![]() |
تابع معركة الجمل وردُّوا على هذا الخطاب الحكيم المتَّزن بخطابٍ ينمُّ عن شدَّة تعسُّفهم وردِّهم المارق ، فكتبوا إليه : « . فإن شهدت على نفسك أنَّك كفرت في ما كان من تحكيمك الحكمين ، واستأنفت التوبة والإيمان ، نظرنا في مسألتنا من الرجوع إليك ، وإن تكن الأُخرى فإنَّنا ننابذك على سواء ، إنَّ الله لا يهدي كيد الخائنين » فلمّا يئس منهم تحرَّك بجيشه صوب الشام ، حتى بلغ منطقةً في أعالي الفرات تُدعى « عانات » فأتته أخبار فضيعة عن الخوارج ، إذ أصبحوا يعترضون الناس فيقتلونهم دون أدنى ذنبٍ ، الا لأنَّهم لم يتبرَّأوا من عليٍّ ولم يكفِّروه لما حدث! حتى أنَّهم أقبلوا أخيراً إلى قتل عبدالله بن خباب بن الأرت الصحابي الشهير ، وقتلوا معه امرأته وبقروا بطنها وهي حامل ، وقتلوا عدَّة نساءٍ ، وبثُّوا الرعب في الناس. فبعث إليهم أمير المؤمنين الحارث بن مرَّة العبدي ليأتيه بخبرهم ، فأخذوه فقتلوه . فتمخَّضت تلك الأحداث عن معركة النهروان الشهيرة.. حرب النهروان : المعروفة بوقعة الخوارج ، وحصلت الوقعة سنة 37هـ. لمَّا بلغ عليَّاً عليه السلام قتل « المحكِّمة » لعبدالله بن خباب بن الأرت واعتراضهم الناس ، وقتلهم مبعوث الإمام إليهم ، قال المسلمون الذين معه : يا أمير المؤمنين علامَ ندع هؤلاء وراءنا يخلفوننا في عيالنا وأموالنا ؟ سر بنا إلى القوم ، فإذا فرغنا منهم سرنا الى عدوِّنا من أهل الشام. فرجع عليه السلام بجنده الذين ذعروا على أهليهم من خطر الخوارج ، والتقت الفئتان في النهروان ، فلم يبدأهم الإمام عليه السلام بحرب ، حتى دعاهم إلى الحجَّة والبرهان ، فبعث إليهم ابن عبَّاس أمامه ، فناظرهم بالحجَّة والمنطق السليم ، لكنَّهم أصرُّوا على العمى والطغيان! ثُمَّ تقدَّم الإمام عليه السلام ، وذكَّرهم نهيه عن قبول التحكيم وإصرارهم عليه ، حتى لم يبقَ لديهم حجَّة ، وحتى رجع أكثرهم وتاب ، وممَّن رجع يومذاك إلى رشده : عبدالله بن الكوَّا أمير الصلاة فيهم . وأبى بعضهم الا القتال!! وتعبأ الفريقان ، ثمَّ جاءت الأنباء أنَّ الخوارج قد عبروا الجسر ، فقال عليه السلام : « والله ما عبروا ، ولا يقطعونه ، وإنَّ مصارعهم لدون الجسر » ، ثُمَّ ترادفت الأخبار بعبورهم وهو عليه السلام يحلف أنَّهم لن يعبروه وأنَّه « والله لا يفلتُ منهم عشرة ، ولا يهلك منكم عشرة »! فكان كلُّ ذلك كما أخبر به الإمام عليٌّ عليه السلام ، فأدركوهم دون النهر ، فكبَّروا ، فقال الإمام عليه السلام : « والله ما كذبتُ ولا كُذبت » . وكان عليٌّ عليه السلام قد قال لأصحابه : كُفُّوا عنهم حتى يبدأوكم ، فتنادوا : الرواح إلى الجنَّة! وحملوا على الناس . واستعرت الحرب ، واستبسل أصحاب الإمام عليه السلام استبسالاً ليس له نظير ، فلم ينجُ من الخوارج الا ثمانية فرُّوا هنا وهناك ، ولم يُقتل من أصحاب الإمام عليه السلام غير تسعة ، وقيل : سبعة . وانجلت الحرب بانجلاء الخوارج وهلاكهم ، وقد روى جماعة أنَّ عليَّاً عليه السلام كان يحدِّث أصحابه قبل ظهور الخوارج ، أنَّ قوماً يخرجون ويمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميَّة ، علامتهم رجل مُخدَج اليد ، سمعوا ذلك منه مراراً . فقال الإمام عليه السلام : « اطلبوا ذي الثُديَّة » ، فقال بعضهم : ما نجده ، وقال آخرون : ما هو فيهم ، وهو يقول : « والله إنَّه لفيهم! والله ما كذبتُ ولا كُذبتُ » وانطلق معهم يفتِّشون عنه بين القتلى حتى عثروا عليه ، ورأوه كما وصفه لهم ، قال : « الله أكبر ، ما كذبتُ ولا كُذبت ، لولا أن تنكلوا عن العمل لأخبرتكم بما قصَّ الله على لسان نبيِّه صلى الله عليه وآله وسلم لمن قاتلهم ، مستبصراً في قتالهم ، عارفاً للحقِّ الذي نحن عليه » . وقال عليه السلام حين مرَّ بهم وهم صرعى : « بؤساً لكم! لقد ضرَّكم من غرَّكم »! قالوا : يا أمير المؤمنين مَنْ غرَّهم ؟ قال : « الشيطان وأنفسٌ أمَّارة بالسوء ، غرَّتهم بالأماني ، وزيَّنت لهم المعاصي ، ونبَّأتهم أنَّهم ظاهرون » . فقالوا : الحمد لله ـ يا أمير المؤمنين ـ الذي قطع دابرهم ، فقال عليه السلام : « كلا والله ، إنَّهم نطف في أصلاب الرجال ، وقرارات النساء » ! قصَّة استشهاده : قال أنس بن مالك : مرض عليٌّ فدخلت عليه ، وعنده أبو بكر وعمر ، فجلست عنده ، فأتاه النبيٌّ صلى الله عليه وآله وسلم فنظر في وجهه ، فقال له أبو بكر وعمر : يانبيَّ الله ما نراه الا ميِّتاً. فقال : « لن يموت هذا الآن ، ولن يموت حتى يُملأ غيضاً ، ولن يموت الا مقتولاً وممَّا رواه أبو زيدٍ الأحول عن الأجلح ، عن أشياخ كندة ، قال : سمعتهم أكثر من عشرين مرَّةً يقولون : سمعنا عليَّاً عليه السلام على المنبر يقول : « مايمنع أشقاها أن يخضّبها من فوقها بدمٍ » ؟ ويضع يده على لحيته عليه السلام . واشتهرت الرواية عن عُثمان بن المغيرة ، قال : كان عليٌّ عليه السلام لمَّا دخل رمضان يتعشَّى ليلةً عند الحسن ، وليلةً عن الحسين ، وليلةً عند عبدالله بن جعفر ، زوج زينب بنت أمير المؤمنين عليه السلام ، وكان لا يزيد على ثلاث لُقم ، فقيل له في ليلةٍ من تلك الليالي في ذلك ، فقال : « يأتيني أمر الله وأنا خميصٌ ، إنَّما هي ليلةٌ أو ليلتان ». فلم تمضِ ليلة حتى قُتل . سبب قتله : وكان سبب قتله أنَّ نفراً من الخوارج اجتمعوا بمكَّة ، فتذاكروا أمرالناس وعابوا عمل ولاتهم ، ثُمَّ ذكروا أهل النهر فترحَّموا عليهم ، وقالوا : مانصنع بالبقاء بعدهم ؟ فلو شرينا أنفسنا وقتلنا أئمة الضلالة وأرحنا منهم البلاد! وقال عبدالرحمن بن ملجم المرادي ـ لعنه الله ـ : أنا أكفيكم عليَّاً ، وكان من أهل مصر. وقال البرك بن عبدالله التميمي الصُريمي : أنا أكفيكم معاوية. أمَّا عمرو بن بكر التميمي ، فقال : أنا أكفيكم عمرو بن العاص. وتعاهدوا على ذلك وأخذوا سيوفهم فسمُّوها ، واتَّعدوا لسبع عشرة من رمضان ، وقصد كلٌّ منهم الجهة التي يريد. فأتى ابن مُلجم الكوفة كاتماً أمره ، فبينما هو هناك إذ زار أحداً من أصحابه من تيم الرباب ، فصادف عندهُ قطام بنت الأخضر التيميَّة.. وكان أمير المؤمنين عليه السلام قتل أباها وأخاها بالنهروان ،فلمَّا رآها أخذت قلبه فخطبها ، فأجابته إلى ذلك على أن يُصدِقها : ثلاثة آلاف وعبداً وقينةً ، وقتل عليٍّ!! فقال لها : والله ، ما جاء بي الا قتل عليٍّ ، فلكِ ما سألتِ! قالت : سأطلب لك من يشدُّ ظهرك ويساعدك ، وبعثت إلى رجلٍ من قومها اسمه : وردان