منتدى استراحات زايد

منتدى استراحات زايد (http://vb.ma7room.com/index.php)
-   منتدى أخبار المواقع والمنتديات العربية والأجنبية (http://vb.ma7room.com/forumdisplay.php?f=183)
-   -   الدكتور سعيد الشهابي يكتب عن حكم القانون وامتيازات النواب (http://vb.ma7room.com/showthread.php?t=128641)

محروم.كوم 05-30-2009 01:20 PM

الدكتور سعيد الشهابي يكتب عن حكم القانون وامتيازات النواب
 
كثيرا ما تتردد مقولة 'حكم القانون' باعتبار ذلك 'أساسا لضمان الحقوق واستقرار الشعوب'. انها مقولة يطرحها الكثيرون خصوصا النشطاء السياسيين والحقوقيين الذين كثيرا ما يواجهون اوضاعا تتحكم بها أمزجة الحكام المستبدين الذين يتعاملون مع مواطنيهم وفق معطيات ترسخ حكمهم وان كان ذلك على حساب حقوق الناس. انها واحدة من أهم معضلات البناء الحضاري الانساني، ولا تنحصر ببلد دون غيره. ومع الاعتراف بوجود فوارق كبيرة بين الدول 'الديمقراطية' والدول 'الاستبدادية' ولكنها ليست الفوارق الحاسمة التي تميز بين 'الحق المطلق' و 'الباطل المطلق'، بل تكتسب صفة النسبية المحكومة بالزمان والمكان. فممارسة الفساد المالي والاداري ظاهرة لا يخلو منها نظام، لكنها تكبر في المجتمعات المحكومة بالاستبداد وتصغر في الديمقراطيات. ولذلك لا يكفي وجود قانون متين، بل يحتاج تطبيقه، خصوصا في ظل الوازع الداخلي لدى الانسان الذي يمنعه من النهب والسرقة والانحراف، لقيم أخرى منها الرقابة والشفافية والنظام القضائي المستقل. وهذه الجوانب تقوى في 'الديمقراطيات' وتضعف لدى انظمة الاستبداد.
هناك اذن شروط اخرى لاقامة حكم القانون وممارسة العدل يجدر بالمهتمين البحث عنها والسعي المتواصل لتحقيقها كضمانات لاقامة حكم القانون. ويمكن القول ان قضية الفساد المالي في المؤسسة البرلمانية البريطانية التي يتواصل الحديث عنها بدون انقطاع، قد أظهرت عددا من الامور: اولها ان هناك اجماعا من قبل كافة البرلمانيين، على اختلاف انتماءاتهم الحزبية، على وجود خلل في القواعد التي تحكم المستحقات المالية للنواب المنتخبين، وان من الضروري إصلاح ذلك الخلل كخطوة اولى على طريق اصلاح الممارسة. ثانيها ان غياب الوازع الاخلاقي والقيمي والديني، بالاضافة الى مدى تعمق حالة الجشع في نفوس الكثيرين، كل ذلك دفعهم للافراط في استنزاف الخزينة البرلمانية التي هي جزء من المال العام. ثالثها: ان وجود الرقابة الاعلامية والشعبية كان عاملا قويا في كشف تلك الممارسات، رابعا: ان الممارسة الانتخابية أرعبت النواب، فبادر البعض للاعتذار او الاستقالة من المناصب الوزارية، ودفعت البعض الآخر لاعلان عدم الترشح في الانتخابات المقبلة.
ماذا يعني ذلك على صعيد النقاش حول القانون وضرورته لحكم المجتمعات؟ اولا ان القانون في العرف الوضعي وحده لا يمثل الحل. فالذين يرسمونه يضعون مصالحهم الشخصية عادة في الاعتبار. ومن الادلة على ذلك إصرار الكثير من البرلمانيين البريطانيين على شجب قانون جديد صدر في العام 2002 يقر حق المواطنين في الحصول على اية معلومة من الحكومة، الامر الذي جعل شؤون الوزراء والنواب عرضة للكشف. وهذا ما حصل قبيل الازمة الاخيرة. فهم الذين يضعون القواعد التي تحكم مستحقاتهم المالية ومصاريفهم. ثانيا: ان القانون لا يعبر دائما عما هو 'حق' وما اكثر القوانين التي تفرض على المواطنين وتطبق بقوة بدون ان يكون لهم دور في صياغتها. فحتى أشد الانظمة استبدادا وقمعا يستند عادة لمواد دستورية وقانونية لاتخاذ القرارات المجحفة بحق المواطنين. ثالثا: ان