منتدى استراحات زايد - فــنــجــان قــهــوتــك يــا أُمــي .. (( بقلم أصالة نصري ))

كم تمنيت لو أنني امرأة واحدة .. كي اكتفي بأم واحدة ولأن أحزاني شطرت كل مابي وشتتت ماقسمت .. اصبحت قبيلة من النساء .. وصرت في حاجة لأمة من الامهات ..

فكانت اختي أمي .. وابنتي امي .. وصديقتي امي .. والسيدة التي أنجبتني (( سيدة قلبي )) أمي .. صارت احاديثي تعرف لأي ام منهم تشكو .. وصارت دموعي على اختلاف اسبابها تعرف على صدر من منهن تنزل .. وحينما اسافر وحدي أرفض أن اكون وحدي .. فأجعل مني اماً لي .. لانني أكره أن استسلم للوحدة واغرق في حضن الاحزان .. علمتني أمي التحدي وزرعت في نفسي الإصرار .. حين اختار الله لي مرضاً كان من المفروض أن يُقعدني لكني رفضت الاستسلام وقاومت .. وكنت بالنسبة إليها الهدف الوحيد الذي تريد من خلاله أن تحقق ذاتها .. وفعلت الكثير من أجلي لأصبح صبية تخطو مشوار احلامها بقدميين واثقتيين .. داوت احداهما بصبرها وحنانها ..

حكايتها معنا .. حكاية صبر وجلد طويل .. فكانت كل ايامها عطاء في عطاء .. ولم تنتظر منا يوماً ان نرد لها الجميل .. وحين اختار لها الله ان تكمل المشوار وحدها من دون شريك يحمل معها عبء الحياة ولم تكن حينها قد اتمت الرابعه والثلاثين من عمرها .. هي صبية مبهرة جميلة طيبة .. كانت نظراتها المكسورة ترجونا ان نصدق انها وحدها قادرة على اسعادنا .. أمي الطيبة تصر إلى اليوم ان تقوم بكامل واجباتها كما كانت حين كنا اطفالاً صغاراً .. إلى اليوم تتابعني وأنا اشرب عصيري لأكمله .. وتنظر إلى طعامي وتنهال عليَ باللون ان لم اكمل وجبة طعامي .. وتهتم بشعري وترتيب ملابسي .. وتراقبني حين اكحل عيني .. فترجوني دون تعليق بالكلام .. ان كان مافعلته لايناسب طفلتها ..

كان لي يوماً لايُحسب من عمري ..ولا من عمرها .. حين كنا انا وهي في رحلة مع والدي لمحافظة في سوريا تدعى (( اللاذقية )) .. كنا نجلس إلى جواره وكعادتنا نتنافس عليه .. فمن يضحك أكثر لتعليقاته يهتم به اكثر .. وكان والدي يسعى دائماً في كل لحظة .. لإسعادنا بروايات مازال صداها إلى اليوم يُردد على مسمعي .. وفجأة ونحن في رحلتنا ليلاً .. والشوارع غير مضائة .. انقسم الشارع نصفيين .. ليحار والدي اي اتجاه يجب عليه ان يسلك .. وطالت حيرته قليلاً لندخل في ظلام حالك .. وتواجهنا صخرة صغيرة قلبت كيان عربتنا اكثر من مرة .. خرج بعدها حبيبي من باب السيارة بعد ان اصطدم صدره بمقودها .. تعرض على اثرها لنزف داخلي .. أما والدتي فأنقلبت على المقعد الخلفي وخرجت من ذاك الحادث بكسور في رقبتها وكتفها .. على اثر هذا نُقلنا إلى المستشفى وكنت في كل لحظة اهتم بوالدي وأسأل الله وارجوه ان ينقذه .. أما والدتي فلم تطلب ولو مرة ان اهتم بها ..

.. ولم تعتب عليَ ولو بنظرة على اهتمامي البالغ بوالد وإهمالها .. وكانها تلك الصبور كانت تعلم انها تشهد ساعاته الاخيرة .. وبالفعل ماهي الا ساعات قليلة .. حتى فارق والدي الحياة .. فقد بكت ورجتني امي ان اصبر على رحيل والدي ..

ولملمت امي جراحها واسكتت ألمها لان القدر حمَلها خمسة اطفال انا اكبرهم ( خمسة عشر عاما ) ..ويجب عليها ان تتحمل وان تصبر .. وبدأ مشوار أخر .. أصعب من الذي مضى وأقسى .. كنت حينها أصر على ان انام على كنبة في غرفة جلوسنا .. كي اصحو معها وأعينها في مسؤوليات المنزل .. وكنت ايضاً اريد لنفسي ان اعاني قليلا مما عانت .. ببعض القلق ليلاً وبنهار احياه متعبه من ليل لم انم فيه .. علمتني امي ان اصبر .. ان اسعد بمعاناتي .. لان السعادة لاتأتي إن لم نشعر بالأحزان ..

واليوم اقول لها اسعد الله ياامي فنجان قهوتك في صباحك الطيب .. وايامك المعطاء .. واسعد الله سجادة صلاتك ويديك الطاهرتيين اللتين زرعتا في نفوسنا المحبة والصبر .. سامحيني يأمي إن كان حزني احزانك وإن كانت دموعي ابكتك .. كل عام وأنت بخير أقولها لك ولكل أم وأخت وابنة وصديقة استطعن أن يصلنَ إلى مكانتك .. فأنتي الخير كله والطيب كله والصبر كله .. وسأبقى اعيش على حبك وأفخر بك .. وليتني ياحبيبتي أستطيع اليوم كل ماعانيته من اجلي وانتي امي .. أن اريحك فأغمرك وأكون ولو يوماً واحداً أمك ياطفلتي ..

http://img477.imageshack.us/img477/4...63a39116zh.gif
http://img.photobucket.com/albums/v2...6716_25669.gif