![]() |
تابع لداوود عليه السلام يروي لنا القرآن الكريم بعضا من القضايا التي وردت على داوود -عليه السلام. قال تعالى في سورة الأنبياء: وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا جلس داود كعادته يوما يحكم بين الناس في مشكلاتهم.. وجاءه رجل صاحب حقل ومعه رجل آخر.. وقال له صاحب الحقل: سيدي النبي.. إن غنم هذا الرجل نزلت حقلي أثناء الليل، وأكلت كل عناقيد العنب التي كانت فيه.. وقد جئت إليك لتحكم لي بالتعويض.. قال داود لصاحب الغنم: هل صحيح أن غنمك أكلت حقل هذا الرجل؟ قال صاحب الغنم: نعم يا سيدي.. قال داود: لقد حكمت بأن تعطيه غنمك بدلا من الحقل الذي أكلته. قال سليمان.. وكان الله قد علمه حكمة تضاف إلى ما ورث من والده: عندي حكم آخر يا أبي.. قال داود: قله يا سليمان.. قال سليمان: أحكم بأن يأخذ صاحب الغنم حقل هذا الرجل الذي أكلته الغنم.. ويصلحه له ويزرعه حتى تنمو أشجار العنب، وأحكم لصاحب الحقل أن يأخذ الغنم ليستفيد من صوفها ولبنها ويأكل منه، فإذا كبرت عناقيد الغنم وعاد الحقل سليما كما كان أخذ صاحب الحقل حقله وأعطى صاحب الغنم غنمه.. قال داود: هذا حكم عظيم يا سليمان.. الحمد لله الذي وهبك الحكمة.. أنت سليمان الحكيم حقا.. وكان داود رغم قربه من الله وحب الله له، يتعلم دائما من الله، وقد علمه الله يوما ألا يحكم أبدا إلا إذا استمع لأقوال الطرفين المتخاصمين.. فيذكر لنا المولى في كتابه الكريم قضية أخرى عرضت على داوود -عليه السلام- فيقول: وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21) إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاء الصِّرَاطِ (22) إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23) قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَاب (24) فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ جلس داود يوما في محرابه الذي يصلي لله ويتعبد فيه، وكان إذا دخل حجرته أمر حراسه ألا يسمحوا لأحد بالدخول عليه أو إزعاجه وهو يصلي.. ثم فوجئ يوما في محرابه بأنه أمام اثنين من الرجال.. وخاف منهما داود لأنهما دخلا رغم أنه أمر ألا يدخل عليه أحد. سألهما داود: من أنتما؟ قال أحد الرجلين: لا تخف يا سيدي.. بيني وبين هذا الرجل خصومة وقد جئناك لتحكم بيننا بالحق. سأل داود: ما هي القضية؟ قال الرجل الأول: (إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ). وقد أخذها مني. قال أعطها لي وأخذها مني.. وقال داود بغير أن يسمع رأي الطرف الآخر وحجته: (لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ).. وان كثيرا من الشركاء يظلم بعضهم بعضا إلا الذين آمنوا.. وفوجئ داود باختفاء الرجلين من أمامه.. اختفى الرجلان كما لو كانا سحابة تبخرت في الجو وأدرك داود أن الرجلين ملكان أرسلهما الله إليه ليعلماه درسا.. فلا يحكم بين المتخاصمين من الناس إلا إذا سمع أقوالهم جميعا، فربما كان صاحب التسع والتسعين نعجة معه الحق.. وخر داود راكعا، وسجد لله، واستغفر ربه.. نسجت أساطير اليهود قصصا مريبة حول فتنة داود عليه السلام، وقيل أنه اشتهى امرأة أحد قواد جيشه فأرسله في معركة يعرف من البداية نهايتها، واستولى على امرأته.. وليس أبعد عن تصرفات داود من هذه القصة المختلقة.. إن إنسانا يتصل قلبه بالله، ويتصل تسبيحه بتسبيح الكائنات والجمادات، يستحيل عليه أن يرى أو يلاحظ جمالا بشريا محصورا في وجه امرأة أو جسدها.. عاد داود يعبد الله ويسبحه حتى مات… كان داود يصوم يوما ويفطر يوما.. قال رسول الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم عن داود: "أفضل الصيام صيام داود. كان يصوم يوما ويفطر يوما. وكان يقرأ الزبور بسبعين صوتا، وكانت له ركعة من الليل يبكي فيها نفسه ويبكي ببكائه كل شيء ويشفي بصوته المهموم والمحموم".. جاء في الحديث الصحيح أن داود عليه السلام كان شديد الغيرة على نساءه، فكانت نساءه في قصر، وحول القصر أسوار، حتى لا يقترب أحد من نساءه. وفي أحد الأيام رأى النسوة رجلا في صحن القصر، فقالوا: من هذا والله لن رآه داود ليبطشنّ به. فبلغ الخبر داود -عليه السلام- فقال للرجل: من أنت؟ وكيف دخلت؟ قال: أنا من لا يقف أمامه حاجز. قال: أنت ملك الموت. فأذن له فأخذ ملك الموت روحه. مات داود عليه السلام وعمره مئة سنة. وشيع جنازته عشرات الآلاف، فكان محبوبا جدا بين الناس، حتى قيل لم يمت في بني إسرائيل بعد موسى وهارون أحد كان بنو إسرائيل أشد جزعا عليه.. منهم على داود.. وآذت الشمس الناس فدعا سليمان الطير قال: أظلي على داود. فأظلته حتى أظلمت عليه الأرض. وسكنت الريح. وقال سليمان للطير: أظلي الناس من ناحية الشمس وتنحي من ناحية الريح. وأطاعت الطير. فكان ذلك أول ما رآه الناس من ملك سليمان. ملخص قصة داوود عليه السلام آتاه الله العلم والحكمة وسخر له الجبال والطير يسبحن معه وألان له الحديد، كان عبدا خالصا لله شكورا يصوم يوما ويفطر يوما يقوم نصف الليل وينام ثلثه ويقوم سدسه وأنزل الله عليه الزبور وقد أوتي ملكا عظيما وأمره الله أن يحكم بالعدل. |
خليل جبران 1. مقدمة:- قليلون جدا من لم يسمعوا بـ "جبران" حول العالم، والأقل منهم من لم يسمعوا بكتاب "النبي". وهذا الكتاب يختصر بالفعل فلسفة جبران ونظرته إلى الكون والحياة. وقد ترجم إلى لغات العالم الحية كلها، وكانت آخرها اللغة الصينية ( هذا العام)، وقد حققت مبيعاته أرقاما قياسية بالنسبة إلى سواه من الكتب المترجمة إلى تلك اللغة. صحيح أن معظم كتب جبران وضعت بالإنكليزية، وهذا ما ساعد كثيرا على انتشارها، ولكن جبران كتب ورسم و "فلسف" الأمور بروح مشرقية أصيلة لا غبار عليها، سوى غبار المزج بين ثقافات متعددة وعجنها ثم رقها وخبزها على نار الطموح إلى مجتمع أفضل وحياة أرقى وعلاقات بين البشر تسودها السعادة المطلقة التي لم يتمتع بها جبران نفسه. وكأن قدر كل عظماء العالم من فلاسفة ومفكرين أن يعانوا الآلام النفسية والجسدية في سبيل بلوغ الغاية القصوى واكتشاف أسرار الحياة والمعرفة. 2. نشاته:- ولد هذا الفيلسوف والأديب والشاعر والرسام من أسرة صغيرة فقيرة في بلدة بشري بلبنان في 6 كانون الثاني 1883. كان والده خليل جبران الزوج الثالث لوالدته كميلة رحمة التي كان لها ابن اسمه بطرس من زواج سابق ثم أنجبت جبران وشقيقتيه مريانا وسلطانة ، كان والد جبران راعيا للماشية، ولكنه صرف معظم وقته في السكر ولم يهتم بأسرته التي كان على زوجته كميلة، وهي من عائلة محترمة وذات خلفية دينية ، أن تعتني بها ماديا ومعنويا وعاطفيا. ولذلك لم يرسل جبران إلى المدرسة، بل كان يذهب من حين إلى آخر إلى كاهن البلدة الذي سرعان ما أدرك جديته وذكاءه فانفق الساعات في تعليمه الأبجدية والقراءة والكتابة مما فتح أمامه مجال المطالعة والتعرف إلى التاريخ والعلوم والآداب. وفي العاشرة من عمره وقع جبران عن إحدى صخور وادي قاديشا وأصيب بكسر في كتفه اليسرى ، عانى منه طوال حياته ولم يكف العائلة ما كانت تعانيه من فقر وعدم مبالاة من الوالد، حتى جاء الجنود العثمانيون يوم (1890) والقوا اقبض عليه أودعوه السجن، وباعوا منزلهم الوحيد، فاضطرت العائلة إلى النزول عند بعض الأقرباء. ولكن الوالدة قررت أن الحل الوحيد لمشاكل العائلة هو الهجرة إلى الولايات المتحدة سعيا وراء حياة أفضل , عام 1894 خرج خليل جبران من السجن،وكان محتارا في شأن الهجرة ولكن الوالدة كانت قد حزمت أمرها، فسافرت العائلة تاركة الوالد وراءها. 3. الهجرة إلى أمريكا:- وصلوا إلى نيويورك في 25 حزيران 1895 ومنها انتقلوا إلى مدينة بوسطن حيث كانت تسكن اكبر جالية لبنانية في الولايات المتحدة. وبذلك لم تشعر الوالدة بالغربة، بل كانت تتكلم اللغة العربية مع جيرانها، وتقاسمهم عاداتهم اللبنانية التي احتفظوا بها . اهتمت الجمعيات الخيرية بإدخال جبران إلى المدرسة، في حين قضت التقاليد بأن تبقى شقيقتاه في المنزل، في حين بدأت الوالدة تعمل كبائعة متجولة في شوارع بوسطن على غرار الكثيرين من أبناء الجالية. وقد حصل خطأ في تسجيل اسم جبران في المدرسة وأعطي اسم والده، وبذلك عرف في الولايات المتحدة باسم "خليل جبران". وقد حاول جبران عدة مرات تصحيح هذا الخطأ فيما بعد إلا انه فشل. بدأت أحوال العائلة تتحسن ماديا، وعندما جمعت الأم مبلغا كافيا من المال أعطته لابنها بطرس الذي يكبر جبران بست سنوات وفتحت العائلة محلا تجاريا. وكان معلمو جبران في ذلك الوقت يكتشفون مواهبه الأصيلة في الرسم ويعجبون بها إلى حد أن مدير المدرسة استدعى الرسام الشهير هولاند داي لإعطاء دروس خاصة لجبران مما فتح أمامه أبواب المعرفة الفنية وزيارة المعارض والاختلاط مع بيئة اجتماعية مختلفة تماما عما عرفه في السابق . كان لداي فضل اطلاع جبران على الميثولوجيا اليونانية، الأدب العالمي وفنون الكتابة المعاصرة والتصوير الفوتوغرافي، ولكنه شدد دائما على أن جبران يجب ان يختبر كل تلك الفنون لكي يخلص إلى نهج وأسلوب خاصين به. وقد ساعده على بيع بعض إنتاجه من إحدى دور النشر كغلافات للكتب التي كانت تطبعها. وقد بدا واضحا انه قد اختط لنفسه أسلوبا وتقنية خاصين به، وبدأ يحظى بالشهرة في أوساط بوسطن الأدبية والفنية. ولكن العائلة قررت ان الشهرة المبكرة ستعود عليه بالضرر، وانه لا بد أن يعود إلى لبنان لمتابعة دراسته وخصوصا من أجل إتقان اللغة العربية. 4. العودة إلى لبنان:- وصل جبران إلى بيروت عام 1898 وهو يتكلم لغة إنكليزية ضعيفة، ويكاد ينسى العربية أيضا . والتحق بمدرسة الحكمة التي كانت تعطي دروسا خاصة في اللغة العربية. ولكن المنهج الذي كانت تتبعه لم يعجب جبران فطلب من إدارة المدرسة ان تعدله ليتناسب مع حاجاته. وقد لفت ذلك نظر المسؤولين عن المدرسة، لما فيه من حجة وبعد نظر وجرأة لم يشهدوها لدى أي تلميذ آخر سابقا. وكان لجبران ما أراد، ولم يخيب أمل أساتذته إذ اعجبوا بسرعة تلقيه وثقته بنفسه وروحه المتمردة على كل قديم وضعيف وبال. سابقا. تعرف جبران على يوسف الحويك واصدرا معا مجلة "المنارة" وكانا يحررانها سوية فيما وضع جبران رسومها وحده. وبقيا يعملان معا بها حتى أنهى جبران دروسه بتفوق واضح في العربية والفرنسية والشعر (1902). 5. معاناته:- وصلته أخبار عن مرض أفراد عائلته، فيما كانت علاقته مع والده تنتقل من سيء إلى أسوأ فغادر لبنان عائدا إلى بوسطن، ولكنه لسوء حظه وصل بعد وفاة شقيقته سلطانة. وخلال بضعة اشهر كانت أمه تدخل المستشفى لإجراء عملية جراحية لاستئصال بعض الخلايا السرطانية. فيما قرر شقيقه بطرس ترك المحل التجاري والسفر إلى كوبا. وهكذا كان على جبران أن يهتم بشؤون العائلة المادية والصحية. ولكن المآسي تتابعت بأسرع مما يمكن احتماله. فما لبث بطرس أن عاد من كوبا مصابا بمرض قاتل وقضى نحبه بعد أيام قليلة (12 آذار 1903) فيما فشلت العملية الجراحية التي أجرتها الوالدة في استئصال المرض وقضت نحبها في 28 حزيران من السنة نفسها. إضافة إلى كل ذلك كان جبران يعيش أزمة من نوع آخر، فهو كان راغبا في إتقان الكتابة باللغة الإنكليزية، لأنها تفتح أمامه مجالا ارحب كثيرا من مجرد الكتابة في جريدة تصدر بالعربية في أميركا ( كالمهاجر ولا يقرأها سوى عدد قليل من الناس. ولكن انكليزيته كانت ضعيفة جدا. ولم يعرف ماذا يفعل، فكان يترك البيت ويهيم على وجهه هربا من صورة الموت والعذاب. وزاد من عذابه أن الفتاة الجميلة التي كانت تربطه بها صلة عاطفية، وكانا على وشك الزواج في ذلك الحين (جوزيفين بيبادي)، عجزت عن مساعدته عمليا، فقد كانت تكتفي بنقد كتاباته الإنكليزية ثم تتركه ليحاول إيجاد حل لوحده. في حين ان صديقه الآخر الرسام هولاند داي لم يكن قادرا على مساعدته في المجال الأدبي كما ساعده في المجال الفني ، وأخيرا قدمته جوزفين إلى امرأة من معارفها اسمها ماري هاسكل (1904)، فخطّت بذلك صفحات مرحلة جديدة من حياة جبران. |
6.ماري هاسكل ودورها في حياة جبران الأدبية:- كانت ماري هاسكل امرأة مستقلة في حياتها الشخصية وتكبر جبران بعشر سنوات، وقد لعبت دورا هاما في حياته منذ ان التقيا. فقد لاحظت ان جبران لا يحاول الكتابة بالإنكليزية، بل يكتب بالعربية أولا ثم يترجم ذلك. فنصحته وشجعته كثيرا على الكتابة بالإنكليزية مباشرة. وهكذا راح جبران ينشر كتاباته العربية في الصحف أولا ثم يجمعها ويصدرها بشكل كتب ، ويتدرب في الوقت نفسه على الكتابة مباشرة بالإنكليزية. عام 1908 غادر جبران إلى باريس لدراسة الفنون وهناك التقى مجددا بزميله في الدراسة في بيروت يوسف الحويك. ومكث في باريس ما يقارب السنتين ثم عاد إلى أميركا بعد زيارة قصيرة للندن برفقة الكاتب أمين الريحاني. وصل جبران إلى بوسطن في كانون الأول عام 1910، حيث اقترح على ماري هاسكل الزواج والانتقال إلى نيويورك هربا من محيط الجالية اللبنانية هناك والتماسا لمجال فكري وأدبي وفني أرحب. ولكن ماري رفضت الزواج منه بسبب فارق السن، وان كانت قد وعدت بالحفاظ على الصداقة بينهما ورعاية شقيقته مريانا العزباء وغير المثقفة. وهكذا انتقل جبران إلى نيويورك ولم يغادرها حتى وفاته . وهناك عرف نوعا من الاستقرار مكنه من الانصراف إلى أعماله الأدبية والفنية فقام برسم العديد من اللوحات لكبار المشاهير مثل رودان وساره برنار وغوستاف يانغ وسواهم. سنة 1923 نشر كتاب جبران باللغة الإنكليزية، وطبع ست مرات قبل نهاية ذلك العام ثم ترجم فورا إلى عدد من اللغات الأجنبية، ويحظى إلى اليوم بشهرة قل نظيرها بين الكتب. بقي جبران على علاقة وطيدة مع ماري هاسكال، فيما كان يراسل أيضا الأديبة مي زيادة التي أرسلت له عام 1912 رسالة معربة عن إعجابها بكتابه " الأجنحة المتكسرة". وقد دامت مراسلتهما حتى وفاته رغم انهما لم يلتقيا أبدا. 7. وفاته:- توفي جبران في 10 نيسان 1931 في إحدى مستشفيات نيويورك وهو في الثامنة والأربعين بعد أصابته بمرض السرطان. وقد نقلت شقيقته مريانا وماري هاسكل جثمانه إلى بلدته بشري في شهر تموز من العام نفسه حيث استقبله الأهالي. ثم عملت المرأتان على مفاوضة الراهبات الكرمليات واشترتا منهما دير مار سركيس الذي نقل إليه جثمان جبران، وما يزال إلى الآن متحفا ومقصدا للزائرين. 8. مؤلفات جبران خليل جبران:- هذه لائحة بأشهر كتب جبران وتاريخ نشر كل منها للمرة الأولى: أهم مؤلفاته باللغة العربية م اسم الكتاب سنة النشر 1 الأرواح المتمردة 1908 2 الأجنحة المتكسرة 1912 3 دمعة وابتسامة 1914 4 المواكب 1918 أهم مؤلفاته باللغة الإنجليزية 5 المجنون 1918 6 السابق 1920 7 النبي 1923 8 رمل وزيد 1926 9 يسوع ابن الإنسان 1928 10 آلهة الأرض 1931 11 التائه 1932 12 حديقة النبي 1933 9. الخاتمة:- أن من ينظر إلى أدب جبران يلاحظ انه لم يكن يجري على طريقة واحدة في الكتابة ، فهو حينا يكتب خيالا عاطفيا مجردا وحينا أحاسيس واقعية عميقة بأسلوب رائع وحكمة بالغة يخاطب الناس بالأمثال والرموز والحكم والمواعظ الروحية ، وتارة يكتب شعرا فلسفيا واقعيا ، وأخرى يكتب نثرا شعريا موسيقيا ، غير أن كل هذه الأساليب والطرق التعبيرية كانت تفيض عن شخصية عبقرية في تفكير وخيال روحي تمتزج بألفاظ شفافة رنانة عميقة التأثير . المراجع 1. الإنترنت 2. كتاب عمالقة الأدب العربي المعاصر لمحمد محمود الباوي الفهرس 1) مقدمة 2) نشاته 3) الهجرة إلى أمريكا 4) العودة إلى لبنان 5) معاناته 6) ماري هاسكل ودورها في حياة جبران الأدبية 7) وفاته 8) مؤلفات جبران خليل جبران 9) الخاتمة 10) المرجع |
إيليا ابو ماضي مقدمة هو إيليا بن ظاهر أبي ماضي من كبار شعراء المهجر في أمريكا الشمالية ، ولد في المحيدثة بلبنان عام 1889م وهاجر إلى مصر سنة 1900م وسكن الإسكندرية وأولع بالأدب والشعر حفظاً ومطالعة ونظماً ، وفي عام 1911م أصدر ديوانه الأول ( تذكار المضي ) وهاجر في نفس العام إلى أمريكا وأقام بمدينة سنسناتي واحترف التجارة وفي عام 1916م انتقل إلى نيويورك حيث انظم إلى نخبة الأدباء المهجريين الذين أسسوا الرابطة القلمية وفيها طبع ديوانه الثاني الذي قدم له الشاعر جبران خليل جبران وانصرف منذ ذلك الحين إلى الصحافة فعمل في جريدة مرآة الغرب ثم أصدر جريدة السمير أسبوعية ثم يومية عام 1929م في بروكلن إلى أن توفي بها . * * بعض من قصائدة : التينة الحمقاء وتـيـنة غـضة الأفـنان بـاسقةٍ ::: قـالت لأتـرابها والـصيف يحتضر بئس القضاء الذي في الأرض أوجدني ::: عـندي الجمال وغيري عنده النظر لأحـبسن عـلى نـفسي عوارفها ::: فـلا يـبين لـها فـي غـيرها أثر لـذي الجناح وذي الأظفار بي وطر ::: ولـيس في العيش لي فيما أرى وطر إنـي مـفصلة ظـلي على جسدي ::: فـلا يـكون بـه طـول ولا قصر ولـست مـثمرة إلا عـلى ثـقةٍ ::: أن لـيس يـطرقني طـير ولا بشر عـاد الـربيع إلـى الـدنيا بموكبه ::: فازينت واكتست بالسندس الشجر وظـلت الـتينة الـحمقاء عـاريةً ::: كـأنها وتـد فـي الأرض أو حجر ولـم يـطق صاحب البستان رؤيتها ::: فـاجتثها فـهوت فـي النار تستعر مـن ليس يسخو بما تسخو الحياة به ::: فـإنـه أحـمق بـالحرص يـنتحر العيون السود ليت الذي خلق العيون السودا خلق القلوب الخافقات حديدا لولا نواعسها ولولا سحرها ما ود مالك قلبه لو صيدا عَوذْ فؤادك من نبال لحاضها أو متْ كما شاء الغرام شهيدا إن أنت أبصرت الجمال ولم تهم كنت امرءاً خشن الطباع ، بليدا وإذا طلبت مع الصبابة لذةً فلقد طلبت الضائع الموجودا يا ويح قلبي إنه في جانبي وأضنه نائي المزار بعيدا مستوفزٌ شوقاً إلى أحبابه المرء يكره أن يعيش وحيدا برأ الإله له الضلوع وقايةً وأرته شقوته الضلوع قيودا فإذا هفا برق المنى وهفا له هاجت دفائنه عليه رعودا جشَّمتُهُ صبراً فلما لم يطقْ جشمته التصويب والتصعيدا لو أستطيع وقيته بطش الهوى ولو استطاع سلا الهوى محمودا هي نظرة عَرَضت فصارت في الحشا ناراً وصار لها الفؤاد وقودا والحبٌ صوتٌ ، فهو أنةُ نائحٍ طوراً وآونة يكون نشيدا يهب البواغم ألسناً صداحة فإذا تجنى أسكت الغريدا ما لي أكلف مهجتي كتم الأسى إن طال عهد الجرح صار صديدا ويلذُّ نفسي أن تكون شقيةً ويلذ قلبي أن يكون عميدا إن كنت تدري ما الغرام فداوني أو ، لا فخل العذل والتفنيدا يا ملاكى أي شيء في العيد أهدي إليكِ؟ ::: يا ملاكي وكل شيء لديكِ أسواراً؟ أم دملجاً من نضارٍ ::: لا أحب القيود في معصميكِ أم خموراً؟ وليس في الأرض خمر ::: كالذي تسكبين من عينيكِ أم ورداً؟ وليس أجمل عندي ::: كالذي قد نشقت من خديكِ أم عقيقاً كمهجتي يتلظى ::: والعقيق الثمين في شفتيك ليس عندي شيء أعز من الروح ::: وروحي مرهونة بين يديكِ |
تابع إيليا أبو ماضي خطب فلسطين ديار السلام وأرض الهنا يشف على الكل أن تحزنا فخطب فلسطين خطب العلى وما كان رزء العلى هينا سهرنا له فكأن السيوف تحز بأكبادنا ههنا وكيف يزور الكرى أعينا ترى حولها للردى أعينا وكيف تطيب الحياة لقوم تسد عليهم دروب المنى بلادهم عرضة للضياع وأمتهم عرضة للفنا يريد اليهود بأن يصلبوها وتأبى فلسطين أن تذعنا وتأبى المروءة في أهلها وتأبى السيوف وتأبى القنا أأرض الخيال وآياته وذات الجلال وذات السنا تصير لغوغائهم مسرحاً وتغدو لشذاذهم مكمنا بنفسي "أردنها" السلسبيل ومن جاوروا ذلك الأردنا لقد دافعوا أمس دون الحمى فكانت حروبهم حربنا وجادوا بكل الذي عندهم ونحن سنبذل ما عندنا فقل لليهود وأشياعهم لقد خدعتكم بروق المنى ألا ليت بلفور أعطاكم بلاداً له لا بلاداً لنا فلندن أرحب من "قدسنا" وأنتم أحب إلى "لندنا" أيسلب قومكم رشدهم ويدعوه قومكم محسنا ويدفع للموت بالأبرياء ويحسبه معشراً ديِّنا ويا عجباً لكم توغرون على العرب "التايمز والهدسنا" وترمونهم بقبيح الكلام وكانوا أحق بضافي التنا وكل خطيئاتهم أنهم يقولون لا تسرقوا بيتنا فليست فلسطين أرضاً مشاعاً فتعطى لمن شاء أن يسكنا فإن تطلبوها بسمر القنا نردكم بطوال القنا ففي العربي صفات الأنام سوى أن يخاف أو يجبنا وإن تهجروها فذلك أولى فإن فلسطين ملك لنا وكانت لأجدادنا قبلنا وتبقى لأحفادنا بعدنا وإن لكم بسواها غنى وليس لنا بسواها غنى فلا تحسبوها لكم موطناً فلم تك يوماً لكم موطنا نصحناكم فارعووا وانبذوا بليفور ذلك الأرعنا فإنّا سنجعل من أرضها لنا وطناً ولكم مدفنا كيف لا يبقى ويطغى آمر يتقي أشجعكم أن ينظره ما استحال الهر ليثاّ إنما أسد الآجام صارت هرره وإذا الليث وهت أظفاره أنشب السنور فيه ظفره مهبط الوحي مطلع الأنبياء كيف أمسيت مهبط الأرزاء ما كفتنا مظالم الترك حتى زحفوا كالجراد أو كالوباء طردوا من ربوعهم فأرادوا طردنا من ربوعنا الحسناء ضيم أحرارنا وريع حمانا وصمتنا والصمت للجبناء زعم الخائنون أنا بما نبغيه نبقى الوصول للعنقاء سوف يدرون إنما العرب قوم لا يبالون غير رب السماء يوم لا تنبت السهول سوى الجند وغير الأسنة السمراء يوم تمشي على جبال من الأشلاء تمشي في أبحر من دماء يوم يستشعر المراؤون منا إنما الخاسرون أهل الرياء الخاتمة أصدر الشاعر ايليا ابو ماضى ديوانه الثالث الذي قدم له الشاعر ميخائيل نعيمة عام 1925م . وفي عام 1940م أصدر ديوانه" الخمائل " وقد نظم بعد ذلك شعر كثير نشرها في الصحف والمجلات في الوطن وفي المهجر. أصدر جريدة السمير أسبوعية ثم يومية عام 1929م في بروكلن إلى أن توفي بها . ويعتبر بحق من رواد الشعر الحديث الذين اثروا الحركة الشعرية العربية واتحفوها بقصائده الرائعة . والله ولى التوفيق ،،،،،،،،، * * * * الفهـــــــرس م الموضــــــــــــــــــــوع رقم الصفحة 1 مقدمــــــــدمة 2 2 بعض من قصائده 3 3 التينة الحمقاء 3 4 العيون السود 4 5 يا ملاكى 6 6 خطب فلسطين 7 7 الخاتمة 12 8 الفهرس 13 المراجـــــع: • ادباء المهجر – بيروت لبنان 1998 |
