عملية انتخابية ثم يدخلون في مرحلة ''الغيبوبة السياسية'' فهذا أمر يجب أن ''تتمرد'' عليه الجماهير وتقفز عليه، لأنه ليس الخيار الذي يكفل للأمة عزتها وأنفتها، ويحقق لها كرامتها وسؤددها.
إن القوى السياسية التي لا تتعامل مع الجماهير إلا من منطلق الاستغفال والاستغلال والتوظيف الحزبي سرعان ما تتلاشى، وتنكشف أجنداتها الحزبية الضيقة، وهي غالباً ما تفكر خارج سياق الواقعية؛ فيجب أن تكون الجماهير أكثر قدرة على تحمل المسؤولية الجسيمة المنوطة بها، وأن تكون هي المحرك للأجندات والمراقب لأداء المؤسسات.
كما أن الجماهير يمكنها أن تتسلم دورها الريادي، فإنها لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون منفصلة عن واقع قيادي يرشد حركتها وينظمها، على أن لا تكون الجماهير آخر اهتماماته، أو أن تكون مجرد ''كتلة بشرية'' ضخمة يتباهى بها هذا الحزب أو ذاك.
http://alwaqt.com/blog_art.php?baid=11373