وكلَّمته فأجابها.. وروي أنَّ الإمام عليه السلام سهر في تلك الليلة التي قُتل فيها ، وكان يكثر الخروج والنظر إلى السماء ، وهو يقول : « والله ما كذبتُ ولا كُذبت ، وإنَّها الليلة التي وُعدتُ بها » ثُمَّ يعاود مضجعه ، فلمَّا طلع الفجر شدَّ إزاره وخرج وهو يقول : « أُشدد حيازيمك للموت * فإنَّ المــوت آتيــك ولا تجـزع من الموت * إذا حـلَّ بواديك » وأخذ ابن ملجم سيفه ومعه شبيب بن بَجَرة ووردان ، وجلسوا مقابل السدَّة التي يخرج منها عليٌّ عليه السلام للصلاة.. فضربه ابن ملجم أشقى الآخرين لعنه الله ، ليلة تسعة عشر من شهر رمضان ، سنة أربعين من الهجرة ، في المسجد الأعظم بالكوفة ، ضربه بالسيف المسموم على أُمِّ رأسه. فمكث عليه السلام يوم التاسع عشر وليلة العشرين ويومها ، وليلة الحادي والعشرين الى نحو الثلث من الليل ثُمَّ قضى نحبه شهيداً محتسباً صابراً وقد مُلئ قلبه غيضاً.. بتلك الضربة الشرسة التي ارتجَّ لها المسجد الأعظم ، دوى صوت الإمام المظلوم بنداء : « فزت وربِّ الكعبة » لم يتلكَّأ ولم يتلعثم في تلك اللحظات التي امتُحن قلبه ، وهو القائل « والله لو كُشف لي الغطاء ما ازددت يقيناً » هذا الإمام العظيم الذي طوى صفحات ماضيه القاسية بدمائه الزكية الطاهرة ، أدرك في لحظاته الأخيرة أنَّه أنهى خطَّ الجهاد والمحنة ، وكان أسعد المخلوقين في هذه اللحظات الأخيرة ، حيث سيغادر الكفر والنفاق والغشَّ والتعسُّف.. سيترك الدنيا لمن يطلبها؛ ليلحق بأخيه وابن عمِّه ورفيق دربه في الجهاد في سبيل الله صابراً مظلوماً ، فإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون.. اللَّهمَ احشرنا معهم واجعلنا من أتباعهم والمتوسِّمين خطاهم.. آمين. وقيل : كان عمره يوم استشهد ثلاثاً وستِّين سنةً ، وتولَّى غسله وتكفينه ابناه الحسن والحسين بأمره ، وحملاه إلى الغريَّين من نجف الكوفة ، ودفناه هناك ليلاً ، وعمَّيا موضع قبره بوصيته إليهما في ذلك ، لما كان يعلم من دولة بني أُميَّة من بعده ، وإنَّهم لا ينتهون عمَّا يقدرون عليه من قبيح الأفعال ولئيم الخلال ، فلم يزل قبره مخفيَّاً حتى دلَّ عليه الصادق عليه السلام في الدولة العبَّاسية ، وزاره عند وروده إلى أبي جعفر وهو بالحيرة . الخاتمــــــــــــــة إلى هنا انتهى الكتاب ، راجين أن نكون قد وفينا ببعض سيرة أمير المؤمنين وسيد الموحدين وصاحبه في المواطن كلها ، وحامل رايته في سوح الوغى ، وصاحب لوائه يوم الدين ، وصهره على بضعته البتول سيدة نساء العالمين ، وأبي ريحانتيه سيدي شباب أهل الجنة ، الحسن والحسين ، وخليفته بالحق ومولى المؤمنين من بعده علي بن أبي طالب عليه السلام.. والوفاء ببعض ذلك ليس بالأمر اليسير.. إنه علي عليه السلام تجفّ الأقلام دون ذكر خصاله ولا تصل إلى منتهاها.. بل الاحاطة بواحدة من مفردات سيرته عليه السلام أو خصائصه تتطلب بحثاً بحجم ما كتبناه عن كل سيرته وتاريخه ، ذلك أنها تفتح أمام الباحث آفاقاً رحبة في مجالات العلم والعمل والفكر والتربية والسلوك ، بما يتصل بواقع الحياة في جميع مفاصلها السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وعزاؤنا أنّا ذكرناه في هذا الجهد اليسير ، راجين أن يكون ذلك لنا ذخراً في اليوم العسير. وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين الفهـــــــــــــــــرس م الموضــــــــوع رقم الصفحة 1. مقدمة 2 2. على فى طريقه الى الشام 4 3. رفع المصاحف 6 4. حرب النهروان 9 5. قصة استشهادة 9 6. سبب قتله 10 7. الخاتمة 12 8. الفهرس والمراجع 13 _المراجع : ___________ 1) إعلام الورى 1 : 312 ، إرشاد المفيد 1 : 10 ، وانظر الكامل في التاريخ 3 : 258. |
معركة صفين مقدمـــــــة لمَّا انتهت فتنة الجمل استعدَّ الإمام إلى حرب معاوية ، فوجد حماساً وتجاوباً من أهل الكوفة ، فقد كان قسم كبير منهم قد اشتركوا معه في معركة الجمل ، وهم الآن يريدون أن يضيفوا نصراً جديدا للإسلام. ثمَّ إنَّ الإمام وقبل حرب صفِّين قد أرسل إلى معاوية السفراء والكتب يدعوه الى الطاعة والدخول فيما دخل المسلمون من قبله ، لكنَّه لم يستجب لطلبه ، بل أظهر الشدَّة والصلافة في ردِّه على رسائل الإمام ، واختار القتال على الصلح والمسالمة. في هذه الأثناء تجهَّز معاوية بجيشٍ ضخمٍ واتَّجه به صوب العراق ، ولمَّا بلغ أمير المؤمنين خبره جهَّز جيشه ، واتَّجه نحو الزحف ، ليقطع عليهم الدخول إلى أرض العراق ، لما في ذلك من قتل ونهب وفساد كبير.. فكان من ذلك حرب صفِّين ، وبالشعار السابق نفسه : « دم عُثمان »! فتمرَّدوا وأعدُّوا العدَّة لمحاربة إمام المتَّقين.. فهم لم يخرجوا في طلب الثأر لعثمان ، بل كان خروجهم ضدَّ الإمام ، وضدَّ الإسلام كلِّه ، والثأر لأنفسهم ، ونرى ذلك واضحاً من كلام ابن العاص مع معاوية على الشعار المزيَّف ، حيث قال عمرو بن العاص لمعاوية : واسوأتاه! إنَّ أحقَّ الناس الا يذكر عُثمان لا أنا ولا أنت! قال معاوية : ولِمَ ويحك ؟! قال : أمَّا أنت فخذلته ومعك أهل الشام! وأمَّا أنا فتركته عياناً وهربتُ إلى فلسطين! وقال له : أما والله ، إن قاتلنا معك نطلب دم الخليفة ، إنَّ في النفس ما فيها ، حيث نقاتل مَنْ تعلم سابقته وفضله وقرابته ، ولكنَّنا أردنا هذه الدنيا (1) !! فأيُّ مكرٍ هذا الذي رأيناه من كلامهما ؟! على مثل ذلك أعدُّوا العدَّة لمحاربة الخليفة الجديد ، فهؤلاء هم القاسطون الذين كرهوا خلافة الإمام عليٍّ عليه السلام. ووصل الإمام إلى صفِّين في ذي القعدة ، وابتدأت الحرب في أوَّل ذي الحجَّة سنة 36هـ ، وحصلت الهدنة في المحرم سنة 37 هـ ، واستؤنف القتال في أوَّل صفر ، وانتهى في 13 منه (1) ، وعسكر الإمام بالنُخيلة ، وعقد لواءه لغلامه قنبر. ونزل معاوية بمن معه في وادي صفِّين ، وأخذ شريعة الفرات ، وجعلها في حيِّزه ، وبعث عليها أبا الأعور السُّلمي يحميها ويمنعها.. وبعث أمير المؤمنين صعصعة بن صوحان إلى معاوية ، يسأله أن يخلِّي بين الناس والماء ، فقال معاوية لأصحابه : ما ترون ؟ فبعضهم قال : امنعهم الماء ، كما منعوه ابن عفَّان ، اقتلهم عطشاً قتلهم الله ، لكنَّ عمرو بن العاص حاول أن يقنع معاوية بأن يخلِّي بين القوم وبين الماء ، فرجع صعصعة فأخبره بما كان ، وأنَّ معاوية قال : سيأتيكم رأيي ، فسرَّب الخيل إلى أبي الأعور ليمنعهم الماء. ولمَّا سمع عليٌّ عليه السلام ذلك قال : « قاتلوهم على الماء » ، فأرسل كتائب من عسكره ، فتقاتلوا واشتدَّ القتال ، واستبسل أصحاب الإمام أشدَّ استبسالٍ ، حتى خلَّوا بينهم وبين الماء ، وصار في أيدي أصحاب عليٍّ عليه السلام. فقالوا : والله لا نسقيه أهل الشام! فأرسل عليٌّ عليه السلام إلى أصحابه أن : « خذوا من الماء حاجتكم وخلُّوا عنهم ، فإنَّ الله نصركم بغيِّهم وظلمهم » (2) . بهذا الخُلق الكريم عامل أمير المؤمنين عليه السلام أشدَّ مناوئيه.. ثمّ دعا عليّ عليه السلام جماعة من قادة جنده ، فقال لهم : « ائتوا هذا الرجل وادعوه إلى الله والى الطاعة والجماعة ». ففعلوا ما أمرهم به ، لكنَّ معاوية قال لهم بعد أن سمع كلامهم : انصرفوا من عندي ، فليس بيني وبينكم الا السيف ، وغضب القوم ، وخرجوا ، فأتوا عليَّاً عليه السلام فأخبروه بذلك.. واحتدم القتال بين الطرفين ، فاقتتلوا يومهم كلَّه قتالاً شديداً لم يشهد له تاريخ الحروب مثيلاً ، ثُمَّ تقدَّم الإمام عليٌّ عليه السلام بمن معه يتقدَّمهم عمَّار بن ياسر ، ولمَّا برز لعمر بن العاص قال عمَّار : « لقد قاتلت صاحب هذه الراية مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاث مرّات ، وهذه الرابعة ما هي بأبرَّ وأنقى » (1) يعني : راية معاوية. وقال حبَّة بن جُوَين العُرَني : قلتُ لحذيفة بن اليمان : حدِّثنا فإنَّا نخاف الفتن. فقال : عليكم بالفئة التي فيها ابن سُميَّة ، فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، قال : « تقتله الفئة الباغية الناكبة ( الناكثة ) عن الطريق ، وإنَّ آخر رزقه ضَياح من لبن » ، وهو الممزوج بالماء من اللبن ، قال حبَّة : فشهدته يوم قُتل وهو يقول : ائتوني بآخر رزقٍ لي في الدنيا ، فأُتي بضياحٍ من لبن في قدح أروح له حلقة حمراء ـ فما أخطأ حذيفة مقياس شعرة ـ فقال : اليوم ألقى الأحبَّة * محمَّداً وحزبه والله لو ضربونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر؛ لعلمت أنَّنا على الحقِّ وأنَّهم على الباطل ، ثم قُتل (1) رضي الله عنه وأرضاه.. وقد تضعضع الكثيرون من أتباع ابن أبي سفيان لموقف عمَّار ، لأنَّ مقولة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيه لم تكن خافيةً على أحدٍ من الناس : « فطوبى لعمَّار تقتله الفئة الباغية ، عمَّار مع الحقِّ يدور معه كيفما دار » وهذا كلُّه من دلائل نبوَّة محمَّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم. وكان ذو الكلاع قد سمع عمرو بن العاص يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعمَّار بن ياسر : « تقتلك الفئة الباغية ، وآخر شربةٍ تشربها ضَياح من لبن » ، فكان ذو الكلاع يقول لعمرو : ما هذا ويحك يا عمرو ؟ فيقول عمرو : إنَّه سيرجع إلينا. فقُتل ذو الكلاع قبل عمَّار مع معاوية ، وأُصيب عمَّار بعده مع عليٍّ عليه السلام. فقال عمرو لمعاوية : ما أدري بقتل أيُّهما أنا أشدُّ فرحاً ، بقتل عمَّار أو بقتل ذي الكلاع ؟ والله لو بقي ذو الكلاع بعد قتل عمَّار لمال بعامَّة أهل الشام إلى عليٍّ (2) ، فأشرق وجه معاوية لذلك! ولمَّا قُتل عمَّار ، قال عليٌّ لربيعة وهمدان : « أنتم درعي ورمحي » فانتدب له نحو من اثني عشر عليه السلام وتقدَّمهم عليٌّ على بغلة ، فحملوا معه حملة رجلٍ واحدٍ ، فلم يبقَ لأهل الشام صفٌّ الا انتقض ، وقتلوا كلَّ من انتهوا إليه.. حتى رأوا الظفر. واستمرَّ القتال ليلةً كاملة حتى الصباح. فتطاعنوا حتى تقصَّفت الرماح ، وتراموا حتى نفد النبل ، وكان الأشتر في الميمنة وابن عبَّاس في الميسرة وعليٌّ عليه السلام في القلب ، والناس يقتتلون من كلِّ جانبٍ ، حتى أصبحوا والمعركة خلف أظهرهم. رفع المصاحف.. « كلمة حقٍّ يُراد بها باطل » : لمَّا رأى عمرو أنَّ أمر أهل العراق قد اشتدَّ وخاف الهلاك ، قال لمعاوية : هل لك في أمرٍ أعرضه عليك ، لا يزيدنا الا اجتماعاً ، ولا يزيدهم الا فرقةً ؟ قال : نعم. قال : نرفع المصاحف ، ثُمَّ نقول : هذا حكم بيننا وبينكم. فرفعوا المصاحف بالرماح وقالوا : هذا كتاب الله عزَّ وجلَّ بيننا وبينكم ، مَنْ لثغور الشام بعد أهله ؟ مَنْ لثغور العراق بعد أهله ؟ فلمَّا رآها الناس قالوا : نجيب إلى كتاب الله. فقال لهم عليٌّ عليه السلام : « عباد الله امضوا على حقِّكم وصدقكم وقتال عدوِّكم ، فإنَّ معاوية وعمراً وابن أبي معيط وحبيباً وابن أبي سرح والضحَّاك ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن ، أنا أعرَف بهم منكم ، قد صحبتهم أطفالاً ثُمَّ رجالاً ، فكانوا شرَّ أطفال وشرَّ رجال ، ويحكم والله ما رفعوها الا خديعةً ووهناً ومكيدة ». فقالوا له : لا يسعنا أن نُدعى إلى كتاب الله فنأبى أن نقبله! فقال لهم عليٌّ عليه السلام : « فإنِّي إنَّما أُقاتلهم ليدينوا لحكم الكتاب ، فإنَّهم قد عصو الله فيما أمره ونسوا عهده ونبذوا كتابه ». فقال له جماعة من المسلمين ، الذين صاروا خوارج بعد ذلك : يا عليُّ ، أجب إلى كتاب الله عزَّ وجلَّ إذا دُعيت إليه ، والا دفعناك برمَّتك إلى القوم ، أو نفعل بك ما فعلنا بابن عفَّان! قال : « فاحفظوا عنِّي نهيي إيَّاكم ، واحفظوا مقالتكم لي ، فإن تطيعوا فقاتلوا ، وإن تعصوني فاصنعوا ما بدا لكم » (1) . لم تكن بينهم وبين معاوية الا بضعة أمتار ، فلولا وقوع هؤلاء في الفخ الذي نصبه معاوية لاستطاع الإمام عليه السلام أن يسيطر على الموقف ويستأصل رأس الفتن ، ولكنَّ مسألة التحكيم غيَّرت مجرى الأُمور إلى أسوأ حال ، فحالت دون تحقيق الهدف المنشود ، وقُدِّر لهذه المؤامرة أن تنجح وأن تجرَّ وراءها المصائب والويلات! ثمَّ قالوا للإمام : ابعث إلى الأشتر فليأتكَ ، فرجع الأشتر مغضباً بعدما أوشك على النصر ، فأقبل إليهم الأشتر ، وقال : يا أهل العراق! يا أهل الذلِّ والوهن! أحين علوتم القومَ وظنُّوا أنَّكم لهم قاهرون ، رفعوا المصاحف يدعونكم إلى ما فيها ، وهم والله قد تركوا ما أمر الله به فيها وسُنَّة مَنْ أُنزلت عليه ؟ فأمهلوني فواقاً ، فإنِّي قد أحسستُ الفتح (2) . لكنَّهم أبوا الا التحكيم! وجعل أهل الشام عمرو بن العاص على التحكيم ، وأراد الإمام عليه السلام أن يجعل عبدالله بن عبَّاس ، لكنَّهم أبوا الا أبا موسى الأشعري ، ولمَّا رأى أنه لاتنفع معهم حجَّة حكَّمه على مضض! وحضر عمرو بن العاص عند عليٍّ عليه السلام ليكتب القضية بحضوره ، فكتبوا : بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما تقاضا عليه أمير المؤمنين ، فقال عمرو : اكتب اسمه واسم أبيه ، هو أميركم وأمَّا أميرنا فلا. فقال الأحنف : لا تمحُ اسم إمارة أمير المؤمنين ، فإنِّي أخاف إن محوتها أن لا ترجع إليه أبداً ، فلا تمحُها وإن قتل الناس بعضهم بعضاً ، فأبى ذلك عليٌّ عليه السلام ملياً من النهار. ثُمَّ إنَّ الأشعث بن قيس قال : امحُ هذا الاسم ، فمُحي ، فقال عليٌّ : « الله أكبر! سُنَّة بسُنَّة ، والله إنِّي لكاتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، يوم الحديبية فكتبتُ : محمَّد رسول الله ، وقالوا : لستَ برسول الله ، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك ، فأمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمحوه ، فقلتُ : لا أستطيع ، فقال : أرنيه ، فأريته ، فمحاها بيده ، وقال : إنَّك ستُدعى إلى مثلها فتجيب ». فقال عمرو : سبحان الله! أتشبِّهنا بالكفَّار ونحن مؤمنون! فقال عليٌّ عليه السلام : « يا ابن النابغة ، ومتى لم تكن للفاسقين ولياً ، وللمؤمنين عدوّاً ؟ » فقال عمرو : والله ، لا يجمع بيني وبينك مجلس بعد هذا اليوم أبداً. فقال عليٌّ عليه السلام : « إنِّي لأرجو أن يطهِّر الله مجلسي منك ومن أشباهك » (1) .. وتمّت كتابة الكتاب بجعل كتاب الله الحاكم في كلِّ الأُمور ، وما لم يجد في كتاب الله فالسُنَّة العادلة الجامعة غير المفرِّقة.. واُجِّل القضاء إلى رمضان. ولمَّا انتهت مسألة التحكيم ، قال نفرٌ من أصحاب الإمام : كيف تُحكِّمون الرجال في دين الله ؟! لا حكم الا لله ، وكانوا يعترضون الإمام في خطبته بشعارهم « لا حكم الا لله » لذلك سُمُّوا بالمحكِّمة. فكانوا ما يقارب اثني عشر ألفاً.. فنزلوا في ناحية يُقال لها : « حروراء » لأجلها سُمُّوا بالحرورية.. فحاججهم الإمام عليه السلام بقوله الأوَّل قبل التحكيم ، ثُمَّ قال لهم : « قد اشترطتُ على الحكمين أن يُحييا ما أحيا القرآن ، ويُميتا ما أمات القرآن ، فإن حكما بحكم القرآن فليس لنا أن نخالف ، وإن أبيا فنحن عن حكمهما براء ». قالوا : أتراه عدلاً تحكيم الرجال في الدماء ؟ قال : « إنَّا لسنا حكَّمنا الرجال ، إنَّما حكَّمنا القرآن ، وهذا القرآن إنَّما هو خطٌّ مسطور بين دفَّتين لا ينطق ، إنَّما يتكلَّم به الرجال » (1) ثمَّ رجعوا مع الإمام عليه السلام. فلمَّا التقى الحكمان : أبو موسى الأشعري وعمرو بن العاص ، وخُدِع أبو موسى؛ إذ مكر به عمرو ، قال له : أنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأسنُّ منِّي فتكلَّم ، وأراد عمرو بذلك كلِّه أن يقدِّمه في خلع عليٍّ ، قال له : نخلع عليَّاً ومعاوية معاً ، ونجعل الأمر شورى ، فيختار المسلمون لأنفسهم من أحبُّوا. فتقدَّم أبو موسى فأعلن على الملأ الحاضرين أنَّه قد خلع عليَّاً من الخلافة ثُمَّ تنحَّى. وأقبل عمرو فقام ، وقال : إنَّ هذا قد قال ما سمعتموه وخلع صاحبه ، وأنا أخلع صاحبه كما خلعه ، وأُثبت صاحبي معاوية! (1) فدُهش أبو موسى وشتم عمرو وشتمه عمرو ، وانفضَّ التحكيم عن هذه النتيجة! والتمس المسلمون أبا موسى فهرب إلى مكَّة ، ثُمَّ انصرف عمرو وأهل الشام الى معاوية فسلَّموا عليه بالخلافة. |
حرب جزر فوكلاند (1982) عندما فقد الجيش اعتباره اثر الهزيمة النكراء في حرب جزر فوكلاند (1982) الخرقاء ضد انكلترا، واضطر لتسليم المدنيين السلطة، لم تعد الارجنتين التي ترأسها الراديكالي راوول الفونسين هي نفسها. فبعدما تلقته من صدمات القمع بدأت تعاني اولى نتائج الليبيرالية الاقتصادية والمالية. تقلصت الطبقة الوسطى وبدأت تعاني الفقر الحقيقي اضافة الى توسع الهوة الاجتماعية حيث بات 6،5 في المئة من الاكثر ثراء يحوزون دخلاً يومياً (95،6 دولار) يوازي ثلاثين ضعف الـ 3،2 دولار التي يتقاضاها 14،6 في المئة من الاشد فقرا [3] . ففي ظل الديكتاتورية اطلق الارجنتينيون اسم "هود روبن" على وزير المالية لانه وخلافا لروبن هود "يأخذ من الفقراء ليعطي الاغنياء." مع عودة الديموقراطية عام 1983 لم يتغير شيء لجهة سيطرة الرأسمال على العمل كون المضاربات المالية تدر ارباحا اعلى من مدخول الزراعة والمواشي والاستثمار الصناعي وخصوصا اذا وظفت الارباح في الخارج. تمكن البيروني كارلوس منعم عبر ربط سعر البيزوس بالدولار الاميركي من وقف التضخم المتعاظم لكنه اشعل قنبلة موقوتة. فلقد عانت الصادرات الارجنتينية الجمود بسبب ارتفاع اسعارها واصطدامها بسياسة الحماية التي تنتهجها الولايات المتحدة بينما ازدادت عمليات الاستيراد. شرع منعم في الخصخصة المتسارعة لكل ما كان بيرون قد أممه، ويقال انه اقتطع لصالحه الخاص قسما من العائدات البالغة 40 مليار دولار. تضاعف الدين الخارجي وزعم ان الارجنتين دخلت الى "العالم الاول" فأدخل بلاده في رخاء اصطناعي وتصرف كزعيم للمافيا. وقد اعلن نائبه السابق ادواردو دوهالده أخيرا: "نحن طبقة سياسية سيئة وانا جزء منها" [4] . وها هو يرتفع من رئاسة الكونغرس الى رئاسة الدولة. فسارع الى انتقاد ليبيرالية منعم التي جعلت من الارجنتين بلدا "تحت السيطرة". مسكينة الارجنتين التي ابتعدت كثيرا عن الله لتقترب من صندوق النقد الدولي! ننسى ان المجتمع الارجنتيني عرف خلال الربع الاخير من القرن الماضي تحولات عميقة. وقد ادت ظاهرة التهميش الواسعة ليس فقط الى افقار الطبقات الشعبية بل ايضا الطبقة الوسطى الشهيرة التي كانت مفخرة الارجنتين. وقد كبر جيل ابناء هؤلاء "الفقراء الجدد" من دون ان يستفيد من النظام التربوي الضعيف النتائج والذي اهمل في طريقة تدريجية. اما القتلى والمخطوفون والمنفيون على يد النظام الديكتاتوري فأحدثوا من جهة اخرى "فراغا" بين الاجيال يصعب ردمه. في ما يتجاوز الازمة الاقتصادية والمالية تظهر مرة اخرى ولو في صورة اقل بروزا حقيقة ازمة قيم ترجع الى عمق التاريخ الارجنتيني، وادت الديماغوجية البيرونية الى تفاقمها. ازمة قيمة العمل المعتبر سذاجة في مجتمع مقتنع بأن ثراء البلاد في متناول اليد على الدوام. وازمة الاخلاق في نظام شاعت فيه الشطارة للاحتيال على القانون من خلال شبكة الوساطات لدى الاصدقاء من اصحاب النفوذ. ازمة القيم المدنية القائمة على الامتناع عن دفع الضرائب وعن اعادة استثمار الارباح في الوطن وتفضيل تهريبها الى احدى الجنات الضريبية. واخيرا ازمة قيم على مستوى التعابير نفسها اذ ان احد مساوئ "حزب العدالة" البيروني انه افسد المفاهيم الاساسية للايديولوجيا الاشتراكية من خلال تسفيهها بحيث بات من الضروري في كل مرة اعادة التعريف بالكلمات والصيغ المتداولة مثل "العدالة الاجتماعية" مثلا، في وقت تتكاثر فيه المظالم والفساد. هل نفقد اذاً ثقتنا بالارجنتين؟ بالطبع لا. فرغم غياب الايجابيات المباشرة، يعج البلد بالقدرات المتنوعة، فيما يبدو أن قدرة الابداع الثقافي والطاقة السياسية قد نشطت في مجتمع مدني ينبت فيه اليوم زعماء الغد. من اجل اخراج الارجنتين من الوحل الذي تغرق فيه، اقترح احد اعضاء مجلس الشيوخ من الحزب البيروني وصفة عجائبية بسيطة: "يكفينا عامين من دون فساد لكي تستعيد الارجنتين رخاءها". وان يعود الله ارجنتينيا؟ لم يُسمح في حرب جزر فوكلاند وفي حرب الخليج الأولى للصحفيين بالوصول إلى ميدان المعركة. ربما شخص ما في وزارة الدفاع الأمريكية قد قال: "لماذا نبعدهم؟ دعونا نجعلهم يقتربون ونحدد لهم ما يكتبوه وما يبثوه، وهكذا نطعمهم بأيدينا كالكلاب." # الخزي والعار. إنني صحفي منذ بلغت التاسعة عشرة من عمري. وكنت أتفاخر بذلك دائما، وكتبت في استمارات لا تعد ولا تحصى: "المهنة: صحفي"، أما الآن فأخجل من كتابة ذلك. أخجل عندما أرى مجموعة كبيرة من الصحفيين من مختلف أنحاء العالم، جالسين أمام جنرال تعلو أكتافه الرتب العسكرية، يستمعون إليه بإصغاء شديد لما يسمى "التوجيه الصحفي" ولا يسألون أبسط الأسئلة. وعندما يجرؤ أحدهم على السؤال، لا ينتفض أحد منهم عندما يقوم الجنرال بالتفوه بكلمات ترويجية إعلامية عوضا عن الرد على هذا السؤال. هل تذكرون الفرقة العسكرية العراقية 51 التي قيل بأنها قد استسلمت؟ وانتفاضة الشعب في البصرة التي لا أساس لها من الصحة؟ والآلاف المؤلفة من الأكاذيب الأخرى التي ذهبت أدراج الرياح؟ أين كان الصحفيون عندما حدث كل هذا؟ إن أغلبية التقارير الصحفية في هذه الحرب هي بمثابة مرآة مشوهة. تظهر فيها الحقيقة مشوهة، زائفة وكاذبة. لذلك يستحق القليلون الثناء، مثل بيطر ارنط، المستعدين لتقديم مستقبلهم المهني على مذبح الحقيقة. # الحضيض الأسفل. أخجل من القول بأنني صحفي. وأخجل خجلا مضاعفا لكوني صحفي إسرائيلي. لقد وصلت وسائل الإعلام الإسرائيلية في هذه الحرب إلى حضيض لم يسبق له مثيل. فهي لا تتفوه حتى ولو بكلمة انتقاد واحدة بحق هذه الحرب. لقد تم إسكات معارضي الحرب تماما. ما زالت تظهر بعض المقالات الانتقادية هنا وهناك في الصحافة الأمريكية. أما في وسائل الإعلام الإسرائيلية فهذا الأمر غير ممكن، فانه أسوأ من الخيانة. الشاذ الوحيد عن هذه القاعدة هو المراسل دان سمماه، الصحفي الذي تسلل إلى العراق وقبض عليه الأمريكيون فاعتقل وتم تجويعه لمدة 48 ساعة، ورأى ما يحدث هناك بالفعل. لقد تم نشر ما قاله هنا وهناك، وحينها نزلت فوق رأسه ستارة الإسكات. أما الباقون من الصحفيين والمحللين والضباط المتقاعدين من كل حدب وصوب، فيظهرون على شاشاتنا على مدار الساعة ويرددون، مثل الببغاوات، الخط الدعائي الأمريكي، حتى عندما يكون سخيفا. # جنود الشوكولاطة. لدي حساسية بشكل خاص لـ"المراسلين العسكريين"، فهم فصيلة إنسانية نادرة. هم اكثر الناس رجولة، وهم أبرع الجنود، أما في الحقيقة فما هم سوى منتحلين لشخصيات أخرى. لقد رأيتهم لأول مرة في حرب عام 1948، عندما كنت جنديا مقاتلا آنذاك. ففي حين كنا نحن الجنود ننغمس في الوحل ونزحف بأجسادنا على الأشواك، ظهر في بعض الأحيان "جندي" من عالم آخر، ليبس بزة عسكرية نظيفة ومرتبة، حليق الذقن، يعتمر الخوذة تشع من وجهه هالة عسكرية نقية. لقد كان هذا أحد المراسلين العسكريين الذين رافقوا الحرب، من غرف عمليات الوحدات المختلفة، بمصاحبة الضباط ذوي الرتب العالية، بعيدا عن الجبهة. (ولكن لا يجدر بي أن أشكو من هذا الأمر، فعندما نشرت مذكراتي العسكرية بعد الحرب، تحولت هذه المذكرات إلى كتاب تم بيعه بكمية لم يسبق لها مثيل، وذلك لأنه لم يصدر عن أحد من جنود الشوكولاطة هؤلاء أي وصف حقيقي للحرب.) # الديكور الحربي. لقد قرأت بأن مصممة مهنية قامت بتصميم غرفة التوجيه الصحفي التابعة للجنرال طومي فرانكس، لقاء أجر وصل إلى ربع مليون دولار. الجيش الأمريكي يرصد أموالا طائلة لديكور هذه الحرب. أعتقد بأن هناك مبالغ أضخم يتم رصدها ودفعها للمخرجين المهنيين الذين يقومون بإخراج ظهور الرئيس بوش على الشاشة. يجب الانتباه إلى الديكور، فهو أكثر أهمية من كلامه. منذ عدة أشهر يظهر بوش دائما تقريبا على خلفية جنود عسكريين، وقد اهتم المصمم بأن يحيط الجنود الرئيس من كل جهة، بحيث يمكن رؤية وجوههم المعجبة بالرئيس من أي زاوية. قبل عدة أيام استطاع المخرجون الوصول إلى مؤثرات اكثر نجاحا: فمن وراء الرئيس ظهرت سفينة حرس السواحل، وعلى ظهرها ملاحون يرتدون أزياء حمراء، منتظمين بمجموعات ملونة. وقد ظهرت مجموعات أخرى من الجنود على جانبي الرئيس وأمامه. لا يمكن لأي مخرج أوبرا أن يقدم افضل من هذا المشهد. لم أكن لأتعجب لو شرع الرئيس بغناء مقطع من "كارمن" (مثل: إلى المعركة يا ثوريادور)، ولكنه مع الأسف كرر كلماته التافهة المعهودة. # الحرب الوطنية الكبرى. عندما غزى النازيون الإتحاد السوفييتي، أدرك ستالين بأن عامة الشعب الروسي لن يقدموا أرواحهم في سبيل الماركسية-اللينينية، فتحول بلحظة عين إلى مسار آخر. لقد أخرج إيفان الرهيب وبطرس الأكبر والمارشال سوبوروف والمارشال قوطوزوف من قبورهم لكي يحرك مشاعر الناس بما سمي آنذاك "الحرب الوطنية الكبرى". يفعل هذا الآن صدام حسين. انه يناشد أبناء شعبه بالنهوض وقتل الغزاة – ليس تحت راية أيديولوجية حزب البعث (الذي أسسه المسيحيون)، إنما تحت راية الله والإسلام. ________________________________________ [1] صحافي وكاتب، من مؤلفاته Che, Ernesto Guevara. Une légende du siècle, Seuil, Paris, 1997. [2] Georges Béarn, La décade péroniste, Paris, Gallimard-Julliard, 1975 [3] Artemio Lopez, Accorralados, la historia del otro corralito, Buenos Aires, Equipo de investigacion social, janvier 2002 et Distribucion del ingreso entre ricos et pobres, Buenos Aires, Equipo de investigacion social, novembre 2001. [4] Francesc Relea, El Pais, Madrid, 21 octobre 2001 http://www.mondiploar.com/ |
