بيان سماحة المرجع المنتظري حول القمع الجاري في إيران
 

بسم الله الرحمن الرحيم

(الملك يبقى مع الكفر و لا يبقى مع الظلم)

أيها الشعب الإيراني العظيم و الفهيم؛

السلام و التحية لكم أيها الشعب الغيور و المضحي، يا من أثبتتم مرة أخرى رشدكم و بلوغكم الفكري كما كان ذلك سابقا من ماضيكم المملوء بالفخر و الإعتزاز في الساحة السياسة و الإجتماعية للبلد، و يا من صبرتم على المشقات من أجل إحقاق حقوقكم؛ ولكن و للأسف الشديد نرى المسؤولين الذين يعلمون أن جميع مناصبهم و سلطتهم قد حصلت بثمرة تضحياتكم و إيثاركم قد انتهجوا أساليب و قاموا بأعمال لم يخطر في بال أي إنسان منصف.
إنني و بإعتباري قد أديت دوري بحد إستطاعتي في النضال ضد النظام السابق و إقامة الجمهورية الإسلامية، مع إبداء أسفي و إنزعاجي على هذه الممارسات و المواجهات التي تمت خلال الأيام الماضية أمام الناس، أبدي أيضاً عن خجلي و أعلن بصراحة أن الإسلام العزيز و السيرة النبوية و الأداء العلوي يختلف جداً مع أعمال الحاكميين الحاليين. إن هذه المواجهات و السياسات التي تتم تحت لواء الحكومة الدينية ستؤدي بالقطع و اليقين إلى النظرة التشاؤمية ضد أصل الإسلام و الحاكمية الدينية عند الكثير من الناس، و ستذهب جهود علماء الإسلام هدراً.
و كيف في بلد و نظام يفخر بإسلاميته و تشيعه نرى و أمام مرآى و مسمع العالمين و بعد مرور ثلاثين عاما فقط على إنتصار الثورة حيث لا يزال الناس يتذكرون المشاهد الختامية للنظام السابق، نرى مرة أخرى أنهم قد حوّولوا طهران و بعض المدن الكبيرة الأخرى إلى معسكر كبير و من خلال سياساتهم الخاطئة جعلوا قوات العسكر و الشرطة أمام إخوتهم من الناس، و بإرسال الملبسين بلباس مدنية يحيون في الأذهان ذكرى أصحاب الهروات التابعين لنظام الشاه، و يلطخون أياديهم بدماء الشبان و الرجال و النساء لهذا البلد و يستهدفون أرواحهم بغدر و لا رجولية. و من خلال حصر جميع وسائل الإعلام و الدعايات يوصمون المثقفين و أصحاب الفكر و الطلبة الجامعيين و هم أبناء و ضياء عيون هذا الشعب يوصمونهم بأنهم أجانب و يعتلقونهم و يسجنونهم تحت ذرائع واهية. إنهم ذخائر هذا البلد، فلماذا نرى تصاعد هروب الأدمغة من البلد؟
ألا تؤدي هذه المواجهات إلى وهن الإسلام و التشيّع؟، و هل كان النهج و السيرة النبوية و العلوية (صلى الله عليهما و آلهما و سلم) و نحن نفخر أننا من أتباعهما هل كان بهذا الشكل؟!، إن رسول الله و أميرالمؤمنين (صلى الله عليهما و آلهما و سلم) لم يسبّا و لم يشتما أعدائهما و لم يفتريا عليهم، و إنهم لم يخمدا اصوات أعدائهما بالسيف و السياسة غير اللائقة و لم يقسّما المسلمين بمجموعتي الخواص و غير الخواص.
إن ما يقوم به البعض من هذا التقسيم حيث يعتبرون الحكومة الخواص و بذلك يرتبكون كل جريمة و يهجمون على سكن الطلبة و يضربوهم و يشتموهم و يلقوهم من أعلى المباني إلى الأسفل، و يرتبكون الإغتيالات المتسلسلة الوحشية بحق المثقفين و يتمتعون بحصانة عن العقوبة، لا يتتطابق مع أي دين و مذهب؛ خاصة مع الشريعة الإسلامية المقدسة التي يعتبر نبيها (رحمة للعالمين)، و كان نائبه بالحق قد قال بسبب نهب خلخال من إمرأة يهودية : " فلو أن امرءاً مسلماً مات بعد هذا أسفاً ما كان به ملوماً، بل كان عندي به جديراً".
إنني أسأل الله تعالى علو الدرجات لجميع الشهداء و خاصة الشهداء الذين سقطوا خلال الأيام الأخيرة، و لذويهم المفجوعين الصبر الجميل و الأجر الجزيل.
و وصيتي إلى الشعب العزيز و العظيم أن يواصل مطالباته المنطقية ب حقوقه و ذلك بمتانة تامة و هدوء مصحوب باليقضة.
و أنصح المسؤولين و أصحاب السلطة أن لا يوجبوا عدم إعتماد الشعب و إنفصالهم عن النظام من خلال مواجهاتهم الحادّة و غير العقلانية؛ و أن يكفّوا عن اللجاجة و إبداء التصريحات و الأفكار الخاطئة و الضيقة الأفق و الذي يزيد الهوة بينهم و بين الشعب؛ و أن يعتذروا من أخطائهم بحق الشعب؛ و من خلال تشكيل هيئة مستقلة و غير منحازة و ذات صلاحيات تامة يتموا أمر الإنتخابات الأخيرة بنتيجة مقبولة؛ و ليعلموا أن المناصب الدنيوية لا تبقى ثابتة و لا قيمة لها، و أن يجعلوا الآية الكريمة (و تلك الأيام ندوالها بين الناس) معلقة في مسامعهم. فإن الشعب الكريم إن لم يحصل المجال على طرح مطالباته الحقة من خلال تجمعات هادئة و يتعرض ظلماً للقمع، فإن ذلك سيؤدي إلى ولادة عقد قد يمكن أن تزيح أساس أية حكومة مهما كانت مقتدرة.
و في الختام أذكر نفسي و الجميع بحقيقة الموت و القيامة، و أسأل الله تعالى أن يوفقنا لنصدّق و نؤمن بـ "إنا لله و إنا إليه راجعون". آمين رب العالمين.

و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
غرة رجب 1430
3 /4/1388
حسين علي المنتظري