في إحدى قرايا نجد عاشت عائلتين بجوار بعضهما البعض .. مثلهم مثل كثير من اهل ذاك الزمان من الجوع والفاقة وقلة ذات اليد .. إلا أن حال إحداهما أهون قليلا من الأخرى .. واعتاد أطفال الأسرتين أن يلهو بعضهم مع بعض إما في بيت هؤلاء او في بيت اولئك .. وفي واحدة من تلك المرات وفي احد البيتين كانت قطعة لحم تطبخ على النار فلما استوت ونضجت قام اهل البيت بصرف أطفال جارهم .
غادر الأطفال ورووا لوالدهم ما حصل مع جيرانهم وانهم اخرجوهم حين حان وقت غدائهم .. وجد والدهم في خاطره شيئا لكنه سكت على مضض ... ومرت الأيام . . وعزم الرجل على الحج واكتتب في قافلة وجهز مطيته ..
وفي يوم الرحيل مشى الرجل ومشى معه جاره يشيعه قبل سفره ويودعه .. وفي لحظة الفراق لم يستطع الرجل ان يكتم مافي شعوره فقال :
ــ يابو فلان ...
ــ يا لبيه .... آمرني ..
ــ انت عزيز وغالي .. وانا في خاطري شي واسمح لي ابوح به ..
ــ سم يابو فلان ..
ــ في ذاك اليوم يا بو فلان.. يوم كان اطفالي في بيتك .. وحين حضر غدائكم صرفت اطفالي ... لماذا ! .. وقد كنا نشرك اطفالك في طعامنا كلما صادف وجودهم عندنا مما يتيسر .. وانا حالي ليست ببعيدة عن حالك .. وظروفي مثل ظروفك وربما اسوأ .. لماذا يابو فلان .
طفرت من عين جاره دمعة .. وقال بصوت متحشرج
ــ طالما اثرت الموضوع فانا مضطر لكشف غويطي الذي لم اشكوه إلا الى الله ..
هل تتذكر بقرة ال فلان التي ماتت حرجا ... كنت قد اقتطعت منها قطعة أسد بها جوعة أطفالي ..
ووالله ــ يابو فلان ــ ما ردني عن إطعام أطفالك بخل او شح انما لأنني أدرك أن الميتة لا تحل على أطفالك بينما هي حلال على أطفالي ..
عندها تفجر الموقف بالدموع وتعانق الرجلان ...
واعتذر الرجل عن ظنه الذي بدر منه واقسم عليه بأيمان مغلظة ــ رضاوة له ــ انه لن يسامح نفسه إلا اذا حل محله في رحلة الحج ونزل له عن زاده وعن راحلته .... رحم الله الجميع ..