منتدى استراحات زايد

منتدى استراحات زايد (http://vb.ma7room.com/index.php)
-   منتدى أخبار المواقع والمنتديات العربية والأجنبية (http://vb.ma7room.com/forumdisplay.php?f=183)
-   -   هكذا رأيته في السجن ... مقال بقلم الشيخ عبدالعظيم المهتدي البحراني (http://vb.ma7room.com/showthread.php?t=1156069)

محروم.كوم 02-13-2013 04:30 PM

هكذا رأيته في السجن ... مقال بقلم الشيخ عبدالعظيم المهتدي البحراني
 
( هكذا رأيته في السجن ... )
مقال بقلم الشيخ عبدالعظيم المهتدي البحراني


عمره يتجاوز الخمس والخمسين طارقاً باب الستين، متوسط القامة ليس بنحيل ولا بسمين، مبتسماً رغم معاناته وآلامه ، وبخطى راسخة واثقة كان يمشي ساعة الخروج من زنزانته الضيقة رغم معاناته في المشي لكنه يتكأ على عكازة اعطته مهابة القادة ، كانت شيبته ورائحة عطره الذي اوصل اليه في السجن وقلنسوته التي خاطها له أحد السجناء القدماء تذكّرني بالعلماء الربّانيين السابقين وهو منهم، لم يكن ليعرف اليأس والاستسلام، تجد الحلم والسماحة في شخصيته الرزينة فلا تجده يغضب من احد، إلا على الظالمين بمختلف مقاساتهم، أما المظلومين ممن في السجن معه حتى وإن اختلفوا معه في الدين أو المذهب أو التوجّه السياسي أو درجة الالتزام الديني فلم يكن يغضب عليهم بأية حال، كيف وهو ملاذهم، و معلّمهم و ملهمهم، فكانوا يرجعون اليه في كل سؤال فقهي أو تاريخي أو أخلاقي أو عقائدي أو تحليل سياسي، يذهب اليه السجناء ليسلّموا عليه ويوقّروه ويقبّلوا جبهته ويسألوا عن صحته أو آخر ما لديه من أخبار اجتمعتْ لديه فيحلّلها لهم ويفكّك محكماتها عن متشابهاتها، وفي الفرص المتاحة لصلاة الجماعة كان السجناء يتسابقون الى الصف الأول للصلاة خلفه، وكان حينما يصلي بخشوعه المتميز يذكّرهم بالخاشعين، يبكي عندما يصل الى بعض الآيات وتخنقه العبرة عند التأمل في بعضها الآخر، كان في قنوته يقرأ من الأدعية والمناجاة المأثورة عن النبي الأكرم وأهل بيته (عليه وعليهم السلام) مقاطع طويلة غير مملّة وفي كل مرّة يقرأ مقطعاً جديداً مما ينبؤك عن حفظه لكثير منها، وخاصة دعاء عرفة للإمام الحسين (ع) وما في الصحيفة السجادية من ادعية بها مضامين عرفانية لائمة اهل البيت عليهم السلام، كان يحدّث المصلين بين الصلاتين وفي خطبة الجمعة بأحاديث دينية تربوية تاريخية أخلاقية وعقائدية مشبّعة بالآيات القرآنية والروايات والقصص والأمثلة والشعر وبعض الفكاهيات وطرائف الحِكَم وكذلك المعلومات الحديثة والسياسية، وخطبه السلسه و الواضحة كانت مفعمة بالروح الولائية العالية التي لا تخالطها المساومة على ثوابت أهل البيت (ع)، وكان حين نعيه أو استماعه للنعي الحسيني تنهمر دموعه بشدة، واذا وقف السجناء في حلقة اللطم والعزاء كان يقف كأحدهم يلطم على صدره بقلب ممتلئ الحبّ للحسين(ع) والحزن على مصائبه الفجيعة، كان رغم قربي له بل وسؤالي منه لا يشكو لي آلامه الشخصية، ولا ماذا جرى عليه في التعذيب وكيف أذاقوه في سرداب القلعة من أوجاع التنكيل، حاولت معه ذات مرّة وأنا أسرد له بعض ما مورس ضدّي من أنواع الضرب والتوقيف على الأقدام لخمسة أيام بلياليها مثلاً كتمهيد لسؤالي الصريح له فينزل رأسه ويصمت أو يقول أنا مثل غيري من آلاف المعتقلين...
عرفته رجلاً مخلصاً ومضحياً وشجاعاً وخلوقاً ومستعدّاً لكل التضحيات في سبيل مبادئه ومبدئيته.. عرفته عالماً واعياً وخطيباً حسينياً وسياسياً بارعاً.. عرفته متواضعاً والى أبعد الحدود شعبياً ترابياً غير متبختر ولا متفاخر...
