منتدى استراحات زايد

منتدى استراحات زايد (http://vb.ma7room.com/index.php)
-   منتدى أخبار المواقع والمنتديات العربية والأجنبية (http://vb.ma7room.com/forumdisplay.php?f=183)
-   -   الجسر,,, محمود درويش (http://vb.ma7room.com/showthread.php?t=158111)

محروم.كوم 06-17-2009 07:50 PM

الجسر,,, محمود درويش
 
مشياً على الأقدامِ،







أو زحفاً على الأيدي نعودُ







قالوا..







وكانَ الصخرُ يضمرُ







والمساءُ يداً تقودُ..







لم يعرفوا أنَّ الطريقَ إلى الطريقِ







دمٌ، ومصيدةٌ، وبيدُ







كلُّ القوافلِ قبلهم غاصتْ،







وكانَ النهرُ يبصقُ ضفتيهِ







قطعاً من اللحمِ المفتتِ،







في وجوهِ العائدين







كانوا ثلاثةً عائدين:







شيخٌ، وابنتهُ، وجنديٌّ قديم







يقفونَ عند الجسرِ..







(كان الجسرُ نعساناً، وكانَ الليلُ قبعةًَ.







وبعدَ دقائقَ يصلون. هل في البيتِ ماء؟







وتحسّسَ المفتاحَ ثم تلا من القرآنِ آية...)







قالَ الشيخُ منتعشاً: وكم من منزلٍ في الأرضِ يألفهُ الفتى







قالتْ: ولكنَّ المنازلَ يا أبي أطلالُ !







فأجابَ: تبنيها يدانِ..







ولم يتمَّ حديثهُ، إذ صاحَ صوتٌ في الطريق: تعالوا !







وتلتهُ صقطقةُ البنادق..







لن يمرَّ العائدون







حرسُ الحدودِ مرابطٌ







يحمي الحدودَ من الحنين







(أمرٌ بإطلاقِ الرصاص على الذي يجتاز هذا الجسر







هذا الجسرُ مقصلةُ الذي رفضَ التسوّلَ تحتَ ظلِّ وكالةِ الغوثِ الجديدهْ.







والموتَ بالمجّانِ تحتَ الذلِّ والأمطار، من يرفضه يُقتلُ عندَ هذا الجسرْ.







هذا الجسرْ مقصلةُ الذي ما زالَ يحلُمُ بالوطن).







الطلقةُ الأولى أزاحتْ عن جبينِ الليلِ







قبعةَ الظلام







والطلقةُ الأخرى..







أصابتْ قلبَ جنديٍّ قديم







والشيخُ يأخذُ كفَّ ابنتهِ ويتلو







همساً من القرآنِ سورهْ







وبلهجةٍ كالحلمِ قال:







- عينا حبيبتيَ الصغيرهْ







ليَ، يا جنود، ووجهها القمحيُّ لي







لا تقتلوها، واقتلوني







(كانت مياهُ النهرِ أغزر..







فالذينَ رفضوا هناكَ الموتَ بالمجّان أعطوا النهرَ لوناً آخراً.







والجسرُ، حينَ يصيرُ تمثالاً، سيُصبغُ – دونَ ريبٍ-







بالظهيرةِ والدماءِ وخضرةِ الموتِ المفاجئ).







... وبرغمِ أنَّ القتلَ كانَ كالتدخين..







لكنَّ الجنودَ "الطيّبين"،







الطالعينَ على فهارسِ دفترٍ..







قذفتهُ أمعاءُ السنين،







لم يقتلوا الاثنين..







كانَ الشيخُ يسقطُ في مياهِ النهرِ







والبنتُ التي صارتْ يتيمهْ







كانتْ ممزّقةَ الثياب،







وطارَ عطرُ الياسمين







على صدرها العاري الذي







ملأتهُ رائحةُ الجريمهْ







والصمتُ خيّمَ مرّةً أخرى،







وعادَ النهرُ يبصقُ ضفتيهِ







قطعاً من اللحمِ المفتت







.. في وجوهِ العائدين







لم يعرفوا أنَّ الطريقَ إلى الطريقِ







دمٌ ومصيدةٌ. ولم يعرفْ أحد







شيئاً عن النهرِ الذي







يمتصُّ لحمَ النازحين







(والجسرُ يكبرُ كلَّ يومٍ كالطريقْ،







وهجرةُ الدمِ في مياهِ النهرِ تنحتُ من حصى الوادي







تماثيلاً لها لونُ النجوم، ولسعةُ الذكرى،







وطعمُ الحبِّ حينَ يصيرُ أكثرَ من عبادة).


الساعة الآن 11:08 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.5.2 TranZ By Almuhajir


1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 105 106 107 108 109 110 111 112 113 114 115 116 117 118 119 120 121 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131 132 133 134 135 136 137 138 139 140 141 142 143 144 145 146 147 148 149 150 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 162 163 164 165 166 167 168 169 170 171 172 173 174 175 176 177 178 179 180 181 182 183 184 185 186 187 188 189 190 191 192 193 194 195 196 197 198 199 200 201 202 203 204 205 206 207 208 209 210 211 212 213 214 215 216 217 218 219 220 221 222 223 224 225 226 227