منتدى استراحات زايد - د.حسن مدن : العُنف المُدمِر

العُنف المُدمِر

http://www.alayam.com/Issue/writer_image/hasan_mdn.png

د.حسن مدن

بين بيانات الإدانة التي نشرتها صحافة الأمس للتفجيرات التي شهدتها العاصمة وأسفرت عن سقوط أبرياء من العمال الأجانب ضحية لها، وجدت توصيفاً بليغاً في بيان التجمع القومي الذي قال: «إن الجهة المسؤولة عن التفجيرات هي من دون شك جهة تضمر شراً للوطن كله وتستهدف أمنه ووحدته الوطنية، وترمي إلى زج البلاد في أتون صراعات إقليمية ودولية، وتحويله إلى ساحة حرب مستعرة».

ونتفق مع هذا التوصيف لأنه يضع اليد على مكمن الخطر الرئيسي لهذه التفجيرات، التي تطمس الوجه المشروع للمطالبات السلمية بالإصلاحات السياسية والدستورية، وتدفع البلد إلى منزلق الفوضى وردود الفعل العنيفة، وتقضي على أي أفق للحل السياسي للأزمة المستفحلة في البلاد، والتي كلما طال أمدها ازدادت تعقيداً واستعصاء، ففي مناخ التوتر الأمني والمواجهات العنيفة لن تتهيأ أية فرصة جدية لخلق مشتركات ممكنة، تكون منطلقاً لخروج البحرين من محنتها، وإعادة الأمور إلى وضعها الطبيعي، وفي غياب الحل سيزداد الشرخ الطائفي تعمقاً، ويتسع مناخ عدم الثقة بين شركاء الوطن، فضلأ عن أن ممارسات العنف، بصرف النظر عن الجهة التي تقف وراءها أو تمارسها، ستطيل أمد الأزمة السياسية والأمنية في البلاد، ومضاعفاتها من أوجه معاناة إنسانية ومن عواقب سلبية اقتصاديا واجتماعياً ونفسياً.

في مثل هذا المناخ المشحون فانه ليس سوى التحقيق الشفاف في جريمة التفجيرات تلك وسيلة لجلو الحقيقة، وتعريف المجتمع بالفاعلين والمخططين لهذا الفعل، وفي جو مثل هذا، وحتى بمعزل عن التفجيرات التي جرت أمس الأول، لا يجوز التماس أي عذر لممارسات العنف، أو تبريرها، لأن انزلاق الوطن نحو دائرته سيحمل بالضرورة نتائج مدمرة على كافة الأصعدة، ولن تنجم عنه سوى المزيد من الخسائر ومن الضحايا سواء في صفوف المواطنين أو رجال الأمن، ومن المؤسف أن يتحول العمال الأجانب إلى وقود في ممارسات العنف، هم الذين لا ناقة لهم ولا جمل بالتجاذبات السياسية الجارية في البلد، مما يلحق أكبر الضرر بصورة البحرين التي استوعبت ومنذ زمن طويل أبناء الجاليات الأخرى التي عاشت معنا، وساهمت في بناء هذا الوطن وتطوره.

إن الإدانة الصريحة والواضحة للعنف وعدم تقديم أي غطاء أو مبرر له واجبة سياسياً ومبدئياً وأخلاقياً، فمظاهر العنف التي نراها تُلحق أشد الأضرار بالوطن، وتُصَعب من عمل القوى السياسية وتزيده تعقيداً، وتحرف العمل الوطني عن جادة الصواب. وواجب أيضاً، لا يقل أخلاقية ومبدئية عدم دفع المجتمع نحو جولة جديدة من إثارة التحريض والبغضاء، ففي البلد حزمة من التشريعات والقوانين التي تكفي وتزيد لمعالجة هذا الأمر ومحاسبة من يثبت تورطه فيه بالأدوات والوسائل التي ينص عليها القانون، بديلاً للخطابات التحريضية التي لن تؤدي إلا إلى المزيد من التأزيم السياسي والأمني.

ظروف اليوم، أكثر من الأمس، تتطلب وجود معارضة منظمة وواعية، تعتمد البرامج السياسية والاجتماعية المقنعة القادرة على توليد الإجماع الوطني حولها، وإيجاد وتفعيل الأدوات الشرعية للعمل السياسي والمدني الرامي لتطوير الحقوق السياسية وتوسيع نطاقها، وتحسين أوضاع الشعب المعيشية، وتسييد الخطاب الوطني القادر على إقناع مختلف فئات ومكونات هذا الشعب.