الفارابي المقدمـــــة علم الفيزياء علم الفيزياء هو القاعدة الأساسية لمختلف العلوم فهو يقدم التفاصيل العميقة لفهم كل شيء بدءاً بالجسيمات الأولية إلى النواة والذرة والجزيئات والخلايا الحية والمواد الصلبة والسائلة والغازات والبلازما (الحالة الرابعة للمادة) والدماغ البشري والأنظمة المعقدة والكمبيوترات السريعة والغلاف الجوي والكواكب والنجوم والمجرات والكون نفسه. أي أن الفيزيائيين يختصون بمعرفة اصغر عنصر لهذا الكون وهو الجسيمات الأولية إلى الكون الفسيح مرورا بالتفاصيل التي ذكرناها. الفارابـى وهو محمد بن محمد بن طرخان بن أوزلغ، أبو نصر الفارابي، ويعرف بالمعلم الثاني لدراسته كتب أرسطـو(المعلم الأول) وشرحـه لها. ويعــرف الفارابي في الـلاتينية باسم Alpharabius. ولـد في مدينة "فاراب" في تركستان حيث كان والده تركياً من قواد الجيش. ويقول الدكتور علي عبد الواحد وافي : إنه لا يعرف شيء يقيني عن طفولة الفارابي الأولى أو مراحـل حياته التالية. وكل ما يعرف عنـه أنه درس في مسقــط رأسه مجموعـة من المــواد المختلفـة كالعـلـوم، والرياضيـات، والآداب، والفلسفة، واللغـات خاصة التركية، والفارسية، واليونانية، والعربية. وفي سن متقدمة، غادر مسقط رأسه وذهب إلى العراق لمتابعة دراساته العليـا، فدرس الفلسفة، والمنطق، والطب على يد الطبيب المسيحي يوحنا بن حيلان، كما درس العلـــوم اللسانيـة العربيـة والموسيقي. ومن العراق انتقل إلى مصر والشام، حيث التحـق بقصر سيف الدولة في حلب واحتل مكانة بارزة بين العلماء، والأدباء، والفلاسفـة كان الفـارابي فيلسوفاً ورياضياً فذاً ذائع الصيت، بالإضافة إلى كونه موسيقيا ًبارعاًوبعد حيـاة حافلة بالعطاء في شتى علـوم المعرفـة طوال ثمانين سنة، توفي الفارابي أعزب بمدينة دمشق سنة 339هـ/950م. إسهاماته العلمية يعدّ الفارابي أكبر فلاسفة المسلمين وقد أطلق عليه معاصروه لقب "المعلم الثاني" لاهتمامه الكبير بمؤلفات أرسطو "المعلم الأول"، وتفسيرها، وإضافـة الحواشي والتعليقات عليها. ومن خصائص فلسفة الفارابي أنه حاول التوفيق من جهة، بين فلسفة أرسطو وفلسفة أفلاطون، ومن جهة أخرى بين الدين والفلسفة. كما أنه أدخل مذهب الفيض في الفلسفـة الإسلامية ووضع بدايات التصوف الفلسفي.ورغم شهرة الفارابي في الفلسفـة والمنطق،فقد كانت له إسهامات مهمة في علوم أخرى كالرياضيات والطب والفيزياء. فقد برهن في الفيزياء على وجـود الفراغ. وتتجلى أهم إسهاماته العلمية في كتابه "إحصاء العلوم" الذي وضع فيه المبادئ الأساس للعلوم وتصنيفها ؛ حيث صنف العلـوم إلى مجموعات وفروع، وبين مواضيع كل فـرع وفوائده. وبجانب إسهامات الفارابي في الفلسفة، فقد برز في الموسيقى. وكانت رسالته فيها النـواة الأولى لفكرة اللوغارتم حسب ما جاء في كتاب "تراث الإسلام"، حيث يقول كارا دي فو: "أما الفارابي الأستاذ الثاني بعد أرسطو وأحد أساطين الأفلاطونيـة الحديثة ذو العقليـة التي وعت فلسفـة الأقدمين، فقد كتب رسالة جليلة في الموسيقى وهو الفن الذي برز فيه، نجد فيها أول جرثومة لفكرة النسب (اللوغارتم)، ومنها نعرف علاقة الرياضيات بالموسيقى". حساب سرعة الضوء في الفراغ آيات الإعجاز: قال الله تعالى: {يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ}. التفسير العلمي: في سنة 1676 قدّم الفلكي "أولاس رومر" الدليل على أن سرعة الضوء غير لحظية كما ذكرت ذلك الموسوعة البريطانية، واستمرت بعده القياسات ثلاثة قرون إلى أن اعتمدت في باريس سنة 1983 أثناء انعقاد المؤتمر الدولي للمعايير حيث قدرت سرعة الضوء في الفراغ بـ: 299792.458 كم/ثانية.هذا ما توصل إليه العلماء في أواخر القرن العشرين. وإذا رجعنـا إلى القــرآن الكــريم فإننا نجده قد أعطى معادلة دقيقة تؤكـد لنا صحة ما وصل إليه المؤتمر الدولي للمعايير في باريس عام 1983. صاحب هذا الاكتشاف هذه المرة هو أحد العلماء المسلمين المتخصصين في الفيزياء وهو الدكتور محمد دودح مستشار لدى هيئة الإعجاز العلمي، حيث استنبط من قوله تعالى في سورة السجدة الآية 5: {يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنْ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} أن الأمر المقصود به في الآية هو الأمر الكوني الفيزيائي في حياتنا الدنيا، وقد قال بهذا أيضاً من قبله ترجمان القرآن الصحابي الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، فقد روي عنه قوله في تفسير الأمر الذي ذكرته الآية: "هذا في الدنيا ولسرعة سيره (أي الأمر الكوني) يقطع مسيرة ألف سنة في يوم من أيامكم". وعلى ضوء ما تقدم إذا علمنا أن سرعة جسم ما = المسافة المقطوعة / الزمن وبالمطابقة بين المعادلة العلمية والمعادلة القرآنية نجد ما يلي: المعادلة العلمية المعادلة القرآنية الزمن في يوم كان مقداره (زمن يوم أرضي) المسافة ألف سنة مما تعدون (بالحساب القمري) = 12000 دورة قمرية السرعة = المسافة / الزمن الأمر الكوني = ألف سنة مما تعدون (12000 دورة قمرية / زمن يوم أرضي( السرعة (الأمر الكوني الفيزيائي) : وهذه القيمـة لسرعـة الأمر الكوني مطابقة تماماً لقيمة سرعـة الضوء المعلنة دولياً سنة 1983 في باريس. وجه الإعجاز: وجه الإعجاز في الآيات القرآنية الكريمة هو أنها اعتبرت الحد الأقصى للسرعة الكونية في الفراغ تعادل دوران القمر حول مداره اثنتي عشرة ألف دورة، ومن ثم استنبط الدكتور محمد دودح المعادلة التي تعطي الرقم الصحيح لحسـاب سـرعة الأمر الإلهي، وقد توصل الدكتور محمد دودح إلى أن الرقم القـرآني ينطبق تماماً مع الرقم الذي أعلنه المؤتمر الدولي للمعايير في باريس سنة 1983 وهو 299792.458 كم/ثانية. حقائق علمية: - سرعة الضوء واحدة لكل موجات الطيف وتمثل حد السرعة في الكون الفيزيائي. وسرعة جميع الأجسام نسبية تتأثر بحركة الراصد فيلزمها تعيينه إلا سرعة الضوء الوحيدة المطلقة ذات قيمة كونية ثابتة. - مسافة شهر وفق ما يعدون (الحساب القمري)= 5152612.269 كم - مسافة الألف سنة= 25.83134723 بليون كم - السنة القمرية قائمة على حركة القمر حول الأرض. - المسافة المجردة التي يقطعها القمر حول الأرض في كل شهر (طول المدارالقمري المعزول) = 2152612.269 كم - السرعة الوسطية للقمر = 86164.09966 كم/ثانية - الشهر النجمي = 27.32166 يوماً - طول المدار المرصود = 2414406.35 كم - نسبة مركبة السرعة = (جتا هـ) = 0.89157 ملاحظة: يتم حساب متوسط السرعة المدارية للقمر كما لو كانت الأرض ساكنة مما يعني ضرب متوسط السرعة المدارية للقمر حول الأرض المتحركة × جيب تمام الزاوية التي تدورها الأرض حول الشمس خلال شهر قمري واحد. ضوء الليزر يُنظر إلى الليزر غالباً على أنه من العلوم المستقبيلة لكنه الآن أصبح موضوع الساعة حيث يستخدم في كل مكان ومجال : في الاتصالات وقياس المسافات بدقة خاصة أبعاد الأقمار والنجوم والكواكب ، كما يستخدم في المحلات التجارية وفي الأقراص المدمجة وصناعة الالكترونيات وعموماً لمختلف الأغراض ويعتبر الليزر نوعاً من الضوء الذي يختلف عن ضوء الشمس ، أو الضوء الصادر مصباح كهربائي . أول طائرة تعمل بأشعة الليزر أطلقت الولايات المتحدة أول طائرة في رحلة تعمل بالكامل بأشعة الليزر، وذلك بعد مضي قرابة قرن على تحليق أول طائرة تعمل بالوقود. وقد جرى اختبار الطائرة داخل مستودع للطائرات في ألاباما حيث جرى التحكم فيها بشعاع ليزر أطلق من الأرض حيث تحول الى طاقة قامت بتشغيل المحرك،وإنه بوسع الطائرة أن تظل في الجو لمدة غير محددة إذا لم ينقطع شعاع الليزر وهو ما يفتـح الطريق أمام وجود أول طائرة لاتحمل وقودا على متنها، ويبلغ وزن الطائرة 300 جرام ولايتجاوز طولها 1.5 متر.وسيساعد عدم وجود خزان للوقود على الطائرة في ايجاد فراغ يمكن ملؤه بالمعدات التكنولوجية واجهزة الاتصالات. ويقول العلماء إن هذا الطراز من الطائرات يمكن استخدامه بعد ذلك في عمليات المراقبة والاتصالات. الخاتمــــة الفيزياء هو العلم الأساسي ويدخل في كثير من العلوم الفيزيائية التي يستخدمها الإنسان في كثير من المجالات وتحدثت مسبقاً عن عالم من علماء الفيزياء وعن بعض الأشياء التي تستخدم في الفيزياء مثل حساب سرعة الضوء في الفراغ و الليزر. |
الخوارزمي مقدمه لمعت في سماء الحضارة العربية الإسلامية أسماء علماء ساهموا في تاريخ العلم الإنساني مساهمات كبرى، من بين هؤلاء اخترنا طائفة (سوف تزيد تباعا) وهم: هو محمدُ بنُ موسى ، الشهير بالخوارزمىِّ نسبة إلى منطقة خوارزم (آسيا الوسطى) حيث ولد هناك فى حدود سنة 164 هجريَّة (780 ميلاديَّة) وارتحل إلى بغداد لطلب العلم، فدرس فى بيت الحكمة . جمع الخوارزمى بين علوم الفلك والرياضيَّات ، واشتُهر فى مجال الجبر والحساب حيث كان أول مَنْ عرض العمليات الحسابيَّة الهنديَّة التى تستعمل (الصفر) والكتابة العشرية للأعداد . وقد ترجمت مؤلفاته الرياضية من اللغة العربيَّة إلى اللاتينيَّة فى بداية القرن الثانى عشر الميلادى ، فأثَّرت فى تطوُّر الجبر والحساب فى أوروبا. من أهمِّ مؤلفاتِه : • كتابُ الحساب الهندى . • المختصر فى الجبر والمقابلة . • شرح السندهند (وهو مرجع رياضىٌّ شهير) • كتاب فى الجغرافيا . تقويم سنوى لا ريب أن الرياضيات والفلك تدين للعرب بفضل عظيم ، وكما أورد جورج سانتون المؤرخ العلمى العظيم فى كتابه الضخم " مقدمة لتاريخ العلم فانه " بداية من القرن الثامن إلى نهاية القرن الحادى عشر كانت العربية هى اللغة الحسرية للعلم والتقدم 000 فعندما وصلت البشرية إلى درجة كافية من النضج تحس فيها بالحاجة إلى قدر أعمق من المعرفة فانها لم تتجه بانتباها أولاً إلى المصادر الاغريقية بل إلى المصادر العربية . وفى القرن الثانى عشر أصبحت أوربا على دراية بالإنجازات التى حققها العرب ،وعكفت على ترجمات جادة لميراثهم الثرى وقد أنشئت فى برلين وأسبانيا كلية خاصة لإعداد المترجمين وهناك وكذلك فى غيرها من المراكز قام الدارسين بترجمة معظم الاعمال العربية ، فى الرياضيات والفلك ، وشكلت المقالات أو الدراسات العربية الأساس لدراسة الرياضيات فى معظم الجامعات الاوربية . وقد بدأ تاريخ الرياضيات عند العرب بمحمد بن موسى الخوارزمى الذى رحل فى القرن التاسع شرقاً إلى الهند ليتحصل علوم ذلك العصر وقد قدم الارقام الهندية بما فيها مفهوم الصفر إلى العالم العربى ونقل هذا النظام الرقمى بعد ذلك إلى الغرب ، وكان الغرب يعتمد مثل الارقام العربية كما نعرفها اليوم على نظام الأعداد الرومانية المتعب بينما يمكن فى النظام العشرى كتابة العدد 1948 فى أربعة أرقام فاننا نحتاج إلى أحد عشر رقما فى النظام الرومانى على النحو التالى : MDCCCXLVIII من الواضح اذا أنه حتى لحل أبسط المسائل الحسابية فان الترقيم الرومانى يحتاج إلى استنفاد وقت وجهد هائلين . وفى المقابل فإن الارقام العربية ترجمت العمليات الحسابية المعقدة بشكل أبسط نسبياً . ولم يكن هناك أى فرصة لأن تتحقق أوجه التقدم العلمى لدى الغرب اذا ما أستمر على الاعتماد على الأرقام الرومانية وحرموا بالتالى من بساطة ومرونة النظام العشرى الرئيسية أى الصفر . وعلى الرغم من أن الارقام العربية كانت فى الأصل اختراعاً هندياً ، فان للعرب فضل تحويلها إلى نظام عملى فتسجيل الصفر العربى يعود إلى 873 م بينما أول صفر هندى يعود إلى 876 م وظلت أوربا لأربعة قرون تلت ذلك تسخر من الطريقة التى تعتمد على الصفر وأعتبرته : لاشئ وبلا معنى " A meaningless nothing " ولو لم يعطينا العرب شيئاً سوى النظام العشرى لكفاهم ذلك تقديراً لإسهامهم فى التقدم . والواقع أنهم أعطونا ما هو أكثر من ذلك بكثير . وبالرغم من أن الدين ينظر إليه فى الغالب باعتباره معوقاً للتقدم العلمى ، فاننا يمكن أن نرى من خلال دراسة الرياضيات العربية كيف كانت العقيدة الدينية مصدر للإلهام فى الاكتشافات العلمية . فنظراً لأن القران كان دقيقاً جداً بالنسبة لتقسيم التركة بين ورثة الشخص المتوفى ، فانه كان من اللازم على العرب أن يجدوا الوسائل التى يقيسون بها الارض قياساً دقيقاً . وعلى سبيل المثال فأنه أذا ترك أب قطعة أرض غير منسقة الشكل ومساحتها سبعة عشر إكر * لابنائه الستة ، فانه نصيب كل واحد من التركه يكون على وجه الدقة هو السدس . وكان حساب مثل هذه القسمة من خلال الرياضيات التى ورثها العرب عن الاغريق غاية فى التعقيد ان لم يكن مستحيل وكان البحث عن طريق أكثر دقة وأكثر شمولاً وأكثر مرونة هو الذى قاد الخوارزمى لاختراع الجبر . وعلى حد تعبير البروفسير سارتون فان الخوارزمى احدث تأثيراً على الفكر الرياضى إلى درجة عظيمة لم يبلغها أى مؤلف أخر فى العصر الوسيط ونحن ندين له بكل كلمة الجبرا algebra بالمعنى الاصطلاحى لها والمصطلح نفسه الجبر ( بلفظه العربى ) . والى جانب الرياضيات ، فقد قام الخوارزمى بعمل رائع فى مجالات الفلك والجغرافيا ونظرية الموسيقى. وتجدر الاشارة إلى نموذج آخر من نماذج الحضارة العربية وهو القفزة الهائلة فى الجبر بعد قرنين من الخوارزمى ويعود الفضل فى ذلك العصر إلى عمر الخيام ( 1040 - 1123 )الذى يعرف فى الغرب على أنه مؤلف " الرباعيات " وهى قصيدة شعر أشتهرت بعد ترجمة ادوارد فتزجيرالد لها أما فى الشرق فقد أشتهر أنه رياضى أساسا وقد تنبأ من خلال استخدامه للهندسة التحليلية بهندسة " ديكارت ". ولما كلف من قبل السلطان السلجوقى جلقشاه باصلاح التقويم الفارسى فانه قام باعداد تقويم يقال أنه أدق من التقويم الجريجورى الذى يستخدم فى أيامنا هذه فبينما يودى استعمال الاخير إلى خطا مقداره يوم واحد كل 3300 سنة فإن تقويم عمر الخيام يؤدى إلى ذلك المقدار من الخطأ كل 5000 سنة . * الأكر مقياس للمساحة يساوى 4840ياردة مربعة أو نحو أربعة الاف متر مربع ( المترجم ) وكان من الضرورى بالنسبة للعرب بسبب عقيدتهم الاسلامية أن يتحصلوا على معارف أكثر دقة فى الفلك والجغرافيا من القدر المتاح حينئذ ، فعلى المسلم أن يؤدى عدد من الملاحظات الدينية لها تطبيقات فلكية وجغرافيا دقيقية . فانه عندما يصلى عليه أن يولى وجهة شطر مكة ، فان من الواجب عليه أن يعرف أولاً الاتجاه والمسافة المطلوبه لسفره . وكانت هذه الرحلة قبل الف سنة مضت يمكن أن تستغرق شهوراً أو حتى سنوات ، لان ذلك الذى يشرع فى الحج ممكن أن يكون من سكان أسبانيا أو صقلية أو اسيا الصغرى التى كانت كلها جزء من الامبراطورية العربية . وفى خلال رمضان وهو شهر الصوم ، حيث يفرض على المسلمين الامتناع عن الطعام والشراب من طلوع * الشمس إلى غروبها ، فأن عليه أن يعرف مقدمًا اللحظة التى يظهر فيها الفجر بالضبط ، وكذلك اللحظة التى يغرب فيها ** وتحتاج كل هذه الواجبات معرفة تفصيلية للفلك والجغرافيا . وهكذا فقد شرع العرب بحماس فى دراساتهم للفلك فى عصر الخليفة العظيم المأمون ( 813 - 833 ) وقام المأمون وهو ابن الخليفة هارون الرشيد المشهور بالليالى العربية ( ألف ليلة وليلة ) - ببناء مرصد خاص بالميره فى سوريا،واستطاع علماؤه بالتدرج أن يحددوا طول الدرجة وهكذا إنشاؤه خطوط الطول والعرض . ومن بين العرب الذين أرسوا أسس الفلك الحديث كان البطانى ( 858 - 929 ) والبيرونى ( 973 - 1048 ) ولم يكتفى الغرب بأن يتبنى بترحاب القوائم الفلكية للبطانى وأنما ظل يستخدمها حتى عصر النهضة ، وكان البطانى أول من أحل الزاوية محل الوتر الإغريقي فى علم المثلثات وقد ظلت أعماله تترجم وتنشر فى أوربا من القرن الثانى عشر حتى منتصف القرن السادس عشر . ويعتبر البرفسور سارتون " البيرونى " واحد من أعظم العلماء فى كل العصور لقد وضع الرجل تحديداً لخطوط الطول والعرض ، كما أنه هو الذى ناقش قبل ستمائة سنة من اكتشاف جاليليو إمكانية دوران الأرض حول نفسها كما أنه قام بدراسة السرعات النسبية لكل من الصوت والضوء. ومع أن كثير من دراسة الفلك تعتمد على الرياضيات ، فان الآلات تساويها فى أهميتها الحيوية ، وقد أثبت العرب أنهم الرواد البارزون فى هذا المجال أيضاً ، ففى بداية العصور الوسيطة كانت القياسات تتم بالآلات ميكانيكية بحتة مثل الربعية أو السدسية أو الاسطرلاب وللتقليل من هامش الخطأ قام العرب بصناعة الاتهم بحجم أكبر مما عرف من قبل ، وبالتالى تسنى لهم الحصول على نتائج ذات دقة عالية وكان أعظم المراصد شهره فى إستخدام تلك الآلات موجود فى مراقا فى القرن الثالث عشر حيث تعاون الفلكيون البارزون من بلاد كثيرة ولم يقتصر على المسلمين بل شارك أيضاً فيها المسيحيون اليهود وحتى الصينيون ، وكان هؤلاء الاخيرون هم الذين كانوا وراء الظهور المدهش لعلم المثلثات العربى على الجانب الاخر فى الصين . الخاتمة لقد تمت الاشارة إلى أن الرياضيات أكتسبت على يد العرب نوعاً جديداً من الحركة الديناميكية ، إذ إننا نجد ذلك فى علم المثلثات على يد البيرونى ، حيث أصبحت الأعداد عناصر وظيفية ، وفى جبر الخوارزمى حيث احتوت رموز الجبر فى ذاتها على احتمالات اللانهائية ومن الأمور ذات المغزى حول هذا التطور أن يكشف عن تطابق قطرى أو تلقائى بين الرياضيات والدين فالقران لا يعرض الكون على أنه خلق تام أو منته ، بل أن الله قائم على الخلق المتجدد فى كل لحظة تمر على الوجود . وبعبارة أخرى فإن الخلق عملية مستمرة ، وأن العالم ليس جامداً بل يموج بالحركة . وهذه السمة الديناميكية شائعة بكثرة فى الرياضيات العربية . * * * * * الفهــــــــــــــــــــرس م الموضوع رقم الصفحة 1- مقدمة 1 2- مؤلفاته 1 3- تقويم سنوى 2 4- سيرته 5 5- الخاتمة 6 6- الفهرس 7 المراجع • عمر كحالة : معجم المؤلفين 3/741 • خير الدين الزركلى : الأعلام 3/116 . |
