![]() |
احوال غير ملعنة بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أحوال غير معلنة حـسـن الـنـعـمي كعادته كل صباح، يقف محاضراً، يبث معرفته في عقول النشء. في صباح ما، قرر أن يسأل طلابه أن يُعربوا: "تشتري الأرض الرجال". التبس الأمر على طلابه. تساءلوا: هل تقديم الأرض على الرجال خطأ في التركيب أم لدلالة مقصودة؟! وانتهى زمن المحاضرة دون أن يصلوا إلى إجابة. وفكر في تساؤل طلابه، هل الالتباس في التركيب أم في جواز أن تشترى الأرض الرجال؟! وغدت المسألة، بالنسبة له، مؤرقة. استحضر حاله، وكيف أنه يجاهد لامتلاك أرض يبني عليها بيتاً يليق به كأستاذ جامعة. ورأى أن العمر يفنى قبل أن يستطيع أن يشترى أرضاً، فما بالك بـ ... ***** في يوم دعاه فضوله لزيارة مكتب للعقار. قال له صاحب المكتب: - أي خدمة، يا دكتور! تساءل الدكتور بزهو معلن: - تعرفني؟! - من يجهلك، يا دكتور؟ آمر. - أرض تكون في موقع طيب. - طلبك موجود. - بكم؟ - الله يهديك، يا دكتور، ما نختلف على السعر. وفرد صاحب المكتب أمام الدكتور مخططاً، وأخذ يشرح مزاياه والدكتور يتأمل مندهشاً. قال صاحب المكتب: - اختر أرضك، يا دكتور. أشار الدكتور بإصبعه: - هذه، بكم؟ - رخيصة، ثلاثمائة ألف ريال. فغر الدكتور فاه حتى أصبح ممراً سهلا لكل الهوام في محيطه. طقطق أصابعه مرات متوالية. ظهر عليه الارتباك أكثر. عب كأساً من الماء. كل ذلك زاده حرجاً وضيقاً. رباه، أطلقها رجاءً ورثاء لحاله. هل يعقل أن يصل به الحال إلى ما وصل إليه. جرجر قدميه دون أن يلتفت إلى صاحب المكتب. ***** في ذلك المساء أحس بألم في صدره. دعا زوجته ليبثها شأنه، وجدها مشغولة تستعد للخروج. سألها: - إلى أين؟ - هل نسيت؟! - ماذا؟ - نبارك للجيران. - من هم الجيران؟! الجيران يتكاثرون مثل ... قاطعته زوجته: - أهل مساعد، مساعد راعي المحطة، محطة البنزين التي في رأس الشارع. خلّص الفيلا، عقبا لنا. - بدون أرض؟! - ما بك، يا دكتورنا، مسخن، في أحد يبني بيت في الهواء؟ - هه .. فكرة لا بأس بها! - عن أذنك! خرجت الزوجة والزوج هائم في تجلياته. ***** ألقى بنفسه على الفراش. تهاوى كخرقة بالية. الآن تعرى، لم يبق منه شيء يفخر به. حاول أن يغسل همومه في بحر النوم، ولكن النوم جفاه. رنّ جرس الهاتف. رفع السماعة: - آلو .. من؟ - ... - أهلاً، يا سيد مساعد. - ... - لا .. لا استطيع الحضور. أنا متعب، ومشغول، وضيق الصدر. - ... - يكفي عندكم زوجتي والأولاد؟ - ... - مبروك عليكم الفيلا، سوف أراها فيما بعد. - ... - مبروك مرة ثانية، مع السلامة. ***** ما كان يشتهي حواراً مثل هذا، ليس حسداً، ولكنه يُذكره بحاله، بعجزه في أن يهيئ لنفسه سكناً يليق بمنزلته في المجتمع. يُذكره أيضاً بالدائن مساعد. وما أدراك ما مساعد؟! بعد مرارة التجربة، وصل إلى قناعة أن هذا المساعد، يجرح ويداوي، وأحياناً يجرح ولا يداوي. حاول أن يخرج من ضيقه. تذكر أن لديه الكثير من أوراق الطلاب التي تحتاج إلى تصحيح. مشى متثاقلاً إلى مكتبه، وراح يصحح الأوراق، ورقة إثر أخرى حتى تهدلت أجفانه، فركها، تثاءب، تمطى، أفترش ذراعيه على طاولة مكتبه وأرخى رأسه، ودخل في ملكوت النوم. رأى أنه يسير في مفازة شاسعة. ورأى أنه على صهوة جواد يجوب الأرض، وكلها فضاء مفتوح بين ذراعيه. ورأى أنه يسير وسط حشد من الناس كلهم يتنافسون لإرضائه. وجاءه نفر من الناس يحملون خارطة كتب عليها (الأرض أرضك). ورأى أنه اقتطع مساحة شاسعة وراح يقيم عليها داراً تليق به. ورأى أنه قد اعتلى تلاً مرتفعاً، وأخذ يقول: "يشتري الرجال الأرض". وصرخ الناس بصوت واحد: رُدت للعلم هيبته. وراح يستقبل الناس فراداً وجماعات. أطربته لحظة التتويج. تقدم بين يديه من وضع على رأسه تاج العلم، قائلاً: خذ المال وأعطنا العلم، يا دكتور... - يا دكتور .. يا دكتور .. افتح الباب، أنا مساعد. 1997م مع تحياتي:uae: |
الساعة الآن 08:11 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.5.2 TranZ By
Almuhajir