منتدى استراحات زايد - ضاحي خلفان يحدد 20 عامل تهديد للأمن في المجتمع

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أشكر الدكتور عبدالله عمران و”مركز الخليج للدراسات” على هذه الدعوة . ليس بالضرورة أن يكون حديثي منصباً عن الأمن العام في الإمارات، لكن سأتطرق إلى بعض الجوانب الأمنية في الإمارات، والحديث هنا عن الأمن العام بصورته العامة والشمولية . بدايةً حتى نفهم العنوان: “الأمن العام بين التنافر والانسجام”، دعونا نتحدث في مطلع حديثنا عن صورة رجل الأمن في ذهنية المواطن العربي، إذ مردّ هذه الصورة إلى رواسب الماضي، وبالتالي انعكست صورة رجل الأمن كصورة سيئة، ولا أذيع سراً القول إنني حينما توجهت للعمل في الشرطة، قال والدي إن “أبناء العائلات لا يذهبون للعمل في الشرطة، وإنما يعمل هناك من ليس لديه مكانة في المجتمع” . يومها أتذكر حينما أثر في نفسي الإعلان عن دورة المرشحين، وتناقشت مع الوالد بأنه يمكنني العمل في الشرطة ويمكنني فحص وتقييم هذا العمل من الداخل . توقف والدي برهةً عند رأيي، واتفق على عملي في الشرطة طالما كانت لدي نية في ذلك . من ذلك أقول إنه ظلت صورة رجل الأمن بأسلوبه الردعي والقمعي موجودة في أذهان الناس، وبالتالي، فإن الأمن العام كجهاز، تواجهه إشكالية وخلفية سلبية عند أجيال كثيرة مرت علينا . يوماً من الأيام جاء شخص ووقف خارج مركز الشرطة، وقال “اطلبوا من ضاحي أن يأتيني”، فخرجت له وقلت “تفضل عندي في المكتب”، فرد عليّ “لا أريد حتى لا يُقال إن لدي مشكلة في الشرطة”، وحقيقةً نحن منذ البدايات الأولى قمنا بتأسيس الأمن العام، لكن واجهتنا صعوبات كثيرة وكبيرة، وهذه واحدة من الأمور التي كانت تشكل تنافراً بين الأمن العام وبين الانسجام الذي كنا نهدف إليه ونتمناه .

قد تلاحظون أن رجل الأمن والبوليس يعتبر بطلاً في الأفلام الغربية، وهذا ربما يعود إلى الثقافة عند الغرب، وقد يحبب ذلك رجل الأمن في نفوس الناس، بينما في العالم الثالث، نجد الصورة مختلفة تماماً . كما أن أخطاء الأمن لها انعكاس وتأثير في كافة الشرطة وتخلق انطباعاً سيئاً لدى الناس، وما نلاحظه أنه إذا ارتكب رجل الشرطة خطأ فكأن جهاز الشرطة أخطأ، وهذه إشكالية من الإشكاليات التي تخلق تنافراً بيننا وبين المواطنين والجمهور . لكن نلاحظ بصورة عامة أن دولاً من العالم الثالث تستخدم الشرطة لتصفية حسابات، وربما كصورة أوضح نضرب مثلاً بالأحداث الأخيرة التي حصلت في إيران، فقد كان واضحاً استغلال الشرطة في صراع السياسيين، بدليل وجود العصي التي انهالت على المواطن، فقط لوجود خلاف في الرأي والرأي الآخر .

من جانب آخر، يمكن القول إن ما يخلق تنافراً بين رجل الأمن والجمهور، هو تفشي الفساد في جهاز الأمن، وهناك على الدوام من يحاول اختراق الأجهزة الأمنية وزرع بعض الأشخاص عن طريق المغريات المالية، النسائية . . . إلخ .

إن ما يجعل صورة رجل الأمن منفرة أيضاً -وأستعرض هنا حالات حدثت في الإمارات وأتمنى ألا تستمر- هو المنع من الكتابة وهذه عقوبة قد تكون لمدة أسبوع أو شهر أو حتى ستة أشهر، لكن ليس لمدى الحياة، إلا أنها تعتبر كارثة، وحقيقةً ليس لدي ارتباط بأي أحد إلا في الوطن، وليس لديّ ارتباط مع أي شخص إلا في مجالي الأمني، ولا أنتمي إلى أي جماعة، لا دينية ولا غير دينية، لكن حتى وإن قيل “هؤلاء لهم قول وممارسات . .إلخ” فدعوهم يكتبون وليقولوا ما يقولون، ولا يضُرنا الرأي الآخر، بل إن حكامنا على الدوام يسمعون الآخر، حتى إن كان لديه رأي يناقض رأيهم .

