منتدى استراحات زايد - آخـر أخبـار السيـاحه فقـط على " Ma7rooM.CoM "

ستة آلاف عام من العلاقة بين مصر وقبرص وعدد كبير من المصريين يعمل هناك في المعمار والزراعة والموانيء.

http://www.middle-east-online.com//p.../_66557_2L.jpg

نيقوسيا ـ من أحمد فضل شبلول

أثارني أمر دخولي جمهورية شمال قبرص التركية من العاصمة نيقوسيا بتصرح مختوم والخروج منها بتصريح مختوم بعد الاطلاع على تأشيرة دخول الجمهورية القبرصية من السفارة القبرصية بالقاهرة، وحب القبارصة اليونانيين لمدينة الإسكندرية، إلى البحث في العلاقة التاريخية بين مصر وقبرص منذ القدم، والعلاقة المتوترة، التي في سبيلها إلى الزوال قريبا بين القبارصة الأتراك والقبارصة اليونانيين، كما يأمل الشعب القبرصي ورئيسه الجديد ديميتريوس خريستوفياس.

ووجدتُ أن العلاقة بين جزيرة قبرص ومصر تعود إلى عهد بعيد حيث نشأت علاقات تجارية منذ حوالي أربعة آلاف عام قبل الميلاد، وكانت قبرص تصدر النحاس إلى مصر. وشهدت قبرص في ذلك الوقت حضارة متقدمة، كما شهدت أيضا علاقات متميزة مع اليونان منذ 1500 عام قبل الميلاد. وهذا ما يفسر انتشار الأساطير اليونانية بالجزيرة القبرصية، فإلهة الجمال والحب "أفروديت" على سبيل المثال، ولدت قصتها في مدينة بافوس القبرصية التي قمتُ بزيارتها أثناء الرحلة القبرصية، ويقام لها مهرجان سنوي في أواخر أغسطس/آب من كل عام بالساحة التي يطل عليها حصن بافوس.

ومثلما وقعت مصر في يد الاحتلال الفارسي قبل الميلاد، وقعت أيضا قبرص في قبضة الفرس عام 525 ق. م. ثم وقعت تحت حكم البطالمة، وأصبحت هناك علاقات رسمية مع الإسكندرية التي كانت عاصمة لمصر في ذلك الوقت.

ثم دخلت المسيحية قبرص على يد القديس بولس وبرنابا. ثم استولى عليها الأتراك العثمانيون عام 1571، وبعدها وضعت تحت الانتداب البريطاني عام 1878، وأصبحت مستعمرة بريطانية عام 1925، وطالب معظم سكانها بالاتحاد مع اليونان التي يشاركونها في اللغة والعقيدة الأرثوذكسية، ولكن أثيرت مشكلة الأقلية التركية الموجودة في قبرص.

وفي عام 1959 تم الاتفاق بين بريطانيا واليونان وتركيا على إقامة الجمهورية القبرصية المستقلة على أن يضم مجلسها التشريعي ثلثين من القبارصة اليونانيين، وثلثًا من القبارصة الأتراك، وانتخب الأسقف مكاريوس رئيسا للجمهورية القبرصية في ديسمبر/كانون الثاني 1959. وبعدها نالت قبرص استقلالها في 16 أغسطس/آب 1960 وانضمت إلى هيئة الأمم المتحدة.

ولكن لم يستمر الوضع هادئا في قبرص، فاشتعل التنافس والخلاف بين القبارصة الأتراك والقبارصة اليونانيين منذ عام 1963 واضطر رئيس الجمهورية إلى الاستعانة بالإنجليز لإرسال قواتهم لوقف القتال، ثم حل محل الإنجليز قوات هيئة الأمم المتحدة في عام 1964.

وفي 15 نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1983 أعلن قيام جمهورية شمال قبرص التركية بالقسم التركي. وتقع في الجزء الشمالي من جزيرة قبرص ذي الأغلبية التركية. وبرغم من إدارة هذا الجزء من جزيرة قبرص كدولة مستقلة، فإنه لا تعترف باستقلاله أية دولة أو مؤسسة دولية، ما عدا تركيا.

وتدير جمهورية شمال قبرص علاقاتها الخارجية بوساطة تركية. ويرتبط اقتصادها بالاقتصاد التركي حيث تستعمل العملة التركية عملة رسمية.