الحروب الصليبيه (1) :أسباب قيام الحروب الصليبية أسباب هذه الحروب الصليبيةالحاقدة التي شنها الغربيون على الأمة الإسلامية . و يمكن إجمال هذه اٍلأسباب فيما يلي : 1- قوة دولة السلاجقة : فإن الدولة السلجوقية قامت للدفاع عن المسلمين ضد أعدائهم ، لذلك بدأت أولاً بمحاربة البويهيين الشيعة الذين سيطروا على الخلافة في بغداد ، وبعد أن قضوا عليهم اتجهوا إلى العبيديين الإسماعيليين في مصر والشام ، فطهروا منهم الشام وألجاؤوهم إلى مصر ، وفي نيتهم القضاء على دولتهم كلها ، ثم التفت السلاجقة للبيزنطيين في القسطنطينية فحصنوا آسيا الصغرى [ تركيا ] ، واستولوا على مدينة نيقية التي تطل على الساحل الشرقي لبحر مرمرة وتقابل مدينة القسطنطينية ، وحصنوها وأعدوها لحروب طويلة . هذا الجهاد السلجوقي أخاف كلاً من البيزنطيين والعبيديين فالتجاؤوا إلى بابا الكاثوليك لنجدتهم وأغروه بالمقدسات النصرانية التي ببلاد المسلمين وبالخيرات الكثيرة عندهم . 2- لما قامت الحروب في بلاد الشام بين السلاجقة والعبيديين تعرض كثير من النصارى الأوروبيين الحجاج للأماكن المقدسة عندهم ببلاد الشام ، لكثير من الخطـف والأسـر والقتل ، خاصة وقد كثر حجـهم في تلك الفترة ، وهذا ما جعل بطـرس الناسك أحد الرهبان الفرنسيين الذي حضر حجهم يحقد على المسلمين وسيطرتهم على بيت المقدس ، فعاد إلى أوروبا يحرض الناس على قتال المسلمين ، وذهب ملوك أوروبا ، وإلى البابا الكاثوليكي أوربان الثاني فحرضه أيضاً ، فسر به البابا وحثه على مواصلة التحريض . 3- الحقد المتأصل في نفوس كثير من النصارى على الإسلام وأهله ؛ لقوته وسرعة انتشاره ولوراثته الأديان السابقة . 4- الحالة الاقتصادية المتردية في أوروبا حيث المجاعات والفقر الذي كان يفتك بهم ، وحرص أمرائهم على زيادة ممتلكاتهم وثرواتهم ، وحـرص العامة على التخلص من النظام الإقطاعي الطبقي الذي يعيشون في قاعه . (2) : الحمـلة الصليبية الأولى ومؤرثها هو البابا إيربان الثاني الذي اختير بابا لروما عام 481هـ وبعث رسائله إلى أساقفة فرنسا والبلاد المجاورة يطلب إليهم الاجتماع به في كليرمونت بفرنسا عام 489هـ . وانعقد مجمع كليرمونت في نوفمبر 1095 م،وشهده نحو ثلاثمائة من رجال الدين، وأعـلن البابا أنه سيلقي بياناًَ هاماً بعد أيام .. ووصف البابا في خطابه ما يلقاه الحجاج المسيحيون أثناء سفرهم من العذاب والمتاعب،ودعا إلى الحروب الصليبية، ونادى الأمراء بترك الخـلافات القائمة، وقدم لهم الصليب، ثم قال: فلينطلق المسيحيون بالغرب لنجدة الشرق ... ومن يلق مصـرعه في المعركة تحلل من ذنوبه وغفر الله له أخطاءه ... فلا ينبغي التمهل والإرجاء، فليستعدوا للمسير عند حلول الصيف، وليكن الله هاديهم . وكانت الاستجابة سريعة إذ تخلل الخطاب هتافات الحاضرين : هكذا أراد الله ، ولما انتـهى من خطابه نهض من مجلسه أسقف لي بويه فركع أمام عرش البابا والتمـس مـنه الأذن أن يلحق بالحملة المقدسة، ثم ركع الكاردينال جريجوري وأخذ يتلو بصوت جهـوري قــدّاس الاعتراف فيردده وراءه جموع الحاضرين ، فلما انتهت الصلاة نهض البابا وتلا التحلل وأمر سامعيه بالانصراف إلى بلادهم،وطلب إيربان الثاني من الأساقفة أن يباشروا قيادة الحـروب الصليبية بأنفسهم . وانقسمت الجيوش في الحملة الصليبية الأولى إلى قسمين : قسـم على مستوى الشعـوب والفقراء وسـمي حمـلة الشعـوب، وقسـم عـلى مستوى الأمـراء والحـكام والقـواد والإمبراطورالبيزنطي . أ- حملة الشعوب : ويقودها بطرس الناسك، وكان مؤلفاً من الفلاحين وأهل المدن وصغار النبلاء وبعض قطاع الطرق والمجرمين،ولم تكن تنظمهم رابطة ما إلا أن تكون رابطة الحماس لغـزو الشـرق الإسلامي والاستيلاء على الأراضي التي تفيض عسلاً ولبناً والاستيلاء على قبر المسيح . وتحرك بطرس ومعه هذه الجموع حتى وصلوا كولونيا في إبريل 489هـ، وتريث بطرس حتى انضم له بعض الألمان وحصل على المؤن لجيشه، ثم غادرها بعد أسبوع راكباً حماره متجهاً إلى المجر والألمان على خيولهم وبقية الجيش كانوا مترجلين ، وتبعه كذلك مجموعات ممن ألهبت كلمات الكنيسة حماسهم، وكان هذا الجيش يهاجم بعض القـرى الأوروبيـة في طريقه وينهبها وحاصر بعضهم مدينة سملن في المجر واستولوا على قلعتها وصرع هناك ما يقرب من أربعة آلاف مجري، ثم ولوا مسرعين باجتياز نهر الساف إلى الأراضي البيزنطية خوفاً من انتقام ملك المجر . ووصل بطرس ومن معه إلى مدينة صوفية، ثم تحركوا حتى وصلوا القسطنطينية في أول أغسطس ، وهناك انحازت له جموع أخرى من الإيطاليين ، ثم عبروا البسفور إلى آسيا، وكانوا في طريقهم ينهبون ويسلبون، واقتـرح إمبراطور بيزنطة ألكسيوس على بطرس أن ينتظر حتى تصل القوات الصليبية المنظمة قبل أن يشن هجومه ولكن قواد بطرس أغراهم السلب والنهب وظلوا يواصلون زحفهم حتى أصبحوا على أبواب نيقية عاصـمة السلطان السلجوقي قلج أرسلان، وغنموا ما وقع بأيديهم وأتوا شنائع عظيمة منها: أنهم كانوا يشوون الأطفال على السفافيد، ثم خرجت جماعة منهم ينهبون متجاوزين نيقية حتى وصلوا إلى قلعة اكسير يجور دون واحتلوها غير أن الجنود المسلمين أرغموهم على الاستسلام . وهاجمت فرقة أخرى من الصليبيين القرى والمدن الإسلامية، وانشـق القـواد بعضهم على بعض، وتحركت مجموعة فرنسية منهم إلى نيقية، وفي الطريق كمن لهم من الجنود المسلمين من أصلوهم ناراً وردوهم على أعقابهم إلى قلعتهم، بل اقتحموا عليهم القلعة وهزموهم هزيمة منكرة وأسروا منهم أعداداً كبيرة، فضلاً عمن قتلوهم، وطاردوهم إلى قلعة أخرى كان قد فر منهم إليها عدد منهم وهناك قضوا عليهم . ب- حملة الأمراء والامبراطور البيزنطي : وهي أكثر نظاماً وأدق إحكاماً فقد سبقها جمع الأموال وتجهيز الأدوات والآلات وإعـــداد الجيوش، وشارك فيها أبناء ملوك أوروبا والأمراء من فرنسا وإيطاليا وإنجـلترا واسكتلنده وغيرها، وقد أمرهم البابا أن يجتمعوا خارج أسوار القسطنطينية،ولما وصلت هذه الجيوش إلى القسطنطينية كان الإمبراطور البيزنطي يأخذ العهود والأيمان والمواثيق عـلى أمـراء الغرب الغازين على أن يمنعوا جنودهم من النهب في أراضيه، فرفضوا أولاً وبدأوا فمنع عنهم المؤن ثم أعطوه القسم على الاعتراف به سيداً على كل ما يفتحونه من بلاد المسـلمين وعلى أن لا يدخلوا القسطنطينية؛ وذلك أن الإمبراطور وإن كان قد استغاث بالغربيين إلا أنه خشي من هذه الجيوش الجرارة على نفسه وملكه بعدما رأى من كثرتها وقوتها . وبعد أن عبرت هذه الجيوش البوسفور تنفس الإمبراطور الصعداء بعد أن تم التفاهم والتخطيط لمواجهة المسلمين بين الصليبيين الغربيين