منتدى استراحات زايد - غير قابلة للحياة أكثر من يوم

غير قابلة للحياة أكثر من يوم

مقولة حلوة وعميقة الدلالة رغم بساطتها
تنسب إلى الكاتب أرنست همنجواي وهي
( لا أكتب إلا ما أعرف )
وهو روائي يشكل الخيال مادة أساسية لعمله .
فكل إنسان يتخصص في عمله ، كالمتخصصون
في الصحف الغربية ومؤسسات الأعلان ، منهم في شؤون الشؤرق الأوسط ، وأفريقيا ،وأمريكا اللاتينية وأطراف أسيا المترامية ،
كل متخصص في مجال عمله ....
حلاق القرية فقط هو من ينوب عن الطبيب وعن العراف وعن الراوي أحيانآ بسبب غيابهم عن المشهد .
ولأن هذه المهنة أوشكت على الإنقراض ،
بعد أن أضاءت الكهرباء ليل القرى ، و علت ســقوفها صحون الستالايت
وأصبح الهاتف الجوال في جيوب الجميع ، حتى الرعاة وهم يتسلقون الهضاب ...
في عالمنا العربي يكتب أي شخص ما يشاء عن أي شيىء يريد
حتى لو كان كل ما يقوله هو .. لقد فسر الماء بعد الجهد بالماء .
ولأن الحدث السـاخن والطازج يتحول إلى حجر مغناطيس فتنجذب إليه الدبابيس والمسامير وبرادة الحديد ،
لكن لا يقوى مهما إتسع مجاله المغناطيسي على تحريك المحبرة أو كوب الماء من مكانهما على الطاولة .
فالجهل هو أوســع وأعمق ينبوع للحرية ، والمعرفة قيد .
وكلما إتسعت الرؤية ضاقت العبارة،
فمن يعرف كثيرآ يربكه السؤال ويحار ماذا ينتقي وماذا يترك ،
وتفرض عليه المقارنة الوفيرة أن يصمت قليلآ .
لقد حولت حروب الخليج الثلاثة ألاف المتقاعدين من
الجنرالات والعاطلين عن العمل وهواة الأفلام الحربية
إلى خبراء وحكماء يرسمون الخرائط على الرصيف بما تـيسر
لهم سواء كان عصا أو عود كبريت أو عقب سيجارة ،
لا أحد يحاسب أحد في هذه الحفلة التكرية التي يتحول فيها عازف الربابة إلى موزارت وبائع الحليب أو العسل المغشوش إلى إينشتاين .
وإن عصرنا هذا يعج بالكثير من الأدوات والسلع ،
حتى الملابس أصبحت تستخدم لمرة واحدة فقط كقفازات الأطباء ،
لكن الكتابة ليست كذلك ،
وإلا أصبحت غير قابلــة للحياة أكثر من يوم واحد .
مع التحيات لكم
نجيب ايوب