سعيد السّهلاوي.. مربٍّ تجاوز حدود المسافات الضّيقة
 

عند البحث في قنوات التأثير الدّيني التّقليدي في البحرين، يُصادَف أن يكون غير ''رجال الدّين'' هم الأكثر تأثيراً، وجهداً، وعملاً في مجال تسيير الشّأن الدّيني وإدارته العمليّة. يمكن أن يُعدّ ذلك إيجابيّة محمودة تشهدُ على ذلك التنوّع ''التمثيلي'' للمعنى الدّيني، ولكنه أيضاً يأتي تأكيداً على أنّ هذا المعنى يُسهم في إنشائه ورعايته كثيرون ممن لا يُحاطون بالشّعارات التّرويجيّة التي تصحب عادةً طبقة ''العلماء''.

في الحقب التأسيسيّة لما يُعرف بالحالة الإسلاميّة في البحرين، كان للقائمين على التربية والتعليم الإسهام المحوري في تغذية الوعي الدّيني العام وإشاعة الشّعور الإيماني الجاذب نحو التديّن. كانت هناك خطوط مفتوحة، وتكاد تكون متطابقة، بين رجل الدّين ومهنة التّعليم، ويمكن التأريخ لكثير من المحطات الدّينيّة المتصلة بالنهوض الاجتماعي والتوعية بمخاطر الفكر الآخر؛ من خلال تتبّع الأداء العام لجيل المربين في فترة الستينات والسّبعينات، ولا يعدم أن نجد أن بعضاً من علماء الدّين المؤثرين والمؤسّسين لهذه الحال كانوا منخرطين آنذاك في السّلك ''النظامي'' للتربية والتعليم، وأنّ جزءاً كبيراً من المرّبين كانوا على تواصل أيديولوجي واجتماعي و''تنظيمي'' مع الواجهات الدّينيّة القديرة في المجتمع. ولكن، ومن الناحية الأخرى، لم يكن من السّهل العثور على مربّين انطلقوا من رحاب التنشئة الدّينيّة، وواكبوا تجربة البناء الدّيني الأيديولوجي في البحرين، من غير أن ينتهوا إلى الانحصار في تلك المسافات الضّيقة التي أفرزتها الحال الإسلاميّة حينما تحوّلت إلى منطق ''الحركة'' الإسلاميّة وأنتجت الاتجاهات والمسارات المختلفة.

ربّما من هذه الزّاوية، يستحق المربّي الرّاحل سعيد السّهلاوي (مواليد 1943)، أن يكون داخلاً في بقعة الضّوء هذه الأيام.

السّهلاوي الذي كان أوّل منْ يحمل صفة ''معلم'' في قريته، السّهلة الجنوبيّة، لم يكتف بدوره المهني في التربية والتعليم. كان نشاطه التربوي في الحقل الرّسمي امتداداً، أو تفرّعاً، لنشاطه الدّيني العام الذي تبلور بشكل واضح مع مطلع السّتينات، وهي المنطقة الزّمنيّة التي تكوّنت فيها - وبشكل هادئ وغير مرئي - المعالم الأوليّة للوعي الدّيني والذي كان يواجه تحدّياً فكريّاً وقتئذ بسبب قوّة التيارات الفكريّة الأخرى، والظروف الاجتماعيّة القاهرة التي أجبرت الكثيرين على مزاولة منشاط أيديولوجيّة متعارضة مع الجوّ الدّيني الملتزم. أدرك السّهلاوي، ومن موقعه الخاص، أهمية التنشيط الثقافي الدّيني، واستثمار المؤسّسات الدينيّة المتاحة لإطلاق منابر توعويّة موازية لما تزخر به السّاحات الفكريّة الأخرى.
من هنا كان دوره في إحداث نقلة نوعية لدور ''المأتم'' وإطلاقه على المشروع الثقافي العام، وهو الدّور الذي عزّزه من خلال تأسيس مواقع دينيّة متعدّدة تضمن تحقيق أكبر قدر ممكن من التعزيز الفكري والتربوي لتحصين الجيل من التعرّضات الفكريّة المخالفة، ومن ذلك كان إنشاؤه لمكتبة الإمام الحسن، والتي جدّدت في نشاطها ومزج السّهلاوي فيها العمل التربوي والدّيني، ثم لتتحوّل إلى نادٍ ومركز ثقافي جامع ويكون أوّل رؤسائه. التدّين الأبيض الذي انفتح عليه السّهلاوي جعله، مبكّراً، منفاحاً ضدّ التحزّب والتديّن الحزبي، ورغم اندماجه مع الخط العام الذي أرساه الشّيخ سليمان المدني، إلا أنه قدّم تلك التجربة العمليّة الناصعة التي لا تعترف بحدود التحزّبات ولا تنفعل بالاختلافات المؤقتة مادام الأمر متصلاً، في النهاية، بخيار التديّن غير المطبوع بالختم الحزبي.

لم يتوقف السّهلاوي عن أداء دوره التربوي والديني والخيري، وفي كلّ محطّة كان يحرص على إضفاء نقلة جديدة، ولو محدودة، في النشاط الدّيني العام. أسهم في تأسيس المدارس الدّينيّة، وأنشأ ورعى الجمعيات الخيريّة، وكان وجوده في إدارة جمعية ''الرابطة الإسلاميّة'' نتاجاً طبيعياً لسيرته الدّينيّة التي تألقت في فضاءات ''جدحفص''، ولكنها لم تنقطع عن بقية الفضاءات.


منقول من بروفايل في صحيفة الوقت
احببت ان اضعه لان للاستاذ افضال لا انساها طول عمري

رحمك الله يا استاذي وكل استاذ علمني حرف اكن له كل التقدير والاحترام





لا ينفعكم إلا الحسين (ع)