ابن الهيثم الحسن أبو علي محمد بن الحسن بن الهيثم، وهو من أعظم علماء الرياضيات والفيزياء ومؤسس علم البصريات وطبيب وفيلسوف اشتهر في القرن الرابع الهجري / العاشر الميلادي. ولد في البصرة عام 354هـ / 965 م وعاش فيها حياته الأولى حيث اهتم بتحصيل العلم، والإلمام بما وصلت إليه الفلسفة والعلوم التعليمية بل والعلوم الطبية أيضا في عصره. وعندما شب ابن الهيثم اشتغل كموظف في الديوان الحكومي، إلا أنه لم يعكف على مواصلة البحث والدراسة، فكان يقرأ الفلسفة ويشرح ويلخص ويختصر فيها من كتب اليونان ما أحاط فكره بتصوره وصنف في ذلك فروعا كثيرة. كما درس التشريح ولخص من كتب جالينوس في الطب وبلغ في ذلك مكانة عالية ولا سيما في تشريح العين، ولكنه لم يباشرها عملا ولم يتدرب على فنون المداواة والجراحة. وكان في جميع ذلك قد خط منهجا ذكر فيه: " وأنا ما دامت لي الحياة باذل جهدي ومستفرغ قوتي في مثل ذلك متوخيا منه أمورا ثلاثة: أحدها إفادة من يطلب الحق ويؤثره في حياتي وبعد مماتي، والثاني أني جعلت ذلك ارتياضا لي بهذه الأمور في إثبات ما تصوره وأتقنه فكري من تلك العلوم، والثالث أني صيرته ذخيرة وعدة لزمان الشيخوخة وأوان الهرم". عكف ابن الهيثم على الدراسة والبحث، إلى أن بلغه أن النيل في مصر ينحدر من موضع عال هو في طرف الإقليم المصري، فقال "لو كنت بمصر لعملت في نيلها عملا يحصل به النفع في كل حالة من حالاته من زيادة ونقص". فبلغ الحاكم بأمر الله كلام ابن الهيثم هذه فتشوق إلى رؤيته، فأرسل إليه أموالا وهدايا ورغبه في الحضور إلى مصر، فلبى ابن الهيثم ذلك وترك وظيفته الحكومية على الفور. سافر ابن الهيثم إلى مصر، فلما بلغها خرج الحاكم بأمر الله للقائه وقابله بقرية على باب القاهرة اسمها الخندق فأكرمه الحاكم وأمر بحسن ضيافته. فأقام ابن الهيثم في الضيافة الملكية بضعة أيام حتى يستريح من عناء السفر، ثم طالبه الحاكم بإنجاز ما وعد به من أمر النيل. سافر ابن الهيثم ومعه جماعة من الصناع المحترفين لأعمال البناء، وأهل فن العمارة ليستعين بهم على هندسته التي خطرت له. ولما سار إلى الإقليم بطوله ورأى آثار من تقدم من ساكنيه من الأمم الخا لية وهي على غاية من إحكام الصنعة وجودة الهندسة تحقق له أن الذي كان يقصده ليس بممكن فإن من تقدمه في العصور الخالية لم يبعد عن عقولهم علم ما علمه، ولو أمكن لفعلوه فانكسرت همته ووقف خاطره ووصل إلى الموضع المعروف بالجنادل قبل مدينة أسوان وهو موضع مرتفع ينحدر منه ماء النيل فعاينه وباشره واختبره من جانبيه فوجد أمره لا يسير على موافقة مراده وتحقق الخطأ والغلبة عما وعد به وعاد خجلا، واعتذر للحاكم بأمر الله فقبل الحاكم عذره وولاه ديوانا فتولاه رهبة لا رغبة. تولى ابن الهيثم الوظيفة بالديوان المصري إلى أن تحقق له الغلط في تلك الولاية. وكان الحاكم متقلب المزاج سفاكا للدماء بأضعف سبب، فأعمل ابن الهيثم فكره في أمر يتخلص به فلم يجد طريقا إلى ذلك إلا بالتظاهر بالجنون، فتظاهر بذلك وأشاع خبره حتى بلغ الحاكم، فعين له الحاكم وصيا وحجز على أمواله لمصلحته وجعل بجانبه من يخدمه وقيدوه وتركوه في موضع من منزله. وظل ابن الهيثم على هذه الحال التعسة إلى أن بلغه وفاة الحاكم وتحقق هو من ذلك، فأظهر العقل وعاد إلى ما كان عليه وخرج من داره واستوطن دارا بالقرب من الجامع الأزهر وأعيد إليه ماله. وقد عاش ابن الهيثم بقية حياته في القاهرة واشتغل بالتأليف والنسخ، ولكنه لم يكن في سعة من العيش، فقد كان يرتزق من نسخ كتابين أو ثلاثة كتب رياضية، منها كتاب الأصول لإقليدس في الهندسة ، وكتاب المجسطي لبطليموس في الفلك . فكان ينسخها كل عام فيأتيه من أقاصي البلاد من يشتريها منه بثمن معلوم، لا مساومة فيه ولا معاودة، فيبيعها ويجعلها مئونة حياته طول سنته. عرف ابن الهيثم بغزارة إنتاجه العلمي، وبلغت شهرته آفاق العالم الإسلامي في ذلك الوقت، وكانت شهرته لا كعالم رياضي فحسب بل كمهندس له في الفنون الهندسية آراء. كما طرق الفلسفة والمنطق والطب والفلك واستحدث فيها آراء جديدة من الفكر العلمي توجها بعلم البصريات. ولعل أهم ما يشتهر به ابن الهيثم إنجازاته في البصريات هو أنه أول من وصف أجزاء العين وعملية الرؤية فيها بشكل دقيق وسليم علميا وأبطل الرأي الإغريقي السائد آنذاك بأن الرؤية تتم بخروج شعاع من العين وسقوطه على الأشياء التي تتم رؤيتها، وكان وراء هذا الرأي بطليموس وإقليدس. فبين ابن الهيثم أن المنشور الضوئي يمر من الأشياء إلى العين خلال القرنية وفتحة القزحية وأجزاء العين الأخرى ليصل إلى الشبكية. كما درس نفاذ الضوء من الأوساط المختلفة فاكتشف قوانين انكسار الضوء وانعكاسه، والعلاقة بين زاوية سقوط الضوء وانكساره، وصاحب أول التجارب العلمية على تحلل الضوء إلى ألوانه المعروفة بألوان الطيف . وناقش من الموضوعات طبيعة الضوء، و قوس قزح ، والظلال و الخسوف . كما درس المرايا بأنواعها الكروية والمكافئة والانحراف الكروي. وقدم في دراسته ما عرف في الغرب باسم مسألة الهازن والتي تقوم على معادلات رياضية من الدرجة الرابعة. وفي مجال الطبيعيات بحث ابن الهيثم نظريات التجاذب بين الكتل، وتسارع الأجسام الساقطة بفعل الجاذبية . وفي الميكانيكا أشار ابن الهيثم إلى القانون الأول للحركة القائل بأن الجسم يظل على حالته ما لم تؤثر عليه قوة خارجية توقفه أو تغير اتجاهه. ترك ابن الهيثم مؤلفات عديدة في شتى المجالات. أما أهم مؤلفاته فهي في مجال الرياضيات والفلك والبصريات والطب والتشريح. من أشهرها كتاب المناظر الذي يتضمن آراء مبتكرة جريئة في علم الضوء، وهو في سبعة أجزاء. وهو من أهم كتبه على الإطلاق. ورسالة مصادرات أوقليدس ، ورسالة حل شكوك أوقليدس ، ورسالة مساحة المجسم المكافئ العدد والمجسم ، ورسالة مقدمة ضلع المسبع ، ورسالة تربيع الدائرة، ورسالة استخراج أضلع المكعب ، ورسالة علل الحساب الهندي ، ورسالة التحليل والتركيب ، ورسالة حساب الخطأين. وكتاب الشكوك على بطليموس ، ومقالة المراية المحرقة بالدوائر ، ومقالة المراية المحرقة بالقطوع ، ومقالة الكرة المحرقة ، ومقالة كيفية الأظلال، ومقالة عمل البنكام. كما ألف في الطب كتابين أحدهما في تقويم الصناعة الطبية ضمنه ثلاثين كتابا قرأها لجالينوس، ورسالة في تشريح العين وكيفية الإبصار . |
البخاري نسبه ومولده هو أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه البخاري وكلمة بردزبه تعني بلغة بخارى "الزراع" أسلم جده "المغيرة" على يدي اليمان الجعفي والي بخارى وكان مجوسيا وطلب والده إسماعيل بن إبراهيم العلم والتقى بعدد من كبار العلماء، وروى إسحاق بن أحمد بن خلف أنه سمع البخاري يقول سمع أبي من مالك بن أنس ورأى حماد بن زيد وصافح ابن المبارك بكلتا يديه. ولد أبو عبد الله في يوم الجمعة الرابع من شوال سنة أربع وتسعين. ويروى أن محمد بن إسماعيل عمي في صغره فرأت والدته في المنام إبراهيم الخليل عليه السلام فقال لها يا هذه قد رد الله على ابنك بصره لكثرة بكائك أو كثرة دعائك شك البلخي فأصبحت وقد رد الله عليه بصره. قوة حفظه وذاكرته ووهب الله للبخاري منذ طفولته قوة في الذكاء والحفظ من خلال ذاكرة قوية تحدى بها أقوى الاختبارات التي تعرض لها في عدة مواقف. يقول محمد بن أبي حاتم: قلت لأبي عبد الله: كيف كان بدء أمرك قال ألهمت حفظ الحديث وأنا في الكتاب فقلت كم كان سنك فقال عشر سنين أو أقل ثم خرجت من الكتاب بعد العشر فجعلت أختلف إلى الداخلي وغيره فقال يوما فيما كان يقرأ للناس سفيان عن أبي الزبير عن إبراهيم، فقلت له: إن أبا الزبير لم يرو عن إبراهيم فانتهرني فقلت له ارجع إلى الأصل، فدخل فنظر فيه ثم خرج فقال لي: كيف هو يا غلام؟ قلت:هو الزبير بن عدي عن إبراهيم. فأخذ القلم مني وأحكم( أصلح) كتابه وقال: صدقت. فقيل للبخاري ابن كم كنت حين رددت عليه قال ابن إحدى عشرة سنة. ولما بلغ البخاري ست عشرة سنة كان قد حفظ كتب ابن المبارك ووكيع. وقال محمد بن أبي حاتم الوراق سمعت حاشد بن إسماعيل وآخر يقولان كان أبو عبد الله البخاري يختلف معنا إلى مشايخ البصرة وهو غلام فلا يكتب حتى أتى على ذلك أيام فكنا نقول له إنك تختلف معنا ولا تكتب فما تصنع فقال لنا يوما بعد ستة عشر يوما إنكما قد أكثرتما على وألححتما فاعرضا على ما كتبتما فأخرجنا إليه ما كان عندنا فزاد على خمسة عشر ألف حديث فقرأها كلها عن ظهر قلب حتى جعلنا نحكم كتبنا من حفظه ثم قال أترون أني أختلف هدرا وأضيع أيامي فعرفنا أنه لا يتقدمه أحد. وقال ابن عدي حدثني محمد بن أحمد القومسي سمعت محمد ابن خميرويه سمعت محمد بن إسماعيل يقول أحفظ مائة ألف حديث صحيح وأحفظ مائتي ألف حديث غير صحيح قال وسمعت أبا بكر الكلواذاني يقول ما رأيت مثل محمد بن إسماعيل كان يأخذ الكتاب من العلماء فيطلع عليه اطلاعة فيحفظ عامة أطراف الأحاديث بمرة. دقته واجتهاده ظل البخاري ستة عشر عاما يجمع الأحاديث الصحاح في دقة متناهية، وعمل دؤوب، وصبر على البحث وتحري الصواب قلما توافرت لباحث قبله أو بعده حتى اليوم، وكان بعد كل هذا لا يدون الحديث إلا بعد أن يغتسل ويصلي ركعتين. يروي أحد تلامذته أنه بات عنده ذات ليلة فأحصى عليه أنه قام وأسرج يستذكر أشياء يعلقها في ليلة ثمان عشرة مرة. وقال محمد بن أبي حاتم الوراق كان أبو عبد الله إذا كنت معه في سفر يجمعنا بيت واحد إلا في القيظ أحيانا فكنت أراه يقوم في ليلة واحدة خمس عشرة مرة إلى عشرين مرة في كل ذلك يأخذ القداحة فيوري نارا ويسرج ثم يخرج أحاديث فيعلم عليها. وروي عن البخاري أنه قال: لم تكن كتابتي للحديث كما كتب هؤلاء كنت إذا كتبت عن رجل سألته عن اسمه وكنيته ونسبته وحمله الحديث إن كان الرجل فهما، فإن لم يكن سألته أن يخرج إلي أصله ونسخته فأما الآخرون لا يبالون ما يكتبون وكيف يكتبون. وكان العباس الدوري يقول: ما رأيت أحدا يحسن طلب الحديث مثل محمد بن إسماعيل كان لا يدع أصلا ولا فرعا إلا قلعه ثم قال لنا لا تدعوا من كلامه شيئا إلا كتبتموه. وفاة البخاري توفي البخاري ـ رحمه الله ـ ليلة عيد الفطر سنة ست وخمسين وقد بلغ اثنتين وستين سنة، وروي في قصة وفاته عدة روايات منها: قال محمد بن أبي حاتم سمعت أبا منصور غالب بن جبريل وهو الذي نزل عليه أبو عبد الله يقول: إنه أقام عندنا أياما فمرض واشتد به المرض، فلما وافى تهيأ للركوب فلبس خفيه وتعمم فلما مشى قدر عشرين خطوة أو نحوها وأنا آخذ بعضده ورجل آخذ معي يقوده إلى الدابة ليركبها فقال رحمه الله أرسلوني فقد ضعفت فدعا بدعوات ثم اضطجع فقضى رحمه الله فسال منه العرق شيء لا يوصف فما سكن منه العرق إلى أن أدرجناه في ثيابه وكان فيما قال لنا وأوصى إلينا أن كفنوني في ثلاثة أثواب بيض ليس فيها قميص ولا عمامة ففعلنا ذلك فلما دفناه فاح من تراب قبره رائحة غالية أطيب من المسك فدام ذلك أياما ثم علت سواري بيض في السماء مستطيلة بحذاء قبره فجعل الناس يختلفون ويتعجبون وأما التراب فإنهم كانوا يرفعون عن القبر حتى ظهر القبر ولم نكن نقدر على حفظ القبر بالحراس وغلبنا على أنفسنا فنصبنا على القبر خشبا مشبكا لم يكن أحد يقدر على الوصول إلى القبر فكانوا يرفعون ما حول القبر من التراب ولم يكونوا يخلصون إلى القبر وأما ريح الطيب فإنه تداوم أياما كثيرة حتى تحدث أهل البلدة وتعجبوا من ذلك وظهر عند مخالفيه أمره بعد وفاته وخرج بعض مخالفيه إلى قبره وأظهروا التوبة والندامة مما كانوا شرعوا فيه من مذموم المذهب قال محمد بن أبي حاتم ولم يعش أبو منصور غالب بن جبريل بعده إلا القليل وأوصى أن يدفن إلى جنبه. وقال محمد بن محمد بن مكي الجرجاني سمعت عبد الواحد بن آدم الطواويسي يقول رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم ومعه جماعة من أصحابه وهو واقف في موضع فسلمت عليه فرد علي السلام فقلت ما وقوفك يا رسول الله قال أنتظر محمد بن إسماعيل البخاري فلما كان بعد أيام بلغني موته فنظرت فإذا قد مات في الساعة التي رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فيها. رحم الله الإمام البخاري رحمة واسعة وجزاه الله خيرا عن الإسلام والمسلمين وعن حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم ). ـــــــــــــ المصادر: (1) سير أعلام النبلاء. (2) تاريخ بخارى. (3) مقدمة صحيح البخاري. |
البحتري مقدمة: البحتري (821-898): أحد أشهر الشعراء العرب في العصر العباسي. هو أبو عبادة الوليد بن عبيد بن يحيى. ولد في منبج إلى الشمال الشرقي من حلب. ظهرت موهبته الشعرية منذ صغره. انتقل إلى حمص ليعرض شعره على أبي تمام، الذي وجهه وأرشده إلى ما يجب أن يتبعه في شعره. انتقل إلى بغداد عاصمة الدولة فكان شاعراً في بلاط الخلفاء: المتوكل والمنتصر والمستعين والمعتز بن المتوكل، كما كانت له صلات وثيقة مع وزراء في الدولة العباسية وغيرهم من الولاة والأمراء وقادة الجيوش. بقي على صلة وثيقة بمنبج وظل يزورها حتى وفاته. خلف ديواناً ضخماً، أكثر ما فيه في المديح وأقله في الرثاء والهجاء. وله أيضاً قصائد في الفخر والعتاب والاعتذار والحكمة والوصف والغزل. كان مصوراً بارعاً، ومن أشهر قصائده تلك التي يصف فيها إيوان كسرى والربيع. تعريفه هو الوليد بن عبيد بن يحيى أبو عبادة (وأبو الحسن ) شاعر مكثر وعربي النسبة وانتماؤه في بطن بحتر من طيء (من قبائل اليمن ) , ولد في منبج أو في إحدى قراها سنة 204هـ ونشأ في باديتها , وعاش في طفولته وصباه مترددا بين منبج وحلب , وفي حلب عرف علوة الحلبية لتي ذكرها في شعره . مدح في أشعاره الأولى بعض الأسر الطائية , ووجد في ظل القائد الطائي أبي سعيد الثغري ملجأ ومقاما , وعند هذا القائد لقي أبي تمام فأعجب به , وسأل له أهل معرة النعمان أن يوظفوا له عطاء سنويا , وتتلمذا البحتري على أبي تمام , وكان في حاشية والي الجزيرة مالك بن طوق ,معه , ثم أنتقل في صحبته إلى بغداد , وخرج الطائيان 230هـ , غادر البحتري العراق وانتقل أبو تمام إلى الموصل حيث توفي سنة 231هـ . كانت وفاة أبي تمام فرصة لشعراء , الذين كانوا مغمورين في ظله , فسنحت أيضا الفرصة للبحتري فعاد للعراق , واتصل بالوزير الفتح بن خاقان فوطد صلته به وقدم إليه كتابه الحماسة , وتوسل الشاعر بالوزير ليصله بالخليفة المتوكل , وألح عليه فقدمه إليه , ودخل القصر وبلغ من دنياه ما أراد , وسمت مكانته عندهما : وكثرت أماديحه فيهما , وعطاياهم له وصار مقربا وفي منزله النديم , وقتلا وهم في مجلس أنس يضمهم يرى ويسمع .ولما اعتلى المنتصر بن المتوكل العرش غادر البحتري الديار المقدسة ليؤدي فريضة الحج , ولكنه عاد إلى العراق ليمدح الخليفة نفسه الذي كان عرض به لتآ مره على والده مع نفر من القواد الأتراك وكان قال من قصيدة : أكان ولي العهد أضمر غدره فمن العجب أن ولي العهد غادره ويرى الأستاذ الصيرفي , في البحتري انه قصد إلى الحج خوفا من مغبة قصيدته الجرئة هذه. نشأته نشأ البحتري في بيئة طبيعية تغذي موهبته الشعرية ، وكان الشاعر أبو تمام يملأ الدنيا من حوله بشعره الذي تميز بالجدة والخيال الجامح وتوليد الصور الفنية. وكان الشعراء في ذلك العصر قد وجدوا في المديح سبيلاً إلى الرزق والثراء وما أن أحسّ البحتري بقدرته الشعرية حتى رحل إلى الشاعر أبى تمام الذي كان يزور حمص بعد أن تجول في الممالك الإسلامية شرقا وغرباً طلباً للعطاء ، وكان الشعراء يقصدون أبا تمام طلباً لاعترافه بهم ونصحه لهم كما كان خبيراً بالصنعة الفنية فلما وفد عليه البحتري مع جمع من الشعراء قال أبو تمام للبحتري: أنت أشعر من أنشدني فكيف حالك ، ويبدو أن إعجابه به قد دفعه إلى الاطمئنان على أمور معاشه فشكا البحتري بؤسه وفقره فوجهه أبو تمام برسالة توصية إلى أهل معرة النعمان مؤكداً على شاعريته الجيدة وكأنه يدفع به إلى مسيرته الطويلة في عالم المديح وجمع المال الذي أثبت البحتري أنه ظل خبيراً به طوال حياته ، لقد خلف البحتري ديوانا كبيراً من الشعر يقع في خمسة أجزاء تنوعت فنونه الشعرية بين المدح والغزل والوصف والرثاء والحكمة أما الهجاء فقد كان فيه مقلاً وقد نصح ابنه أن يحذف فيه ما قال من هجاء وما أن نضجت موهبة البحتري في الشام وذاع صيته حتى شد الرحال إلى حاضرة الخلافة في بغداد تقربا إلى الأمراء ثم إلى الخلفاء. حفظه حفظ البحتري لأبي تمام حق الأستاذية ونصيحة الأيام الأولى وهو يخطو على درب الشعر أولى خطواته فلما قال بعضهم للبحتري إن الناس يزعمون أنك أشعر من أبي تمام فقال و الله ما ينفعني هذا القول و لا يضر أبا تمام والله ما أكلت الخبز إلا به و لوددت أن الأمر كما قالوا ولكني والله تابع له آخذ منه لا يؤذيه نسيمي يركد عن هوائه أرضي تنخفض عند سمائه ، كانت فنونه الشعرية متأثرة بهذه الكلمات الأولى لأبي تمام فجاء شعر البحتري سهلاً رشيق العبارة واضح الصورة قوي النسيج فصيحاً مطرباً عذباً فكان فريداً بين شعراء عصره . ومن أشعاره من أخبار البحتري ومن أخبار البحتري أنه كان بحلب شخص يقال له طاهر بن محمد الهاشمي، مات أبوه وخلّف له مقدار مائة ألف دينار، فأنفقها على الشعراء والزوار في سبيل الله، فقصده البُحتري من العراق فلما وصل إلى حلب قيل له إنه قد قَعَدَ لديون ركبته، فاغتمّ البحتري لذلك غمّاً شديداً، فبعث المِدحة إليه مع بعض مواليه، فلما وصلته ووقف عليها بكى، ودعا بغلام له وقال له: بع داري. فقال له: أتبيع دارك وتبقى على رؤوس الناس؟ فقال: لابدّ من بيعها. فباعها بثلاث مئة دينار، فأخذ صرّة وربط فيها مئة دينار وأنفذها إلى البحتري، وكتب إليه معها رقعة فيها هذه الأبيات: لو يكون الحِياءُ حسبَ الذي أنـْ تَ لـدينا بـه محلُّ وأهلُ لَـحَبَوْتُ اللُّـجينَ والدُّرَّ واليا قوتَ حشواً وكان ذاك يقلُّ والأديـب الأريب يسمح بالعذ رِ إذا قـصّر الصديق المقلُّ فلما وصلت الرقعة إلى البحتري ردَّ الدنانير وكتب إليه: بـأبي أنـت وأنت للـبرّ أهلُ والمساعي بعدُ وسعيَكَ قبلُ والنَّـوالُ القليلُ يكثُرُ إن شـا ءَ مُـرجّيكَ والكثيـرُ يـقلُّ غيرَ أنّي رددتُ برّكَ إذ كان ن رباً منك ، والربا لا يحلُّ وإذا مـا جَزَيْتَ شِـعراً بشعرٍ قُضيَ الحقُّ ، والدنانيرُ فضلُ فلما عادت الدنانير إليه حلَّ الصرّة، وضمَّ إليها خمسين ديناراً أخرى وحلفَ أنه لا يردّها عليه، وسيّرها، فلما وصلت إلى البحتري أنشأ يقول: شكـرتُكَ إنّ الشُّكرَ للعبد نعمةٌ ومن يشكر المعروفَ فاللهُ زائدُه لـكلِّ زمـان واحدٌ يقتدى به وهذا زمانٌ أنتَ لا شكَّ واحـدهْ وفاته وقد حكم المنتصر ستة أشهر وجاء المستعين ( حكم أربع سنوات ) ثم جاء المعتز بن المتوكل , وتحققت أمنية الشاعر فقد كان هواه معه من قبل , ولقي الشاعر منه كل حفاوة وتقديم , ولم يلبث أن جاء خليفة جديد , ولكن الشارع بقي في العراق مدة طويلة حتى استأذن في الخروج إلى الشام فخرج بعد طول ملل من إقامته , وكانت له فرصة لمديح أحمد بن طولون , وكان استولى على مصر والشام , ولزيارة بلدة منبج , وقد تردد إلى العراق مرة أخرى حتى أدركه الملل وتقدم في السن فخرج إلى منبج وأقام هناك حتى أدركته الوفاة سنة توفي عام 284 هجرية 897 ميلادية الخاتمة لقد أمدنا العصر العباسي بشعراء عظام يقف في مقدمتهم أبو تمام والبحتري وابن الرومي والمتنبي، واستطاع هؤلاء أن ينفثوا بأبياتهم عصارة التجربة وواقع البيئة ومسحة التأثر بالثقافات المختلفة، وكان علينا وهم من بين الذين يحتلون الريادة في الشعر ان نقف عند حياة كل واحد منهم فنشبعها دراسة وتمعناً وإنصافاً، ولعل كل واحد منهم ما عدا البحتري قد نال نصيباً أوفى في هذا المجال، مما جعلنا نفكر في إلحاقه برفاقه الثلاثة.. فحياته التي بين أيدينا لا تعدو كونها مجموعة من نتف الأخبار المتفرقة والروايات المتضاربة والتحاليل والدراسات المتشابهة، دون أن تستطيع هذه الأخبار وتلك الروايات والتحاليل، إعطاء الصورة الحقيقية والمثلى لحياته، وقد اخترنا الشعر مجالا لاستنباط هذه الحياة، إيماناً منا بأن ذلك حيز معلم يرشدنا إلى الحقيقة، وينصف شاعرنا من مغبة الهوى والميول، ولذا أطلقنا على بحثنا هذا.. "البحتري.. حياته من شعره". رائي الشخصي في البحث : قد يكون هناك أراء كثيرة في البحث ونظريات عديدة ، ولكن يبقى الأساس هو الهدف الذي نسعى فيه من خلال كتابة هذه البحوث وما مدى قوتها في إدخال الفهم والثقافة والمعرفة والتفكير لدينا . كانت شخصية البحتري شخصية ضخمة من الأدب والشعر في العصر العباسي ولا يسعنا أن نقول إلا أن هذا البحث كشف لنا بعض الأشياء البسيطة للشعراء العظام الذين يحتلون الريادة في الشعر العباسي وفي مقدمتهم البحتري . المراجع: العمدة لابن رشيق جـ2 ص 114. ترجمة البحتري كتاب من شعراء العرب كتب الشعراء الفهرس م الموضوع رقم الصفحة 1 مقدمة (2) 2 تعريفه ( 3 – 4 ) 3 نشأته (5 ) 4 حفظه (6 – 7 ) 5 من اخبار البحتري ( 8 – 9 ) 6 وفاته ( 10 ) 7 الخاتمة (11) 8 رائي الشخصي في البحث ( 12 ) 9 المراجع ( 13 ) 10 الفهرس (14 ) |
