![]() |
الشيخ المقداد: تحريف الدين+ضياع الغيرة الدينية من النفوس+الجرأة على دين الله كلمة الشيخ عبد الجليل المقداد (حفظه الله تعالى) بالـ (مسجد الرفيع = جمّالة) في البلاد القديم بتاريخ 6/6/2009م ... بسم الله الرحمن الرحيم ... ... اللهم صل على محمد وآل محمد ... ... ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين ... لعل من أبرز الأسباب التي ساهمت في تمرير السلوكيات والسياسات المنحرفة للظالمين على مر التأريخ وبالخصوص التأريخ الإسلامي هي سياسة وعملية التبرير ومحاولة إلباس الباطل لباس الحق وكانت هذه السياسة يمارسها أتباع الطغات ممن تربطهم مع الطغات مصالح أو تصدر التبريرات من أناس يكون لهم هوى وعلاقة مع الظالمين والإنسان إذا كان له علاقة مع جهة ما حاول جاهدا ً أن يبرر كل ما يصدر من تلك الجهة و لم تـقـتصر المسألة إلى هذا المستوى بل حتى الأفعال التي كانت من المنكر بوضوح في قبحها وشناعتها حاول الملتفون ومن يدورون في فلك الطغات أن يوجودوا للطغات وللظالمين مبرراً للخروج على الحكم الشرعي وارتكاب تلك المنكرات والقبائح. الأمر أدى إلى أن يُبرر كثير من الظلامات والجرائم التي لا يمكن أن تـُبرر أخذاً من غصب الخلافة إلى استشهاد الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه انتهاءً بالظلامات التي نزلت بأهل البيت عليهم أفظل الصلاة والسلام كلها بُررت، اليوم إذا ترجع إلى التأريخ لا يوجد شيء لم يُبرر، قـَتل الإمام الحسين عليه أفظل الصلاة والسلام بُرر ومن أناس محسوبين على الدين، على أساس أنه خرج عن حده وخالف الجماعة فقتل بسيف جده، وهكذا كثير من الجرائم التي ارتـُكبت في صدر الإسلام وما بعده كلها قبلتها الأمة وتعاملت معها على أساس أن هناك مبررت ومجوزات تسوغ تلك الأفعال. الآن يُخشى أن المؤمنين أيضاً يتشاغلون بهذه السياسة وبإعطاء التبريرات لكل فعل حتى لو لم يكن على وفق الموازين الشرعية ( ولعلنا تجاوزنــا يُخشى ووقعنا في المحذور ) ماهي أخطار التبريرات وخلق الأعذار لبعض الأفعال التي لا تلتقي والدين؟ ماهي الأخطار التي تترتب فيما لو اشتغل وتشاغل المجتمع والصف الإيماني بخلق الأعذار وإيجاد التبريرات لكل ظاهرة لا تتلائم ولا تلتقي مع الدين؟ هناك أخطار جمة أختصر على بعض منها، أهم تلك الأخطار. 1- تحريف الدين: أولاً: هو تحريف الدين، إذا تشاغلنا بإعطاء تبريرات وخلق أعذار لكل فعل ولكل ممارسة فإن هذا سوف يؤدي إلى تحريف الدين، الدين جاء بأحكام واضحة، حرام ويبقى حرام، وجائز ويبقى جائز، هناك فضيلة وهناك رذيلة، هناك خطأ وهناك صواب، هذه تعاليم الدين الواضحة والبينة، إذا تشاغل المجتمع بإعطاء التبريرات وبخلق الأعذار هذا سوف يؤدي إلى تحريف الدين، لن يبقى الحرام حرام ولن تبقى الرذيلة رذيلة ولن يبقى الخطأ خطأ، وأصبح كل شيء يمكن أن يـُبرر وأن يتبدل عنوانه، يمكن أي حرام _ بسياسة التبرير _ يتبدل إلى جائز، ويمكن أي رذيلة أن تتبدل إلى فضيلة وأي خطأ أن يتبدل إلى صواب لأن عالم التبريرات وخلق الأعذار عالم وسيع يمكن للإنسان أن يسير معه وأن يبحر فيه ويمكن له أن يخلق من الأعذار الكثير والكثير بحيث لا يمكن