منتدى استراحات زايد - واشنطن ترحّل وساطتها وتطلق خيار القضاء على المعارضة/ كريم المحروس

بسم الله الرحمن الرحيم

واشنطن ترحّل وساطتها وتطلق لآل خليفة خيار القضاء على المعارضة
كريم المحروس
8/9/2012م

الحديث عن البُعد السياسي لتشريع القوانين في المرحلة الراهنة والتفصيل فيه يعُده النشطاء البحرانيين المناضلين مضيعة للوقت في ميادين الصراع ، لكونه يحمل دلالة على وجود نسبة من الإستقرار الأمني والسياسي في النظام القائم تسمح لآل خليفة متابعة شؤون التشريع في أجواء مازال النشطاء يصنفونها امتدادا لثورة شعبية واعدة تعمل على إحلال نظام بديل عادل، بينما يعدها آل خليفة في المقابل "حوادث مؤسفة" لن يُسمح لها بلوغ أمرها.

قانونان مهمان يجري الإستعداد لتداول أمر تشريعهما أو تعديلهما في المرحلة القادمة: قانون الأحوال الشخصية وقانون الجمعيات السياسية ، وفي كليهما مس خطير يستهدف تحطيم البنية الإجتماعية التي مدت الثورة بعوامل نموها والبقاء والوصول إلى حد التفوق على القدرات الذاتية لآل خليفة.

يأتي تعديل هذين القانونين أو تشريع بعض نصوصهما في سياق حقيقة أذعن لها آل خليفة بعد تدخل سياسي أمريكي مباشر واستشارات بريطاني ملزمة أثناء تطور ماجريات الثورة كان مفادها: أن الإصلاح بات ضرورة لابد من الإخذ بها ولكن بوجه آخر "حضارية" يعيد لآل خليفة الإعتبار لصفة "الذات الملكية التي لا تمس" التي شرعها ميثاق 2001م ودستور 2002 ، ويزيد في سلطانهم المطلق إلى جانب العمل الخليفي الأمريكي البريطاني المشترك على تبديد القوى المدنية الشعبية المعارضة وتجريدها من وسائل الضغط السياسي في الوقت الراهن.

تأتي خطورة تشريع هذين القانونين في هذا الظرف المعقد مِن طبيعة تصورات أطراف التأثير المباشر في تقرير مستقبل البحرين السياسي ومقاصد مواقفهم الحاسمة إزاء تحولات الثورة. وتعد واشنطن اللاعب الأكبر بين هذه التصورات والمواقف حيث اشترطت لإيجاد حل يحوز على رضا كل الأطراف قيام إجماع سياسي معارض على صياغة عملية جديدة للأفكار والرؤى والمناهج والمقاصد الذاتية المعارضة بما يطابق معايير التقليد القبلي السياسي الخليفي فضلا عن الفكر والرؤى الغربية العلمية الليبرالية ، فاستهدفت واشنطن العمل على تشريع قانون الأحوال الشخصية على خلاف الإجماع الشعبي المتمسك بحق الإجتهاد الشرعي في خارج دائرة السلطة المطلقة لآل خليفة، بالإضافة إلى تقرير طبيعة العلاقة مع إيران.

وفي شأن تشريع قانون الجمعيات السياسية فلن يَخرّج إلا من بعد صياغة مختلفة تأخذ في الإعتبار إضافة قيود أخرى لسد الثغرات المساهمة في الإخلال بالتوازن الإجتماعي والسياسي لصالح لون طائفي معارض قائم على قواعد وخصوصيات شرعية ذاتية لا يمكن للدولة نفيها ، لأنها شؤون راسخة في عمق عقيدة الأكثرية الشيعية.

المناضلون القائمون على قيادة التحرك الشعبي نحو قيام ثوري من أجل "بحرين بلا آل خليفة" يجدون ساحة صراعهم ضيقة جدا ولا تسمح بتحليل تفاصيل تعديلات القانونين المذكورين أو تشريعهما، لأنهما يمثلان لهؤلاء المعارضين الجادين جزئية وبسيطة في دائرة إهتماماتهم السياسية العظمى، ولكنها تمثل مؤشرات خطيرة لنتائج وساطة أمريكية ماكرة استطاعت أن تُدخل النشاط الشعبي الثوري في فوضى المقاصد بين "اعتدال" و"تطرف" في سعة زمنية عمرها 16 شهرا تمهيدا لعودة هيمنة آل خليفة على شؤون نظمهم في الأمن والجيش من بعد اضطراب وشتات كبير كاد يعصف بنظامهم.

مكر واشنطن أدخل الجمعيات السياسية في حيرة إزاء الموقف من الفكر والرؤى والمقاصد السياسية الذاتية، وكانت أولى ساعات الحيرة حين استغلت واشنطن الغضب الشعبي بعد الإعتداء الأول للجيش على المعتصمين في ميدان الشهداء لتبدي حسن النوايا والعزم المؤكد منها على الدخول في وساطة مقربة بين مقاصد الثورة الشعبية وآل خليفة في حوار جدي، ثم كانت خاتمة تلك الحيرة في نشوء قطيعة أمريكية تامة وحاسمة مع مبادئ الجمعيات كانت تزامنت مع إطلاق واشنطن لآل خليفة اليد في اتخاذ الإجراءات اللازمة لاستكمال صياغة نظم الدولة على قاعدة السلطة القبلية المطلقة لآل خليفة والمبادرة في وضع حد للدور المعارض بأشكاله السياسية والدينية المختلفة كافة، ومن ثم إخضاع المعارضة إلى ما يشبه التسويات المعززة للنصوص الجديدة للقانونين الخطيرين المشرعين: الأحوال الشخصية والجمعيات السياسية.

قبل أن يتم ولوج آل خليفة في العمل على تشريع القانونين الخطيرين اللذين سيشغلان ساحة النضال بفوضى خليفية انتقامية مدعومة أمريكيا وبريطانيا من أجل تحطيم مقومات الثورة؛ هناك مسؤولتان توجبان الإلتفات اليهما : مسؤولية إرشادية وقعت على عاتق معارضة ثورة 14 فبراير الفاعلة على مبدا "بحرين بلا آل خليفة" لكونها صاحبة المسار السياسي الناجع الذي أثبت واقعيته وصدق تصوراته ورؤاه المستقبلية السليمة فضلا عن كونها معارضة مهدت من قبل السبل والوسائل المنظمة الكفيلة بدعم صمود وديمومة العمل النضالي. ومسوؤلية أخرى واقعة على عاتق الجمعيات السياسية توجب عليها الخروج على مبدأ حصر تمثيل الشعب في مقاصدها ومن ثم الدخول في عهد الثورة الأول القاضي بوجوب تفرغ مؤسسات المجتمع المدني ذات العلاقة لدعم الثورة الشعبية حتى تصل الى أهدافها العظمى.