منتدى استراحات زايد

منتدى استراحات زايد (http://vb.ma7room.com/index.php)
-   قصص و روايات (http://vb.ma7room.com/forumdisplay.php?f=26)
-   -   احوال غير ملعنة (http://vb.ma7room.com/showthread.php?t=192288)

عاشق مدريد 07-28-2009 02:16 AM

احوال غير ملعنة
 
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أحوال غير معلنة

حـسـن الـنـعـمي


كعادته كل صباح، يقف محاضراً، يبث معرفته في عقول النشء. في صباح ما، قرر أن يسأل طلابه أن يُعربوا: "تشتري الأرض الرجال". التبس الأمر على طلابه. تساءلوا: هل تقديم الأرض على الرجال خطأ في التركيب أم لدلالة مقصودة؟! وانتهى زمن المحاضرة دون أن يصلوا إلى إجابة. وفكر في تساؤل طلابه، هل الالتباس في التركيب أم في جواز أن تشترى الأرض الرجال؟! وغدت المسألة، بالنسبة له، مؤرقة. استحضر حاله، وكيف أنه يجاهد لامتلاك أرض يبني عليها بيتاً يليق به كأستاذ جامعة. ورأى أن العمر يفنى قبل أن يستطيع أن يشترى أرضاً، فما بالك بـ ...

*****

في يوم دعاه فضوله لزيارة مكتب للعقار. قال له صاحب المكتب:
- أي خدمة، يا دكتور!
تساءل الدكتور بزهو معلن:
- تعرفني؟!
- من يجهلك، يا دكتور؟ آمر.
- أرض تكون في موقع طيب.
- طلبك موجود.
- بكم؟
- الله يهديك، يا دكتور، ما نختلف على السعر.

وفرد صاحب المكتب أمام الدكتور مخططاً، وأخذ يشرح مزاياه والدكتور يتأمل مندهشاً. قال صاحب المكتب:
- اختر أرضك، يا دكتور.
أشار الدكتور بإصبعه:
- هذه، بكم؟
- رخيصة، ثلاثمائة ألف ريال.

فغر الدكتور فاه حتى أصبح ممراً سهلا لكل الهوام في محيطه. طقطق أصابعه مرات متوالية. ظهر عليه الارتباك أكثر. عب كأساً من الماء. كل ذلك زاده حرجاً وضيقاً. رباه، أطلقها رجاءً ورثاء لحاله. هل يعقل أن يصل به الحال إلى ما وصل إليه. جرجر قدميه دون أن يلتفت إلى صاحب المكتب.

*****

في ذلك المساء أحس بألم في صدره. دعا زوجته ليبثها شأنه، وجدها مشغولة تستعد للخروج. سألها:
- إلى أين؟
- هل نسيت؟!
- ماذا؟
- نبارك للجيران.
- من هم الجيران؟! الجيران يتكاثرون مثل ...
قاطعته زوجته:
- أهل مساعد، مساعد راعي المحطة، محطة البنزين التي في رأس الشارع. خلّص الفيلا، عقبا لنا.
- بدون أرض؟!
- ما بك، يا دكتورنا، مسخن، في أحد يبني بيت في الهواء؟
- هه .. فكرة لا بأس بها!
- عن أذنك!
خرجت الزوجة والزوج هائم في تجلياته.

*****

ألقى بنفسه على الفراش. تهاوى كخرقة بالية. الآن تعرى، لم يبق منه شيء يفخر به. حاول أن يغسل همومه في بحر النوم، ولكن النوم جفاه. رنّ جرس الهاتف. رفع السماعة:
- آلو .. من؟
- ...
- أهلاً، يا سيد مساعد.
- ...
- لا .. لا استطيع الحضور. أنا متعب، ومشغول، وضيق الصدر.
- ...
- يكفي عندكم زوجتي والأولاد؟
- ...
- مبروك عليكم الفيلا، سوف أراها فيما بعد.
- ...
- مبروك مرة ثانية، مع السلامة.

*****

ما كان يشتهي حواراً مثل هذا، ليس حسداً، ولكنه يُذكره بحاله، بعجزه في أن يهيئ لنفسه سكناً يليق بمنزلته في المجتمع. يُذكره أيضاً بالدائن مساعد. وما أدراك ما مساعد؟! بعد مرارة التجربة، وصل إلى قناعة أن هذا المساعد، يجرح ويداوي، وأحياناً يجرح ولا يداوي. حاول أن يخرج من ضيقه. تذكر أن لديه الكثير من أوراق الطلاب التي تحتاج إلى تصحيح. مشى متثاقلاً إلى مكتبه، وراح يصحح الأوراق، ورقة إثر أخرى حتى تهدلت أجفانه، فركها، تثاءب، تمطى، أفترش ذراعيه على طاولة مكتبه وأرخى رأسه، ودخل في ملكوت النوم. رأى أنه يسير في مفازة شاسعة. ورأى أنه على صهوة جواد يجوب الأرض، وكلها فضاء مفتوح بين ذراعيه. ورأى أنه يسير وسط حشد من الناس كلهم يتنافسون لإرضائه. وجاءه نفر من الناس يحملون خارطة كتب عليها (الأرض أرضك). ورأى أنه اقتطع مساحة شاسعة وراح يقيم عليها داراً تليق به. ورأى أنه قد اعتلى تلاً مرتفعاً، وأخذ يقول: "يشتري الرجال الأرض". وصرخ الناس بصوت واحد: رُدت للعلم هيبته. وراح يستقبل الناس فراداً وجماعات. أطربته لحظة التتويج. تقدم بين يديه من وضع على رأسه تاج العلم، قائلاً: خذ المال وأعطنا العلم، يا دكتور...

- يا دكتور .. يا دكتور .. افتح الباب، أنا مساعد.

1997م
مع تحياتي:uae:




الساعة الآن 08:11 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.5.2 TranZ By Almuhajir


1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 105 106 107 108 109 110 111 112 113 114 115 116 117 118 119 120 121 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131 132 133 134 135 136 137 138 139 140 141 142 143 144 145 146 147 148 149 150 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 162 163 164 165 166 167 168 169 170 171 172 173 174 175 176 177 178 179 180 181 182 183 184 185 186 187 188 189 190 191 192 193 194 195 196 197 198 199 200 201 202 203 204 205 206 207 208 209 210 211 212 213 214 215 216 217 218 219 220 221 222 223 224 225 226 227