القانون البشري انما هو نتاج التجربة والممارسة، وبالتالي فهو ليس نصا معصوما عن الخطأ ولا قداسة له الا بقدر ما يكون معبرا عن ارادة البشر ورغباتهم، ولا تتوفر هذه الصفات فيه عادة نظرا لاستحالة توافق البشر جميعا على تعريف المصلحة والمفسدة. وبالتالي فالقانون الوضعي، في أحسن حالاته، تعبير عن حالة توافقية بين المشرعين المنتخبين، وقد لا تزيد عن نصف الاعضاء المنتخبين الا قليلا. فالقانون يضعه ثلة من المواطنين الذين ينتخبهم المواطنون على امل ان يشرعوا القوانين التي تضمن مصالحهم وتحمي حقوقهم. والواضح ان هؤلاء المشرعين كثيرا ما يشرعون قوانين لا يرغب فيها المواطنون، ومنها القواعد التي تنظم مخصصاتهم ومصروفاتهم. وقد اثبتت السنوات الخمس الاخيرة ان هؤلاء المشرعين قد أقروا قوانين لمكافحة الارهاب اعتبرها الكثير من المواطنين قمعا للحريات ومصادرة للانجازات التي تحققت عبر عقود من النضال من اجل الانفتاح واقامة حكم القانون. رابعا: ان القانون لا يكتسب صفة القداسة الا بصفة مؤقتة، لانه عرضة للتغيير بعد ان تثبت الممارسة عدم صوابه كله او بعضه.
عندما ظهرت حركة 'خلاص' المصرية في نهاية التسعينات رفعت شعار 'شرعية الحق لا شرعية القانون'، الذي استهوى الكثيرين وينطوي على تأكيد ان الحق يحظى بشرعية مطلقة اما القانون فشرعيته نسبية ومشروطة بان يحمي الحق بشكل مطلق. وبرغم هذا الوضوح الا انه يثير أبعادا أخرى، فما هو الحق؟ من الذي يعرفه ويحدده؟ فالحاكم المستبد يقول : 'أنا رمز الحق ومصدر الشرعية' ويعاقب من يعارضه بانه 'يتحدى الشرعية'، بل انه يعتبر ان 'هيبة الدولة' التي يرأسها 'الحق المطلق' يستحق من يسعى لكسرها أشد العقوبات وأبشع المعاملة. فتفتح السجون ويمارس التعذيب على أشده بحق من تسول له نفسه 'كسر هيبة الدولة'. والدولة هنا تتمثل بالحكم الفردي او الحزبي او العائلي. والانظمة من هذا النوع تعتبر نفسها انها هي 'نظام الحكم' و 'الدستور' و 'القانون' فالحاكم المستبد يقول 'انا القانون'، وقد جسد فرعون هذا النمط من الحكم عندما قال لقومه 'ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم الا سبيل الرشاد'. فهو مصدر الحكم والشرعية وما يقوله حكمة لا يجوز لاحد ان يعارضها، فهو أعرف من 'رعاياه' بمصالحهم، وهو الأقدر على وصف العلاج لأمراضهم الاجتماعية والسياسية. الاسلاميون يعتبرون ان الاسلام هو 'الحق' وعليه يهندسون القوانين والسياسات، ويعتبرون ان الاسلام هو المصدر الاساسي للتشريع، وان ما جاءت به تلك الشريعة يحظى بصفة القداسة وان الشريعة هي القانون وبذلك تكتسب الشرعية المطلقة. بينما يرى غيرهم ان التجربة هي المصدر الذي يرفد البشر بالقدرة على التشريع، وان الحق والباطل أمران نسبيان مرتبطان بالتجربة الشخصية. وقد تعمق الايمان بهذه المقولة في مرحة ما بعد الحداثة التي تجعل التجربة البشرية المصدر الاساسي لتحديد الحق والباطل والصحيح والخطأ والخير والشر، وان من غير اللائق إقحام الدين في التقنين البشري او اعتبار الشريعة الاسلامية مصدرا للقانون الذي يحكم المجتمع المعاصر. ويمكن القول ان هذين التوجهين يمثلان جوهر الصراع بين الشريعة والقانون الوضعي، ومعه الصراع بين الغرب الذي يتصدر مشروع العلمنة المعاصر والتيارات الاسلامية التي تهدف لاقامة الحكم الاسلامي في بلدانها.
