"تفجير الدّيه".. الدّلالات والآثار
 

09-03-14 12:52 AM

أقلام حرّة لؤلؤة أوال بقلم الشيخ عارف لعلّ الحدث الأخير الذي تمثّل في تفجير الدّيه ليس حدثاً عابراً يمكن المرور عليه مروراً عابراً، بل لابدّ في مثل هذه الأحداث الكبيرة والمفصليّة من التوقّف، والتحليل بشيءٍ من الرويّة والهدوء من دون انفعالٍ وعصبيّة. وفي هذا المقال، أحاول أن أقف وقفاتٍ مختصرة على بعض دلالات هذا الحدث (انفجار الدّيه)، وكذلك بعض آثاره. - من دلالات وآثار انفجار الدّيه: 1- قدرة المعارضة، وضعف النّظام: استطاع هذا التّفجير أن يُثبت عمليّاً أن هذا النّظام ضعيف، وغير قادر على السيطرة الميدانيّة والسّياسيّة، فلم يعد النّظام قادراً على تطويق الثورة، لا محاصرة الحركات الثّوريّة الميدانيّة. ومن جهةٍ أخرى، استطاع هذا التفجير أن يُعطي دلالةً واضحة للدّاخل والخارج؛ أنّ المعارضة الثوريّة لم تعد رقماً هامشيّاً على الرّف، بل لها من القوّة ما تستطيع أن تهزّ به كلّ أركان النّظام الخليفي، ومنْ يدعمه من أنظمة القمع الخليجيّة، وأنظمة الاستخبارات البريطانيّة. 2- استنفاد كافة أوراق النّظام (العدّ العكسي): ومن دلالات هذا الحدث، وما تبعه من هجمةٍ شرسةٍ من النّظام على الأهالي، والتّهديد والوعيد، واستخدام الدّين في التّنديد بهذا التّفجير، والتّخويف من ورقة الطّائفيّة والحرب الأهليّة؛ أثبت كلّ ذلك أنّ أوراق قوّة النّظام باتت مكشوفة بالكامل، وقد استنفدها، ولم يعد يملك المزيد من أوراق القوّة. كلّ هذه الأوراق التي استخدمها عقيب هذا التفجير أوراقٌ منتهية الصّلاحيّة، وقد احتوتها المعارضة الثّوريّة بحكمتها وحنكتها وصلابتها. وبدأ الآن العدّ العكسي للحالة الميدانيّة والسياسيّة، والنّظام يُدرك هذا الخطر المحدق به، ولذلك استخدم كلّ أوراقه تقريباً، لاحتواء هذا الحدث، لكنه لحدّ الآن لم يفلح، لأن الحدث كان موجعاً، ولا زالت آثاره مدوّية. وأثبت هذا الحدث الكبير أنّ المعارضة لازالت تملك أدوات قوّة لم تستخدمها، وأن استخدامها كان مدروساً، ومتقناً، وبإمكانها أن تضرب في أي وقت، وأي مكانٍ تشاء. 3- كذب الآلة الإعلاميّة للنّظام: روّج النّظام أنّه استطاع أن يخمد الثّورة في البحرين، وجاء هذا التّفجير ليُكذّب إدّعاء السّلطة والنّظام. كما روّج النّظام بأنه لا توجد قوّات أجنبيّة في البحرين، وأنّ قوّات درع الجزيرة مهمتها في البحرين فقط حماية المنشآت الخارجيّة والحيويّة. جاء هذا التّفجير ليُثبت أن قوّات المرتزقة هي قوّات خارجيّة، ومن جالياتٍ أجنبيّة، وأنّ ما يُسمّى بدرع الجزيرة مُشارِكٌ فعليّ في قمع شعب البحرين. وبهذا التّفجير، وما تبعه من هلاك مرتزقٍ إماراتيّ وغيره؛ انكشف بشكلٍ واضح كذب الآلة الإعلاميّة للنّظام، وثبُت للصّديق وللعدوّ أنّ البحرين واقعةٌ تحت احتلال فعليّ، وهو ما يُبرّر عقلاً وشرعاً وقانوناً عمليّات الدّفاع والمقاومة. 