وتطمح جمهورية قبرص إلى استعادة الأراضي الخاضعة لسيطرة جمهورية شمال قبرص التركية، ولكن رغم اعتراف المجتمع الدولي بسيادة جمهورية قبرص على جميع أراضي الجزيرة، فشلت كل المحاولات الدولية لتوحيد الجزيرة من جديد. ومع ذلك، يبدو انخفاض في حالة التوتر بين الجمهوريتين حيث قرر الجانبان في أبريل/نيسان 2003 افتتاح 3 معابر على خط الهدنة الفاصل بينهما. وقد عبرتُ من أحد هذه المعابر الموجود بالعاصمة القبرصية نيقوسيا إلى جمهورية شمال قبرص التركية.

إن أراضي جمهورية شمال قبرص التركية تمتد على مساحة 3335 كم مربعا، أي ما يشكل ثلث من مساحة جزيرة قبرص تقريبا، ويبلغ عدد سكانها أقل من ربع مليون نسمة، من إجمالي 900 ألف قبرصي يشغلون الجمهورية القبرصية.

ومن أهم مدن جمهورية شمال قبرص مدينة كيرينيا (أو غرنه) ويعتمد اقتصادها على السياحة والزراعة و الدعم المالي الآتي من تركيا.

أما المساحة الكلية لجزيرة قبرص فتبلغ حوالي 9.250 كم مربع. وينقسم سكان البلاد عرقيا ولغويا ودينيا تماما حسب التقسيمة السياسية الحالية إلى جزء يوناني وجزء تركي، وتتشابه الطائفتان في العادات الاجتماعية ولكنهم يختلفون كثيرا خاصة في الدين، فمعظم الجزء التركي يشغله مسلمون، ومعظم الجزء اليوناني يشغله مسيحيون أرثوذكس.

وتعد اللغة اليونانية هي اللغة الأولى في قبرص اليونانية، بينما التركية في الشمال. وهذه التقسيمة اللغوية تعود فقط إلى فترة ما بعد نشأة جمهورية شمال قبرص التركية في الشمال ونزوح اليونانيين من الشمال إلى الجنوب، وقبل ذلك كانت اللغة اليونانية هي اللغة الأكثر انتشارا.

أما اللغة الإنجليزية فمستعملة على نطاق واسع، يرجع ذلك إلى فترة الاستعمار البريطاني للجزيرة.

نيقوسيا هي العاصمة الرسمية للبلاد وأكبر مدنها، ثم تأتي في المرتبة الثانية مدينة وليماسول تليها لارنكا التي بها أكبر مطار في البلاد، ثم بافوس، وفاماغوستا وكيرينيا. وجميع هذه المدن تقع في الجزء اليوناني من قبرص، ما عدا العاصمة نيقوسيا فهي مقسمة بين الطرفين التركي والقبرصي اليوناني، وكيرينيا الواقعة في شمال البلاد.

ويعد الجزء اليوناني من قبرص هو الأغنى من الجزء التركي، ويتمتع اقتصاده باستقرار أكثر، خاصة بعد انضمام قبرص إلى الإتحاد الأوروبي عام 2004.

ويعمل حوالي ثلاثة أرباع القبرصيين في مجال الخدمات، ويشغل القطاع الزراعي فقط ما نسبته 5% من الأيدي العاملة.

ومن أهم الصناعات هناك الصناعات الغذائية، المشروبات، الكيماويات، المنتجات المعدنية، السياحة والمنجات الخشبية. وأهم الصادرات هي: الحمضيات، والعنب، والنبيذ، والإسمنت، والملبوسات والأحذية.

وتشتهر قبرص بإنتاج أنواع خاصة من الجبن تعرف باسم جبنة الحلوم (وينتج من لبن الماعز).

وتتأثر الثقافة القبرصة بتركيبة البلاد السكانية، فبينما القبارصة اليونانيون ينتمون ثقافيا إلى اليونان وإلى المستعمر السابق بريطانيا، نجد أن الجزء الشمالي ينتمي إلى تركيا. وتشتهر قبرص عموما بموسيقاها الفلكلورية.

ولدى قبرص نظام تعليمي جيد، فمعظم القبرصيين يحصلون على شهاداتهم الجامعية في الخارج، وخاصة من جامعات يونانية، تركية، بريطانية أو أميركية. وهناك جامعات ومعاهد خاصة.

وفى 1 مايو/آيار 2004 أعلن الاتحاد الاوروبى عن انضمام قبرص إليه غير معترف بالسيادة من قبل قبرص التركية على شمالى الجزيرة، وفي العام نفسه قدمت الأمم المتحدة من خلال أمينها السابق كوفى عنان، مشروعا لتوحيد الجزيرة رفضه القبارصة اليونانيون، ووافق عليه القبارصة الأتراك وباء المشروع بالفشل.