الإمام أبو الشعتاء جابر بن زيد الأزدي إن المذهب الإباضي واحد من المذاهب الإسلامية القائمة على الكتاب والسنة، وإن كثيراً من المسلمين يجهلون أصوله وأئمته وعلماءه، وتراثه الضخم وجهاده في سبيل الإسلام في الأرض. ولما كان كثير من الناس يحشرون المذهب الإباضي مع الخوارج إما جهلاً أو تعصباً ناشئاً عن التقليد، رأيت أن أكتب نبذة وجيزة عن إمام المذهب التابعي الشهير جابر بن زيد الأزدي الذي قال: "حويت العلم من سبعين بدرياً،إلا البحر" يعني ابن عباس، وقال فيه ابن عباس: "عجباً لأهل البصرة يسألوني وفيهم أبو الشعثاء، لو سأله أهل الأرض لوسعهم علمه"، وقال فيه كثير من الصحابة والتابعين مثل هذا. نقلا من كتاب " فقه الأمام جابر بن زيد للؤلف يحيى بن محمد بكوش"، ومن هنا فجدير بالمسلم أن يطلع على تأريخ علماء الإسلام ويكشف القناع عن علمهم الوافر وجهادهم الكبير في سبيل هذا الدين، حتى يكون خير خلف لخير سلف. هو أبو الشعثاء جابر بن زيد الأزدي الجوفي البصري من قبيلة اليحمد العمانية، والجوفي نسية إلى درب الجوف بالبصرة،ولم تحدد كتب السيرة تاريخ مولده، ولكن يمكن تحديد بين عامي (18- 22هـ) للهجرة -على صاحبها أفضل الصلاة والسلام- ، أما بالنسبة لوفاته فتختلف المصادر حول تاريخ وفاته، والأصح أو الأرجح كما جاء عن بعض الرواة أنه توفي في نفس الأسبوع الذي توفي فيه أنس بن مالك ، وقد مات هذا الأخير عام 93هـ. وأبو الشعثاء كنيته، وهو اسم بنته وقبرها لا يزال موجوداً ومعروفاً إلى الآن في بلدة فرق من أعمال ولاية نزوى بعمان.أما أخلاقه فكانت أخلاق العلماء الذين يتقيدون ويتبعون سلوك السلف، (وفي روح المعاني )" أنه سئل أيوب السختياني: هل رأيت جابراً. قال: نعم، كان لبيباً، لبيباً، لبيباً" . وقال فيه الشيخ أبو نعيم: "ومن الأولياء المتحلي بعلمه عن الشبة الظلماء، المتسلي بذكره في الوعورة و الوعثاء، جابر بن زيد أبو الشعثاء، كان للعلم عيناً معيناً، وفي العبادة ركناً مكيناً، وكان للحق آيباً ومن الخلق هارباً وهو من قدماء التابعين". ووصفه صالح الدهان فقال: "كان لا يماكس في ثلاث في الكراء إلى مكة، وفي الرقبة يشتريها للعتق، وفي الأضحية. وقال : كان جابر بن زيد لا يم اكس في شيء يتقرب به إلى الله عز وجل" . ومن ورعه ما روى عنه صالح الدهان ومالك بن دينار قالا: خرج جابر بن زيد لواد فأخذ قصبة من حائط فجعل يطرد بها الكلاب فلما أتى بيته، وضعها في المسجد، ثم قال لأهله: احتفظوا بهذه القصبة، وقال " لو كان كل من مر بهذا الحائط أخذ قصبة لم يبق منه شيء" فلما أصبح ردها. وللإمام جابر مواقف في الحق مشهودة، فقد جاء في الدليل والبرهان "روى أن الحجاج كان يكتب وجابر حاضر لديه، فسقط القلم من يد الحجاج، فقال لجابر ناولني القلم،فقال له جابر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((لعن الله الظالمين وأعوانهم وأعوان أعوانهم ولو بمدة قلم )). وفي الجامع الصحيح ((قسم المقاطع )) جاء أن جابر بن زيد سأله الحجاج بن يوسف وقال: يا أبا الشعثاء أخبرني عن أول آيه من سورة البقرة؟، فقال: تلك للمؤمنين، قال: والثانية؟، قال: تلك للكافرين، قال والثالثة؟، قال: فيك وفي أصحابك. وقد اشتهر الإمام بالحرص الشديد على طلب العلم، فكان يكثر من الأسفار في سبيل ذلك، وينتهز مواسم الحج للقاء الصحابة والعلماء،ومن ذلك أنه ذهب إلى عائشة أم المؤمنين، فكان يسألها عن كل شيء يتعلق بحياة النبي -صلى الله عليه وسلم- الخاصة، وقد وجد في مسند الربيع عدة مسائل في ذلك، أما مكانته في الإجماع فهي مكانة مرموقة بحيث لا يمكن الاعتداد بالاجماع في المسائل التي يكون لجابر فيها رأي مخالف، فعن الإمام ابن حزم أنه قال " أف لكل إجماع يخرج عنه علي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وأنس بن مالك، وابن عباس، والصحابة -رضي الله عنهم-، ثم التابعون بالشام، وابن سرين وجابر بن زيد". الإمام أبو الشعتاء جابر بن زيد الأزدي والحركة الإباضية ترجع علاقة جابر بن زيد بالحركة الإباضية إلى وقت مبكر من شبابه، بعد لجوء مرداس بن أدية التميمي وأصحابه للبصرة في أواخر العقد الرابع من القرن الأول، على أن نشاطه معهم كان في نطاق من السرية وبأسلوب لا يلفت النظر إليه، فكان طوال ولاية زياد على البصرة يصلى الجمعة خلفه، وعندما سئل عن ذلك يجيب: "إنها صلاة جماعة وسنة متبعة"، ويذكر المؤرخون واقعتين سأذكر واحدة منها،- من يرد الزيادة يرجع إلى ( فقه الإمام جابر بن زيد ) "عن أبي سفيان محبوب بن الرحيل: إذ يذكر أن شيخاً من القعدة يدعى أبا سفيان قنبر قد أخذه عبيد الله بن زياد وجلده ليدله على أحد من المسلمين (العقدة) فلم يفعل، قال جابر: وكنت قريباً منه، وما كنت انتظر إلا أن يقول: هذا هو، فصمه الله". وكان بين جابر وأبي بلال بن مرداس بن أدية علاقة متينة وودية، وكانت هذه العلاقة تزداد وتتوثق بسرعة، وأخذ مرداس يدرك مدى علم جابر وذكائه، فكان يتردد عليه آناء الليل وأطراف النهار؛ ليغرف من معرفته الواسعة وعلمه الغزير،ويبدو من الروايات أن نجم جابر أخذ يتألق في سماء الحركة الإباضية قبل عام 61هـ ،وهو العام الذي قتل فيه أبو بلال مرداس التميمي (شيخ القعدة في البصرة بعد معركة النهروان)، حتى إن بعض الروايات تجزم على أنه لم يقم بعمله- أي (أبوبلال)- إلا بعد مشورة من جابر وقبول منه. وقد اتفق القعدة على أن يتولى جابر أمرهم وتنظيم دعوتهم منذ المراحل الأولى لتطور الدعوة في البصرة؛ إيماناً منهم بذكائه؛ واعتماداً على اطلاعه الواسع وتحصيله العميق في العلوم الدينية، وخاصة ما يتعلق بالتفسير وعلم الحديث، وعلى الرغم من تبوء الإمام جابر لزعامة القعدة منذ ذلك الوقت المبكر فإنه لم يشترك في الأحداث السياسية التي جرت في تلك الفترة من التاريخ الإسلامي، ولم يبد لعامة سكان البصرة أن جابراً كان إماماً وزعيماً للقعدة، أو حتى إنه كان على علاقة بهم؛ لك لأته أخفى انتماءه السياسي، وساعده أصحابه على ذلك؛ لأنهم كانوا يحبون ستره عن عيون السلطة فيؤدي ذلك إلى تصفيته جسدياً أو معنوياً، فتموت دعوتهم في مهدها. الإمام جابر المفسر يحتل الإمام جابر مكانة مرموقة بين علماء الإسلام العارفين بالقرآن، فقد احتج بأقواله مجموعة من المفسرين، وأشادوا بآرائه في هذا المجال، ومن هؤلاء المفسرين ما أورده السيوطي في الإتقان (ج4ص26) والألوسي في روح المعاني وابن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير، وابن حجر في تهذيب التهذيب، والقرطبي في أحكام القرآن، وابن تيمية. ولم يكن الإمام جابر عالمًا بالتفسير فحسب، بل كان أيضاً من أصحاب القراءات، وبمراجعة كتب التفسير يعلم أن لجابر قراءات متعددة، ويتميز الاتجاه في تفسير الإمام جابر بأنه يجنح إلى المأثور عن ابن عباس -رضي الله عنهما-، كما يتميز بالبعد عن الأساطير والإسرائيليات والميل إلى المدلول اللغوي. الإمام جابر المحدث يعتبر الإمام جابر من أئمة السنة في البصرة،وقد وثقه جميع نقاد الحديث وأجمعوا على ضبطه وعدالته، بل يعتبر من رجال أصح الأسانيد بالرغم مما حام حوله من تهمة الإباضية،(راجع ترجمته في تهذيب التهذيب للحافظ ابن حجر). فقد روى ابن حزم حديثاً عن شعبة عن قتادة عن جابر بن زيد عن ابن عباس فقال: "هذا إسناد لا يوجد أصح منه" ، ويعتبر سند الإمام جابر عند الإباضية في الذروة العليا من مرتبة الإسناد وإن عنعنته مقطوع باتصالها؛ لان الربيع بن حبيب أخذ عن أبي عبيدة، وأبو عبيدة أخذ عن جابر، وجابر أخذ عن ابن عباس، وعن جمع من الصحابة، يقول الإمام جابر : حويت العلم من سبعين بدرياً إلا البحر يعني ( ابن عباس)، وكان جابر يعنى بكتابة العلم عامة، وكان يراسل العلماء؛ لأخذ رأيهم في المسائل المطروحة عليه. وكان جابر يتتبع المظان التي توجد فيها كتب السنة، فقد نقل عنه أنه قال: "انتهيت إلى بني عمرو بن حزم، فطلبت إليهم كتاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع أبيهم عمرو بن حزم إلى أصل اليمن، فأوقفوني عليه" ، وغير بعيد أن يكون قد نسخ هذا الكتاب. ويعتبر جابر بن زيد من جملة أصحاب مدرسة الحديث بالعراق التي تتميز بقلة الرواية والتشكك في رواية الحديث بصفة عامة، ولكنه يتميز عنهم بالخصائص التالية: • يتميز عنهم بعلو السند فهو معدود من بين كبار التابعين وأوائلهم. • أنه كثير التنقل إلى الحجاز ومن هنا استطاع أن يروي أحاديث مكة والمدينة ويتصل بالصحابة الذين لم يعرفوا العراق. • إنه محل ثقة الجميع، سواء بالعراق أو بالحجاز. • أنه كتب الحديث حفظت لنا عددا كبيراً من الصحابة الذين روى عنهم أما مباشرة وأما عن طريق الإرسال، وروي مرسلاً عن خلق كثير من الصحابة ( راجع كتاب فقه الأمام جابر بن زيد والجامع الصحيح للربيع بن حبيب).li> |
حملة العلم الذين رووا عن الإمام جابر روى عن الإمام جابر عدد كبير من رجال السنة من مختلف الأقطار، ولقد تتبعت مظانهم في بطون كتب التراجم والسنة المطهرة فبلغ عددهم نحواً من سبعين، وأذكر منهم على سبيل الاختصار: أيوب بن أبي تميمة كيسان السختياني، الحجاج بن الأسود، حراب بن زياد، الربيع بن حبيب، ضمام بن السائب، عمرو بن دينار المكي، مالك بن دينار، (راجع فقه الإمام جابر). الإمام جابر والقضاء لم يكن جابر قاضياً،ولكنه عرض عليه القضاء كما عرض على الأئمة من قبله ومن بعده، فاحتال التنصل منه،عن عمرو بن دينار قال: قال أبو الشعثاء: "كتب الحكم بن أيوب نفراً للقضاء أنا منهم، ثم قال:" أي جابر فلو ابتليت بشيء منه لركبت راحلتي وهربت في الأرض". الإمام جابر مفتي البصرة وموسم الحج تتحدث المصادر التاريخية عن الإمام جابر أنه كان يستفتى في البصرة وفي موسم الحج وفي مناسبات أخرى، فقد حدث زياد بن جبير قال: سألت جابر بن عبد الله الأنصاري -رضي الله عنه- عن مسألة فقال فيها، ثم قال " كيف تسألوننا وفيكم أبو الشعثاء" ، وقال عمرو بن دينار:" ما رأيت أحداً أعلم من جابر بن زيد". ولما دفن جابر بن زيد قال قتادة: "اليوم دفن علم الأرض" ، وقال يحي بن سعيد القطان، عن سليمان التميمي قال: "كان الحسن يغزو وكان مفتي الناس ههنا جابر بن زيد". ولما انتصب جابر للفتيا لقيه عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- في الطواف فقال له: "يا جابر أنك من فقهاء البصرة، وإنك تستفتي فلا تفتين إلا بقرآن ناطق أو سنة ماضية، فإنك إن فعلت غير ذلك فقد هلكت وأهلكت" . وقال إياس:" أدركت البصرة ومفتيهم رجل من أهل عمان" ،وعن جرير بن حازم قال: سمعت إياس بن معاوية يقول: "أدركت البصرة وما لهم مفت يفتيهم غير جابر بن زيد". وكان الخاصة من الحكام يستفتون الإمام جابر حتى عندما يكون داخل السجن،أما في موسم الحج فإن الكتب الفقهية أفادتنا بأن جابراً كانت إليه الفتيا، وكانت ترد إلى جابر مراسلات من بعض الولاة يسألون فيها عن مسائل تتعلق بالتسيير المالي، أو الإجارات أو الطلاق أو المعاملات. الإمام جابر الفقيه يتميز الفقه في العصر الأموي بأنه كان فقهاً حراً، بمعنى أنه نشأ وتطور بفضل اجتهاد العلماء ومحاولاتهم الخاصة داخل الحلقات التي كانوا يمارسون فيها نشاطهم العلمي في المساجد، ولم يكن للخلفاء دخل فيه فالدولة لم تحتضن الفقه ولم توله رعاية خاصة ولا صبغة معينة،فما إن عرفت الدولة الاستقرار في عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز حتى ظهرت العناية الكبرى بالفقهاء والمحدثين، وفي ظل هذا الوضع نشأ فقه حر، وظهر فقهاء عظام وضعوا أسس الثقافة الفقهية للأجيال التي أتت من بعدهم، منهم في المدينة، ومنهم في الشام، وكان منهم في البصرة: الحسن البصري، وأبو الشعثاء جابر بن زيد، ومسروق وغيرهم. فظهرت من هذا التوزيع وتحت تأثير عوامل أخرى مدرستان هامتان في تاريخ الفقه الإسلامي: • مدرسة الرأي، أو كما تسمى مدرسة العراق. • مدرسة الحديث أو مدرسة الحجاز. ولكن إطلاق هذا التصنيف لا يعني وضع حدود فاصلة بين المدرستين فكثير من فقهاء الحجاز كان لهم نصيب من الرأي، ولعل نشأة جابر بن زيد في العراق جعلت منه فقيهاً منتسباً إلى أهل الرأي، فقد نقل الإمام ابن عبد الله أن جابراً كان ممن يقول بالرأي، وأنه قائس على الأصول ما لم يجد فيه نصاً، ولكن التزامه لعلماء الحجاز وخاصة ابن عباس جعله يجمع بين المدرستين، فقد كان -رضي الله عنه- يلتزم في فتواه الثابت من نصوص الكتاب والسنة، وقد أثبتت كتب السنة أن الإمام أبا الشعثاء خصص عاماً من حياته لمجاورة القبر الشريف -على ساكنه أفضل الصلاة وأزكى والتسليم-، أتصل خلاله بعلماء الحجاز وحملة السنة راوياً ومروياً عنه. وكان أيضاً يلجأ إلى القياس فيما لا حكم له في الكتاب أو السنة، كما يفيد استعراض فتاواه حيث إنه كان يجد شبهة في أمر فإنه يبادر إلى وصفه بالكراهية ليرغب السائل عنه. وتدلنا الأخبار على أنه ترك ديواناً ضخماً تعرض فيه لمسائل الفقه والأحكام، وهذا الديوان لم يصل إلينا، ولعل نوائب الدهر أتت عليه في ظروف لم نطلع بعد عليها. ولكن الشيء المؤكد أن له رسائل متفرقة موجودة اليوم في خزائن الكتب، فمنها ما هو في دار الكتب المصرية، ومنها ما هو في وزارة التراث القومي، ومنها ما هو في المملكة المتحدة (بريطانيا)، وفي المكتبة البارونية في جزيرة جربة، ولعلها جزءاً أو بعض أجزاء هذا الديوان العظيم الذي أشار إليه حاجي خليفة في كتابه (كشف الظنون) بدون أن يذكر عنه أي تفصيلات، لقد كان الإمام جابر شديد الشغف في طلب العلم، وكان ملحاً في السؤال عن أدق أحوال النبي -صلى الله عليه وسلم- للتأسي والاقتداء. وكانت لجابر -رضي الله عنه- نظرة خاصة للإسلام وتعاليمه، وكان يتنزه عن اللجوء في فتاويه إلى الحيل الشرعية ويرى بطلانها،ومن أراد الاستزادة فليرجع إلى كتاب فقه الإمام جابر بن زيد، بل يرجع إلى أمهات الكتب الإباضية، ولا يكتفي بالسماع و قيل وقال. نسأل الله السلامة كما نسأله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة. وفي (الخلاصة) جابر بن زيد الأزدي أبو الشعثاء الجوفي بفتح الجيم البصري الفقيه أحد الأئمة عن إبن عباس فأكثر ومعاوية وابن عمر وعنه قتادة وعمرو بن دينار وأيوب وخلق. قال ابن عباس : هو من العلماء. قال أحمد: مات سنة ثلاث وتسعين وقال إبن سعد سنة ثلاث ومائة وقوله الجوفي نسبة إلى ناحية بعمان فإن أصله من فرق وهي بلدة من أعمال نزوى بالقرب منها وكان من اليحمد من ولد عمرو بن اليحمد. رحل في طلب العلم وسكن البصرة فنسب إليها. وقوله عن إبن عباس الخ يعني أنه روى عن إبن عباس فمن بعده. وإذا تأملت روايات المسند رأيته يروي عن خلق كثير من الصحابة وناهيك أنه قال: أدركت سبعين رجلا من أهل بدر فحويت ما بين أظهرهم إلا البحر يعني إبن عباس . وقال أدركت جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألتهم هلم يمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم على خفيه، فقالوا: لا. وقال في صلاة الخوف: حدثني جملة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. وقال في باب العلم: أدركت أناسا من الصحابة أكثر فتياهم حديث النبي صلى الله عليه وسلم. ودخل هو وأبو بلال على عائشة وسألها عن مسائل بالغ في البحث عنها لإظهار الدين. وإذا كان عدد من لقيهم من أهل بدر مع قلة من شهدها سبعين رجلا، فما ظنك بمن لقيه من غيرهم من الصحابة. |
أبن الرومي مقدمة: الحمد لله العظيم شأنه , القوي سلطانه , الظاهر إحسانه , المنفرد بالوحدانية والجلال , الذي لا يصوره وهم ولا خيال , ولا يخيل في عقل , ولا يتمثل في نفس ولا يتصور في ذهن , والصلاة والسلام على صحبه وسلم. سوف أتناول في بحثي عن البارودي وسوف أعرض من خلاله هذا البحث عن مولده و نشأتة و عملة . ولد علي بن عباس بن جريج بن الرومي في بغداد سنة 835 م , فأبوه من أصل يوناني , وكان مسيحياً واعتنق الإسلام . وأمه واسمها حسنة وهي من أصل فارسي . وقد أفاد ابن الرومي من علم والده في دروسه الأولى . ثم تتلمذ على أكثر من أديب في زمنه ومحيطه , مثل رجل اللغة أبي العباس الملقب بثعلب (815-903م) , والمبرّد (828-890م) , واتصل بمحمد بن حبيب الراوية في اللغة والأنساب . وقد آثر السعة والعمق في الثقافة حتى إذا هو واحد من كبار المثقفين في عصره . وبرز ذلك في شعره . وطلب الحياة زاهية وممتعة , ورفض كلّ زهد فيها أو كفاف . ونهم في طلب اللذة , فما هو يرتوي , أو يقارب ثمالة . ويضعف , ويتزوج وينجب ثلاثة أولاد لا يبرأون في ضعفه , وإذا هم فريسة الأمراض المختلفة . ويهصرهم الموت صغاراً الواحد تلو الآخر , وتلحق بهم أمهم زوجة الشاعر الأولى , ولم يثبت ابن الرومي أمام الأرزاء والنكبات , ويزداد ضعفاً , ويسوء مزاجه , ويحتاج دائماً إلى المال , ويطلبهأصدقائه ومعارفه , ومن أكثر من وزير ونافذ في وسطه . ولا يجد بسراً أو كفاية , ويزداد ضعفاً واضطراباً في أوضاعه وأحواله ، وتوفي سنة 896م , ثقافته : لم يمض ابن الرومي الطفولة والصبا في جهل وفاقه , وكلنه جنى قدراً من المعرفة في بيته الأبوي .... ثم تتلمذ على أكثر من رجل على وأدب وفلسفة . وقال عنه الشاعر أبو العلاء المعري :( وكان يتعاطى الفلسفة ). ويقول عنه المؤرخ العربي المسعودي صاحب مروج الذهب :( إن الشعر كان أقلّ وأدواته ). وتظهر ثقافة ابن الرومي في شعره . وإذا هي من أبرز المصادر لدراسته . وهو يحيط بشتى المذاهب الكلامية المعروفة في عصره , كالاعتزال , والجبرية , والإرجاء وغيرها . وقد اطّلع على ما شاع في زمنه من معارف مترجمة يونانية , وفارسية . وتثبت له معرفة الموسيقى , وأنواع الغناء . وهو ذو دراية بمختلف علوم العربية . وقد برزت سعة إطلاعه ومعارفه في شعره ونثره . وإنه يدل تلقائياً على ثقافته في مواقفه وآرائه , ونظراته , وخواطره ويستوي شعره خير مرجع لمعرفة ثقافته على تنوّعها واتساعها. شخصيته : أحب ابن الرومي الحياة ورغب حتى النهم في العيش . وطلب المعرفة فما هو يعرف حدّاً في الأخذ منها , ويردها في أكثر من منهل , ومصدر , ومجال . وتكثر مواهبه وإمكاناته , فيغنى برهافة الإحساس , وعمق الشعور الذي يتجاوز به حدود مألوف الحس والتفكير . ويندفع مع مشاعره , فتقل عنده الحيلة , وما يستطيع التفاعل المرن مع مجتمعه أو أن يلبس لكل حالة لبوسها . وما هو يجدّ في اكتشاف أسباب فقره أو جدب سعيه , ويميل متعباً متهدّماً إلى التشاؤم والتطيّر ويقلق في أفكاره , ويضطرب في تصوراته . ويعادي مدفوعاً بتقلّب خواطره , وتكاثر حاجاته . ويرضى فيمتدح , ويغضب أو يثور فيهجو . ولا يطمئن في عيشه . ولا يستقر في حال وتعمق نزعته الوجدانية , وما يغيب عن تألق وتفرّد . وتسطع رؤيته وما يقف في حياد , ويشارك في بعض صراعات مجتمعه ومنازعاته , حتى يظن أن فيه شعوبية وما هو يعمق فيها أو ينطرّف ويزداد شعوراً بذاتيته فيهرب كحال الرومانسيين في عصور مقبلة إلى الوحدة وإلى الطبيعة . ويزيده ألم الغربة النفسية انطلاقاً وحدّة في المشاعر , ويفتح قلبه لصرخات المقهورين ,والمعذّبين والأشراف الثائرين ويمتلكه مزاجه الحاد ليضيق بمصطنعي إثارته وإزعاجه , فيندفع في الهجاء والسخرية ليروي نقمته ويشفي غلّته . وتظهر خلال ذلك سمة من الطفولة في اندفاع انفعالاته . وتختلف أطواره , ويتناقض مع الطبيعة , فقد يأنس بها حيناً , وينطلق مهللاً لمفاتنها , وإلاّ فهو يهجس , ويخاف , ويشيع الخوف والمزاج , والأحاسيس , وإذا لم يكن له أن يهنأ أو يطمئن في أوساط بعض حالات الطبيعة , وما هو يصفو مع القدر مع الحب , والجمال عند المرأة , أو في ويستسلم متداعياً متألماً له . ويستمر الشاعر الفنان في مختلف أطواره ومراحل حياته . ويستوي كل ذلك طابع شخصيته . آثاره لقد أنشأ ابن الرومي كثيراً من القصائد والمقطوعات , وهي ظهرت متفرّقة وغير كاملة في عدد من المراجع الأدبية المعروفة , مثل : العقد الفريد لأحمد بن عبد ربه , ( والعمدة في نقد الشعر ومحاسنه ) بن رشيق القيرواني , وزهر الآداب لأبي اسحق الحصري , وغيرها . وقد جمع قسماً من آثار ابن الرومي الشعرية الكاتب المصري المعروف كامل كيلاني . وقدم لهذه المجموعة الأستاذ عباس محمود العقاد , ثم قام الدكتور حسن نصّار بجمع شعر ابن الرومي في ديوان ضخم . ولابن الرومي مجموعة من الرسائل تحكي عن مدى عطائه في النثر الفني . شعره: جاب ابن الرومي آفاق الشعر , فرثى ومدح وهجا وتغزّل , وشكا ووصف وأكثر في الوصف . ونسج الحكم والأمثال , وهو يستوحيها من واقع الحياة والمعاناة . وأرسل الآراء والخواطر . وقارب الفلسفة في أكثر من رأي له أو رؤية , وقد أعطى في المدح وما جلّى , ولعل مواهبه الفنية الأصيلة لم تتح له أن يمهر ويجيد في وصوليّة أو ابتغاء كسب , فيرفع الدعي الوضيع , ويكذب في القبح , ويبارك سارقي المجد , ومدّعي الشرف , ومصطنعي العظمة ولكن الحاجة تدفعه فيمدح , وما هو يبلغ في ذلك ما يصبو إليه على غير صعيد . وأعطى في الرثاء عطاء مخلصاً في فقد أهله , وغير أهله , وهو يسطع خالداً فيه بأكثر من قصيدة . وجال في الهجاء فتميّز بتشخيصه الفني المؤثر للعيوب , ومطاردة النقص والزيف . وأكثر في الشكوى والعتاب , والتطير والتشاؤم . ونسج مبدعاً في شعر الطبيعة . واستوت له الوحدة العضوية في القصيدة العربية . وتباينت آراء الباحثين والنقّاد في شعره . ابن الرومي في الوصف لاابن الرومي مع الوصف لقاء عطاء متنوع , وإبداع , فهو فر مرابعه تجلّى , وفي هياكله تعبّد . وينطلق هذا الشاعر في الوصف مع الوجود وهو يراه رؤيته , ويصفه , ويصوره , لينصهر الموضوع مع الذات . وتتعدد معطياته الوصفيّة فهي تشمل المرأة , والطبيعة , وما في المجتمع من مظاهر جاذبة أو متغيرة , وما في النفس الإنسانية من خفايا وأسرار , وعيوب , وما تقدمه الحياة من متع أو مفاتن , أو توحي به من مخاوف وأخطار ونوائب . ويعشق ابن الرومي , وإذا هو في عالم المرأة مع قلبه وجسده , وريشته , فهو يعجب فيحب , ويفتن , ويرغب ويستلهم , ويرسم , أو يصف , ويغلب على غزله الطابع الوصفي . ويعطي في ذلك قصائد طويلة , أو سيمفونيات قصيرة متميزة . نص وصفي من شعر ابن الرومي وحيد المغنيّة يا خليلـي تيـّمتني وحيـدُ ففؤادي بها معنّى عمـيدُ غادة زانها من الغصــن قدُّ ومن الظبي مقلتان وجـيدُ وزهاها من فرعها ومن الخـدّ ين ذاك السواد والتـوريدُ أوقد الحسن ناره في وحيــد فوق خدِّ ما شانه تخــديدُ فهي برد بخـدّها وســـلام وهي للعاشقين جهد جهـيدُ لم تضر قط بخــدّها وهوماء وتذيب القلوب , وهي حديدُ ما لما تصطليه من وجنتــيها غير ترشاف ريقها تبـريدُ الطبيعة عند ابن الرومي تحكي الرياض كما الأرض حكاياتها البهيّة الزاهية عند ابن الرومي . الذي يقلق في مجتمعه , ويشكو وسطه فيشارف اليأس , ولا يجد سوى الطبيعة يلجأ إليها , ويلوذ بها , وهو يصفها وينطلق مع روائعها , وتتباين لوحاته الفنية فيها , وهو يصحبها في مختلف فصولها وحالاتها ومشاهدها . الرياض الشاكرة ورياض تخـايل الأرض فيها خيـلاء الفـــتاة في الأبراد ذات وشي تنـاسـجته سـوار لبــقات بحـوكـه وغـواد شكرت نعمة الولي على الوسـ مي , ثم العـهاد بعد العــهاد فهي تثـني على السمـاء ثنـاء طيّب النشر شائعاً في البــلاد من نسـيم كأن مسـراه في الأر واح مسرى الأرواح في الأجساد حملت شكـرها الريــاح فأذّت مـا تـؤديه السـن العـــوّاد منـظر معجـب تحــية أنـف ريحـــها ريـح طيب الأولاد تتداعـى فيها حمــائم شــتى كالبواكي , وكالقيان الشـوادي من مثان ممتّــعات , قــران وفـراد مفجّــعات وحــاد تتــغنّى القران منهنّ في الأيـ ـكِ وتبكي الفراد شجو الفراد ابن الرومي في الرثاء شكل السرور بكاؤكما يشفي وإن كان لا يجدي فجودا فقد أودى نظيركما عندي ألا قاتل الله المنــايا ورميــها من القوم حبّـات القلوب على عمد توخّى حمام الموت أوسط صبيتي , فـلـلّه كيف اختار واسـطة العقد على حين شمت الخير من لمحاته وآنست في أفعاله آيــة الرشــد ابن الرومي في الهجاء يتخذ ابن الرومي الهجاء أحد ضروب الشعر البارزة , فيتسع مداه وتتعدّد مواضيعه وتتنوع منطلقاته ومعطياته وأبعاده وصيغه الفنيّة . صاحب الوجه الطويل وجهك يا عمرو فيه طول وفي وجوه الكلاب طولُ مقابح الكلب فيك طــرّاً يزول عنها , ولا تـزول وفيه أشياء صـــالحات حمـــاكها الله والرسول فالكلب واف , وفيك غـدر ففيــك عن قدره سـفول وقد يحــامي عن المواشي وما تحامى ولا تصــول وأنت من أهـل بيت سـوءِ قصــّتهم قصّة تطــول |