هكذا رأيته منذ فتح الجلاّدون عيوننا لأول مرّة في القضاء العسكري حيث عرفنا مجموعتنا التي عُرفتْ بكوادر جمعية العمل الاسلامي ( أمل ) مع العلم أني شخصياً لم أكن عضواً في مجلس الإدارة لهذه الجمعية الصامدة في نهجها الرسالي بفضل أمينها العام وبقية العاملين معه ( حفظهم الله ).
نعم.. ذلك هو أخي العزيز سماحة العلامة المجاهد الشيخ محمد علي المحفوظ ( فرّج الله عنه وعن السجناء جميعاً ).
ولقد كنت معه في سرداب القلعة (25) يوماً ولم نعرف عن بعضنا، وفي سجن الحوض الجاف صرنا معاً لمدة ( 3 ) أشهر تقريباً، ثم نقلونا الى سجن (جو) المركزي وكنا نلتقي يومياً لمدة (17) شهرآ فلم أر منه إلا مثالاً للتقوى والأخلاق والصبر وبعث الأمل في النفوس والنظرة البعيدة للأمور... ولما فوجئت بخبر الافراج عني وأنا جالس خلفه في صلاة الجماعة لفريضتي الظهر والعصر..وجدت ان ألم الفراق يحيطني فكيف لي أن أخرج من السجن القاسي وسماحة الشيخ المحفوظ في غياهبه وهو أوْلى مني بالخروج.. ولو بالنظر الى صحته، فقام بعد السلام يعانقني ويبارك لي، فلم أقوَ على جوابه و قد خنقتني العبرة هنالك حتى عصرني بصدره وقال:" لا تغتم علينا يا شيخنا فأمورنا كلها مرسومة بقلم السماء، فكل ما يجري من ظلم بنا ومن حولنا فهو بعين الله، مَن يخرج مِن السجن ومَن يبقى ذلك مما كتبه الله في قضائه وقدره، إن الله يختبر كل إنسان في كل موقع يضعه فيه، فنحن والذين خارج السجن في امتحان، كما الحاكم الظالم وحاشيته وهؤلاء الشرطة في امتحان...
وختاماً لهذا المقال الذي جاء متأخراً لسوء صحتي ومتابعاتي العلاجية:
أقول لشيخ المظلومين الشيخ المحفوظ الصابر الأمين .. دمتَ يا شيخنا الجليل في صحة ونشاط وفي حال أحسن مما أنت عليه في السجن، فأنت في القلب، ومكانك الطبيعي هو بين أهلك وأحبتك من الجمهور الوفيّ لرجاله الأوفياء...
ولكن لا نقول في محننا المكتوبة علينا غير:
( الحمد لله الذي لا يُحمَد على مكروه سواه )
وفقنا الله وإياك لخدمة الاسلام والمسلمين ونصرة الحق والمستضعفين، وكتب لنا ولك عاقبة المتقين بجاه النبي محمد وآله الطاهرين.
ولا أنسى هنا في نهاية مقالي السريع عنك يا شيخنا الحبيب ما كنتَ تردّده في نهاية كل صلاة بعد السلام والتكبيرات الثلاثة:
اللهم عجّل لوليّك الفرج والعن أول ظالم ظلم حق محمد وآل محمد وآخر تابع له...


تمّتْ كتابة هذه السطور بعد صلاة فجر يوم الأثنين (1/ ربيع الثاني / 1434)
(2013/2/11)
البحرين


المصدر : http://www.facebook.com/AlMuhtadiOff...65487330173526


الساعة الآن 07:17 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.5.2 TranZ By Almuhajir


1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 105 106 107 108 109 110 111 112 113 114 115 116 117 118 119 120 121 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131 132 133 134 135 136 137 138 139 140 141 142 143 144 145 146 147 148 149 150 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 162 163 164 165 166 167 168 169 170 171 172 173 174 175 176 177 178 179 180 181 182 183 184 185 186 187 188 189 190 191 192 193 194 195 196 197 198 199 200 201 202 203 204 205 206 207 208 209 210 211 212 213 214 215 216 217 218 219 220 221 222 223 224 225 226 227