منتدى استراحات زايد

منتدى استراحات زايد (http://vb.ma7room.com/index.php)
-   منتدى أخبار المواقع والمنتديات العربية والأجنبية (http://vb.ma7room.com/forumdisplay.php?f=183)
-   -   بائعة التفاح (http://vb.ma7room.com/showthread.php?t=1372299)

محروم.كوم 02-08-2014 01:30 AM

بائعة التفاح
 
هنا بالضبط، في هذا السّطرِ تعييناً، توقفَ الكاتبُ. اختارَ أن يتوقفْ. لمْ يعد يفكّرُ في فاطمةَ الزهراءَ، ففاطمةُ قد خانتِ العهدَ والوعدَ والوفاءَ وتزوّجت منذ مدّةٍ. سمعتُ من قال بأنّ الأختَ قد زوّجت نفسها خشيةَ أن يرحلَ عنها القطارُ كمثل هندٍ وناديةَ ومريمَ وأخرياتُ من بناتِ أهلِ البلدِ، نعمْ سمعتُ ذلكَ. وسمعتُ أيضاً آخرينَ يقولونَ إنّ السّي محمّد، أعْني أبا فاطمةَ، هو السّبب في الزواج. أجلْ ولا شأن لي بالأمرِ، لا التفاصيل، ولا كلامَ الأختِ، ولا المدّة التي مضتْ. نسيتُ كلّ شيء بسرعةٍ، سبحانَ منْ لا ينسى !
أن تكون حياتُها الآنَ سعيدةً أم غيرَ سعيدةٍ؛ فذاك شأنٌ يُغنيها هي، ولا يَعنيني شخصياً، وقد لايعنيكم أنتمْ كذلكَ. لذا من الغباءِ حقاً أن نقولَ إنّ فاطمةَ لا تزال تستوفزُ خاطرَ الكاتبِ وتُخضخِضُ دخيلتهُ. أبداً. إنْ نُقرّ بذلكَ؛ نكنْ لامحالةَ من الكاذبين !
هذا ما قالهُ بفمهِ هذا الصباح، أقصدُ، فجرَ يوم السّبتِ، منَحَ الكلامَ وهو يخلعُ النظارات الطبية، مسحها بمنديلٍ، ثمّ أعادها إلى مكانها، وأرجعَ المنديل إلى مكانهِ، فأخذ يتفحّص النصّ بالعينِ الجوانيةِ. يتفحّصهُ ويدققُ النظرَ فيه بعينٍ ثاقبةٍ ثانيةٍ وثالثةٍ.. وقرّر أنّ النّص انتهى.
في الواقعِ، هو لم يقرّر بالكاملِ، ولعلّه اضطرّ إلى ذلكَ بمقتضى الحال. سحبَ اليراعَ من بين أصابعهِ، ووضعهُ جانباً فوق المكتب، رماهُ، واهتزّ في المكانِ، ثمّ همسَ في سرهِ إنّ جولةً ما بالخارجِ قد تفيدُ في ملءِ هذا الفراغ حولهُ، بعدما أحدثتهُ فاطمةُ.
اِنسلكَ الكاتبُ على الفورِ في لباسهِ، ثمّ بارحَ المكانَ، قالَ أريدُ أن أتمشّى. آثرَ أن يتمشّى ولمْ يحدّد الوقتَ، أخشى أن يقولَ إنّ الوقتَ ظهيرةٌ. كيفما كان الحال؛ فأنتَ حين تسْرحُ ببصركَ يمنةً ويسرةً؛ تجدُ نفسكَ منبهراً بأشعّةِ الشّمسِ الذهبية إذ تنعكسُ على النّاسِ والأشياءِ، فتمنحَ منظراً بهياً. يحقُّ لكَ أن تتصورَ هذا المشهدَ البديعَ هُنيهةً. ليس بالضّرورة أن يكونَ كما يراهُ الكاتبُ الآن وهو يعبرُ شارعَ الحسنِ الثّاني هذا بمدينةِ أكادير هذهِ، بالمغرب.
يعبرُ الشّارعَ إذنْ، وتعبرُ معهُ حسناءٌ فاتنةٌ في الوقتِ عينهِ، هو يعلمُ، في دافنِ نفسهِ يعلمُ، أنّ الأنثى تمنحُ الخطى وإيّاهُ في الشّارع كيفما صادفَ، بيد أنّه لا يعرفُ الإسمَ، اسمُها هي. لمْ يلتقِ بها الرجلُ إلا مرّةً واحدةً في سوقِ الأحدِ، أزعمُ، أو لعلّه في حديقة أولهاو، أو في خميسِ تيكوينَ مثلاً. أو ربّما، بالأحكمِ، في ثلاثاء انزكان ! نعمْ نعمْ، يتذكّرُ الآن أنّ البنتَ قابلها أوقابلتهُ هنالكَ بالتحديدِ، متأكدٌ هوَ لا محالةَ من أنّها قالتْ لهُ، أنا ليْلى، قُدّامَ قيساريةِ وادِ الذّهبِ تلك.
يقدّرُ الكاتبُ أن تكونَ ليلى قدْ كذبتْ في الإسمِ، يحلوا للبنتِ أن تكذبَ كمَا الكثيراتُ، ويستثني من ذلكَ صديقاتهِ، وهُنّ بالفعلِ ضروبٌ وأنواعُ. بالواقع، لسنَ صديقاتٍ كما هو متواضَعٌ عليه بالضّبطِ، ولكنْ ينعتهنّ كذلك تجاوزاً، أظنُّ.
