هجوم واسع من الصحفيين على تقاعد النواب ، عباس المرشد وقاسم حسين
 

مراوغة قانون التقاعد
عباس المرشد

http://www.alwaqt.com/imagescache/47...hor100crop.jpg


هل كانت هي المصادفة وحدها التي حكمت أن تطرح مسألة تقاعد النواب قبيل بدء الإجازة الطويلة لمجلس النواب؟
وهل هي المصادفة أيضاً هي التي جعلت من الموضوع قضية رأي عام ومجالاً مناسباً لإعادة ترتيب الأولويات السياسية عند بعض الأطراف السياسية؟

ما يجب تحديده قبل الإجابة أن قانون تقاعد النواب أصبح بحكم معطيات معينة موضوعاً خاصاً بجمعية الوفاق ويخصها أكثر من غيرها من الجمعيات السياسية، فإذا ما سلمنا بأن قانون تقاعد النواب مصيبة فإن موقف أعضاء كتلة الوفاق المؤيد أو الموافق على القانون يصبح مصيبة أكبر، انطلاقاً من مشروع جمعية الوفاق السياسي في مجلس النواب والقائم على نظرية دفع الضرر.

الأطراف الأخرى التي طرحت المشروع وأيدته منذ العام 2007 متفقة تماماً مع نظريتها في العمل السياسي البرلماني، وهي جني أكبر قدر ممكن من المصالح بأقل قدر من الخسائر، وهي متوافقة أيضاً مع أطروحتها السياسية القاضية بأن مجلس النواب الحالي وبالصلاحيات المعطاة له وبناء على موقفها الأساسي من القضية الدستورية هو أفضل الأوضاع المناسبة للإصلاح السياسي، وأن الأفق الجاري هو الحد المعقول والممكن.
وعلى هذا الأساس، فهي معفية من كثير من التبعات والاستحقاقات السياسية، بل حتى الرقابية مادامت تصنف نفسها أو يصنفها الآخرون على أنها كتل موالية لا تسعى لأن تكون قوى معارضة.

وفق هذا المعطى تصبح موافقة كتلة الوفاق على قانون تقاعد النواب قريبة من خط الموالاة ومبتعدة بعض الشيء عن خط المعارضة.
المعارضون لموافقة كتلة الوفاق على قانون التقاعد يبنون موقفهم على جزء من هذا المعطى وعلى جزء أتصوره أهم وأخطر هو مراوغة كتلة الوفاق في تمرير القانون وقيام الكتلة بطرح مبررات غير مفهومة لدى قطاع واسع من جماهير المعارضة عموماً، وجماهير جمعية الوفاق خصوصاً.
فالأرقام التي طرحها إبراهيم شريف في ندوة جمعية العمل الإسلامي هي أرقام مخيفة ولا تدعو إلى التفاؤل، بل لا تؤسس لمبدأ الثقة السياسية، هذا إن صحت تلك الأرقام وصحت الدراسة التي قدمها شريف في ورقته، فالمحصلة أن قانون التقاعد بشكله الحالي يتعارض صراحة مع نظرية دفع الضرر إن لم يجلب ضرراً.

ما من شك أن لدى كتلة الوفاق ما تدافع به عن نفسها وعن موقفها وهي في الغالب إن أنهت مناقشتها واتخذت قرارها النهائي في الموافقة فهي تنظر إلى أحقية النائب براتب تقاعدي يحفظ له كرامته ويبعد عن المصير البائس الذي ربما ينتظره، وهي أيضاً تسترشد بتجارب نيابية محددة تعطي للنائب أكثر مما يقترحه القانون الحالي.
رغم ذلك فإن كتلة الوفاق لا تعطي أجوبة على أسئلة أخرى لا تتعلق بأحقية حصول النائب على راتب تقاعدي
بل تتعلق بمبادئ سياسية أكبر من مؤسسة مجلس النواب، أسئلة من قبيل المساواة بين النائب والمواطن في آليات الحصول على التقاعد وأسئلة تتعلق بالمراوغة والانتقال بالموقف بين اليمين واليسار
وأسئلة تتعلق بأصول العمل السياسي وتطابقه مع النظرية المرفوعة كشعار انتخابي وكشعار سياسي. فالجميع يعرف أن ثمرة العمل السياسي الصائب هي مقدار العقلانية التي يتمتع بها ومقدار النتائج الإيجابية التي يحققها وما يظهر حالياً أن كتلة الوفاق قد تخسر كثيراً في رصيدها الشعبي والسياسي، وهي تسير في مسار منطق لا يتطابق ومنطق المواطن العادي. وهنا لا يكفي أن تكون حجج كتلة الوفاق منطقية وسليمة قانونياً إذا ما كان المزاج العام مختلفاً في تفكيره وقادراً على تكوين منطق مغاير.

باعتقادي أن على كتلة الوفاق أن تفتح قلبها لمجموعة هذه الأسئلة، وأن تسعى إلى تقديم إجابات أكثر وضوحاً وأقرب لمزاج الناس، وألا تلوم الآخرين على تهويل الموضوع أو حتى حرفه.
فالمجال السياسي بحكم عموميته مجال مفتوح، والخشية أن يتحول العمل السياسي إلى مجال مغلق يحتكر رأس المال الرمزي وإنتاج عوالم المعني.