أيا كان القول، فهناك تطلعات مشروعة لدى شعوب العالم، ومنها الشعوب العربية و الاسلامية، لاقامة انظمة حكم قائمة على اساس 'حكم القانون' بغض النظر ان كان هذا القانون مستمدا من الشريعة ام التجربة البشرية. ولا شك ان وصم نواب البرلمانات المنتخبة بالفساد، كما حصل في بريطانيا، وكما يحصل في الكثير من البلدان الاخرى من شأنه إضعاف وهج التجربة البرلمانية كسلطة تشريعية. فعندما يتحول منصب التشريع والتقنين الى مواقع للنفوذ والاثراء والحياة الفارهة فانه يفقد الاخلاقية المطلوب توفرها في من يشرع للناس. فعندما يبدأ الاعضاء المنتخبون بمناقشة مصالحهم الخاصة يفقد المواطنون الثقة في مدى قدرتهم على رعاية المصلحة العامة والذود عنها. وهذا ما حدث في احدى الدول الخليجية عندما بدأ اعضاء مجلس الشورى (الذين ينتخب نصف اعضائه) بمناقشة نوع السيارات التي تعطى لهم بعد الانتخاب بين 'اللكزس والمرسيدس' شعر المواطنون بالتقزز من ذلك، وبدأوا يتساءلون عن مدى قدرة هؤلاء على ممارسة التشريع النزيه بعيدا عن مصالحهم الذاتية. ان القانون الذي تكتبه الفئات المتنفذة والمتنعمة باموال الجائعين لا يمكن ان يطور المجتمعات، بل كثيرا ما اصبح اداة لحماية مصالح الفئات المتنفذة، وتهميش الدور المجتمعي خصوصا في توجيه الاموال والثروات للصالح العام. فكثيرا ما كان القانون اداة لتكريس الظلم والاستبداد، فما معنى 'قوانين الطوارئ' و 'قوانين أمن الدولة' التي تقنن اعتقال المواطنين وايداعهم السجون مددا غير محددة بدون تهمة او محاكمة؟ هذه القوانين تختلف عن القوانين الامريكية التي تسمح باعتقال الناس في بلدان اخرى وتعريضهم لأبشع المعاملة بتهمة حماية المصالح القومية؟ ما معنى اعتقال اشخاص اجانب وتوزيعهم على السجون السرية في بلدان نائية، ينقلون اليها في رحلات جوية سرية؟ فاية شرعية للقانون الذي يقنن الانتهاكات بهذا المستوى؟ هذه الممارسات أثرت سلبا على مصداقية الممارسة الديمقراطية في دول الغرب، وأضعفت بريق مشاريعها 'الاصلاحية' ذات السمات الانتقائية. وإلا فما معنى تجميد القرارات الدولية التي تعتبر بمثابة القوانين، عندما تستهدف الاحتلال الاسرائيلي وتطالب الصهاينة بالانسحاب من اراضي الفلسطينيين مثل قراري 242 و 338 وسواهما؟
ثمة اشارات الى ان ملامح حقبة 'حكم القانون' في المنطقة قد بدأت من خلال بعض المؤشرات. من هذه المؤشرات الانتخابات المحلية العراقية التي عقدت قبل شهرين وفازت فيها قائمة 'دولة القانون' وتوجه الحكم العراقي لفرض حكم القانون والقضاء على حكم الميليشيات في كافة انحاء العراق من شماله الى جنوبه. ثانيها الانتخابات الكويتية الاخيرة التي فازت فيها اربع نساء بمقاعد برلمانية للمرة الاولى في تاريخ دول مجلس التعاون، وفي ذلك مؤشر لوجود رغبة متصاعدة لاقامة حكم القانون. ثالثها: اعتبر اصدار عقوبة قاسية باعدام رجل الاعمال المصري هشام طلعت مصطفى، بتهمة قتل المغنية سوزان تميم، برغم علاقته الشخصية بالرئيس المصري تطورا ايجابيا في بلد يمارس رئيسه استبدادا مطلقا. ومع ان من المتوقع تدخل السلطات العليا ابتداء بالقصر الجمهوري لتخفيف حكم الاعدام الى السجن، فان صدور الحكم اعتبر مؤشرا ايجابيا على وجود توجه، وان كان محدودا، لاقامة حكم القانون. كما ان اعتقال سعيد بن زايد آل نهيان، شقيق رئيس دولة الامارات بتهمة تعذيب احد شركائه التجاريين، مؤشر آخر لمدى تأثير الرقابة الدولية في عصر الانترنت والقنوات الفضائية، على التوجه لاقامة قدر من حكم القانون في الدول التي ما تزال بعيدة عن تلك الظاهرة. لكن هذا 'التطور' محدود جدا، وتحول دونه ممارسات قمعية شديدة في بلدان اخرى. وما سياسات خطف النشطاء والتنكيل بهم في البحرين التي تصاعدت في الاسابيع الاخيرة الا وجه آخر لهذه