لوْ كانت الزّهراءُ التي تعبرُ معي الشّارعَ الآنَ، يقولُ، هل كانت ستمْضي، أم أنّها سوفَ تبقى؟ حتماً سوف تحسمُ في القرارِ بكلّ يُسرٍ، وسوف تمضي بلا ريْبٍ، رغماً عنها,, أمّا ليلى. آهٍ يا ليلى، أذبحُ نفسي أيّها الناسُ. من الوريدِ إلى الوريدِ أذبحُها؛ إنْ زعمتُ أنّي لا أغارُ من هذهِ البنتِ. ألقتْ إليه بالبصرِ خطفاً. تبادلاَ نظرةً قصيرةً من جهتها هي، أَمّا هو، فقد كان ينظرُ إليها بعمقٍ. لنكنْ واقعيين؛ تقحّمتهُ بعينٍ نافذةٍ، هيَ، فيما هو ينتقلُ بصرُهُ كالسّهمِ الساردِ إلى كلّ الجسد، جسدِ الأنثى ليلى، ليسَ تماماً، فهو لا ينظرُ إلى عينيها مثلاً، ولا إلى أردافَها ولاحتّى مؤخّرتها ونهديْها المكوّرينِ وُسعَ قبضةِ اليدِ، بل كان يتأملُ شفتيها ذاتيْ الصّامِغَينِ المنخفضينِ. أعقبُ أنا: ينظرُ إليهما الفتَى فيتحلّبُ بالشّهوةِ !
هيَ تعلمُ أنّ البصرَ انفلتَ منهُ قبلَ قليلٍ، إليها، بيدَ أنّها لا تقولُ شيئاً، لاتمنحُ بنتَ شفةٍ، قطعاً، البنتُ لا تُصْدرُ كلاماً. أقدّرُ أنا، أنّ ذاتَ السّاقِ الظّمياءِ هذهِ، تتغابى في الغالبِ، أو تتغافلُ في العاديِّ من الأيام.
آهٍ هذهِ الفتاةُ ! صاحبةُ المبْسمِ الوارفِ، أتشهّاهَا بدونِ انقطاعٍ، ثمّة رائحةٌ باذخةُ، عطرٌ نفّاذٌ تعبقُ به البنتُ ويخترقُ الحواسّ، أحبّ تلك الرائحةَ، وأحبّ هذا الشعورَ.. لكنْ كيفْ .. كيف يحدثُ لي كلّ هذا؟ يتساءَلُ الكاتبُ.. كَيفْ؟ جسدٌ بشرٌ عجيبُ الخلقةِ يتمشّى أمامي، ويكُتب لي أن أرى سحرهُ الفتّاكَ هنا، في قلب ساحةِ الإنبعاثِ بالمغربِ؟ سبحانَ من خلقَ هذا الجمالَ ! سبحانهُ قدْ خلقَ فسوّى وعدّل وأحسنَ ! أحبّ خلقَ اللهِ، لكنّني، لا أستطيعُ أن أصدّق ما يقعُ أمامَ عيني، إذ لا يمكنُ أن يكونَ هذا محضَ صدفةٍ !
فكّرَ وقدّرَ.. هذا كثيرٌ على صدفةٍ طارئةٍ، هذا قدرْ. قدرٌ محتومٌ، متأكدٌ هو من ذلكَ. نظرَ إلى الجسدِ المليحِ بكلّ تفاصيله، جسد ليلى، جسدٌ أنثويٌّ يشعّ بهاءاَ ويتوهّجُ نوراً:
- لو سمحتِ..
قذفتْ نادلةُ الباتسري بناظريْها تبحثُ عن القائلِ، أجلْ، إنّها تنظر إلى هذا المكان الذي أنا فيه. لستِ أنتِ. يقولُ في سرهِ.
لكزها من الخلفِ فاستدارتْ، بحكمِ العادةِ، تبحثُ عن الفاعلِ، وما الفاعلُ سوى الكاتبِ. جالتْ بنظرها خطفاً في أرجاء الرجل:
-أرجوك اذهب بعيداً، اتركني وشأني ..
كانت تتكلّم بصوت مبحوح، فيما هو شاردٌ فيها، مرّّة في الوجهِ، ومرّة في الجسد، وأخرى يصرفُ عنها النظرَ إلى غيرها من النّاسِ والأشياءِ في الشّارع، أعْني عطفةَ الشارع. ثمّةَ حزنٌ موغلٌ في عيني هذه البنت. عفواً، لم أنتبه.
سألها، وهما يبرحان معاً شارع الحسن الثاني ويدلفان إلى آخر فرعي:



في الحقيقة، قاطعته هي بقولها:
.....
بائعة التفاح، بقلم: ابراهيم السبكي ( كاتبـ فيـ صمتـ. )







الساعة الآن 06:13 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.5.2 TranZ By Almuhajir


1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 105 106 107 108 109 110 111 112 113 114 115 116 117 118 119 120 121 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131 132 133 134 135 136 137 138 139 140 141 142 143 144 145 146 147 148 149 150 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 162 163 164 165 166 167 168 169 170 171 172 173 174 175 176 177 178 179 180 181 182 183 184 185 186 187 188 189 190 191 192 193 194 195 196 197 198 199 200 201 202 203 204 205 206 207 208 209 210 211 212 213 214 215 216 217 218 219 220 221 222 223 224 225 226 227