إن ما يمكن قبوله في زمن ربما يختلف عن آخر، وقد لا يصبح مقبولاً، فلا تدفع الناس للخروج عن طاعتك، ومع الأسف يستحيل أن نجد مجتمعاً في الإمارات متناغماً ويتحدث بصوت واحد، إذ دائماً ما نجد آخرين لديهم وجهات نظر مختلفة، وقد لا تتفق وجهة نظرهم معنا، لكن لا يعني ذلك أن نضيق الحريات، لأن تضييق الحريات معناه خلق تنافر لجهاز الأمن، ويجعل من التعامل معه نوعاً من الممارسات غير المرغوبة .

إذا ما اتخذ جهاز الأمن إجراءات تعسفية، فثقوا تماماً بأن التنافر بينه وبين المجتمع يحدث بلا شك، وأنا لست ممن يتخذ إجراءات ولا يحيل المتهم إلى العدالة أو النيابة، وينبغي علينا حينما نوجه اتهاماً إلى أحد أن نحيله إلى القضاء، لأنه إذا كان لدينا تجاهه ما يُعاقب عليه القانون فليحل إلى القانون، وأما إن كان مسألة تفسيرات ووجهات نظر نختلف بها، فلا ينبغي على الإطلاق أن تكون في الإمارات من طولها إلى عرضها أية ممارسات تنفر من أجهزة الأمن، سواء أكان هذا الأمن داخلياً، جهاز أمن دولة، أم أمناً عاماً بصورته الشمولية التي تشمل الأمن الداخلي .

إذاً، ما الأمن الداخلي؟ لا أحد يظن أن جهاز أمن الدولة مختلف عن مسؤوليات جهاز الشرطة العام، مديرية الأمن العام، وحقيقةً أقول إنه إذا حصلت جريمة أمام الرأي العام، فإن اللوم يوجه إلى مدير الشرطة في الإمارات، ويبقى هو في الواجهة، وفي اتصالات الصحافة نجد أن الصحافيين والصحف تتصل كأنك أنت المُطالب، حتى لو وقع جرم لأسباب سياسية .

لا أحد يظن أننا لسنا متعاطين مع الوضع، بل نذوق مرارته إذا وقع خلل في أمننا، وحقيقةً إذا وقع لا قدر الله أي خلل أو أي جريمة تمس أمننا الوطني بالذات، فإن قائد الشرطة هو أول من يقع عليه اللوم ويوضع على المحك . من هذا المنطلق، نقول إن الأمن العام هو ذلك الأمن الشمولي الذي يشمل أولاً أمن الدولة أو الأمن السياسي، وثانياً الأمن الجنائي، وثالثاً الأمن المروري، وعلى سبيل المثال، كلما زادت نسبة الوفيات، فإنها في المقابل تضغط علينا في جهاز الشرطة . اليوم لدينا انخفاض كبير في الوفيات بسبب الرادارات التي وضعناها في دبي، لكن انظروا في وسائل الإعلام ولاحظوا حالة التذمر من قبل الناس الذين يشتكون بحجة أن المخالفات تكلفهم، ومع الأسف الشديد هم لا ينظرون كيف أننا قللنا نسبة الوفيات وحافظنا على الأرواح نسبةً لتعداد السكان، مقارنةً بالعام الماضي . نسبة الوفيات الآن أقل ب22%، فلماذا يلوموننا من خلال البث المباشر؟ مع الأسف الشديد لم تعد لإذاعاتنا من برامج إلا هذا البث المباشر، وتجد كل من يحمل التلفون يبدأ بالنقد، سواء أكان يعرف بالأمر أم لا يعرف . على أي حال، نحن ليس لدينا مشكلة بأن يقول الناس ما يريدون، لكن على هؤلاء أن يتفهموا أننا في خدمة المجتمع، وفعلاً أنقذنا 22 روحاً في المائة وهذه نسبة كبيرة .

ثم إن الأمن بعموميته يشمل الأمن الاجتماعي والأمن النفسي والأمن التربوي والأمن الثقافي والأمن الصناعي والأمن الزراعي، وتخيلوا على سبيل المثال، لدينا 40 مليون نخلة، لكن هل هذا الإنتاج نستطيع أن نجعله مخزوناً غذائياً لنا عند الضرورة؟ ونحن أبناء الإمارات نستطيع أكل ثلاث وجبات تمر .

فضلاً عن ذلك يشمل الأمن العام، الأمن التجاري والأمن الاقتصادي والأمن الاستثماري، ثم الأمن الصحي، وأمن المنشآت والهيئات، وأمن المعلومات والشبكات الوطنية . جميع صنوف الأمن العام تشكل لنا هماً، ونبذل الغالي والنفيس من أجل تحقيق الاستقرار .

الخليـــــــــــــــــــج ....