والصليبيين البيزنطيين . وكان هدف الجيوش كلها هو الاستيلاء على نيقية عاصمة السلاجقة، واختـارت أن تهـاجم المدينة في غيبة سلطانها قلج أرسلان الأول، وحوصرت نيقية،وانضم مع الجيوش القادمة من بقي من حملة الشعوب ووصل السلطان السلجوقي للمدينة وحاول الدخول ودارت المعـركة يوماً بأكمله ولكنه لم يستطع الدخول وانسحب الصليبيون بعد أن خسروا أرواحاً كثيرة وطلبوا مدداً بحرياً من الإمبراطور فأعانهم ولكنهم لم يستطيعوا الدخول وإنما استسلم سكان المـدينة وكان معظمهم من المسيحيين ودخلها جيش الإمبراطور ليلاً بعد حصار دام حوالي شهر من الزمان . ونقل السلطان مقره إلى قونية فأخذت الجيوش الصليبية أهبتها للزحف على قونية مستعينين بفرق من الجيش البيزنطي فضلاً عن الإمدادات والمؤن، وحينما كان الصليبيون ينصـرفون لمحـاربة المسلمين في داخل آسيا الصغرى كان البيزنطيون يتجهون لمحاربة المسلمين في الشواطئ الغربية لها . ثم احتل الصليبيون نيقية بعد أن انسحب السلطان السلجوقي منها، وتوالت عليهم الإمدادات من أوروبا وهم في طريقهم إلى الشام ، ثم احتلوا فريجيا وضـورليوم وهرقـلة ، ثم انقسـمت الجيوش الصليبية قسمين : الأول اتجه صوب قيليقية والثاني صوب قيصرية، واستولوا عليها ثم بلاكنتيا ثم مرعش وأقاموا بها أياماً ، وأما الإمبراطور البيزنطي فاستغل الفرصة وهـاجم أزمير وإفسوس وليديا وغـرب فريجيا واستولى بذلك على الجـزء الغربي من الأناضـول ،بسبب انقطاع هذه المدن عن دولة السلاجقة، وكان استيـلاء البيزنطيين على الأناضول من أبرز نتائج الحملة الصليبية الأولى ... يتبع (3) : تتمة الحملة الصـليبية الأولى اختلف القادة الصليبيون بعضهم مع بعض ، فاتجه بعضهم ( بلدوين البولوني ) إلى الرهـا تلبية لدعوة أميرها المسن الضعيف الذي لاعقب له ، فدخلها وفاوض حـاكم الرها على أن يتبناه ويجعله وريثه في الملك في مقابل حمايته له من أعدائه . وقامت بعد ذلك بقليل ثـورة أهـلية في الرها قتلت حاكمها فانتقلت مقاليدها إلى بلدوين الذي أسس بها إمارة نصـرانية لاتينيـة ، وكان يطمح بتأسيس دولة صليبية في أرمينيا ، وقد دعمه في الأمر الأرمن . وسار باقي القادة إلى أنطاكية، فألقوا الحصار عليها ودخلوها عنوة عام 491 ، بعد حصـار دام سبعة أشهر، وقتلوا من أهلها أكثر من عشرة آلاف ، ومثلوا بالقتلى وبالناس وفعلوا أبشع الجرائم، وولوا عليها أحدهم ( بوهيمند الإيطالي ) ، وقد استقبل النصارى من أهلها والأرمن الصليبيين بكل ترحاب . ثم اتجهوا بعدها نحو بيت المقدس، فسار لقتالهم كربوقا صاحب الموصل، وصـاحب دمشق دقاق، وصاحب حمص جناح الدولة، غير أن الصليبيين قد انتصروا عليهم، ودخلوا معـرة النعـمان، ووصلوا إلى بيت المقدس ودخلوها عام 492، بعد حصار دام واحداً وأربعين يوما ، ًولمالم يصل حامية القدس المدد من مصر حيث الدولة العبيدية استطاع الصليبيون اقتحـام المدينة ، ولم يكن أمام الجنود إلا الاحتماء بالمسجـد ، بعد أن قاوموهم ما استطاعوا ، وقد تبعهم الصليبيون داخل المسجد وذبحوهم بوحشية بالغة ،ونهبوا قبـة الصـخرة ، وقتلوا من أهلها أكثر من سبعين ألفاً ، وخاضت ببحر من الدماء ، وانتخب جودفري الفرنسي ملكاً على بيت المقدس ، وأخذ لقب حامي قبر المسيح . وكان العبيديون ( الملقبين زوراً وبهتاناً بالفاطـميين ) قد استغـلوا تقـدم الصلبييـن من الشمال،فتقدموا هم من الجنوب ودخلوا بيت المقدس وطردوا السلاجـقة منها قبل وصول الصليبيين إليها ، وجرت مفاوضات بين الأفضل الجمالي الوزير العبيدي وبين الصليبيين على أن يكون شمال بلاد الشام للصليبيين وجنوبيها للعبيديين ، ثم نقض الصليبيون العهد عندما شعروا بالنصر . لقد فقدت هذه الحملة أكثر مقاتليها فقد جاءت بثلاثمائة ألف مقاتل، ودخلت إلى القدس بأربعين ألف مقاتل فقط، ومهما بالغنا بعدد المقاتلين الصليبيين الذين ساروا إلى الرها فإن عـددهم لا يزيد على أربعين ألفا، وبذا يكون عدد من بقي من الصليبيين الذين جاؤوا في الحملة ما يقرب من ثمانين ألفاً، ويكونوا فقدوا مائتين وعشرين ألفاً، قتلوا في المعارك وقتلوا على أيدي الناس الذين كانوا يثورون على تصرف هؤلاء القادمين، يثورون على كره، ورغم خوفهم الشديد ورغم معرفتهم بمصيرهم يثورون لأن تصرف الصليبيين كان على درجة من السوء والوقاحة والقباحة مايثير أية نفس مهما بلغ بها الذل والخوف . وبسيطرة الصليبيين على بيت المقدس ارتفعت معنويات سكان الإمارات الإيطالية فبدأت سفنهم تجوب أطراف البحر المتوسط وتقدم المساعدات والدعم للصليبيين، فاستطاعوا أن يأخذوا حيفا وقيسارية عام 494 ، وأخذوا عكا عام 497، وأخذوا طرابلس عام ، 503 بعد حصار سنتين، كما أخذوا جبلة في العام نفسه، ثم أخذوا صيدا عام 504، وطلب المسلمون هدنة فرفض ذلك الصليبيون ثم وافقوا مقابل مبالغ مالية كبيرة يدفعها لهم المسلمون، وبعد أن استلموا الأموال غدروا بالمسلمين وذلك عام 504 ، وحاصر الصليبيون مدينة صور 505 وكانت بيد العبيديين فأمدهم بالمؤن والمساعدات طغتكين صاحب دمشق فامتنعت صور عن الصليبيين . |
تابع الحروب الصليبيه أما من جهة الداخل فقد جاء الصليبيون من جهة الجنوب فالتقى بهم صاحب دمشق أمين الدولة وهزمهم ولاحق فلولهم الذين وصل بعضهم إلى ملاطية، وقد استطاع أن يدخلها وأن يتملكها وذلك عام 493 . وهاجم الصليبيون دمشق من جهة الشمال عام 497 ولكنهم هزموا، وأسر أمير الرها الصليبي غير أنهم استطاعوا في العام نفسه أن يدخلوا حصن أفاميا . لقد دعم العبيديون الصليبيين في أول الأمر ووجدوا فيهم حلفاء طبيعيين ضد السلاجقة خصومهم ، واتفقوا معهم على أن يحكم الصليبيون شمالي بلاد الشام ويحكم العبيديون جنوبها، وقد دخلوا بيت المقدس غير أن الصليبيين عندما أحسوا بشيء من النصر تابعوا تقدمهم واصطدموا بالعبيديين، وبدأت الخلافات بينهما، فالعبيديون قد قاتلوا الصليبيين دفاعاً عن مناطقهم وخوفاً على أنفسهم ولم يقاتلوهم دفاعاً عن الإسلام وحماية لأبنائه، ولو استمر الصليبيون في اتفاقهم مع العبيديين لكان من الممكن أن يتقاسموا وإياهم ديار الإسلام . لقد استقبل سكان البلاد من النصارى والأرمن الصليبيين استقبالاً حاراً ورحبوا بهم ترحيباً كبيراً،وقد ظهر هذا في أثناء دخولهم أنطاكية وبيت المقدس ،كما قد دعموهم في أثناء وجودهم في البلاد وقدموا لهم كل المساعدات، وقاتلوا المسلمين، وكانوا عيوناً عليهم للصليبيين . وتشكلت أربع إمارات صليبية في بلاد الشام وهي : إمارة في الرها ، إمارة في طرابلس ، إمارة بيت المقدس ، إمارة أنطاكية .