تابع لابن الرومي خصائص ابن الرومي العامة ما سعى ابن الرومي إلى الشعر منذ أن كتب له الوجود وما إن استوت له الكلمة حتى تفتحت عنده أكمام العطاء الأدبي وسالت ينابيع نبوغه الشعري. وأحب الحياة والناس , وما صفا له مجتمعه أو اطمأن هو إليه أو أستقر راغداً فيه . وإذا ما زاد في شكواه من الناس , فهو يجد الأنس في الطبيعة , ورحب نطاقه الخلق والانطلاق . وغزرت معطياته الشعرية , وتنوعت وتباينت . وتباين النقد في شعره . وأياً كان هذا التباين فإن ابن الرومي هو ولا شك واحد من كبار الشعراء العرب . وتتمثل في شعره أو أدبه الخصائص العامة التالية : - الريادة الرومنتكية وانطلاقا ته. : أحب ابن الرومي الطبيعة لأكثر من سبب وحال , وميل في نفسه وما هو يقلد أو يحاكي فيها وينقل مشاعر الآخرين ولكنّه يألفها وتألفه , فيرتوي من مباهجها وطيوبها , وتشاركه في آلامه , وتأملاته وأحلامه - الواقعية : لم يكن شاعرنا أبو الحسن ابن الرومي كما يشاع أو تزعم كتب صفراء أو مسرفة في التقليد والتكرار , وفقر الدراسة منصرفاً كل الانصراف عن مجتمعه , أو هو يحيا أو يغرّد خارج سربه , أو أنّه في زعم آخر مجرد رجل هواجس , وأنانية طاغية , ونهم جشع آسر , أو أن الحياة هي عنده كما يقول الكاتب الناقد مارون عبود " أكل وشهوة " ولكنه عانى من ظروف وشؤون مجتمعه , وأعطى في مشكلاته , وأثبت عمقاً في معاناته الشعبية مختلفاً بذلك عن غير قليل من معاصريه من شعراء القصور والمهللين لمحامدها وهو يتنوع في معطياته الواقعية والمعانية فيتألم ويأسى لمنظر عامل حمال يتلاشى منهوكاً تحت حمله , ويتفاعل تفاعلاً واقعياً فنياً مؤثراً مع قالي الزلابية ...... - الغنى الوجداني : يغني ابن الرومي في وجدانيته فيصفو ويعذب مع الزهر والطير , والنسيم والثمر . وينطلق رائعاً مع شمس الأصيل حتى كأن جراح الشمس جراحه واصفرار أشعتها بعض من كآبته ومأساته ... - الحسيّة الشفّافة : ما نأى ابن الرومي عن بغداد مدينته الأثيرة , أو التصرف عن معطياتها الحضارية الزاهية , أو مباهجها المادية الماتعة فقد استهوته هذه المدينة العباسية في أكثر من مجال . وما تغلبت عليه الحسيّة أو تكثف شديد حجابها , بل ظلت له شفافيتها لينسرح وجدانه في عطاء مطلق وإشعاع , كما هو حاله في قصيدته " وحيد المغنيّة " , و " الرياض الشاكرة " . - العالمية : رهفت أحاسيس ابن الرومي , ورحب عميقاً وجدانه وانطلق مجنحاً خياله , فإذا هو يتجاوز دائرة الذاتية المحدودة , والإقليمية الوطنية أو القومية الثابتة ليجوب بعطائه الشعري المدار الإنساني , ويسطع في مدى العالمية . وتعظم عاطفته , ويصدق إيمانه بالقيم , وهو ينتصر للحق , ويرفض الظلم والجور , ويرفق بالضعفاء , ويشارك المعذبين في معاناتهم , وأمثلة شعره في هذا المجال الإنساني والعالمي تتكرّر وتتنوع كرثائه لولده الأوسط . - الإحباط : لقد اضطرب ابن الرومي في عيشه فما هو يطمئن أو يرضى وتزلزل وضعه الاجتماعي والنفسي ليعاني من الإحباط . وتتسع دائرة هذا الضعف والانهيار , ويظهر ذلك في عطاءه الشعري حيث يتخبط في أوهامه وهواجسه . -التشاؤم والتطيّر : تجمح الهواجس بابن الرومي فيتجاوز سلامة الرؤية , ونفاذ الوعي , أو الفكر الثاقب , والاختيار الحر الواثق والمسؤول , أو المنطق السليم , وطبيعة الأشياء وإذا هو ينظر إلى الأمور بمنظار كالح ومضطرب. _ التحليل والتفصيل : يميل ابن الرومي في شعره إلى التحليل والتفصيل , وهو يرق في هذا المجال أحياناً , ودون أن يصل إلى ما يقارب النثر الموزون . - التصوير الفني : يصفو ابن الرومي فتنطلق ملكة التصوير عنده , وإذا هو نافذ الرؤية, مرهف الإحساس وثّاب المشاعر يستجلي المشاهد والمناظر ويتفاعل صادقاً كفنان مطبوع مع مرئياته , وسمعياته وتجلياته . - سحر اللفظ وشجو النغم : أسلست العربية قيادها لابن الرومي لينهل من معينها ما يشاء , وماهي تتمرد عليه ما جاءها معانياً صافياً وانطلق وجدانه في البوح والعطاء , وإنها لتصطفيه , وترحب له ويسكبها في لحظات وجده عزفاً شجياً , ويطلقها لمحاً وألواناً بهيّة ساحرة ليكون شاعر الكلمة واللون والنغم , بل شاعر العبارة الوالهة الشجية , والصورة الخريفية القاطرة أسى وحنيناً موجعاً لا ينضب. - التحسين البياني : لا يطلب هذا الشاعر الفنان التحسين البياني لذاته , ولكنه يطلقه في خواطره ومشاهداته , وهو يصدق في إطلاقه أو عطائه , ويظهر في شعره ما اتفق على تسميته بالمحسنات اللفظية أو البيانية وهي تأتيه دونما كدّ في طلبها . - الخلق الفني : ينطلق الخيال عند ابن الرومي فيتعدّى نطاق الكشف إلى الخلق , فالنسيم في وصفه للرياض يتحرّك , أو هو يسري بشكر الأرض , وتتناغم معه الريح فتحمل هذا الشكر كرسالة السماء , لترحب دائرة التشخيص أو الخلق الفني. - الانطلاق في التشخيص أو الأنسنة : تتجلّى أصالة ابن الرومي في مجال التشخيص أو الأنسنة حتى يكاد يتفرّد في هذا المنحنى , وهذا ما لفت انتباه الدكتور طه حسين إليه فهو يشخص بعفوية بارزة ما تمسّه ريشته القادرة المبدعة ليبعث الحياة الإنسانية في المعاني أو العيوب النفسية أو الخلقية ويؤكد بذلك نزعته التمثيلية الأصيلة . - الغزارة والعفوية : عظمت شاعرية ابن الرومي بالفطرة أو الملكة البارزة فالشعر يغزر عنده , فهو في طبعه وطبيعته يتنفسه أو يتكلمه . -النثرية والنثر الفني : كان لثقافة ابن الرومي المميزة أن تعطي أثرها في شاعريته , فيستهويه أحياناً التحليل والتعليل وتظهر لمحات نثرية في أعماله الشعرية . ويجنح معها عن الديباجة العربية الأصيلة ولعل ذلك كان سبباً في إضعاف مكانته في عصره , وعند ممدوحيه . - الوحدة الفنية : تقدمت القصيدة العربية عند ابن الرومي فبرزت وحدتها العضوية الفنية فما هي مجرد مجموعة أبيات أو قطع أو أجزاء يمكن تقديمها وتأخيرها , في تسلسلها , أو محكم عقدها , إنما هي في أي حال عطاء محكم التنسيق والتكامل لها طابعها الواحد في الخلق والبناء والموضوع . - البروز الثقافي في المنحى العقائدي : يكثر ابن الرومي التأمل في الحب , والمجتمع أو الناس . ويساعده في ذلك ثقافته المتميّزة وإحساسه المرهف , وتجاربه ومعاناته . وتتنوع في مدى تأمله آراؤه ونظراته , ويتنوع صيد شباكه فربما اهتدى إلى حكم نافذة وسائرة . كما مر معكم فقد كان موضوع بحثي عن الشاعر العباسي ابن الرومي ..وعرضت من خلال بحثني نبذة مختصرة عن حياته وبعض من آثاره الشعرية وخصائصه العامة في الشعر . الحمد لله الذي أعانني على كتابة هذا البحث وإنهائه ...متمنية أن يحوز على إعجابكم .. والله الموفق ,,, - كتاب أعلام ورواد في الأدب العربي / الجزء الأول للدكتور كاظم حطيط . المقدمة .................................................. ..2 حياته .................................................. ...3 ثقاف.............................................. ........4 شخصيته .................................................. .4 آثاره .................................................. ....5 شعره .................................................. ...5 ابن الرومي في الوصف .............................................6 الطبيعة عند ابن الرومي ...........................................6 ابن الرومي في الرثاء ..............................................7 ابن الرومي في الهجاء .............................................7 خصائص ابن الرومي العامة .........................................8 الخاتمة........................................... .........11 المراجع .................................................. .12 |
أحمد بن ماجد الملاح الشهير مقدمة : الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين ، سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم … أما بعد … يسعدني أن أتقدم بهذا البحث المتواضع بعنوان ( لؤلؤة البحار) ؛ لكي أقدم نبذة مختصرة عن حياة ( أحمد بن ماجد ) ، هذا الملاح الشهير الذي انتشر اسمه في المشرق والمغرب . وفي الحقيقة إن الكتابة عن حياة هذا الملاح لا تسعها الكتب والمجلدات ، ولكن أردت أن أقدم مقتطفات سريعة عن جوانب حياة هذا الملاح الشهير ، والذي تميزت حياته بحب البحر منذ الصغر ، والميل إلى المغامرات ، وصراع أمواج البحر القوية ، بالإضافة إلى المبتكرات والمخترعات التي قدمها وخاصة ما يتعلق بعلم البحر، بالإضافة إلى المؤلفات الكثيرة والأراجيز الشعرية المشهورة التي خلفها ، و أصبحت مرجعاً أساسياً لمن أراد أن يكتب عن البحر. و سأقسم البحث إلى ثلاثة أقسام رئيسة ، وكل قسم ينقسم إلى عناوين فرعية أخرى ، وستكون هذه الأقسام كالتالي : • القسم الأول : بعنوان ( ابن ماجد وحياته ) أتناول فيه تاريخ مولد ابن ماجد ومكان ولادته ، و المكانة التي اشتهر بها ، ثم بعض المغالطات التي أثيرت حوله ، ومحاولة تبرئته مما نسب إليه من إرشاد الملاح البرتغالي فاسكو دي جاما إلى ميناء كلكتا بالهند ، مما ساعد البرتغاليين في أطماعهم بالسيطرة على الشرق ، والدور العظيم الذي قام به صاحب السمو الشيخ سلطان بن محمد القاسمي - عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة - في كتابه ( بيان للمؤرخين الأماجد في براءة ابن ماجد ) الذي أثبت فيه بالبحث الأدلة براءة الملاح العربي من هذه التهمة . • القسم الثاني : فسيكون بعنوان ( جهود ابن ماجد وآثاره الأدبية ) ، وفي هذا البحث سأوضح أهم المؤلفات التي ألفها أحمد بن ماجد سواء كانت كتباً أو أراجيز شعرية . • القسم الثالث : فسيكون بعنوان ( جهود ابن ماجد و آثاره العلمية ) ، أوضح فيه الأفضال التي خلفها ابن ماجد عن الملاحة ، ثم سأقوم بعرض بعض الاختراعات التي اخترعها مثل : البوصلة وآلة الكمال ؛ كدليل على هذه الاختراعات وأخيراً سأوضح النصوص التي قالها أحمد بن ماجد عن الرياح الموسمية . أدعو الله - تعالى - أن يوفقني في بحثي هذا ، وأشكر كل الجهود المخلصة التي تسعى إلى توضيح الحقائق ، وإلى الافتخار بالرجال الأبرار الذين رفعوا شأن بلادهم ، وقدَّموا للأجيال علماً نافعاً .. وعلى الله فليتوكل المؤمنون .. القسم الأول : ابن ماجد وحياته : • أحمد بن ماجد ومولده : ابن ماجد هو شهاب الدين أحمد بن ماجد بن محمد بن عمرو بن فضل بن دويك بن يوسف بن حسن بن الحسين بن أبي معلق السعدي بن أبي الركائب النجدي ، بحار وعالم من علماء البحر والفلك والمسلمين، عاش في النصف الثاني من القرن التاسع الهجري ، و أوائل القرن العاشر ، وقد أغفلت معظم المصادر العربية ذكر هذا الملاح العربي وتاريخ حياته ، غير أنه تحدث عن نفسه في مؤلفاته ومنها نعلم أن أصله يرجع إلى نجد في وسط شبه الجزيرة العربية (1) . ومن ألقابه : ( ريس ) ، و ( معلم ) و ( ربان ) ، بل إن معاصريه يشيرون إليه بـ ( أسد البحار ) و ( ليث الليوث ) و ( ابن ربان البرين ) أي بر العرب و بر العجم . أما عن مولده فمن المحتمل أنه ولد عام 840 هـ في جلفار من الخليج العربي وهي مدينة رأس الخيمة حالياً بدولة الإمارات العربية المتحدة … من أسرة اشتهر أفرادها بريادة البحر وحب الأسفار والملاحة ، فتعلق قلبه منذ الصغر بالبحر (2). • مكانة ابن ماجد : كان ابن ماجد يلوح في أفق المشرق العربي … قبس يضيء مجاهل البحار والمحيطات بما كان يتوفر لديه من خبرة ودراية شخصية حلقت في سماء المعرفة و برزت في ميدان الاختراع والابتكار والتأليف . وها نحن نحلق مع شخصية أعطت المثل على أنها قدوة في السلوك والخلق الرفيع ، إنه أحمد بن ماجد العالم الذي اطلع على عدد من المؤلفات وخاض تجربة طويلة في الملاحة البحرية قبل أن يقدم لنا حصيلته العلمية في أكثر من خمسة وثلاثين أرجوزة كلها طريفة ومفيدة . لقد ظل اسم أحمد بن ماجد على ألسنة البحارة في خليج عمان والبحر الأحمر والمحيط الهندي قروناً عديدة بعد وفاته ، حتى أن السير ريتشارد بورتون ( Sir Richard Burton ) يذكر في كتاب الخطوات الأولى في شرق أفريقيا ( First Foots tepsin Africa ) أنه لما أبحر من عدن عام 1854م تلا البحارة سورة الفاتحة قبل الإقلاع ترحماً على روح الشيخ أحمد بن ماجد (3) . • حياتــه : اشتهر ابن ماجد بريادة البحر وحب الأسفار والملاحة ، فتعلق بالبحر منذ الصغر ، واكتسب مهارات أجداده ، واستطاع بفضل تجاربه العديدة و سعة علومه البحرية ، التوصل إلى اكتشاف أساليب جديدة في فنون الملاحة مستخدماً علم الفلك بشكل واسع ، بالإضافة إلى البوصلة المائية التي استخدمها لتحديد الاتجاهات والمسارات البحرية ، وقضى معظم حياته أستاذاً ومرشداً ملاحياً في غرب المحيط الهندي والبحر الأحمر ، وقد كان ذلك سبباً في ذيوع شهرته وتردد اسمه كعلم من أعلام البحر في ذلك الزمان ، ووصلت أخباره إلى شواطئ أوروبا حيث كان الأسبان والبرتغال يحاولون استكشاف طرق جديدة للوصول إلى الشرق والهند بصفة خاصة عن طريق الالتفاف حول رأس الرجاء الصالح الذي كان يسمى بـ ( رأس العواصف ) آنذاك . وقد كان ذلك بمثابة فترة حاسمة في التاريخ البحري حيث أدى تصادم النفوذ البحري العربي بالنفوذ الأوروبي إلى بداية عهد جديد … عهد التفوق الأوروبي من ناحية ، وتدهور النشاط البحري العربي من ناحية أخرى . لا يوجد تاريخ ثابت لوفاة أحمد بن ماجد ، إلا أنه من المتصور قد عاش أكثر من ستين سنة بعد أن كتب آخر مؤلفاته ، وقد شكا في إحدى قصائده الأخيرة العواقب الوخيمة للوجود البرتغالي في المنطقة مما يدل على أنه كان يدرك الخطر الذي ستجره تلك السيطرة على مكانة العرب البحرية (4) . • ابن ماجد يصف نفسه : وحين يتحدث ابن ماجد عن نفسه ، و يتكلم عن ( المعالمة ) المشهورين في البحر يقول : " غير أن خبرتهم مع ذلك محدودة فهم لم يركبوا البحر إلا من سيراف إلى بر مكران ، وساروا يسألون عن كل بر أهله ويؤرخون ، وكان في زمانهم من المعالمة المشهورين عبد العزيز بن أحمد المغربي وموسى القندراني وميمون بن خليل ، فكان في زمانهم من النواخذة المشهورة أحمد بن محمد بن عبدالرحمن بن أبي الفضل بن أبي المصري .. فيأخذون من كل أحد بره وبحره ويؤرخونه فهم مؤلفون لا مجربون " . وهو يزن نفسه بحق فيقول : " ونهاية المتقدم في الزمن بداية المتأخرين ( بعده ) وقد عظمنا علمهم وتأليفهم وأجللنا قدرهم بقولنا : أنا رابع ثلاثة ، وربما في العلم الذي اخترعناه في البحر ورقة واحدة تقيم ( تسوي ) في البلاغة والصحة والفايدة والهداية وعلى الطريق والدلالة ( في مسارب البحر ) بأكثر مما صنفوه " (5) . • مغالطات حول أحمد بن ماجد : - قصة إرشاد ابن ماجد لفاسكو دي جاما : للأسف الشديد فإن كثيراً من المراجع تناولت حياة ابن ماجد بشكل فيه مغالطات واضحة نسوق منها على سبيل المثال لا الحصر : × تشير المصادر العربية إلى أن أحمد بن ماجد تصادف وجوده في ماليندي أثناء زيارة فاسكو دي جاما، وأن الملاح البرتغالي حينما التقى به أعجب بغزارة علمه وشجاعته ، وطلب إليه أن يقوده في أول رحلة تتم عبر المحيط بين أوروبا والهند ، وكانت الدوافع العلمية هي الحافز الأساسي لقبول أحمد بن ماجد المهمة التي فتحت آفاقاً جديدة في تاريخ العالم البحري ، والتي جعلت منه شخصية تاريخية أسطورية . وقد قامت شهرة أحمد بن ماجد في الغرب باعتباره المرشد الذي قدم مساعداته للبرتغاليين إلى الموانئ التجارية في جنوب الهند وأهمها ميناء ( كاليكوت ) واكتسب هذا الحادث أهمية خاصة في نظر المعلقين الشرقيين والغربيين على حد سواء باعتبار أن الوصول إلى الطرق بين شرق أفريقيا والهند بالالتفاف حول رأس الرجاء الصالح يمثل مفتاح السيطرة التجارية في هذه المياه . وقد ذكر بعض المؤرخين خاصة ممن اعتمدوا على المصادر البرتغالية ، أن المرشد الذي قاد فاسكو دي جاما لم يكن عربياً وإنما كان هندياً مسلماً ، وذلك بالنظر كما يقولون إلى الفصول المواتية للإبحار بين شرق أفريقيا والبحر الأحمر من ناحية و جنوب الهند من ناحية أخرى ، غير أن هذا الرأي لا يصمد للحقائق لأننا نعرف أن أحمد بن ماجد كان يلم إلماماً تاماً بالطريق البحري المباشر بين المليبار والساحل الصومالي ، ويترتب على ذلك ضمنياً أن الملاحين والمرشدين العرب كانوا قادرين بالفعل على الإبحار فيه (6) . × وتتفق المصادر التاريخية على أن فاسكو دي جاما بعد أن عبر رأس الرجاء الصالح ألقى مراسيه في ماليندي على الشاطئ الشرقي لأفريقيا ، وهناك بحث عن دليل ليرشده إلى الهند لعدم معرفته بنظام هبوب الرياح الموسمية في شرق أفريقيا والمحيط الهندي ، وقد أدى ذلك إلى تحطم بعض سفنه . وقد عرَّف الكتَّاب البرتغاليون في القرن العاشر الهجري / السادس عشر الميلادي ابن ماجد باسم (ماليموكانا ) وهو التحريف للقبه العربي الذي يعني ( المعلم الفلكي ) . وقد عرض فاسكو دي جاما على ابن ماجد آلاته البحرية المستخدمة عند البرتغاليين ، ولكن ابن ماجد لم يدهش لها ، بل عرض عليه الآلات البحرية التي طورها العرب ، ومنها آلات مثلثية مربعية الشكل لقياس ارتفاع الشمس ، وخصوصاً النجم القطبي ، كما أراه خرائط تفصيلية للمحيط الهندي وشرق أفر يقيا والجزيرة العربية قائمة على خطوط طول وعرض متوازية ، وهو شيء لم يعرفه الأوروبيون آنذاك ، كل هذا أدهش فاسكو دي جاما وازداد إعجابه بمرشده الملاحي فقرر الرحيل معه فوراً . أما الأثر الذي تركته هذه الحادثة والنتائج التي ترتبت على هذا الإرشاد فهو ما لم يكن في حسبان ابن ماجد ، حيث اتهمه المؤرخون المسلمون بعدة اتهامات بعد أن ظهرت نوايا البرتغال الحقيقية في الشرق ، والمصائب التي وقعت على المسلمين بسببهم (7) . |
