غص غوّاص ـــــــــــــ سلسلة من الغوص المعرفي . جاء في مسند الإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله – أن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – كان يسأل ابن عباس عن القرآن فيقول له : غُصْ غوّاص . أي غُصْ في العلم واستخرج مكنوناته يا غوّاص . فأمير المؤمنين عمر – رضي الله عنه – لم يجد أفضل من وصف الغوص كي يمنحه ابن عباس رض الله عنهما ذلكم الشاب الفتي الذي تفتحت لديه مواهب العلم والمعرفة . وإنما كان طالب العلم مثل الغواص لأنه يقتحم المخاطر , ويعقد العزم على التعمق في أسرار المعرفة دون الاكتفاء بالأشياء السطحية الظاهرة , وهذا هو العلم الحقيقي النافع الذي ينفع صاحبه وقارئه . ولعلمي بأن أخانا السر الكبير كبير الغواصين هنا في هذا المنتدى , ويحب الغوص في العلم كما يحبه في البحر , فإني أستأذنه بوضع هذه السلسلة المباركة من الغوص في المعارف والعلوم , وخاصة ما كان مرتبطاً بكتاب الله تعالى , وما يدور حول البحر وأسراره , وأتمنى من زملائي القراء الكرام أن يتحفوني بما عندهم من مشاركات أو ملحوظات أو اعتراضات بما يعود على الجميع بالفائدة العامة . الحلقة الأولى : الغوص في القرآن . جاء ذكر الغوص في القرآن في آيتين بلفظين مختلفين في سياق قصة واحدة , وهي قصة سليمان عليه السلام حينما امتنَّ الله عليه بتسخير الشياطين له : قال تعالى : {وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ} (82) سورة الأنبياء {وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاء وَغَوَّاصٍ} (37) سورة ص ففي الآية الأولى جاء لفظ الغوص بصيغة الفعل المضارع ( يغوصون ) وهذا يدل على الاستمرارية في العمل والدوام عليه . وأما الآية الثانية فقد جاءت بصيغة المبالغة الدالة على المهنة والحرفة ( غوّاص ) بوزن ( فعّال , وهذه أيضا دالة على الاستمرارية في العمل والدوام عليه . فما الذي نستنبطه من هذا التوافق الدلالي بين الصيغتين ؟ الذي يظهر لي والله أعلم أن الغوص من الأمور المحببة للنفس فمن استمرأ مهنة الغوص واعتاد عليها فإنه يسلك مسلك الاستمرارية والدوام , كما تفعل الشياطين بأمر سليمان التي سخرها ربنا جل وعلا لتستمر بهذا العمل . وهناك أمر آخر وهو أن الغوص جاء منسوباً للشياطين , وهمْ خلق لهم قدرات عجيبة ركبها الله تعالى فيهم ( انظر الحيوان للجاحظ 6 / 265 ) وهذا يدل على أن الغوص من الأعمال الخطيرة التي لا يطيقها إلا الأشداء من الناس , وذلك أن سليمان وقومه مع ما أعطاهم الله من القوة والبأس إلا أنهم لم يستطيعوا الغوص فسخر الله له الشياطين كي تقوم بهذا العمل الشاق . والعرب تضرب المثل بالشياطين في القوة والنفاذ , فيقولون للرجل القوي إنه شيطان قال الجاحظ : " ربما قالوا ( ما فلانٌ إلا شيطانٌ ) على معنى الشهامة والنفاذ وأشباه ذلك " [ الحيوان 6 / 213 ] , وحين بالغوا في مدحِ أبي حنيفة النعمان قالوا بأنه شيطان خرج من البحر [ ثمار القلوب للثعالبي : 74 ] . |
الساعة الآن 04:25 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.5.2 TranZ By
Almuhajir