ولم يجد الصليبيون الأمن والاستقرار في بلاد الشام في المناطق التي سيطروا عليها وشكلوا فيها إمارات رغم انتصارهم إذ كان السكان المسلمون ينالون منهم كلما سنحت لهم الفرصة،كما يغير عليهم الحكام المسلمون في سبيل إخراجهم من البلاد ودفاعاً عن عقائدهم ومقدساتهم التي كان الصليبيون ينتهكونها . (4) : الحملة الصليبـية الثانية لم يصف العيش للصليبيين في ديار الإسلام إذ كانوا يتعرضون للغارات باستمرار ولهجوم المسلمين بشكل دائم ، وعندما نقضوا عهدهم مع العبيديين أصبح الهجوم يأتيهم من قبل العبيديين من الجنوب ومن قبل السلاجقة من الشمال . وجه العبيديون حملة كبيرة بقيادة حاكم بيروت السابق عام 494 انطلاقاً من عسقلان نحو بيت المقدس ويافا غير أنها فشلت . وجهز العبيديون حملة أخرى عام 495 واتجهت إلى اللد والرملة فخرج للقائها ملك بيت المقدس الصليبي ( بلدوين ) فانهزم وفر إلى الرملة ولاحقه المسلمون ففر من الرملة واستعادها المسلمون ، ثم حاصروه في يافا فجاءته نجدات بحرية فهاجم المسلمين فانتصر عليهم . ثم أرسل العبيديون حملتين : إحداهما برية والأخـرى بحرية واستنجـد ( بلدوين ) بأمير الرها وأمير أنطاكية فأنجداه وانتصر . وجهز العبيديون جيشاً كبيراً ودعموه بأسطول بحري ، وطلبوا دعم السلاجقة فأجابوهم ، وجرت أول معركة عام 498 ظهر فيها التعاون بين السلاجقة والعبيديين ، ولم تكن نتائجها واضحة . واستمرت غارات العبيديين على البلدان التي سيطر عليها الصليبيون ، فقد أغاروا على يافا عام 499، وفي العام التالي على الخليل ، وفي العام الذي يليه وصلوا إلى أسوار بيت المقدس ، وفي عام 518 أغاروا على يافا ، وأغاروا على بيت المقدس . وأما من جهة الشمال فقد قضى السلاجقة عام 494 على حملة صليبية جاءت من غربي أوروبا لدعم الوجود الصليبي في بيت المقدس . ونصب الأمير كمشتكين كميناً لأمير أنطاكية الصليبي وأخذه أسيراً عام 494 ، واستطاع في العام التالي أن يستعيد ملاطية من الصليبيين وأن يأخذ أميرها أسيراً . وفي عام 497 سار أتابك الموصل جكرمش والأمير سقمان بن أرتق صاحب ماردين لقتال الصليبيين في الرها ، وتمكنا من إبادة الجيش الصليبي ، ووقع ( بلدوين ) و ( جوسلين ) في الأسر . وفي عام 499 أغار أمير دمشق طغتكين على بلاد الجليل ، وأغار أمير الموصل مودود عام 505 على الصليبيين ، وفي العام التالي سار إلى جهات طبريا ومدينتها . وفي عام 514 هاجم النصارى الكرج ومن معهم من القفجاق – وهم من الكفار – ديار المسلمين وأحرزوا نصراً على المسلمين . وفي عام 518 هاجم الصليبيون مدينة صور وكانت للعبيديين ، وسـار ( بلدوين الثاني ) أمير الصليبيين في بيت المقدس إلى الشمال لفك أسـر ( بلدوين ) و( جوسلين ) فأسرع إليه (بلك الأرتقي) ، فهزم جيشه وأخذه أسيراً أيضاً وضمه إلى بقية الأمراء الأسرى عنده . وفي عام 523 حاصر الصليبيون دمشق ولكن فشلوا في اقتحامها . وفي عام 527 جاءت أعداد كبيرة من التركمان من الجزيرة ، واتجهوا نحو طرابلس فقاتلوا الصليبيين فيها ... إلخ . وبدأ عماد الدين زنكي في عام 529 يوجه هجماته على مراكز الصليبيين الواقعة شرق نهر العاصي ليكون الفتح تدريجياً فاستولى على الأثارب و زردنا وتل أغدى ومعرة النعمان وكفر طاب وأغار على قنسرين وشيزر وحمص . وأغار نائب زنكي على الصليبيين عام 530 فوصل إلى اللاذقية ، وفي سنة 531 أغار المسلمون على إمارة طرابلس فقتلوا أميرها وأسروا عدداً كبيراً من أتباعه . واستطاع عماد الدين زنكي أن يفشل خطة ( حنا كوين ) إمبراطور البيزنطيين في الاستيلاء على حلب ، وامتاز زنكي عن غيره من أمراء المسلمين أنه جعل المعركة جهاداً في سبيل الله قبل كل شيء ، وجعل توحيد المسلمين وصفوفهم خطوة ضرورية قبل خوض أي معركة ضد الصليبيين . واستطاع زنكي عام 539 أن يحاصر الرها وأن يستعيدها من الصليبيين ، واستولى على سروج عام 539 . أما الحملة الصليبية الثانية فقد شجعها على الانطلاق فتح عماد الدين لإمارة الرها عام 539 ، وعندما انطلقت هذه الحملة عام 542 كان عماد الدين قد توفي ، واتجهت الحملة إلى بلاد الشام عن طريق البحر للخلاف الذي كان قائماً بين إمبراطور القسطنطينية وبين الصليبيين ، وكان على رأس الحملة ملك ألمانيا ( كونراد الثالث ) و ملك فرنسا (لويس السابع ) ، واتجهت الحملة نحو دمشق ، وكان أميرها مجير الدين يخشى من سيطرة آل زنكي على مدينته ويعتمد على الدعم الصليبي فيما إذا اتجه آل زنكي نحوه ، واتجاه الحملة الصليبية نحو دمشق جعل أمير دمشق يستنجد بنور الدين زنكي ضدهم ، وهذا ما هيأ لنور الدين احتلال دمشق عام 549 ، واضطر ملك ألمانيا بعدها العودة إلى بلاده ، كما تبعه ملك فرنسا بعد مدة وجيزة . ولما قتل زنكي حمل الراية الجهادية ابنه نور الدين محمود الذي حاصر الصليبيين في الرها – استطاعوا الاستيلاء عليها بعد موت عماد الدين – وهزمهم هزيمة منكرة ، وقتل (بلدوين) وأصيب ( جوسلين ) إصابة بليغة ، واستعاد منهم الرها . وواصل نور الدين جهاده فاستطاع في عام 542 أن يستولي على عدد من القلاع مثل : بسرفوت وأرتاح والأثارب وكفر لاتا وغيرها . وهكذا كان الهجوم على الصليبيين من الجنوب والشمال ، ثم امتد على أمارة طرابلس في الغرب ، فكانت هذه الهجمات تقض مضاجعهم وتقلقهم باستمرار ، ثم بدأت تظهر دولة عماد الدين زنكي وتتوسع على امتداد إمارات الصليبية ،ويخطط عماد الدين وابنه من بعده محمود للسير بصورة تدريجية ومركزة . وفي عام 544 دخل نور الدين محمود حصن أفاميا، وسار نحو أنطاكية وحاصر في طريقه مدينة حارم ، وصالحه أهلها على نصف أرزاقهم ، غير أنه هزم عام 546 عندما سار لقتال ( جوسلين ) أمير الرها ، ثم تمكن من أسره فيما بعد ، وظل في أسره تسع سنوات ، واستطاع أن يأخذ عزاز وعينتاب ومرعش . وباختصار فإن إمارتي الرها وأنطاكية الصليبيتين أصبح معظمهما في أيدي المسلمين . وفي عام 546 استطاع مسعود الاستيلاء على عينتاب ودلوك ، واستولى نور الدين على الراوندان ثم على تل باشر . واستنجد مجير الدين بنور الدين محمود ضد الصليبيين فجاءه ودخل دمشق عام549 ، ثم سار إلى بعلبك ودخلها عام 550 ، ويعتبر عام الوحدة وتجمع القوى الإسلامية ، كما أخذ شيزر عام 552 |
الساعة الآن 03:59 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.5.2 TranZ By
Almuhajir