البلدان التي تتنازعها رغبتان: قمع المواطنين وتكريس الاستبداد من جهة، وإظهار وجه متحضر للخارج يوحي بالتقدم القانوني وحماية حقوق الانسان من جهة اخرى. وجاء خطف المواطن جعفر كاظم، قبل اسبوعين وتعذيبه الذي كشفته عشرات الصور التي انتشرت في الانترنت، واختطاف شاب آخر هو السيد عدنان، بعده وتعذيبه بشراسة، لتؤكد هشاشة الرغبة في الاصلاح السياسي والحقوقي لدى هذه الانظمة. وسبق ذلك اعتقال عشرات المواطنين ضمن ما سمي 'مجموعة الحجيرة' نسبة الى منطقة في سورية قيل ان اعضاء الخلية تدربوا فيها، جاء الاعتقال بدون قانون، ثم افرج عنهم بعد اعتقال استمر ثلاثة شهور وتعذيب فاضح، بدون قانون.
واذا كان الغربيون، خصوصا البريطانيين، في طليعة دعاة حكم القانون، الا ان ما يضعف مصداقيتهم حالة الصراع المتواصل بين حكم القانون وتفشي العنصرية ضمن المؤسسات الرسمية، خصوصا الشرطة. ومنذ حوادث 7 تموز /يوليو 2005 تكثفت هذه الظاهرة بشكل مقلق، وساد شعور بالغبن في اوساط الشرطة من غير البيض. وكانت الشرطة البريطانية قد اتهمت قبل عشرة اعوام بـ 'مأسسة العنصرية' في تقرير اصدره السير ويليام ماكفيرسون، الذي كلف بدراسة مؤسسة الشرطة بعد فشلها في مقاضاة عدد من المتهمين بقتل الشاب الاسود، ستيفين لورانس، في 1993. هذه التهمة تكرست بعد الحوادث الارهابية من خلال عدد من الحقائق: اولها زيادة استهداف السود، خصوصا المسلمين، بالتفتيش ضمن سياسة 'اوقف وفتش'، ثانيها استهداف عناصر الشرطة من غير البيض العاملين في مؤسسة شرطة لندن العملاقة. فبعد ان أجبر السيد طارق غفور، نائب قائد شرطة لندن، العام الماضي على التقاعد في ضوء قضية رفعها ضد المؤسسة بتهمة ممارستها التمييز العنصري ضده، جاء دور علي ديزائي، الايراني المولد، رئيس 'الرابطة الوطنية للشرطة السود' الذي قدمت ضده شكوى باساءة استخدام منصبه وحرف مسار العدالة. الرابطة واعضاؤها استنكروا ذلك واعتبروه استمرارا للسياسات العنصرية التي تمارسها شرطة لندن ضد اعضائها من غير البيض. وكان علي ديزائي قد اصدر مذكراته الشخصية بعنوان 'ليس واحدا منا' يسرد فيها الممارسات العنصرية داخل جهاز شرطة لندن. فما تمارسه المؤسسات الرسمية من تهميش لدور القانون، وممارسة سياسات تنتهك روح ذلك القانون، مؤشر لهشاشة تلك القوانين وعدم قدرتها منع الالتفاف عليها وإضعاف هيبتها وأثرها في اقامة دولة المؤسسات والقانون. وما لم تحدث اعادة نظر شاملة لمفهوم 'القانون' فسوف يفقد القانون شرعيته تدريجيا، ويصبح وجوده مساويا لعدمه، فالقانون انما هو اداة لتمثيل الشرعية، يستمد منها قوته وشرعية وجوده، وبدون ذلك فلا شرعية للقانون اذا جانب الحق وكرس حكم الظلم.

' كاتب وصحافي بحريني يقيم في لندن


الساعة الآن 01:50 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.5.2 TranZ By Almuhajir


1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 105 106 107 108 109 110 111 112 113 114 115 116 117 118 119 120 121 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131 132 133 134 135 136 137 138 139 140 141 142 143 144 145 146 147 148 149 150 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 162 163 164 165 166 167 168 169 170 171 172 173 174 175 176 177 178 179 180 181 182 183 184 185 186 187 188 189 190 191 192 193 194 195 196 197 198 199 200 201 202 203 204 205 206 207 208 209 210 211 212 213 214 215 216 217 218 219 220 221 222 223 224 225 226 227