تابع × يقول المؤرخ المسلم قطب الدين النهروالي في كتابه ( البرق اليماني ) : فلا زالوا يتوصلون إلى معرفة هذا البحر إلى أن دلهم شخص ماهر يقال له أحمد بن ماجد ، صاحبه كبير الفرنج ، وكان يقال له ( الأملندي ) وعاشره في السكر فعلمه في الطريق في حال سكره ، وقال لهم لا تقربوا الساحل من ذلك المكان ، وتوغلوا في البحر ثم عودوا فلا تنالكم الأمواج ، فلما فعلوا ذلك صار يسلم من السكر كثيراً من مراكبهم ، فكثروا في بحر الهند (8) . × غير أن ما قاله النهروالي عن شخصية ابن ماجد يجب أن يؤخذ بكثير من الحذر ، فيبدو أن ابن ماجد كان رجلاً متديناً وخاصة وأنه رجل عاصر المخاطر والمهالك في البحر ، فلا بد أن قلبه كان دائماً مع الله عز وجل ، ونلمس في كتاباته روح التدين العميق مثل قوله : " وينبغي للمعلم - يقصد ربان السفينة أو قائدها - أن يكون عادلاً تقياً لا يظلم أحداً مقيماً على طاعة الله ، متقياً الله حق اتقائه تعالى" . يضاف إلى ذلك أنه من المستبعد أن يصدق فاسكو دي جاما رجلاً عاقره في الخمر ، وهو مقدم على شيء مجهول بالنسبة له يخاف مخاطره ، بل الأصوب أن يأخذ بكلام رجل عالم ذكي يثق بنفسه وقد وثق به فاسكو دي جاما . والأرجح أن يكون ابن ماجد قد رضي أن يرشد أسطول فاسكو دي جاما إلى الهند بعد أن كلفه بذلك ملك مالندي واعتبر ابن ماجد ذلك تكريماً له ، كما أن التفكك السياسي الذي أصاب المسلمين في ذلك الوقت ساعد البرتغاليين كثيراً في تنفيذ أهدافهم ، ولا يمكن أن نلقي اللوم على شخص واحد هو ابن ماجد . وكيفما كان الأمر فقد بقي فاسكو دي جاما ثلاثة أشهر في كاليكوت تبادل المحادثات والهدايا مع حاكم الثغر ، وأظهر له النوايا الحسنة والرغبة في التجارة فقط (9) . وعلى كل فإن قصة ابن ماجد و فاسكو دي جاما تعرضت إلى النقد ودراسات كثيرة أثبت بعضها أن ابن ماجد لم يكن البحار الذي دلَّ فاسكو دي جاما الطريق إلى الهند . × في معجم ( المنجد في اللغة والأعلام ) : ابن ماجد ( أحمد ) ( ت بعد 1498م ) : بحار ورائد عربي يقال أنه رافق فاسكو دي غاما إلى الهند (10) . × في موسوعة المعرفة : كان البرتغاليون يسمونه ( المالندي ) أو ( الميرانتي ) ومعناها : أمير البحر ، وفي سفينة فاسكو ديجاما جانب من قصة هذا البحار العالمي العربي ، الذي استعان به فاسكو ديجاما ، في رحلته الشهيرة حول رأس الرجاء الصالح إلى الهند . وفي مخطوطات معهد الدراسات الشرقية ( بليننجراد ) ، مخطوطة عربية كتبها ابن ماجد بالشعر في ثلاث فصول ، وصف فيها طرق الملاحة المختلفة عبر البحر الأحمر والمحيط الهندي ، في نهاية القرن الخامس عشر الميلادي وبداية القرن السادس عشر ، وتعد هذه المخطوطة بمثابة مرشد الملاح في تلك البحار ، والحق أنه لولا ابن ماجد ما استطاع البرتغاليون عبور المحيط الهندي لعظم أمواجه وشدة رياحه خصوصاً في موسم هبوب الرياح الجنوبية الغربية الممطرة . وتستمر الموسوعة في شرح قصة الالتفاف حول رأس الرجاء الصالح ، ذاكرة أن ساحل أفريقيا الغربي كان مجهولاً لدى الأوروبيين ، فقد أحاطت به الهواجس والأوهام ، وكان الأوروبيون يعتقدون أن السفن التي تصل إلى هناك لا تعود … وفي عام 1486م أرسل البرتغال بعثة إلى الهند ، عن طريق مصر ، وفي طريق العودة توقف قائد البعثة وهو البحار ( كوفيلهام ) في جزيرة سقوط جنوبي شبه جزيرة العرب ، وهناك التقى بالبحار العربي ابن ماجد ، وسمع عن جزيرة القمر ، وهي جزيرة مدغشقر - اليوم - وعندما وصل إلى القاهرة سارع بإرسال خطاب إلى ملك البرتغال ، يحثه على إرسال بعثة للطواف من حول إفريقيا والوصول إلى جزيرة القمر ، وعرض معاونة ابن ماجد ، وفي عام 1498م أتم فاسكو ديجاما تلك الرحلة بنجاح بمعاونة ابن ماجد كما قدمنا (11) . × وللأسف الشديد نجد كتاب اللغة العربية للصف الثاني الإعدادي يكرر الفكرة السابقة فيقول : ومما أكسبه شهرة دولية واسعة ، إرشاده للملاح البرتغالي فاسكو دي غاما من ميناء ( مالندي ) في كينيا ، واجتيازه البحر دون أن يلقى عقبة أو مشقة ، حتى وصل إلى ( كاليكوت ) في الهند ، بفضل إرشاد الربان العربي ، ولقد كان ابن ماجد مخلصاً في صحبته للرحالة البرتغالي ، ولكن هذا الرحالة وقومه البرتغاليين استغلوا الكشوف الجغرافية لأغراضهم الاستعمارية في منطقة الخليج العربي ، وقد أسف ابن ماجد لذلك وسجل هذا الشعور في كتبه (12) . × ويتكرر أيضا في كتاب التاريخ للصف الأول الثانوي : وفي مدينة ماليندي زوده حاكمها ببحار عربي ماهر هو : أحمد بن ماجد ليدله على الطريق إلى الهند ، حيث أوصله ( قاليقوت ) على الساحل الغربي للهند ، المسمى بساحل (الملبار ) وهناك عقد مع حاكمها اتفاقات تجارية … (13) . × في موسوعة عباقرة الإسلام : وروى فاسكو دي غاما مرافقة ابن ماجد له في إحدى سفراته ، وكان يسميه ( كانا كان ) (14) . × في كتاب جائزة راشد بن حميد للثقافة والعلوم : والأرجح أن يكون ابن ماجد قد رضي أن يرشد أسطول فاسكو دي جاما إلى الهند ، بعد أن كلفه بذلك ملك ماليندي ، واعتبر ذلك تكريماً له (15) . - براءة أحمد بن ماجد : & يستحق صاحب السمو الشيخ سلطان بن محمد القاسمي - حاكم الشارقة - الشكر والتقدير ؛ لتصحيحه العديد من التشويهات المغرضة لتاريخ العرب ، وتثبيته لكثير من العلوم والأمجاد العربية التي حاول الأعداء والكارهون تزييفها ، أو نسبتها لغير أصحابها من علماء العرب الذين كانوا سباقين إلى صنع الحضارة والمجد . & وكان كتابه ( بيان للمؤرخين الأماجد في براءة ابن ماجد ) خير دليل على ذلك ، حيث وثق الحقائق ، وأنهى مشكلة علمية، وتاريخية ، مفحماً المشككين والمقتنعين بما يقوله المستشرقون من دون الأخذ بما يقوله أقرانهم العرب، حيث ما زال يتشبث بعض أساتذة التاريخ إلى الآن بما جاء جهلاً وخطأ في كتاب (قطب الدين أحمد محمد النهروالي) - الهندي العربي الأصل - ( البرق اليماني في الفتح العثماني ) الذي صدر في نحو عام 1575م أي بعد مرور ثلاثة وثمانين عاماً على رحلة فاسكو دي غاما إلى الهند . & يقول سموه تحت عنوان : المرشد الغجراتي : إن جميع المؤرخين البرتغاليين في القرن السادس عشر ، قد أجمعوا أن فاسكو داغاما قد استفاد من مساعدة مرشد غجراتي عندما أبحر من شرق أفريقيا إلى الهند عام 1498م وهي المرحلة الأخيرة من رحلة المشهورة من البرتغال إلى الهند والتي دلت القوى الأوروبية للدخول مباشرة إلى المحيط الهندي والخليج العربي (16) . & واستدل سموه بشهادة مؤرخين من الغرب أمثال : كاستا نهيدا ، وباروس ، وفاريا إي سوزا ، وداميادي غويس. & وأورد سموه الفقرة الخاصة بالمرشد المسيحي كما جاءت في مخطوطة ليوميات الرحلة الأولى بفاسكو داغاما : في يوم الأحد التالي والذي صادف 22أبريل صعد أمين سر الملك من السفينة ظافرة إلى ظهر السفينة ، ولأنه لم يكن أحد قد اقترب من سفينتنا خلال اليومين السابقين فقد قام القائد باعتقاله ، وأرسل إلى الملك طالباً منه إرسال المرشدين الذين وعد بإرسالهم إليه ، وفور تسلم الملك للرسالة أرسل له مرشدأ مسيحياً ، فأطلق القائد بعد إذ سراح الرجل النبيل الذي كان قد احتجزه في سفينته ، ولقد سررنا كثيراً بالمرشد المسيحي الذي أرسله الملك لنا (17). & كان عمر ابن ماجد 75عاما عند وصول فاسكو دي جاما إلى المنطقة ، ثم انقطعت أخباره بعد بلوغه عامه الحادي والثمانين ، عام 906هـ - 1500م أي أنه انتقل إلى رحمة ربه في الوقت الذي هاجم البرتغاليون ميناء عدن وغيره من الجزر . & لم يزر ابن ماجد ملندة ، ولم يدخلها بمركب في حياته ولا علاقة له البتة بملكها الزنجي أو العربي فكيف يجتمع بها بفاسكو داغاما ؟ ومن أين يتلقى الأخبار عنهم إذا لم يتصل بهم أبداً . & لم تشر أي من المصادر البرتغالية المعاصرة لرحلات فاسكو دي غاما عن مرافقة أي عربي أو مسلم له في رحلاته فكل ما جاء في المصادر البرتغالية يشير إلى اسم ( كاتا ) كما ذكر المؤرخ البرتغالي (كاستا تهيدا ) المطبوع عام 1552م وكذلك المؤرخ ( كويش ) المطبوع عام 1566م في كتابه عن الملك البرتغالي مانويل فتردد الاسم نفسه في كتاب ( باروش ) المطبوع عام 1777م الذي جاء في الصفحة 38 من الكتاب قوله : لقد أقبل معهم أحدهم (Maure) من كاجارات يحمل اسم ( كانا ) فانضم إلى صحبتنا يلتمس المتعة والسلوان بقدر ما كان يتسول لإرضاء حاكم ماليندي الذي كان يبحث عن ربان يرشد البرتغاليين ، وهو الذي أبحر مع ديجاما في العام 1498م . & وحملة تبرئة ابن ماجد توالت في الفترة الأخيرة في أكثر من مناسبة علمية مثل : & ندوة ابن ماجد في معرض اكسبو لشبونة عام 1998م بمشاركة عدد من العلماء والمؤرخين البرتغاليين وبحضور الشيخ حامد بن زايد آل نهيان . & وفي ندوة تاريخ العلوم عند العرب في اللاذقية برعاية الرئيس الراحل حافظ الأسد وحضور عدد من العلماء والمؤرخين العرب والأجانب وبمشاركة الدكتورة صالحة سنقر وزيرة التعليم العالي سابقاً . & وكذلك في مؤتمر عُمان في التاريخ والذي أقيم تحت رعاية السلطان قابوس وحضور جمع من العلماء والسيد فيصل وزير التراث القومي . |
تابع لأحمد بن ماجد القسم الثاني : جهوده وآثاره الأدبية : • مؤلفات أحمد بن ماجد : أما مؤلفات أحمد بن ماجد … كما رتبها الدكتور أنور عبد العليم (18) كالتالي : 1-أرجوزة بر العرب في خليج فارس ( 100 بيت ) . 2-أرجوزة في قسمة الجمة على أنجم بنات نعش ( 221 بيتاً ، ألفت سنة 900 هـ ) . 3-أرجوزة في النتخات لبر العرب ( 255 بيتاً ) . 4-أرجوزة مخمسة ( في شؤون البحر ، 17 بيتاً ) . 5-الأرجوزة المعربة ( 178 بيتاً ) عربت الخليج البربري وصححت قياسه ، ألفت سنة 890هـ . 6-البليغة في قياس السهيل والمرامح ( 64 بيتاً ) . 7-التائية ( 55 بيتاً ، من جدة إلى عدن ) . 8-تصنيف قبلة الإسلام في جميع الدنيا ، و تسمى تحفة القضا ( 295 بيتاً ألفت سنة 893 هـ ) . 9-حاوية الاختصار في أصول علم البحار ( 1082 بيتاً ) ألفت سنة 866 هـ . 10-الذهبية ( 193 بيتاً ) في المرق والمغزر . 11-السبعية ( 307 بيتاً ) في سبعة علوم من علوم البحر . 12-ضريبة الضرائب ( 192 بيتاً ) في القياسات الفلكية . 13-عدة الأشهر الرومية ( 13 بيتاً ) . 14-الفائقة ( 57 بيتاً ) في قياس الضفدع وقيد سهيل . 15-القافية ( 33 بيتاً ) في قياس النجوم المشهورة . 16-القصيدة المكية ( 171 بيتاً - السفر من جدة لسواحل المحيط الهندي ) . 17-كنز المعالمة في علم المجهولات في البحر ( 71 بيتاً ) . 18-كتاب الفوائد في أصول علم البحر والفوائد ( في العلوم البحرية ) . 19-كتاب المول ( سواحل المحيط الهندي ) . 20-المعلقية ( أرجوزة من 273 بيتاً ، تصف المجاري وقياساتها من بر الهند إلى بر سيلان وناج باري و بر السيام و ملقة و جاوة ، وما كان في طريقهم من الجزر والشعبان . 21-السفالية ( أرجوزة من 807 بيتاً تصف المجاري و القياسات في مليبار و كنكن و جوراته و السند و الأطواح إلى السيف الطويل و السواحل و النريج و أرض السفال و القمر ، و ما إلى ذلك . 22-ميمنة الإبدال ( 57 بيتاً ) في الواقع وذوبان العيوق . 23-الهادية ( 155 بيتاً ) في قياس النجوم والنتخات والأسفار ) . 24-نادرة الإبدال ( 57 بيتاً في الواقع وذوبان العيوق ) . 25-الفصول ( وعددها 9 ، متعددة المواضع ) . هذا غير مؤلفات مفقودة وردت الإشارة إليها في كتاب الفوائد . • كتابات ابن ماجد : - كتاب أرجوزة الفوائد في أصول علم البحر والقواعد : تعتبر أرجوزة الفوائد في أصول علم البحر والقواعد أهم وثيقة وصلتنا في الجغرافية الملاحية من العصور الوسطى على الإطلاق (19) وهو من أبرز مؤلفات أحمد بن ماجد النثرية ألفها عام 14 ، ويضمن البحث عن أصول الملاحة وحجر المغناطيس ومنازل القمر والنجوم التي تقابل أقسام الإبرة المغناطيسية الاثنين والثلاثين (20) حيث يقول " ومن اختراعاتنا ( علوم البحر ) تركيب المغناطيس على الحلقة ، وهي بيت الإبرة أو البوصلة بنفسه ولنا فيه كلمة كبيرة لم تكتب في كتاب (21) . وعرض بعض الثغور الموجودة في المحيط الهندي والبحر الصيني ومراحل ساحل الهند الغربية والجزر العشر الكبرى المشهورة وهي ( جزيرة العرب ، جزيرة القمر ، وزنجبار ، وجزيرة البحرين … إلخ ) وبعد أن يتعرض لذكر الرياح الموسمية في المحيط الهندي يصف البحر الأحمر بالتفصيل ؛ مراسيه و أعماقه ومخوره الظاهرة والخفية . وهذا الكتاب الدرة كما ينعته فيران ، ألفه أحمد بن ماجد في ثمان سنوات قبل وصول فاسكو دي جاما إلى المنطقة ، أي عندما بلغ سن الستين عام . وتجدر الإشارة إلى أن ابن ماجد أخذ يشعر وهو يؤلف كتاب الفوائد بأن الشمس على أطراف النخيل، أي أنه بصدد الوداع : " نخاف أن يدركنا الموت ونوادر الحكم في القلوب " على حد تعبيره ، يضاف إلى هذا الشعور باكتمال مهمته وإيمانه بأنه قد بذل جهده فيما يعرف ، وأن على الذين يأتون من بعده أن يقوموا بدورهم في البحث على نحو ما قاله مؤلفون أكفاء من قبله ، أمثال الحموي وابن خلدون ، قال ابن ماجد : " وهذا حساب خفي قد وقعته ولم أدر من يبحث فيه " (22) . - ومن كتاب الفوائد أيضاً : " ينبغي إنك إن ركبت البحر أن تلزم الطهارة فإنك في السفينة ضيف من ضيوف الباري عز وجل فلا تغفل عن ذكره " ، هذا من ناحية الاستقراء ومحاولة تحليل شخصية الرجل مما خطه قلمه ، أما من الناحية العقلية الصرفة فإن ابن ماجد بحار متمرس لديه فيض من الخبرة بمسالك المحيط الهندي والساحل الأفريقي ، والبرتغاليون غزاة من النصارى أي من الفرنج في نظر أهل ذلك الزمان ، وهو يدرك حق الإدراك أن هداية البرتغاليين إلى طريق الهند ستعود بالضرر الأكيد على أهل ملته ، فهل من المعقول أن يعمد رجل في منزلة ابن ماجد وعلو شأنه إلى الغفلة عن هذا الباب ؟ (23). - بعض من نـثـر ابن ماجد : يقول أحمد بن ماجد في كتاب الفوائد : " إن لركوب البحر أسباباً (1) كثيرة فأهمها وأولها معرفة المنازل والأخنان (2) والدير (3) والمسافات والباشيات (4) والقياس والإشارات (5) وحلول الشمس والقمر والرياح ومواسمها ، وكذلك مواسم البحر (6) والآلات السفينية وما يحتاج إليها وما ينفعها وما يضطر إليها في ركوبها ، وينبغي أن تعرف ( أيها الربان ) المطالع (7) و الإستوائيات (8) وجلسة القياس في كل طريقة (9) و( على الربان ) أن يكمل جمع الآلة في السفينة ، وتتفقد الحمولة في أحضان ( تجويف ) السفينة ورجالها ، ولا يشحنها غير العادة (10) ولا يطلع في مركب لا يطاع فيه ، ولا مركب بغير اعتداد، ولا في موسم ضيق (11) " (24) . ملاحظة : كل ما بين القوسين هو من مؤلف الكتاب والشارح عمران أبو حجلة . 1. وسائل ميسرة للإبحار . 2. الأخنان : الاتجاهات . 3. الدير : الأراضي شطآن البلاد . 4. الباشيات : القياسات الرأسية عند البحارة . 5. الإشارات : خاص بما يتلقاه صاحب السكان من الربان . 6. مواسم البحر : أوقات العواصف . 7. المطالع : مسارب النجاة و أمكنة و أوقات طلوع الأفلاك . 8. الإستوائيات : الاعتدالات الفلكية . 9. طريقة رفعه من البحر . 10. يشحنها غير العادة : أكثر مما تستطيع حمله ، ومن الصنف التي خصصت لنقله . 11. في موسم ضيق : في وقت محصور قبل هبوب العاصفة المحتوم . القسم الثالث : جهوده وآثاره العلمية : إن لابن ماجد جهوداً وآثاراً علمية كثيرة كان لها الفضل الكبير فيما بعد والاسترشاد بها في التأليف والاختراع ، فقد كان من اختراعاته البوصلة وآلة الكمال وغيرها من الاختراعات البحرية التي استخدمها العرب في البحر ، وكان له فضل كبير في الملاحة البحرية . |
• أفضال ابن ماجد على الملاحة البحرية : يعتبر ابن ماجد أول من طور البوصلة الملاحية بالمفهوم الحديث ، وكانت في أيامه تسمى ( الحقة ) وكلمة البوصلة كلمة إيطالية تعني الصندوق أو الحق وهي ترجمة حرفية ، فكلمة الحقة العربية ، وكتاب الفوائد في أصول علم البحر والقواعد أقدم الوثائق الجديدة التي وصلتنا عن الملاحة في البحار الجنوبية بلغة من اللغات ، كما أنه يلقي كثيراً من الضوء على ما بلغه العرب من تقدم في فنون البحر والملاحة حتى القرن الخامس عشر للميلاد وعلى مدى تأثر أصحاب الموسوعة البحرية التركية التي تسمى ( المحيط ) والتي ألفت في القرن السادس عشر بكتاب ابن ماجد الذي يحتوي على كثير من المصطلحات العلمية والفنية التي تعتبر في حد ذاتها ثروة كبرى للغة العربية ، كما أن هذا الكتاب مثال لما يمكن أن تحتوي عليه المرشدات الملاحية العالمية ، ويستخلص منه أعمال ابن ماجد الأخرى ما يفيد بأن العرب هم الذين وضعوا أساس دستور البحر والتقاليد الملاحية بمفهومها الحديث ، لذلك ليس غريباً أن يقول أحد القواد الأتراك الذين أرسلهم السلطان العثماني لصد الغزو البرتغالي للبحار الجنوبية ولديار الإسلام : إن ابن ماجد أفضل ربابنة الساحل الهندي الغربي في القرنين الخامس والسادس عشر مقدرة ونزاهة ، تغمده الله برحمته ، وليس غريباً أيضاً أن تظل شهرة ابن ماجد كبحار عظيم شائعة طوال العصر الحديث ، إذ يقرر البحارة الإنجليزي ريتشارد بيرتون في كتابه السبيل إلى أفريقيا واكتشاف هرر - طبعة لندن - سنة 1828م أنه في أوائل القرن الماضي كان ملاحو جزر المالديف يستعينون بمرشد ملاحي يسمونه ( كتاب ماجد ) ويقول فران أن وصف ابن ماجد للبحر الأحمر بغض النظر عن بعض خطوط العرض التي تستوجب التصحيح ، لا تعادله أية إرشادات أوروبية خاصة بالسفن الشراعية ؛ فأبوه كان رباناً يلقب بربان البحر ، وقد دون هذا الربان تجاربه في مصنف ضخم هي الأرجوزة الحجازية التي تضم أكثر من ألف بيت ، كما كان جده أيضاً ملاحاً مشهوراً ولم يؤثر عنه أية مؤلفات ، وأما حفيده أحمد بن ماجد فقد عثر له الباحثون على ما يزيد على خمسة وعشرين مؤلفاً ، غير مؤلفات أخرى مفقودة وردت الإشارة إليها في كتاب الفوائد (25) . • البوصلة : أصل اللفظة إيطالية وتعني الصندوق ، ثم شاع استعمالها لإبرة المغناطيس التي تتجه صوب الشمال دائماً ، وإن كانت في الأصل للوعاء الذي توضع فيه تلك الإبرة . وإذا رجعنا إلى تاريخ صنع أول (صندوق ) للإبرة في إيطاليا والتي اتخذته منها الملاحة الأوروبية كافة ، وتاريخ استعمال ( الحق ) وهو ذلك الصندوق في العربية وجدنا ابن ماجد يسبق بنصف قرن على الأقل . • آلة الكمال أو ( خشبات ابن ماجد ) : وهي في الأصل خشبة واحدة طورها ابن ماجد فيما بعد إلى أربع خشبات وجميعها على شكل متوازي مستطيلات، وسطحها ثقب يمر فيه خيط مدرج بعقد مختلفة المسافات حسب ظل تمام الزاوية أو ظل تمام زاوية الارتفاع . أما أصل هذه الآلة فهو الاستفادة من حساب المثلث في معرفة ظل تمام الزاوية (26) . • ما قاله ابن ماجد عن الرياح : إن ارتياد مراكب العرب والمسلمين بحر الهند وبحر الصين وبحر الزنج وخضوع هذه المناطق لتأثير الرياح الموسمية يعني بطبيعة الحال أن الربابنة العرب قد عرفوا تلك الرياح ، أما استفادتهم منها في الموسم فتعني أنهم عرفوها ودرسوا اتجاهاتها … من أين تهب وإلى أين تسير ، ولهذا يقول ابن ماجد : " وللرياح مواقيت معلومة و حدود في أولها وفي آخرها ووسطها " . قــد راح عــمـــري في الـمـطـلــعـــات .... وكـــثـــرة التــســاؤل في الـــجــهــات وكــــم رأيـــت في خطــــوط الشــــول .... ونــظمــهــم و النــثــــر و الـفصــــول وكــــم نـظـرت في الحـســاب الـعـربـــي .... وحـــســبـة للهـــند مــذ كنــت حبـــي ومما سبق ننفذ إلى القول : " إن الزعم بأن أحمد بن ماجد شخصياً هو الذي دلَّ البرتغاليين إلى طريق الهند أمر مشكوك فيه ، لكن كتبه وخبرته هي الأصل الذي استفادوا منه في ذلك " (27) . الخاتمة وهكذا فإن أحمد بن ماجد بما يحمله معه من تاريخ حافل يجب أن يلقى الضوء على حياته وآثاره ، وخير مَن يقوم بهذا الواجب هم أبناء جلدته من أبناء المنطقة الذين يظلون مدينين لابن ماجد فيما كتب عن ديارهم ، وعن سواحلهم ، وعن بحورهم وعلومهم ، وعبقريتهم ، بما فيهم المتواجدون على شاطئ الخليج العربي أو خليج عمان أو المحيط الهندي ، وسائر أفريقيا الشرقية ، وعن أولئك الذين تظل جغرافيتهم بتراء وشوهاء ، إن لم تعتمد على إفادات ابن ماجد . وهذه دعوة إلى الذين يعيشون على نفس الأرض التي نشأ فيها و يستظلون بنفس السماء التي كان يستظل بها ابن ماجد ، و الذين نبهت أجدادهم صيحات ابن ماجد وإنذاراته للخطر المحدق بهم من الطامعين في خيراتهم . لذلك فإنني أطالب إخواني من أبناء هذا الخليج العربي أن ينتهجوا نهج هذا الرجل العظيم ، وأن يبحثوا في مؤلفاته وكتبه ، وأن ينشروا اسمه في جميع مؤلفاتهم وبحوثهم فيما يختص بعلم البحر وعليهم أن يعرِّفوا بقدر ابن ماجد فيرفعوا عنه ما لحقه من ظلم واتهامات ، ويفتخروا به حيث كان شمعة مضيئة أضاءت دروب البحار في حين كان الغرب يخشى البحر ولا يدرك من أسراره إلا القليل مما أدركه هذا البحار العربي الفذ ، و علينا أن نستحضره وهو يخاطب مواطنه بالأمس : فإن تجهـلوا قـدري فـإنـمــا ...... سيأتي رجال بعدكم يعرفوا قدري وختاماً أتمنى أن يكون بحثي هذا مقدمة لبحوث أخرى من قبل أبناء الوطن …… وما توفيقي إلا بالله المراجع 1. -أحمد حمود المعمري - عمان وشرق أفريقيا - وزارة التراث - مسقط - 1980م . 2. -د. رجب محمد عبد الحليم - العمانيون والملاحة والتجارة - مكتبة العلوم - مسقط - 1979م . 3. -د. سلطان بن محمد القاسمي - بيان للمؤرخين الأماجد في براءة ابن ماجد . 4. -سيد نوفل - الأوضاع السياسية لإمارات الخليج العربي وجنوب الجزيرة - دار المعرفة - القاهرة . 5. -د. عبد الهادي التازي - ابن ماجد والبرتغال - سلطنة عمان - وزارة التراث القومي والثقافة - 1986م . 6. -نوال حمزة الصيرفي - النفوذ البرتغالي في الخليج العربي - الرياض - مطبوعات دار الملك عبد العزيز - 1983م . الفهرس مقدمة القسم الأول : ابن ماجد وحياته : أحمد بن ماجد ومولده : مكانة ابن ماجد : حياتــه : ابن ماجد يصف نفسه : مغالطات حول أحمد بن ماجد : القسم الثاني : جهوده وآثاره الأدبية : مؤلفات أحمد بن ماجد : كتابات ابن ماجد : القسم الثالث : جهوده وآثاره العلمية : أفضال ابن ماجد على الملاحة البحرية : البوصلة : آلة الكمال أو ( خشبات ابن ماجد ) : ما قاله ابن ماجد عن الرياح : الخاتمة المراجع والمصادر |