لنا أن نشير ونقول أن هذا حرام وهذا خطأ وهذه رذيلة لأنه يمكن لبعض التبريرات والأعذار يمكن أن تـُعطى عناوين أخرى فتتحول الرذائل إلى فضائل والمنكرات إلى أمور معروفة حسنة والأخطاء إلى أمور صائبة وصحيحة نحن المتدينين الواحد منا لا يجرأ أمـَّا لإيمان تعمق في نفسه أو لاستحياء من الناس أو لأي سبب لا يجرأ الواحد منا أن يرتكب الحرام وما هو خلاف تعاليم الدين، أو ما هو خلاف توجه الدين وتعاليمه بعنوان أنه حرام مادام مؤمناً لا يرتكب الحرام بعنوان أنه حرام، فإذا أراد أن يرتكب لا بد أن يوجد لنفسه تبريراً، ولا بد أن يوجد لنفسه عنواناً يصحح له الإقدام على هذا الفعل مثلاً يقول بحسب هذا العنوان الأولي أو الثانوي، عناوين أخرى ومبررات تجعل منه أن يقدم على هذا الفعل وهنا المشكلة، نحن إذا أردنا أن نقدم على تصحيح فعل ما، ما الجهة التي نستمد منها؟ سوف نستمد من الدين وسوف نستعين بالدين لإعطاء تبرير يسوغ لنا الإقدام على هذا الفعل ما دمنا متدينين، هذا حرام مثلاً إذا أراد أن يقدم عليه يحتاج أن يستمد من الدين ويستعين بالدين من أجل أن يوجد لنفسه مبرراً يسوغ له الإقدام، عندها ما الذي سوف يبقى من الدين؟ هل سيبقى الدين بصفائه وبياضه ونصوعه؟ أو أننا في كل يوم احتجنا أن نقدم على شيء اتجهنا إلى هذا الدين وأخذنا واستعنا ببعض من مفاهيمه؟ هذا سوف يؤدي بنا إلى أمر خطير، سوف يشوه ذلك الدين وسوف يحرف وسوف تكون مؤخذتنا أشد وأعظم، ساعات في بعض الأحيان الفاسق يكون أهون عند الله إذا ارتكب المنكر من مؤمن، لأن الفاسق يرتكب المنكر وانتهت المسألة بلا عبث في الدين ولا تحريف ولا تأويل، أما المؤمن إذا أراد أن يرتكب المنكر ارتكبه وعليه إثمه وعليه إثم آخر، أنه تلاعب بالدين وحاول أن يستفيد من الدين ويحرف الدين من أجل أن يقدم على هذا العمل، عقابه أشد، عقاب مخالفة التكليف وعقاب تحريف وتأويل الدين، هذا خطر عظيم ينبغي أن نلتفت إليه. 2- ضياع الغيرة الدينية من النفوس: لن يبقى للمجتمع عند ذلك الحس الديني وتلك الغيرة الدينية التي يمتلكها في نفسه، إذا صار لنا أن كل شيء يمكن أن يكون جائز وأن يكون حلال وكل شيء يمكن أن يطاله التبرير وسياسة خلق الأعذار، فلن يبقى للمنكر و الانحراف هيبة في نفوسنا تمنع من الاقدام عليهما، ما راح تعيش نفوسنا حالة من الرفض والإشمئزاز للمنكر، لأن هذا المنكر يمكن أن يطرأ عليه عنوان يبرر فعله، والنتيجة أن غيرتنا الدينيه واشمئزازنــا من المنكر سوف تزول شيئاً فشيئاً ولن يكون لها ذلك التوقد وتلك الفاعلية التي ينبغي أن يعيشها المجتمع الإيماني اتجاه ذاك المنكر، وهنا مشكلة عظيمة، أننا كلما أعطينا المجتمع جرعة من التبريرات هونت عليه بعض الإنحرافات كلما استعد المجتمع لتلقي جرعات أكبر، اليوم يعطي المجتمع جرعة من التبريرات من أجل الإقدام على أمر، غداً نعطيه جرعة يتهيئ لجرعة أكبر، نعطيه جرعة ويتهيئ لجرعة أكبر، بحيث يصل المجتمع نفسياً وروحياً إلى تقبل أي مستوى من التبرير يؤدي إلى مخالفة أي حكم من الأحكام، عندها سوف تزول الغيرة الدينية والاشمئزاز من المنكر. 