4- يد العناية الغيبيّة: وهنا أشير إلى الإحساس باليد الغيبيّة الإلهيّة في تسديد ضربات الثوّار. فإنّ الثّوار بإمكانياتهم البسيطة، وبعدّتهم المتواضعة مقارنة بما يملكه النّظام استطاعوا بتوفيقٍ من الله تعالى، وبيدٍ غيبيّة مُسدّدة؛ أن يصلوا لضابطٍ إمارتي، وهذا بالحسابات السياسيّة والميدانيّة يعني الكثير. وهذا يُرشد الثّوار والجماهير والقيادات إلى أهميّة الالتفات لليد الغيبيّة الإلهيّة، فهي مع الصّادقين المخلصين الصّابرين، وقد أكّد على ذلك القرآن الكريم والرّوايات الشّريفة. 5- رفع الحالة المعنويّة للجماهير: من آثار هذا الانفجار أنّه استطاع أن يرفع الحالة المعنويّة للجماهير، ولعموم الشّعب من كلّ التيارات (بما فيها التي لا تؤمن بمثل هذه الأعمال)، وهذا إنجاز، وأثر كبير من آثار هذا الحدث، لأن الاهتمام بالحالة النفسيّة والمعنويّة وروح الثقة بالنفس؛ عاملٌ مهمّ في ميزان الصّراع بين الحقّ والباطل، في كلّ زمان ومكان، وقد أشار إلى ذلك القرآن الكريمُ مراراً وتكراراً. 6- ضرب النفسيّة المهزومة لمرتزقة النّظام: وفي المقابل، استطاع هذا الحدث أن يضرب نفسيّات المرتزقة المهزومة، وأن يُخلخل تماسكهم النفسي، ومن المتوقّع جدّاً أن يكون لهذا الحدث تموّجات داخل صفوف مرتزقة النّظام، والتي جاءت لتحصل على الرّخاء المادي، لتجد أمامها حممَ النّارِ وحدّ السيوف. وهذا ضربٌ لعاملٍ مهمّ من عوامل قوّة النّظام التي يعتمد عليها في قمع الشّعب. 7- تعديل ميزان الاستنزاف: وبالتّالي، استطاع هذا الحدث أن يُعدّل من ميزان الاستنزاف، فقد كان النّظام في السّابق يقومُ هو فقط بعمليّات استنزاف متواصلة بحقّ الشّعب، مما يُفقِد الشّعب شيئاً فشيئاً قدرة التأثير والحركة. أما الآن، فإن هذه الضّربات استطاعت أن تُحدِث توازناً في ميزان الاستنزاف، وفي ميزان الرّعب، وأنّ الضّربات التي يتلقّاها النّاسُ ليست بمعزلٍ عن تلك الضّربات التي يتلقّاها النّظام ومرتزقته. قال تعالى: أن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تأملون وترجون من الله ما لا يرجون. 8- توجيه الرأي العام للبحرين: واستطاع هذا الحدث أن يجلب الرأي العام للبحرين، وأن يُركّز الأضواء من جديد على القضيّة البحرينيّة، وذلك بعد أن حاولت أجهزة العلاقات العامة للنّظام أن تُبعد كلّ الأضواء عن القضيّة البحرينيّة. هذه بعض دلالات وآثار الحدث الأخير في تفجير الدّيه، ولا شكّ بوجود ملاحظاتٍ وحيثيّات أخرى يمكن التّسليط عليها، ولكنني وقفتُ على بعضها على نحو السّرد السّريع والعجالة. وهنا أشير ختاماً: إنّ هذه الدّلالات والآثار فعليّة وقائمة، ويمكن للمعارضة أن تُركّز الضّوء عليها، وتستفيد منها، وبالتّالي تستفيد إيجابياً من هذا الحدث لصالحها. ويمكن لها أن لا توظّف هذا الحدث توظيفاً صحيحاً في السّاحة العمليّة. والأسوأ عمليّاً أن تتعامل بعض قوى المعارضة مع هذا الحدث بطريقةٍ سلبيّة قاتمة، بطريقةٍ ليس فقط بدون استفادة، بل تتعامل بطريقةٍ يستفيد منها النّظام وإعلام النّظام، وهذا إنّما يدلّ على أقبح أنواع الممارسة، وأقبح أنواع التخطيط والاستثمار. فلتنتظر القوى العاملة: أي الطريقين تختار؟ وأي السّبل تنتخب؟ وأي المناهج تنتهج؟!

المصدر...