منتدى استراحات زايد - إذا أصابك "راش الصنم" فاعلم بأنك خاش باش

إذا أصابك "راش الصنم" فاعلم بأنك خاش باش
كريم المحروس

27/4/2014م
في 9 أبريل 2003م أسقطت واشنطن صنم العراق، وظهر الشاعر الشعبي العراقي خليل الحاج ناصر ليطلق شعر "يمتى نحلم؟" كان اشتهر به حينما أطلق استفهامه الحذر من خلف منصة اختبأ خلفها في موقف مثير أمام حضور احتفال البصرة وردد قوله: "أخاف ما طاح الصنم"؟!.

وعند الساعات الأولى من فجر اليوم اخترت فضائية الفيحاء لمتابعة تطورات العراق وإذا بي أرى الشاعر الشعبي ذاته معترضا الشاشة ليعترف في برنامج "حكايات عمو ناصر" على غير عادته بسقوط "الصنم" حين قال متأففا: "سقط الصنم .. سقط وطلعت لينه أصنام"!

وفي البحرين تجري حكاية "الصنم" مختلفة عن حكايات "عمو ناصر"، فلم تقرر واشنطن سقوط "الصنم" على هيئة سقوطه المثير في بغداد وإنما لتبقي عليه ولتصنع به أصناما أخرى.

فما كان لصنم آل خليفة أن يتمكن من اختراق الثورة البحرانية من أبوابها وأنى له ذلك ، فجاءها ملثما مغتصبا رادعا على حذر من خلف عباءة نفوذ واشنطن الذي طُور في العاصمة المنامة منذ عام 2001م ليآخي بين الخارجية الأمريكية والاتجاه الاسلامي السياسي والاجتماعي والثقافي الشيعي البحراني.. هذا الضعف البيّن الذي طرأ فجأة على "صنم" البحرين في أيام ثورة شعبية عارمة؛ أكد لقادة الثورة على أن عملية التغير الشامل والجذري ممكنة جدا إذا ما أحكم النضال السياسي إقفال الابواب كلها إلا باب التفاوض على حق تقرير مصير البلاد. فلا الجيش البحريني الذي بني على أساس طائفي ولا التدخل الخليجي العسكري قادران على إنهاء الثورة هذه بقوة القهر في منطقة استراتيجية حساسة جدا.

البحرين أرخبيل يقع في منطقة تحمل في بطونها احتياطا ضخما من مواد الطاقة فضلا عن أهمية كبرى لموقعها الذي يتوسط العالم ويحتل خطا فاصلا بين الإتجاهين الدوليين المتنافسين: واشنطن وحلفائها، وموسكو والصين وحلفائهما. وقد تفوقت واشنطن في حربها الباردة على الإتحاد السوفيتي المنحل من خلال جعل منطقة الخليج قاعدة دعم واسناد استراتيجي مستقرة تحت وطأة حكم القبلية الحادة.

ومع تطور حوادث ثورة البحرين لم يزدد قادة الثورة الشعبية هذه يقينا - والرئيس الامريكي تدخل بشكل عاجل لحسم الموقف الأمني ورسم الحل السياسي على وجه السرعة- بأن الإرادة الثورية للشعب البحراني قادرة على جعل ساحة البحرين على سلم أولويات الاهتمام بالمصير الاستراتيجي المتحرك الذي بدأ يبعث بموجات ارتداد سياسية دائمة التأثير في مجتمعات المنطقة كلها ، حتى ترضخ واشنطن وتقتنع بأن مصالحها في هذه المنطقة الجغرافية - اذا ما شاءت لها الاستقرار- لا يمكن لها إلا أن تكون عادلة وفق معايير القانون الدولي على قاعدة وضع بحراني سياسي مختلف شامل لمصير حكم آل خليفة الذي ثبت بالتجربة عدم أهليته لإدارة بلد في منطقة بهذا الوصف الخطير.

وفي ذلك، كانت استجابة واشنطن لحوادث البحرين سريعة جدا في أيامها الأولى، وبادرت خارجيتها إلى وضع مخطط سياسي يصل إلى تنفيذ مبادئه الأولى على مدى عامين ويستهدف السيطرة الكلية على الثورة ومن داخلها وفي عمقها الفكري والشعبي وفق خطة أمنية خالية من أي دور مباشر للجيشين المحلي والسعودي المحتل، ثم الإسراع إلى عزل قادة الثورة عن مجتمع ثورتهم بالتزامن مع تشغيل السفارة لآلة نفوذها من أجل احتواء الموقف وتحريك البدائل السياسية المناسبة على مختلف المستويات بما يقلل من العزم الشعبي الثوري الأكيد المتمسك بحل جذري ليس لآل خليفة فيه من دور في إدارة شؤون البلاد وبما يزيد في شعبية إرادة الاصلاح الجزئي للنظام من غير مساس بملكية آل خليفة.

فخطورة الثورة البحرانية على مصالح واشنطن تكمن في ارتداداتها الإجتماعية والثقافية ذات الأثر الاستراتيجي على المنطقة، وفي كونها مصدر توتر في منطقة مرشحة لاستقطاب أقليمي ممهد لنفوذ دولي قريب جدا على الصعيد الجغرافي مع صعود نجم موسكو وبكين من جديد كقطب دولي منافس، وفوق كل ذلك: خطورة اهتداء قادة الثورة البحرانية إلى طريق الحل الجذري في مرحلة زمنية حرجة قادرة على تحقيق ما كان مستحيلا من قبل في عرف نظرية التغيير السياسي المعارض.