وفى مطلع عام 2008 جرت انتخابات رئاسية بقبرص أسفرت عن فوز مرشح الحزب الشيوعى ديميتريوس خريستوفياس الذى وعد بعد انتصاره بتوحيد الشعب القبرصي.

***

وقد لمست أثناء وجودي في ليماسول أن أفراد العائلة القبرصية يعملون معا في إدارة مشروعاتهم التجارية، وعلى سبيل المثال الفندق الذي كنا ننزل به تديره عائلة بأكملها من عميد العائلة إلى أصغر حفيد فيها. وأن صاحب الفندق هو الذي يذهب بنفسه لشراء احتياجات الفندق من المأكولات والمشروبات وأدوات النظافة وقطع الغيار، فهو يركب سيارة نصف نقل ويتنقل بها ـ على الرغم من كبر سنه ـ لشراء كل ما يحتاجه الفندق.

كما أن فتيات أو سيدات الاستقبال من العائلة نفسها، وعندما تحدثت عن إدارة العائلة لشئون الفندق قالت إحداهن إن عائلتها عائلة عمل، وكل أفراد العائلة تقريبا يعلمون بالفندق.

أيضا لاحظت في أكثر من كافتيريا أن صاحب الكافتيريا أو مالكها هو وزوجته وأبناؤه يديرون شئون الكافتيريا، ويستقبلون ضيوفهم أحسن استقبال.

أمر آخر لاحظته أن عددا كبيرا من المصريين يعملون في مجال البناء والمعمار، وفي المجال الزراعي (ومعظم العاملين في هذا المجال من أبناء كفر الشيخ الذين يأتون ببعضهم البعض)، وفي الموانيء القبرصية (ومعظم العاملين في هذا المجال من أبناء الإسكندرية ودمياط وبورسعيد).

وقد لمست بنفسي محبة القبارصة لأبناء الشعب المصري، وخاصة أبناء الإسكندرية، فقد قضى عدد كبير من القبرصيين سنوات طويلة يعملون في الإسكندرية، ويعرفونها شارعا شارعا وحارة حارة، لكن معظمهم رحل عن الإسكندرية ومصر، أثناء العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، وهم يقولون إن عبدالناصر طردهم من مصر، حيث كانت قبرص في ذلك الوقت واقعة تحت الاحتلال الإنجليزي، ولكنهم مع ذلك يحبونها.

أحدهم قال لي كيف يكون لديكم هذا النهر العظيم، الذي نفتقد لأمتار منه في قبرص، وتدعون إن مصر ليست غنية. وأضاف لو كان لدينا عُشر نهر النيل لأصبحنا من أكبر الدول في العالم، على الرغم من صغر مساحة الجزيرة القبرصية.

سألته من أين تشربون وكيف تروون زراعاتكم؟ فأجاب: الماء مهم جدا بالنسبة لنا ونحافظ عليه كثيرا ولا نهدره أبدا، ولدينا آبار مياه عذبة، وأخرى غير عذبة، كما نعتمد على مياه الأمطار كثيرا ونقوم بتخزينها عن طريق مجاري صنعناها وحفرناه خصيصا لذلك، وأضاف: نقوم أيضا بجلب المياه العذبة من اليونان عن طريق السفن العملاقة.

أما الكهرباء والوقود، فقد لاحظت أن هناك خزانات لتخزين الطاقة الشمسية، على أغلب المساكن والعمارات هناك، فهي طاقة بديلة نظيفة، غير أنها ليست السبيل الوحيد لاستخدام الكهرباء فهناك بدائل أخرى، كما أن هناك الغاز الطبيعي.

غير أن أشد ما لفت انتباهي هو حركة التعمير الواسعة التي تشهدها مدن قبرص، ففي كل شارع ألاحظ مبنى جديدا يصعد، أو مسكنا جديدا يُقام، وعرفت أن المساكن القديمة ذات الطابق الواحد، من الممكن أن تهدم ويبنى بدلا منها مسكن جديد يتكون من ثلاثة طوابق على الأكثر. فضلا عن حركة إنشاء القرى السياحية والفلل والعقارات والفنادق التي تبنى الآن على السواحل القبرصية، والتي تعد بحركة سياحية، أو توسع سياحي وفندقي أكثر نشاطا في السنوات القادمة.