3- الجرأة على دين الله: سياسة التبرير وخلق الأعذار إذا فشت وانتشرت بين المؤمنين استغلها الآخرون للجرأة على دين الله سبحانه وتعالى، إذا نحن في تعاطينا مع القضايا على أساس أن نبرر لما نريد، الآخرين أيضاً يقولون حلال عليكم وحرام علينا، الآن هؤلاء البعيدون عنا، الفساق يرتكبون المنكر غير ملتفت إلى تبريره، يرتكبه جهارا عنادا لحكم الله إذا التفت ان هنالك شيء يبرر له فعله هو أيضا سوف يرتكبه ويقول كما تبررون نبرر، إن قلت له نحن لا نبرر عظائم الأمور يستطيع أن يجيب إذا بررتم اليوم هذه الأمور الصغيرة سوف تبررون غداً ما هو أعظم الفرق أننا سبقناكم إلى تبرير ما هو أعظم. لا بد من أن نجعل ضابطة واضحة نميز من خلالها الفعل الصحيح من غيره، هناك ضابطة دينية ولكن حرفت، تلاعبنا بها، لا بد من جعل ضابطة واضحة لا غبار عليها أن هذا الفعل خطأ وأن هذا الفعل صواب وأن هذا الفعل فضيلة وأن هذا الفعل رذيلة وأن هذا الفعل منكر وأن هذا الفعل معروف، لا بد من جعل ضابطة واضحة لمعرفة الخطأ من الصواب، تلك الضابطة لن نحصل عليها إلا من الدين فإذا شوهنا وحرفنا صورة الدين لن تكون عندنا ضابطة، آرائنا واجتهاداتنا لا تصلح أن تكون ضابطة، يعني لا ينبغي _ لاسمح الله _ أن نصل إلى ذلك اليوم الذي تكون فيه الضابطة لمعرفة الحق من الباطل والخطأ من الصواب هي آراء واجتهاد الرجال، وفي الحديث أنه يأتي على الناس يوم يكون عندهم أن الصواب ما صوبوه والخطأ ما حكموا بخطئه، ما اعتبروه صواباً فهو صواب، وما عتبروه خطأ فهو خطأ، ولعل في هذا الحديث إشارة إلى سياسة التبرير التي تنتشر في المجتمعات، آرائنا واجتهاداتنا لا تصلح أن كون هي الضابطة لمعرفة الخطأ من الصواب وهل نريد أن نفصل الدين على مقاييسنا؟ لا يتسع ولا يضيق، وإذا اتسع ضيقنا وإذا ضاق وسعناه، لا، يبقى الدين واسعاً حيث كان واسعاً وضيقاً حيث كان ضيقاً، ولا يجوز أن نفصل الدين على مقاييسنا، إذاً الضابطة هي الدين وينبغي أن ننزل عند حكمه بلا تحريف وبلا تأويل، نعم، الدين يُجوز لنا الخروج على حكمه في موارد مذكورة، مثلاً في موارد كان الإلتزام بالحكم الديني ضرراً على المكلف، يجوز تركه، في الموارد التي يكون الحكم الديني يمثل حرجاً وضيقاً لا يتحمل، عندها يرفع الحكم، ولا يجب على المكلف امتثاله، في الموارد التي تتزاحم فيه المصالح الواقعية، وليست المصالح بحسب أنظارنا، المصالح الواقعية إذا تزاحمت يمكن أن يقدم بعضها على بعض ويضحى بالمصلحة الأقل من أجل المصلحة الأكثر، ومن أجل الحكم الذي يحمل مصلحة أكبر، هذه هي ضوابط الدين، وهناك قد تكون ضوابط أخرى، الغرض أن آرائنا واجتهاداتنا لا تصلح أن تكون ضابطة، وأنا هنا أحذر كثيراً من سياسة التبرير وسياسة خلق الأعذار، لأن هذه السياسة إذا اتبعناها وسرنا على مقتضاياتها فإنه سوف نضحي بكثير من الأحكام الدينية، لأنه أحكام قليله يمكن أن لا تطالها سياسة خلق الأعذار والتبرير، وعندها سوف نتحمل وزراً كبيراً عظيماً، حيث سوف نشوه ونحرف ونأول هذا الدين، وتلك جريمة عظمى. والحمد لله رب العالمين، وصل الله على سيدنا ونبينا محمد وآل محمد. |
الساعة الآن 12:41 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.5.2 TranZ By
Almuhajir