وهنا تساءل كثير من متابعي الثورة البحرانية عن سنتين من الوضع غير المستقر مع ضلوع واشنطن في تدخل سريع جدا في القضية البحرانية نسبة لسرعة تدخلها في قضايا كبرى في الشرق الاوسط والشمال الافريقي، والبحرين ليست إلا بلدا صغيرا لا يكاد يرى على خارطة الجغرافيا السياسية للمنطقة، ولا يتجاوز عدد سكانه نصف المليون نسمة، وما عساه أن يترك من خطورة استراتيجية أمام نفود دولة عظمى حتى تقطع واشنطن فيه مدة زمنية تتجاوز السنتين من العمل السياسي لإنهاء الصراع.

لم تشأ واشنطن حسم قضية البحرين في سرعة من الأمر ومن خلال إطلاق أيدي أل خليفة لتصعيد الوضع الأمني والعسكري والضرب فيها بيد من حديد وكان ذلك مراد كل أنظمة الخليج التي أبدت استعدادها لتزويد آل خليفة بكل احتياجاتهم لحسم الموقف على وجه السرعة وبأي طريقة ما شاؤوا.

في تقدير واشنطن أن السنتين من خطوات العلاج لقضية الثورة البحرانية تأتي في إطار خطة واسعة لتوجيه الإستقطاب الطائفي العربي بما يخدم فرص ترويض حركتي الإخوان المسلمين والسلفيين الدوليين في دور استراتيجي بقيادة دولة قطر التي لم تستطع حتى الآن أن تشكل الملاذ الآمن والبديل المناسب عن دور آل سعود الذي نجح في احتضان هاتين الحركتين لأكثر من سبعين عاما ولكن من غير قدرة متميزة على استعمال أثرهما عربيا ودوليا في بسط النفوذ. والقطريون سارعوا إلى جعل هاتين الحركتين كرباجا لتعزيز دور محوري لهم أمام أنظمة الخليج الأخرى قبل أن يستحكم أمر هذا الدور، ومنه دعم حركتي الإحتجاج في الكويت والإمارات.

وكانت أولى خطوات الحل الأمريكي البطيء في البحرين عبارة عن إقرار رسمي بنفي وجود تدخل إقليمي في تأجيج الثورة البحرانية وذلك من خلال تقرير بسيوني الذي دأبت واشنطن على متابعة إخراجه بهذا الشكل السياسي كقاعدة لرسم تفاهم على طريق احتواء أطراف الصراع السياسي البحراني تمهيدا لبدء معالجة هادئة مضمونة النتائج وفق متطلبات المصالح في المنطقة وتوازن الجغرافيا السياسية، بينما أقرت واشنطن لآل خليفة حقهم في الاحتفاظ بأدلة التدخل الاقليمي كورقة ضاغطة تمكّنهم من التلويح بها أو تبرر لهم شرعية اتخاذ الإجراءات الأمنية التقليدية اللازمة في حال فشلت سياسة الاحتواء الامريكي.

سياسة الإحتواء هذه أقرها فيلتمان في أولى زيارة له إلى البحرين على قاعدة معطيات جمعتها سفارة بلاده من خلال لقاءات تفاهم ودي مع بعض الفعاليات الاسلامية المسجلة رسميا وفق قانون الجمعيات إضافة إلى بعض العناصر المحسوبة على المعارضة، ثم تأسيسا على معلومات مستجدة تحكي تفاصيل الخلاف الحزبي حول سقف المطالب السياسية المتضاربة والرائجة بين الجماعات المعارضة في أجواء الثورة.

وكان لقاء "المبادئ السبعة" بين الجمعيات السياسية وولي العهد سلمان بن حمد أولى خطوات فيلتمان الخطيرة نحو إحتواء عناصر القوة تمهيدا لإفراغ الثورة من بعدها التغييري الجذري الضاغط. ثم دخل الجيش السعودي بأوامر أمريكية ليوفر لطرفي اللقاء زخما سياسيا ودافعا نحو الاستمرار في أداء الدور تحت وطأة الإبتزاز بأدلة الإرتباط بالخارج الاقليمي وفي غياب تام من قادة الثورة الذين اعتقلوا وسجنوا، على عكس ما أُشيع في الوسط الاعلامي من توقف تام لإجراءات الحل وفق "المبادئ السبعة" وابتعاد سلمان عن استكمال مهامه وفق مخطط فيلتمان في مرحلة حكم نظام الطوارئ وما بعدها.. فمجرى الأمور من بعد ذلك في بطئ أو سرعة أو في سر أو خفاء كان متعلقا بمدى تحقيق المقدمات التي اتفق عليها الطرفان في لقاء فيلتمان قبل الشروع في الألتزام بالمبادئ السبعة.

بحسب القراءة الامريكية الراهنة للوضع القائم في البحرين؛ أن الأمور نضجت في سنتين وفقا لخارطة المقدمات التي اتفق عليها في لقاء "المبادئ السبعة" وقد استكمل فيلتمان مخطط الإحتواء من خلال لقاءات موسعة ومتقدمة بصفة "الحوار السياسي" التي تُعد عملية شكلية لمكافئة المشاركين في عملية القفز على قوى الثورة وعناصرها. وباتت نتائج الحل قريبة جدا ولن تتجاوز شهور صيف خمسة قادمة لا "استفتاء" فيها ولا "مبادئ سبعة" وإنما مزيد من الأصنام المصنعة على الطريقة الأمريكية!

فعلى البحراني أن لا يلهه قول شاعر البصرة :"أخاف ما طاح الصنم" ويلزمه قول أكثر منه شجاعة : "أخاف ما طاحت الأصنام؟!" فالشعراء يلههم الأمل فيتبعهم الغاوون.