عباس بن فرناس إن يركب الغرب متن الريح مبتدعا <<<ما قصرت عن مداه حيلة الناس فإن للشرق فضل السبق نعرفه <<<للجوهـري وعباس بن فرناس قد مهَّدا سبلاً للناس تسلكهـا <<<إلى السماء بفضل العلم والباس قامت بداية الحضارة الأولى محاكاة للطبيعة، من حيوان ونبات وغيرهما؛ لذلك حاول الإنسان القديم تقليد الحيوان في جملة من أنماط حياته، والطيران من هذه الأنماط التي حاكى بها الإنسان الطير. ثم تاقت نفسه إلى ارتياد عالم الجو، وهي مجهولة عنده، فنهضت محاولات بدائية لتحقيق فكرة الطيران، كما وضح من كشف حضاري جديد، قام به العالم الطبيب هافير كابريردارك، الذي درس حضارة الإنسان القديم في بيرو، ورأى أن إنسان النياندرتال، قد أفلح في تدجين الحيوان الطائر المعروف بـ 'الرتيلاء' حيث استخدمه في الطيران، وافترض أن تكون هناك في أراضي بيرو شوارع منظمة تشبه المطارات اليوم.. وهذه فرضية علمية لو صحَّت لغيرت معالم تاريخ الحضارة البشرية؛ إذ إن تاريخ نشوء هذه الحضارة يعود إلى 150 - 200 ألف سنة من عمر الزمن. ثم عرفت حضارات أخرى عالم الطيران، وذلك في دنيا الخيال والأسطورة كما هو الشأن في الأسطورة اليونانية، التي تقول إن رجلاً يدعى: 'ددالوس' وولده 'أكاروس' حاولا الطيران، واستعمل كل منهما جناحين من أجنحة الطيور، وثبتاها في جسميهما بالشمع، وطار 'ددالوس' بأمان إلى أن صهر الشمع، فسقط في البحر ومات غرقاً. وبقى غزو الفضاء عند الإنسان ضربًا من الخرافة، وعاش في عالم الأحلام والأساطير، حتى عرفت الحضارة الإسلامية عالم الفضاء وفق أسس علمية مدروسة، منزهة عن ترهات الخرافة والأوهام. فكانت مباحث أولاد موسى، وثابت بن منصور والخوارزمي والبتاني، ويحيى بن منصور بداية لتطور علم الفضاء عند المسلمين، ثم شد من أزر هذه الطائفة من علماء المسلمين، جهد علماء الفلك المسلمين، بدراساتهم العميقة في 'علم الفلك' ، وفي أفياء الحضارة الإسلامية، نهض علماء أفذاذ إلى إجراء التجارب في عالم الطيران. وهذه البدايات كانت المحاولات الرائدة في ارتياد عالم الفضاء. ومن هؤلاء الرواد الأوائل الذين تدين لجهودهم العلمية حضارة اليوم بالفضل، عالم مسلم فذ، عالج فنونًا من شتى أبواب المعرفة، واشتغل في صناعات مختلفة، حتى عرف بـ 'حكيم الأندلس' والحكمة تطلق عند المسلمين على الاشتغال بصنعة الكيمياء والطب. فمن هو حكيم الأندلس؟ هو أبو القاسم، عباس بن فرناس بن فرداس، من أهل قرطبة، وابن فرناس، رجل متعدد المواهب العلمية، فهو: فيلسوف، وكيميائي، وفيزيائي، وفلكي، ذاع نجمه في الأندلس، وفي قرطبة ، وعايش ثلاثة من خلفاء بني أمية، وهم: الحكم بن هشام، وولده عبد الرحمن بن الحكم، وحفيده محمد بن عبد الرحمن. وقد ضنت مظان الفكر الإسلامي على إيضاح معالم حياة هذا العبقري الفذ، فتخارست عن تبيان نشأته ومعرفة حياته. الرائد الأول للطيران من الواضح أن ابن فرناس لم يقم بتجربته الرائعة بوحي من الخيال، إنما قام بها على أساس من البحث والدرس في ميادين العلم، وبخاصة في الفلك والفيزياء. وكان كثيراً ما يقوم بشرح نظريته في الطيران لرواد منتديات الخلافة في قرطبة.. نتيجة لدراساته في الرياضيات والفلك.. لذلك قام بتجربته الخطرة، أمام جمٍّع غفير من أهالي قرطبة، وفيها ما فيها من إيماءات علمية نادرة، فضلاً عن كونها مغامرة بارعة 'فاحتال في تطيير جثمانه، وكسا نفسه الريش على الحرير، فتهيأ له أن استطار في الجو ، فحلق فيه حتى وقع على مسافة بعيدة'. وهذا النص يكفي لتفسير أبعاد هذه التجربة العلمية الفذة، حيث إن ابن فرناس بناها عل دراسة فائقة في الفيزياء والفلك. وفي العصر الحديث، نتذكر أمر الطائرات الشراعية، واتخاذ مظلات الهبوط من الحرير. ومحاولة ابن فرناس هذه بداية الطريق لولوج عالم الفضاء، وربما كان أثر الحسد الذي ناله من بعض معاصريه قد منعه من إعادة تجربته على أساس جديد من العلم، حيث إنه لم يحسن الاحتيال في هبوطه، فتأذى في مؤخره، وقد تناقل المؤرخون مقولة إنه: لم يدر أن الطائر إنما يقع على زمكه (ذيله) ولم يعمل له ذنبًا.. وذكروا قول مؤمن بن سعيد أحد شعراء عصره.. وهو الذي يسخر فيه منه: بطم على العنقاء في طيرانها********** إذا ما كسا جثمانه ريش قشعم وهذه المقولة من نسيج خيال المؤرخين؛ لأن الرجل الذي يتخذ من الحرير والريش جناحين له كان يعلم السر في خفة هذين النوعين.. ولا يمكن أن يخفى عليه صنع الذيل.. كما أنه كان يشرح للخليفة كيفية طيران الطير ، ولبراعة ابن فرناس في علم الفلك، تمكن من صنع هيئة السماء في بيته، وخيَّل للناظر فيها النجوم والرعود والبروق والغيوم. وتبع ابن فرناس، عالمان عربيان آخران، الأول أبو العباس الجوهري، العالم اللغوي صاحب معجم (تاج اللغة وصحاح العربية/ الصحاح) المُتَوَفَّى سنة 393هـ فقد قام الجوهري بتجربته الفريدة هذه في نيسابور؛ حيث صنع جناحين من خشب وربطهما بحبل، وصعد سطح مسجد بلده، وحاول الطيران، أمام حشد من أبناء مصره، إلا أن النجاح لم يحالفه فسقط شهيد العلم. والعالم الثاني، لا تذكر مظان التاريخ اسمه، عاش هذا العالم في مدينة القسطنطينية، فدرس التجارب التي قام بها من سبقه من الرواد فتوصل إلى أن أجنحة الريش لا تصلح لطيران الإنسان، ورأى أن يصنع أجنحة من القماش فقام بتجربة أمام الناس، وكان من بينهم الإمبراطور البيزنطي كوفينوس ونخبة من حاشيته فحاول الطيران من رأس برج عال، إلا أن أمله تحطم بعد أن أسلم نفسه للريح، حيث إن جناحي الخشب لم يقويا على حمله، وكان ذلك في حدود سنة 1100م. فهؤلاء الثلاثة، هم رواد الفضاء، ولهم يعود الفضل الكبير في تقدم علوم الفضاء، التي أخذت تتطور طيلة ثمانية قرون، حتى تمكن الأخوان أورفيل ويلبار من الطيران بواسطة الطيران الآلي. |
البرت اينشتين والنظرية النسبية من هو البرت اينشتين ولماذا ذاع صيته في ارجاء الارض؟ أذا لم تعرف الاجابة تابع ما ينشر على هذا الموقع بعنوان البرت اينشتين والنظرية النسبية..... البرت اينشتين والنظرية النسبية من هو البرت اينشتين ولماذا ذاع صيته في ارجاء الارض؟ أذا لم تعرف الاجابة تابع ما ينشر على هذا الموقع بعنوان البرت اينشتين والنظرية النسبية..... البرت اينشتين عالم فيزيائي قضى حياته في محاولة لفهم قوانين الكون. كان اينشتين يسأل الكثير من الأسئلة المتعلقة بالكون ويقوم بعمل التجارب داخل عقله. فقد عاش اينشتين عبقريا باجماع كافة علماء عصره وبلغ اسمى درجات المجد العلمية بخلاف العديد من العلماء الذين ماتوا دون ان يحظوا بمتعة النجاح والتألق فمثلاً العالم ماندل الذي وضع قوانين الوراثة لم يعرف احد أنه هو الذي وضع هذه القوانين إلا بعد وفاته بخمسين عام، كذلك العالم والطبيب العربي ابن النفيس الذي اكتشف الدورة الدموية في جسم الانسان لايزال مجهولا حتى الآن وغيره من الأمثلة.. كانت عبقرية اينشتين من نوع مختلف فلم يكن احد يفهم شيء عن نظريته النسبية أو تطبيقاتها ولكن الجميع اقر بمنطقها. فقد جاءت النظرية النسبية الخاصة لتحير العلماء وتغير مفاهيم الفيزياء المعروفة. ويروي أن آينشتين كان يقف في أحد شوارع هوليود مع شارلي تشابلن فتجمع حولهما المارة، فقال آينشتين لتشابلن ((لقد تجمع الناس لينظروا إلى عبقري يفهمونه تمام الفهم وهو أنت، وعبقري لا يفهمون من أمره شيئاً وهو أنا)).. العديد من العلماء بلغوا مراتب علمية عالية نتيجة لمجهودهم الفكري أو الفني فمثلاً اديسون وبيكاسو وأبن سينا والمتنبي اجمع الناس على تفوقهم وعبقريتهم لأنهم لمسوا ورأوا قيمة ما يقدمون من اكتشافات واختراعات. وهذا لم يحدث مع آينشتين حيث كانت عبقريته من نوع مختلف فما هو الذي قدمه آينشتين؟ وعن ماذا كانت عبقريته؟ وما قيمة ما قدمه؟ وعن أي شيء تتحدث. كل ما هو معروف أنه وضع النظرية النسبية. فإذا ماحاول المرء قراءة النظرية النسبية إلا وجد نفسه غارقاً في بحر من الألغاز لدرجة انه شاع القول بأن هناك عشرة في العالم يفهمون النظرية النسبية وهنا يجب أن اؤوكد أن هذا غير صحيح وسوف نقوم من خلال هذه المقالة تقديم شرح مبسط للنظرية النسبية الخاصة ونتائجها لتكون في مستوى القارئ العادي.. -------------------------------------------------------------------------------- حياة آينشتين ولد آلبرت أينشتين في 14 مارس 1879 في ألمانيا في مدينة صغيرة تسمى أولم وبعد عام انتقلت اسرته إلى ميونخ. كان والده هرمان صاحب مصنع كهروكيميائي. وكانت والدته بولين كوخ من عشاق الموسيقى وكان له اخت تصغره بعام. تأخر آينشتين عن النطق وكان يحب الصمت والتفكير والتأمل ولم يهوى اللعب كأقرانه. لم يكن يعجبه نظام المدرسة وطريقة التعليم فيها التي تحصر الطالب في نطاق ضيق ولا تدع له مجالاً للأبداع واظهار امكانياته. اهدى له والده بوصلة صغيرة في عيد ميلاده العاشر وكان لها الاثر البالغ في نفسه وبابرتها المغناطيسية التي تشير دائما إلى الشمال والجنوب واستخلص هذا الطفل بعد تأمل عميق أن الفضاء ليس خالياً ولا بد وأن فيه ما يحرك الاجسام ويجعلها تدور في نسق معين. تعلق آينشتين في شبابه بعلم الطبيعة والرياضيات وبرع فيهما في البيت وليس في المدرسة ووجد متعة في علم الهندسة وحل مسائلها. تعلم الموسيقى وهو في السادسة من عمره وكان يعزف على الة الكمان. كانت اكبر مشكلة له اضطراره لدراسة اللغات والعلوم الانسانية التي لا تطلق للفكر العنان وانما حفظها للحصول على الشهادة وكان كثيرا ما يحرج اساتذة الرياضيات لتفوقه عليهم وطرده احد الاساتذة من المدرسة قائلاً له ((أن وجودك في المدرسة يهدم احترام التلاميذ لي)) سافر بعدها ليلتحق بوالديه في ميلانو بعد ان تركوه لمشاكل مادية في ميونخ والتحق هناك في معهد بولوتيكنيك ولكنه رسب في جميع امتحانات الالتحاق فيما عدا الرياضيات فارشده مدير المعهد ليدرس دبلوم في احدى مدن سويسرا ليتمكن بعد عام من الالتحاق في البوليتكنيك. في عام 1901 بلغ اينشتين من العمر 21 عاماً وبعد عناء طويل للحصول على عمل يعيش منه حصل على وظيفة في مكتب تسجيل براءات الاختراع في برن. قرأ الكثير عن اعمال العلماء والفلاسفة ولم تعجبه كتاباتهم حيث وصفها بالسطحية والبعد عن العمق الفكري الذي يبحث عنه. في العام 1905 وضع آينشتين خلال عمله في مكتب تسجيل الأختراعات العديد من النظريات التي جعلت من العام 1905 عاماً ثورياً في تاريخ العالم. واسترعت نتائج نظرياته اهتمام علماء الفيزياء في كافة جامعات سويسرا مما طالبوا بتغير وظيفته من كاتب إلى استاذ في الجامعة وفي عام 1909 عين رئيسا للفيزياء النظرية في جامعة زوريخ ثم انتقل إلى جامعة براغ الألمانية في 1910 ليشغل نفس المنصب ولكنه اضطر لمغادرتها في العام 1912 بسبب رفض زوجته مغادرة زوريخ..... من أعمال أينشتين نذكر..... في عام 1905 نشر اينشتين اربعة ابحاث علمية الأولى في تفسير الظاهرة الكهروضوئية والبحث الثاني للحركة الابروانية للجزيئلت والثالثة لطبيعة المكان والزمان والرابعة لديناميكا حركة الأجسام الفردية. كان البحثين الأخيرين الاساس للنظرية النسبية الخاصة والتي نتج عنها معادلة الطاقة E=mc2 وبتحويل كتلة متناهية في الصغر امكن الحصول على طاقة هائلة (الطاقة النووية).. في العام 1921 حصل أينشتين على جائزة نوبل لأكشتافه قانون الظاهرة الكهروضوئية التي حيرت هذه الظاهرة علماء عصره. وضع اينشتين الاسس العلمية للعديد من المجالات الحديثة في الفيزياء هي: النظرية النسيبة الخاصة النظرية النسبية العامة ميكانيكا الكم نظرية المجال الموحد وحتى يومنا هذا يقف العلماء عاجزين عن تخيل كيف توصل اينشتين لهذا النظريات ولا سيما وأن التجارب التي تجرى حتى الأن تؤكد صحة نظريات اينشتين وينشر ما يقارب 1000 بحث سنوياً حول النظرية النسبية.. قبل الحديث عن النظرية النسبية الخاصة وتطبيقاتها سوف نلقي بعض الضوء على حياة اينشتين... تابع حياة اينشتين... قال عنه زميله في برلين العالم الفيزيائي لندتبورغ ((كان يوجد في برلين نوعان من الفيزيائيين: النوع الأول آينشتين، والنوع الآخر سائر الفيزيائيين)). مع اندلاع الحرب العالمية ظل آينشتين يتابع اعماله العلمية في برلين وركز نشاطه على التوسع في نظرية الجاذبية التي نشرها في العام 1916 وهو في الثامنة والثلاثين من عمره. حاول الكثير من الاحزاب السياسية زجه في نشاطاتهم ولكنه كان دائما يقول انني لم اخلق للسياسة وفضل الانعزال والوحدة قائلاً ((ان الفرد المنعزل هو وحده الذي يستطيع أن يفكر وبالتالي أن يخلق قيما جديدة تتكامل بها الجماعة)) هذا ادى إلى دفع معارضيه للنيل منه. احيكت له المؤامرات والدسائس مما زاع صيته في مختلف انحاء العالم ووجهت له الدعوات من العديد من الجامعات للتعرف عليه وسافر إلى ليدن بهولندا وعين استاذاً في جامعتها. وأسف الكثيرون في ألمانيا رحيله لأن شهرته العظيمة في الخارج من شأنها ان تعيد إلى المانيا هيبتها التي فقدتها في الحرب. وتلقى كتب ودعوات من وزير التربية ليعود إلى بلده فعاد وحصل على الجنسية الألمانية لانه في ذلك الوقت كان لايزال محتفظاً بجنسيته السويسرية. كثرت الدعوات التي تلقاها اينشتين بسبب شهرة نظريته النسبية وكان يقابل في كل مرة يلقي فيها محاضرة باحتفال هائل يحضره عامة الناس ليتعرفوا على هذا الرجل بالرغم من عدم المامهم بفحوى النظرية النسبية ولكن اهتمام الناس به لم يسبق لعالم ان حظي به من قبل فكان يستقبل استقبال المعجبين لفنان مشهور. لقد كان تقرير صادر عن البعثة الفلكية الانجليزية عام 1919 الذي تؤيد فيه صحة نبوءة آينشتين عن انحراف الضوء عند مروره بالجو الجاذبي من اهم دواعي شهرته العالمية. ولكن لكونه الماني الجنسية كان صيته في انجلترا قليل وبدعوة من اللورد هالدين توجه آينشتين إلى انجلترا وقدمه هالدين قائلا ((إن ما صنعه نيوتن بالنسبة إلى القرن الثامن عشر يصنعه آينشتين بالنسبة إلى القرن العشرين)). يروى أنه تم الاعلان عن جائزة قدرها خمسة آلاف دولار لكاتب احسن ملخص للنظرية النسبية في حدود ثلاثة آلاف كلمة فتقدم ثلاثمائة شخص وحصل على الجائزة رجل من محبي الفيزياء ايرلاندي الجنسية عمره 61 عاماً في 1921. ظل آينشتين يسافر بين بلدان العالم من فرنسا إلى اسبانيا إلى فلسطين وإلى الصين واليابان وحصل على جائزة نوبل في 1923 وسلمه اياها ملك السويد وبعدها استقر في برلين وكان الزوار من مختلف انحاء العالم يأتون له ويستمتعون بحديثه ولقاءه حتى عام 1929 والتي فيها بلغ من العمر الخمسين عاماً قرر الاختفاء عن الانظار ولم يكن احد يعلم اين يقيم. كان آينشتين محبا للسلم ويكره الحرب وفي نداء تلفزيوني إلى تورمان رئيس الولايات المتحدة الاسبق قال ((لقد كان من المفروض أول الامر أن يكون سباق التسلح من قبيل التدابير الدفاعية. ولكنه اصبح اليوم ذا طابع جنوني. لأنه لو سارت الامور على هذا المنوال فسيأتي يوم يزول فيه كل أثر للحياة على وجه البسيطة)). في 18 ابريل من العام 1955 وفي مدينة برنستون مات ذلك العبقري وأخذ الناس يتحدثون عن آينشتين من جديد وتنافست الجامعات للاستئثار بدماغ ذلك الرجل عساها تقف من فحصه على اسرار عبقريته.. كان آينشتين يعيش بخياله في عالم اخر له فيه الشطحات والسبحات وكانت الموسيقى سبيله الوحيد للتنفيس عن ثورته العارمة وكان الكون بالنسبة له مسرحا ينتزع منه الحكمة فغاص في ابعاده السحيقة وبهذا نكون قد لخصنا قصة حياة اسطورة القرن العشرين لندخل في تفاصيل النظرية النسبية الخاصة ونتائجها..... |
الابعاد الأربعة (المكانية والزمانية) نحتاج قبل الدخول إلى مفاهيم النظرية النسبية تعريف مفهوم الابعاد المكانية والزمنية حيث أن كثيرا ما تعرف النظرية النسبية على انها نظرية البعد الرابع. فما هي هذا الأبعاد الاربعة وكيف نستخدمها ولماذا اينشتين العالم الأول الذي اكد على ضرورة استخدام البعد الرابع (الزمن) بالاضافة إلى الابعاد الثلاثة التي اعتمد عليها جميع العلماء من قبله... تطور مفهوم الابعاد مع تطور الانسان واقصد هنا تطوره في الحياة ففي الزمن الأول كان الانسان يتعامل مع بعد واحد في حياته هذا جاء من احتياجه للبحث عن طعامه فكان يستخدم رمحه لاصطياد فريسته وبالتالي كان يقذف رمحه في اتجاه الفريسة حيث ينطلق الرمح في خط مستقيم وحركة الرمح هنا تكون في بعد واحد وسنرمز له بالرمز x. ومن ثم احتاج الانسان ليزرع الارض وبالتالي احتاج إلى التعامل مع مساحة من الأرض تحدد بالطول والعرض وهذا يعد استخدام بعدين هما x و y لأنه بدونهما لايستطيع تقدير مساحة الأرض المزروعة. وعندما احتاج الانسان للبناء أخذ يفكر ويحسب في البعد الثالث وهو الارتفاع. وهذه هي الابعاد الثلاثة x,y,z والتي كانت الاساس في حسابات الانسان الهندسية، وحتى مطلع القرن العشرين اعتبرها الانسان كافية لحل كل المسائل التي تقابله على سطح الكرة الأرضية. وحتى يومنا هذا نعتمد على الابعاد الثلاثة في تنقلاتنا وسفرنا وحساباتنا. آينشتين هو العالم الوحيد الذي فكر في البعد الرابع (الزمن) وقال ان الكون الذي نعيشه ذو أربعة ابعاد وهي الطول والعرض والارتفاع والزمن. وادخل البعد الرابع في جميع حساباته. يستطيع الانسان تخيل البعد الواحد والبعدين ويمكن رسمهما ولكن البعد الثالث يحتاج منه إلى قدرات تخيلية إضافية ولكن من الصعب التفكير والتخيل بالابعاد الاربعة معا وخصوصا أن البعد الرابع وهو الزمن لايمكن رؤيته ولكننا نعيشه وندركه كمسلمة من مسلمات الوجود. فإذا اعتبرنا أن هندسة الكون تعتمد على اربعة ابعاد فإن حساباتها ستكون غاية في التعقيد ونتائجها غير متوقعة وهذا مافعله آينشتين في نظريته النسبية. تمهيد ان المقاييس من مساحات وحجوم وكتل وتحديد المكان والزمان والسرعة هي مقاييس معروفة في نظر الفيزياء الكلاسيكية (فيزياء جاليلو ونيوتن) فكلنا نقيس المسافات والزمن بنفس الطريقة والكيفية ولا يختلف في ذلك اثنان اذا كانت مقايسهما معايرة بدقة وهذا يعني أننا سلمنا بأن هذه المقاييس مطلقة ولكن هذا يخالف النظرية النسبية التي تقوم على أنه لا وجود لشيء مطلق في كل هذه الاشياء أنما هي نسبية، فالدقيقة (60 ثانية) التي نقيسها بساعاتنا يمكن ان يقيسها آخر على انها أقل من دقيقة أو أكثر وكذلك المتر العياري طوله متر بالنسبة للشخص الذي يحمله ولكن بانسبة لآخر يتحرك بسرعة كبيرة بالنسبة لذلك الشخص يجد المتر 80 سنتمتر وكلما زادت سرعته كلما قل طول المتر ليصبح طول المتر صفر اذا تحرك الشخص بسرعة الضوء (سنجد انه من الاستحالة الوصول لسرعة الضوء) وهذا لا يعود لخطأ في القياسات بين الشخصين أو خلل في آلات الرصد التي يستخدمونها فكل منهما يكون صحيحا ولكن بالنسبة له ولهذا سميت بالنظرية النسبية والكثير من الأمور المسلم بها في حياتنا والتي نعتبرها مطلقة تصبح نسبية في عالم النسبية. بمفهوم اينشتين والتعامل مع الزمن على أنه بعد من الأبعاد يصبح كل شيء نسبياً فمثلاً نعرف أن الكتلة هي كمية المادة الموجودة في حجم معين مثل كتلة الماء في حجم سنتيمتر مكعب هي واحد جرام وكتلة الماء هذه ثابتة ولكن وزنها هو الذي يتغير تغيرا طفيفا نتيجة لتأثير الجاذبية عليها فيقل الوزن قليلا في المرتفعات ويزيد في المنخفضات نتيجة لتغير تأثير الجاذبية حسب بعدنا او قربنا من مركز الارض وهذا التغير يكون في حدود جرام واحد فقط، ولكن آينشتين يبين أن الكتلة تتخلى عن تأثير الجاذبية وتتغير في حدود أكبر بكثير قد تصل إلى الالاف ولا علاقة لتغير الكتلة بالجاذبية. إن ثبوت المقاييس والابعاد عند آينشتين في الكون لا وجود له حسب نظريته النسبية. لتفصيل الموضوع اكثر سوف نقوم بشرح اوسع لمفهوم المكان في النسبية ومن ثم شرح مفهوم الزمن في النسبية. المكان في النسبية اذا سألت نفسك عزيزي القارئ في هذه اللحظة هل أنت ثابت أم متحرك، فستنظر حولك بكل تأكيد وتقول أنا لست متحرك فأنا ثابت امام جهاز الكمبيوتر وعلى الارض وهذا صحيح فأنت ثابت بالنسبة للكمبيوتر والارض (أي الكرة الارضية) ولكن هذا ليس صحيح بالنسبة للكون فأنت والكمبيوتر والارض التي تقف عليها تتحركوا وهذه الحركة عبارة عن مجموعة من الحركات منها حركة الارض حول نفسها وحركة الارض حول الشمس وهناك حركة للشمس والارض داخل مجرة درب التبانة ومجرة درب التبانة تتحرك بالنسبة إلى الكون.. إذا عندما اعتقدت انك ثابت فهذا بالنسبة للاشياء حولك ولكن بالنسبة للكون فكل شيء متحرك. وخذ على سبيل المثال هذه الارقام ...... سرعة دوران الأرض حول نفسها ربع ميل في الثانية وسرعة دوران الارض حول الشمس 18 ميل في الثانية والشمس والكواكب تسير بالنسبة لجيرانها النجوم بسرعة 120 ميل في الثانية ومجرة درب التبانة منطلقة في الفضاء بسرعة تصل إلى 40000 ميل في الثانية. تخيل الان كم هي سرعتك وعدد الحركات التي تتحركها بالنسبة للكون. وقدر المسافة التي قطعتها منذ بدء قراءة هذه الحلقة حتى الان. لا احد يستطيع ان يحدد هل مجرة درب التبانة هي التي تبتعد عن المجرات الاخرى بسرعة 40000 ميل في الثانية أم ان المجرات هي التي تبتعد عنا بهذه السرعة. فعلى سبيل المثال اذا ارد شخص ان يصف لنا سفره من مطار غزة إلى مطار دبي الدولي فإنه يقول غادرت الطائرة مطار غزة في الساعة الثالثة ظهرا واتجهت شرقا لتهبط في مطار دبي الدولي الساعة السادسة مساءً.. ولكن لشخص اخر في مكان ما في الكون يرى ان الطائرة ارتفعت عن سطح الارض في غزة واخذت تتباطأ حتى وصلت مطار دبي لتهبط فيه. أو ان الطائرة ومطار دبي تحركا في اتجاهات مختلفة ليلتقيا في نقطة الهبوط.. وهنا يكون من المستحيل في الكون الواسع تحديد من الذي تحرك الطائرة ام المطار. كذلك يجب أن نؤكد ان الاتجاهات الاربعة شمال وجنوب وشرق وغرب والكلمات فوق وتحت ويمين وشمال هي اصطلاحات لا وجود لها في الكون فلا يوجد تحت أو فوق ولاشمال أو جنوب. ان التعامل بهذه المفاهيم الجديدة والنظرة الشاملة للكون بلاشك امر محير ولاسيما اذا ادخلنا البعد الرابع في حساباتنا فكل شيء يصبح نسبي. مما سبق تبين أن نسبية المكان تخالف كل ما هو مألوف لنا وقد يتسائل القارئ ما أهمية ذلك بالنسبة لنا ونحن نعيش على سطح الأرض وامورنا كلها مضبوطة على نسق واحد؟ ولماذا هذا الخلط بين ما يحدث على الأرض والكون؟ وما فائدة النسبية لنا كل هذه الاسئلة سيأتي الاجابة عليها من خلال هذه الحلقات المتتابعة عن النظرية النسبية ولكن قبل ذلك يجب الخوض في نسبية الزمان وهذا سيوضح لنا أن مفهوم الماضي والحاضر والمستقبل هي من الأمور النسيبة أيضا..... الزمان في النسبية لم يكتف آينشتين بأن أثبت أن المكان نسبي ولكن عمم نسبية المكان على الزمان (البعد الرابع) حيث أنه قال طالما أننا نعيش في عالم ذو أربعة ابعاد ووجد أن الأبعاد المكانية الثلاثة التي تحدد بـ x,y,z هي نسبية لا بد وان يكون الزمان (البعد الرابع) نسبياً أيضا هذا هو أينشتين الذي يفكر ويضع النظريات ويحلل النتائج في عقله ويخرج للناس بمفاهيم جديدة لم يستطيع احد ان ينفيها ولا ان يبطلها ولا ان يصدقها ولكن كانت نسبية المكان والزمان منذ ذلك الوقت وحتي يومنا هذا تبرهن على صحتها من خلال تفسيرها للعديد من الظواهر الفيزيائية التي حيرت العلماء ولم يكن امامهم الا تطبيق نظرية اينشتين ليجدوها تفسر تلك الظواهر وسيأتي شرح تفصيلي لهذه الظواهر.. اعتبر العلماء ومن بينهم العالم نيوتن أن الزمن مطلق ويجري بالتساوي دون أية علاقة بأي مؤثر خارجي. ولكن اينشتين لم يتقيد بما سبقه من العلماء وفكر بالأمر من وجهة نظر مختلفة تشمل الكون الفسيح كيف ذلك؟؟... تعودنا نحن سكان الكرة الأرضية على تقدير الزمن من خلال اليوم واجزائه (الساعة والدقيقة والثانية) ومضاعفاته (الاسبوع والشهر والسنة والقرن) ويومنا هو مقدار الزمن اللازم للأرض لتدور حول نفسها دورة كاملة والسنة هي مقدار الزمن اللازم للأرض لاكمال دورة كاملة حول الشمس وتساوي 365 يوم وربع اليوم. ولكن ماذا عن اليوم والسنة على كوكب عطارد أو كوكب بلوتو لا شك أن ذلك سيكون مختلف بالنسبة لمقايسنا فالسنة على كوكب عطارد ثلاثة أشهر من الوقت الذي نقيسه على الأرض بينما السنة على كوكب بلوتو فهي اكبر من ذلك بكثير وتساوي 248 سنة من سنوات الأرض.. الأمر عند هذا الحد معقول ولكن ماذا عن المجرات الأخرى كيف تقدر اليوم والسنة عندها؟ وهل يمكن استخدام الازمنة الأرضية كمقياس للزمن على ارجاء هذا الكون الفسيح؟ وتجدر الاشارة هنا إلى أن مصطلح فسيح لا يعبر عن مدى كبر حجم هذا الكون ...لنرى معا المقصود بكلمة فسيح. |
تابع مما سبق تبين أن هذا الكون يحتاج إلى طريقة جديدة لتقدير المسافات بين مجراته ونجومه لأن استخدام وحدة المتر أو الميل ستقودنا إلى ارقام كبيرة جدا لا يمكن تخيلها ولهذا فإن العلماء يستخدمون سرعة الضوء لقياس المسافة حيث أن سرعة الضوء 300 ألف كيلومتر في الثانية (الضوء يدور حول الأرض 7 مرات في الثانية أي عندما تقول كلمة واحدة يكون الضوء قد لف حول الارض سبع مرات) واذا حسبنا المسافة التي يقطعها الضوء في السنة نجد انها مسافة كبيرة جدا (الارقام الفلكية) فمثلا نعلم أن اشعة الشمس تصلنا خلال ثمانية دقائق وبهذا يكون بعد الشمس عنا ثماني دقائق ضوئية وهنا استخدمنا وحدة الزمن لقياس المسافة. مثال اخر على اقرب نجم إلى المجموعة الشمسية يسمى الفا قنطورس يبعد عنا اربعة سنوات ضوئية والنجوم البعيدة في مجرتنا تبعد عنا الاف السنوات الضوئية ويقدر قطر درب التبانة بـ 80 الف سنة ضوئية (تخيل ان الضوء الذي يصدر عند احد اطرافها يصل إلى الطرف الآخر بعد ثمانين الف سنة) كل هذا في مجرتنا وبعض التلسكوبات رصدت مجرات تبعد عشرة الف مليون سنة ضوئية ذلك يعني أنه اذا وقع حدث ما في طرف الكون فإنه لا يصل إلى الطرف الاخر قبل مرور عشرة الاف مليون سنة!!! وسنعلم ايضا أن الكون لا زال يتمدد وبسرعات هائلة... سبحان الله ولا نملك إلا أن نقول ذلك.. الارقام والابعاد الفلكية السابقة ضرورية لشرح الموضوع التالي والذي من خلاله سنوضح مفهوم نسبية الزمن لدى آينشتين. افترض انك في غرفة مظلمة تماماً وتحرك جسم من مكان إلى مكان آخر في هذه الغرفة فإنك لا تعلم بذلك (على افتراض انك لا تعتمد على حاسة السمع) ولكن في وجود الضوء فإن انتقال الجسم او حركته ترصدها من خلال انعكاس الضوء من على الجسم المتحرك إلى العين. الضوء هو الوسيلة الوحيدة التي نعلم من خلالها حدوث حدث ما في الكون وهو اسرع وسيلة لنقل المعلومات بين النجوم والمجرات فحدث ما على الشمس نعلم به على الارض بعد ثمانية دقائق من وقوعه، وانفجار نجم الفا قنطورس يصلنا خبره بعد اربعة سنوات لان الضوء القادم منه سيصل الارض بعد اربعة سنوات وكذلك النجوم التي نراها في الليل قد لا تكون موجودة الان ولكننا نرى الضوء الذي صدر عنها منذ سنوات او الاف السنوات حسب بعدها عنا أما التي تبعد عنا الف مليون سنة ضوئية فإن ضوءها الذي يصلنا الآن يعطينا معلومات عنها قبل ظهور الحياة على الارض!! هذا يقودنا إلى أن كلمة الآن لا وجود لها إلا على الأرض هذا كله يدركه الناس ولا غرابة فيه لأننا نعلم كم هذا الكون واسع وفسيح.. لم تقف النظرية النسبية عند هذا الحديث فقط بل تعدته إلى القول أن الزمن نفسه لا يجري في الكون بشكل متساوي بل يقصر ويطول حسب سرعتنا ومكاننا بالنسبة للحدث. وليس المقصود هنا ان ذلك مجرد شعورنا بان الزمن يمر ببطء أو أنه يمر بسرعة حسب مشاعرنا بالسعادة أو التعاسة عندما نقوم بعمل ما. فنسبية الزمن لا تعتمد على شعورنا ومزاجيتنا انما المقصود في النظرية النسبية أن الساعة الزمنية التي تدل على فترة معينة من الزمن هي التي تطول أو تقصر حسب السرعة والمكان. لتوضيح هذا الفكرة نفرض ان شخصين لديهما ساعات متماثلة تم ضبطهما بدقة، احد الشخصين قرر البقاء على الارض والشخص الآخر سافر في مركبة فضائية تسير بسرعة كبيرة، فإذا وفرت للشخص الارضي مرصدا يراقب من خلاله ساعة الشخص الفضائي فإنه كلما زادت سرعة الشخص الفضائي كلما تباطئت حركة عقارب ساعته بالنسبة للشخص الأرضي واذا ما وصلت سرعة المركبة الفضائية إلى سرعة الضوء فإن الشخص الارضي سوف يجد ان عقارب ساعة الشخص الفضائي توقفت عن الحركة أي أن الزمن توقف واصبح صفراً (لا يمكن الوصول بسرعة جسم إلى سرعة الضوء وسنعرف ذلك قريباً) وهذا التباطئ في ساعة الفضائي ليس بسبب خلل في الساعة انما نتيجة لسرعته.. إن الامر لا يقف عند هذا الحد في النظرية النسبية لأن ذلك انعكس على مفهومنا للماضي والحاضر والمستقبل فمثلا انفجار نجم ما قد يكون ماضي بالنسبة لشخص في هذا الكون ويكون حاضر لشخص آخر في مكان اخر وقد يكون مستقبلا بالنسبة لشخص ثالث في مكان ثالث. وهذا بسبب تباطئ الزمن. حسب سرعة كل شخص بالنسبة للحدث ومكانه. ولها لا معني للماضي والحاضر والمستقبل إلا على الارض لان الشريط الزمني المعروف لنا يتباطئ بدرجة معينة في مكان معين في الكون ويتباطئ بدرجة مختلفة في مكان آخر وهكذا.. بعيدا عن النسبية وهنا أود ان اوضح أننا نعيش الزمن من خلال تقسيمه إلى ماضي وحاضر ومستقبل وكلنا يستطيع ان يسبح بخياله في احداث الماضي ويعيش اللحظات الحاضرة بحلوها ومرها ولكن المستقبل فلا قدرة لنا عليه وعلى توقع ماذا سيحدث فيه وذلك لاننا كمخلوقات لله سبحانه وتعالي حجب عنا احداث المستقبل (كما حجب عنا رؤية الاشعة تحت الحمراء والفوق بنفسجية وحجب عن سمعنا ترددات معينا يمكن لمخلوقات اخرى سماعها لاننا بشر محدودين لكوننا مخلوقات) أما الله سبحانه وتعالى فالازمنة والاحداث عنده كالكتاب المفتوح. الله يعلم بالماضي والحاضر والمستقبل فهو يعلم ماذا فعلنا وماذا نفعل وماذا سنفعل في أي وقت وفي اي لحظة. كل ماذكر في نسبية المكان ونسبية الزمان هو توضيح لمفاهيم وضعها آينشتين لتكون تمهيدا للدخول إلى النظرية النسبية وفهم مضمونها وعندها ستكون الصورة اوضح. |
(الشاعر ابو العلاء المعري) من هو أبو العلاء المعري : هو أحمد بن عبد الله بن سليمان التنوخي , عربي النسب من قبيلة تنوخ إحدى قبائل اليمن ، ولد في معرة النعمان بين حماة وحلب في يوم الجمعة الثامن والعشرين من شهر ربيع الأول سنة ثلاث وستين وثلاثمائة للهجرة (973م) وكان أبوه عالما بارزا ، وجده قاضيا معروفا. جدر في الرابعة من عمره فكفت عينه اليسرى وابيضت اليمنى فعاش ضريرا لا يرى من الألوان إلا الحمرة. تلقى على أبيه مبادئ علوم اللسان العربي ، ثم تتلمذ على بعض علماء بلدته ، وكان حاد الذكاء قوي الذاكرة ، يحفظ كل ما يسمع من مرة واحدة ، وجميع من كتبوا عن أبي العلاء المعري قالوا فيه أنه مرهف الحس ، دقيق الوصف، مفرط الذكاء ، سليم الحافظة ، مولعاً بالبحث والتمحيص ، عميق التفكير . اعتكف في بيته حتى بلغ العشرين من عمره ، منكبا على درس اللغة و الأدب ، حتى أدرك من دقائق التعبير وخواص التركيب مالا يطمع بعده لغوي أو أديب ، وقد بدأ ينظم الشعر وهو في الحادية عشر من عمره . وفي سنة ثلاثمائة واثنين وتسعين هجرية ، غادر قريته قاصدا بلاد الشام ، فزار مكتبة طرابلس التي كانت في حوزة آل عامر ، وانقطع إليها فترة طويلة ، فانتفع بما فيها من أسفار جمة ، ثم زار الّلاذقية وعاج على دير بها ، وأقام فترة بين رهبانه ، فدرس عندهم أصول المسيحية واليهودية ، وناقشهم في شتى شؤون الأديان ، وبدأ حينئذ شكه وزيغه في الدين . قصد أبو العلاء المعري بعد ذلك ، وهي مستقر العلم ومثابة العلماء فاحتفى به البغداديون وأقبلوا عليه ، فأقام بينهم فترة طويلة يدرس مع علمائهم الأحرار الفلسفة اليونانية والحكمة الهندية ، ويذيع آرائه ومبادئه على جمع من التلاميذ لازموه وتعيشوا له . وكان قد فقد أباه وهو في الرابعة عشر من عمره ، فلما فقد أمه كذلك وهو في بغداد حزن عليها حزنا شديدا ، وأحس الخطوب الداهمة والمصائب تترى عليه دون ذنب جناه ، فبدأ ينظر إلى الحياة والعالم نظرة سخط ومقت وازدراء وتشاؤم ، و رأى أن من الخير أن يعتزل الناس والحياة ويزهد في ملذاتها ووصلت درجة زهد أبو العلاء المعري إلى أنه ظل خمسة و أربعين عاما لا يأكل لحم الحيوان ولا لبنه وبيضه قانعا من الطعام بالعدس ومن الحلوى بالطين ومن المال بثلاثين دينارا يستغلها من عقار له ، عاد إلى بلدته سنة أربعمائة هجرية ، وكانت آراء المعري شاهد على ما نقول عنه من نظرة تشاؤمية للحياة فهو يرى أنه ليس في الدنيا ما يستحق أن نضحي من أجله وأن كل ما فيها شر وشرور ، بل هناك من الباحثين في حياته من يقولوا أنه كان ينظر إلى أن كل من يسعى لملذات الدنيا فهو شر ، كما أنه ينضر إلى المرأة نظرة قريبة إلى نظرته إلى الحياة ، فهي كما يرى من الملذات ومن أقواله في المرأة : بدء السعادة إن لم تخلق امرأة ولم يكن أبو العلاء ناضب الفكر تجاه المرأة كما يبدو من بيت الشعر السابق لكن كل ما في الأمر أن أبو العلاء كان يخاف من فتنة المرأة وجمالها ، كما أن هناك نظرة أبي العلاء للولادة و الموت يدرك حجم تشاؤمه فهو يرع أن العدم خير من الوجود ، كما أنه يرى أن الإنسان معذب ما دام حيا , وأن متى ما مات استراح و له بيتان شعر قال فيهما : قضـى الله أن الآدمـي مـعذب حتـى يقـول العالمـون بـــه قضـــى فهنئ ولاة الموت يوم رحيــله أصابوا تراثا و استراح الذي مضــــى كما أن له بيت قريبا من البيتبن السابقين يقول فيه : فليت وليدا مات ساعة وضعه ولم يرتضع من أمه النفساء وهناك أيضا من حياته ما يدل على تشاؤمه فلقد احتجز نفسه في داره ، وسمى نفسه رهين المحبسين يقصد بذلك العمى والمنزل . وظل معتقلا عن الناس ما عدا تلاميذه ، دائبا على البحث والتعليم والكتابة ، فأخرج مجموعة ضخمة من التواليف والكتب ذهبت أكثرها بفعل الحروب الصليبية ، ومن أهم وأبرز كتبه : 1. ديوان سقط الزند، ويشمل ما نظمه من الشعر أيام شبابه. 2. ديوان اللزوميات، ويشمل ما نظمه من الشعر أيام كهولته. 3. رسالة الغفران، وهي قصة خيالية فريدة في الأدب العربي. 4. ديوان رسائله، ورسالة الملائكة والدرعيات. 5. كتاب الفصول والغايات. كان للمعري كما هو شأن أي شاعر ومؤلف آخر خصائص في شعره ونثره وكتاباته بفعل البيئة التي عاش فيها وغير ذلك من العوامل الأخرى ، من أهم خصائص شعر وكتابات المعري الاشتمال على الأمثال والحكم والحكمة ، و خصوبة الخيال ، تكلمه عن التاريخ والحوادث التاريخية ورجال العرب الذين اشتهروا بفعل حوادث تاريخية مشهورة وله بيت شعر طريف يتكلـم فيه عن معرفته برجـال العرب والحوادث التاريخية يقول فيه : ما كان في هذه الدنيا بنو رمن إلا وعندي من أخبارهم طرف كما أن كتاباته تميزت بالأسلوب الساخر والمتهكم، ولا يفوتنا أن نقول أن أبرز ملامح وخصائص ما شعر و كتب أبو العلاء المعري النظرة التشاؤمية التي يحملها شعره أو نثره. أما عن أهم أهداف مؤلفاته من رسائل ودواوين فهو الوصف و كان من أكثر الشعراء إجادة له ، وفد قيل عنه أنه ليس أقل إجادة في الوصف لغير المحسوس من المحسوس ، وأيضا من أهدافه في مؤلفاته النقد ، ومن أمعن النظر في شعره تبين أن له طريقتان في النقد ، الأولى نقد المسائل العلمية ، والثانية نقد الأخلاق والعادات والمزاعم ، وفي كلتا الطريقتين لا يخلو كلامه من التهكم والسخرية والاستخفاف فهو أسلوب يكاد أن يقترن به دائما . وقد شرح كتب ودواوين ومؤلفات عدة مثل ديوان معجز أحمد لأبي الطيب المتنبي ، وديوان ذكرى حبيب لأبي تمام ، وديوان عبث الوليد لأبي عبادة البحتري . أما عقيدته فقد اختلف فيها الكثيرون فمنهم من زعم أنه من المتصوفين لكلامه ظاهر وباطن , ومنهم من زعم أنه كافرا ملحدا ، ومنهم من قال أنه كان مشككا متحيرا ففي شعره ما يدل على الإيمان وفيه ما يدل على الكفر , ولعل من أبرز شعره الذي يدل على إيمانه قوله : إنما ينقلون من دار أعمال إلى دار شقوة أو رشاد أما أبرز ما يدل على كفره قوله : قلتم لنا صانع قديـم قلنا صدقتم كذا نقــول ثم زعمتم بلا مكـان ولا زمان، ألا فقولـــــوا هذا كـــلام له خبئ معناه ليست لنا عقول رفض أبو العلاء المعري الزواج – من مظاهر زهده في ملذات الدنيا والحياة ونظرته لها – لكي لا يجني على ابنه ما جناه عليه أبوه ، مات سنة أربعمائة وتسعة وأربعون هجرية ، تحديدا يوم الجمعة الثالث عشر من ربيع الأول ، وكان حينئذ في السادسة والثمانين من عمره، وقف على قبره مائة وثمانون شاعرا منهم الفقهاء والعلماء والمتحدثون والمتصوفون ، وقد أوصى أن يكتب على قبره : هذا جناه أبي علي و ما جنيت على أحد |
الشاعر ابو القاسم الشابي الشاعر الرائع أبو قاسم الشابي المقـدمـة: لم يكن الشابي ومضة في حياة الشعر العربي وإنما كان بحياته القصيرة الطويلة نقطة تحول في الشعر العربي فقد كان من كبار المجددين الذين رأوا في الشعر العربي القديم تراثا يجب احترامه وليس منهجا يجب اتخاذه. فكان رأيه هذا سببا في نفور الناس منه لأنهم لم يفهموه لأنه سبق عصره أم اليوم فنحن فهمناه فاستوعبنا أراه. لقد كان الشابي بشعره يقف في مصاف كبار جنود وسياسيي العالم الثالث(المستعمر) فقد كان حربا لا هوادة فيها ضد الاستعمار، وأخذ على عاتقه محاربة الرجعية و الجهل وظلام التخلف. كما أنه لم يظهر نجمه بعد موته لأن بعد موته بفترة بسيطة أشتعل العالم بنيران الحرب العالمية الثانية، وتلتها ثورات التحرير في الوطن العربي، فكاد العالم أن ينسى الشابي إلى أن نشر زميله وأخوه آثاره وبعض النقاد كذلك. لهذه الأسباب وغيرها رأينا أن نقدم تقرير نعرض فيه نبذة عن حياته وشعر هذا (الشاعر البلسم) بلسم الشعوب المستعمرة بالجهل والمكبلة بالرجعية، ثم نتحدث حول الإطار الاجتماعي الذي عاش فيه، ونختم ذلك بذكر بعض المعاني في شعره. حياة الشابي. ولد في مارس 1909 في بلدة (الشابة) على مقربة من توزر، وعين أبوه قاضيا في نفس عام ولادته وراح يتنقل من بلد لبلد، وتلقى تعليمه الأول في المدارس القرآنية وكان ذكيا قوي الحافظة فقد حفظ القرآن وهو في التاسعة من عمره، بعد ذلك أرسله والده لجامع الزيتونة وحصل على شهادة التطويع 1927 وهو في سن الثامنة عشرة، ولم يكتف أبوه بذلك فأدخله كلية الحقوق وتخرج منها سنة 1930 . وكانت نقطة التحول في حياة شاعرنا موت حبيبته وهي مازلت شابة، ثم تبعه بعد ذلك الموت وأختطف أبوه، فتسبب هذين الحادثين في اعتلال صحته وأصيب بانتفاخ في القلب فأدى ذلك لموته وهو صغير السن في عام 1934 بمدينة تونس، ونقل جثمانه لمسقط رأسه قرية الشابة. ثقافته وشخصيته: نشير في هذا المحور لشيء من ثقافته، نشأ في أسرة دينية فقد تربى على يدي أبوه وتلقن روح الصوفية التي كانت سائدة في المغرب العربي، وسددتها دراسته الدينية، وساعده مكوثه في مدينة تونس لدراسة الحقوق أن ينضم (للنادي الأدبي) وأخذت مواهبه الأدبية تبرز و تعبر عن نفسها في قصائد ومقالات ومحاصرات، أعلن فيها عن نفسه وهو دون العشرين. ونلمح في عجالة لتجربته الكبرى التي بآت بالفشل لأن طائر الموت أختطف حبيبته وأعقبه بفترة أن أختطف أبوه مثله الأعلى ومربيه ومثقفه. والآن نبين شخصية الشابي التي وجدت الرومانسية الملاذ الوحيد له ليعبر عن ما في نفسه وقد كان الطابع المميز لشبان عصره وهو سر الذيوع. وقد كان مؤمنا بقضيته السياسة وكان من الذين حاربوا الاستعمار، وأبرز عاطفته الصادقة في عدة مواضع. * بعض المعاني في شعره: الوطنية: نلاحظ أن ما أثار وطنية الشابي بالدرجة الأولى هي اصطدامه بالرجعية، ووطنيته وطنية جد صارخة ذات هجمات نارية عاتية مدمرة، ولكن لم تكن موجهة للاستعمار بقدر ما هي موجهة لسلاحه الرجعية التي حبست أنفاس الشعب والتي تقيد طموح الشعب فمنعه من التحرر والانطلاق أرجعته بقوة للماضي البالي الذي فقد معناه في نفوس الشباب المتفهم لرسالته في الحياة. الطبيعة: حين نتأمل شعر الشابي في ذكره للطبيعة نستطيع وصف حالته بأنه يصفها وصف المعبود وينظر إليها بعاطفة رفيعة تنبعث من مشاركته لظواهرها والاندماج معها. وتصل به هذه العبادة إلى حد الموت الفاني في جمالها وهنا ندرك مدى شدة تركيب شعوره، لأنه لم يتذوقها إلا بعميق إحساسه حتى أنه يبعث من الطبيعة دفئا وحنانا، وهو يظهرها أمامك في كامل بهائها بما تملكه عباراته من قدرة على الإحياء. الـمـرأة: من خلال شعر الشابي الذي يتشوق فيه إلى المثالية المرضية لطموحه ويشبع روحه و الشعر الذي قاله في المرأة لا نستطيع أن نجد فيه على أمراه معينة، لها شخصيتها و طبائعها و مزاياها التي تتفرد بها، ونحن نلاحظ أن شعر الشابي صادر عن نفسه المحرومة وكان يتغنى في المرأة كمثل أعلى. أسلوبه: نجد أن شعر الشابي منبثق من قوة إحساسه، أنه أسلوب محسوس لأن الروح التي تسري فيه تسد عليك طريقك وتحاصرك فلا تعرف تحديد موضع القوة فيه، وقوة الإحساس هي كل شيء في فنه وشعره، وقد وجهته هذه القوة توجيها خطابيا فلم يستطع التحرر من تلك الصفة التي أخذها على الشعر العربي وهناك أمثلة كثيرة من شعره التي يشعرك فيها بأنه واقف بين قومه يلقنهم تعاليمه أو يصب عليهم جام غضبه ونقمته. أيها الشعب! ليتني كنت حطا با فأهوي على الجذوع بفأسي! أنت روح غبية، تكره النو ر،وتقضي الدهور في ليل ملس الخاتمة: قدمنا في هذا التقرير نبذة قصيرة عن سيرة شخصية للشابي وأدبية لشعره وقد استخلصنا منها ثلاث نقاط وهي: 1. أوضحنا نظرة الشابي للشعر العربي القديم بأنه تراث يجب احترامه، وأنه يجب أن يبدأ مرحلة جديدة من الشعر الذي يشخص الجمادات فيعمق في وصفها. 2. رأينا أن وطنية الشابي نابعة من الظروف التي دعت كل شخص التعلق بها جراء الاستعمار، فصدق تعبيره عنها. 3. عاطفة الشابي صادقة فهو ذا حس مرهف فقد تأثر بموت حبيبته وأبوه، وأدى ذلك لموته. نتمنى أن نكون قد بين حياة أحد كبار المجددين في الشعر الذي وهب حياته وشعره لدينه ووطنه وحبه. رأيي في شخصية أبو القاسم الشابي: يعجبني,, لان أشعاره تدخل في السياسة , وأيضا يعايش الأمة آلامها , اتصف في شعره بالرومانسية , اعتقاده بالعبودية وغلى حد أكبر له في أشعاره يذكر عبوديته لله والخوف من الموت , كان يمدح في المرأة وليس مقصده الغزل ولكن جعلها له مثالية. المصادر: 1. الشابي: د. عبد اللطيف شرارة 2. الشابي وجبران: خليفة محمد التليمي |
الساعة الآن 01:59 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.5.2 TranZ By
Almuhajir