منتدى استراحات زايد - المحميد يسخر من تحول بعض المعممين الشيعة الى محللين سياسيين واقتصاديين وعسكريين

محميد المحميد
اخبار الخليج
27 مايو 2009

رجل الدين.. قف.. لست محللاً سياسياً

لا المهندس ينفع لأن يكون طبيبا، ولا المدرس يصلح لأن يعمل طيارا، ولا الميكانيكي مؤهل لأن يباشر مهام المصرفي، ولا المقاول ينفع لأن يكون طباخا ماهرا في فندق، وكذلك هو رجل الدين وخطيب الجامع وإمام المسجد، لا يستقيم ولا يصلح ولا ينفع بأن يكون محللا سياسيا في كل الشئون المحلية والعربية والعالمية وصولا إلى أحداث بلاد الأكوادور وموزمبيق، ويقوم يتحدث ويطلق العنان لفكره وتعليقه وتحليله للأحداث والوقائع، لتصل وتفهم عند البعض بأنه الرأي السديد والقول السليم والفتوى الواجبة التنفيذ والتسليم.

إطلاقاً وأبداً.. رجل الدين مهما علا شأنه وزادت خبرته، وكبر سنه، فمكانه ومحله الطبيعي هو التخصص في العبادات والفقة والسيرة وغيرها من شئون

الدين، بل وقد يؤخذ كلامه وفتواه وترد، ويصيب ويخطئ، ولا يستطيع أن يكون في السياسة هو أفضل الجيمع، وفي الاقتصاد هو أبرز الجميع، وفي العلوم هو أحسن الجميع، وفي الشئون العسكرية هو أفهم الجميع، وفي الطب هو النابغة، وفي البيئة هو المبدع، وفي الفنون هو الموهوب.. رجل الدين ليس كذلك ولن يكون كذلك، ولا ينبغي أن يصدق نفسه بأنه كذلك، ولا يصح بأن يشعر الناس بأنه كذلك، فذاك زمن المعجزات والرجل الخارق، ولا يوجد لدينا أحد كذلك، ولم يخلق في الكون رجل بتلك المواصفات اصلاً.

وإذا كنتم تريدون أن نتكلم عن الدين والمفاهيم الإسلامية ونستشهد بالسيرة النبوية فإن الرسول الكريم هو القدوة الحسنة لهذا الأمر، فقد طالب بعدم الخلط في الوظائف والمهام، وقال قولته المشهورة: "أنتم أعلم بشئون دنياكم"، وفي كثير من المرات عدل الرسول الكريم عن رأيه وقراره وتراجع حينما تبين له من الصحابة الكرام بأن رأيه لم يكن سديدا في تلك الحادثة والواقعة، وأشهرها حينما عدل الرسول الكريم عن رأيه في معركة بدر وغزوة الخندق بعدما أشار عليه بعض الصحابة الكرام بأن ما قاله الرسول الكريم وأمر به بشأن اختيار وتحديد المكان للمعركة ليس بالرأي العسكري الحربي السليم.

لقد ابتلينا في هذا الوطن تحديدا، وفي الوطن العربي والإسلامي برجال دين وعلماء إسلام وخطباء منابر وجوامع، يخرجون علينا ويتحدثون عن الشأن السياسي أو الاقتصادي أو العسكري، ويريدون أن يكون رأيهم هو الصحيح، وأن روايتهم هي الحقيقة، وأن حديثهم هو الصواب، وأن ما عداهم هو تلفيق وكذب وافتراء وجهل، وربما حرب ضد الإسلام وتمييز ضد الطائفة..!!
إن قراءة سريعة ومتابعة دقيقة لخطباء المنابر والجوامع وما يقولونه وما يفيضون به من كلام مسجل ومنشور في الوسائل الإعلامية، وخاصة حينما يتطرقون إلى التحليل السياسي في الواقع المحلي، أو ما يحدث في العالم العربي والإسلامي، مقدمين الحلول التي يرونها والأسباب التي يضعونها، والروايات التي يستندون عليها، والحكايات التي يعرضونها، أثبتت مع الأيام وتعاقب الخطب بأنها ليست سديدة وليست سليمة، وكثيرا ما يشوبها التسرع وعدم التثبت، وتختلط معها المصلحة الشخصية، وتمتزج بها النظرة الفئوية الطائفية والعنصرية، ويكون شعارها الثابت والدائم هو التشكيك وسوء الظن بالآخرين والسلطات... وربما كانت تلك هي أكبر الظواهر والمصائب عند رجال الدين في يومنا هذا وفي بلدنا هذا.

فيا رجل الدين وعالم الإسلام.. قف لحظة من فضلك.. فلست محللا سياسيا ولا قائدا عسكريا ولا طبيا ماهرا ولا اقتصاديا متخصصا.. ولكنك قد تكون بارعا وموهوبا ومتميزا في شئون الدين فقط، وتلك هي مهمتك الصحيحة، فاستمر فيها وتوقف عما سواها... رحمة بالبلاد والعباد.