|
ســـأعود إليه قريبــآ ســـأعود إليه قريبآ ........ الأمطار تلســع جسـدي النحيل ،ما أجمل رائحة التراب الممزوج بقطرات الأمطار أبحث عن مكان يحميني من زخات المطر التي تكوي جسدي ، أهرب من زقاق إلى زقاق علني أجد مأوى . ماذا دهاني ، ما الذي أخرجني في هذه الساعة المتأخرة من الليل ،أسير تائهآ بين الطرقات بلا هدف ، الظلام يلف المكان ، هدوء ، الكل نيــام ، أنظر إلى ســاعتي .... لقد نسيتها في البيت . أعرف أن الوقت متأخرآ ولو أجزم لقلت ان الساعة قد تخطت الواحدة بعد منتصف الليل . ســأعود أدراجي مســرعآ ، لا ألوي على شيىء خلف ظهري ، فجأة وبلكنة عربية مكســرة .... قف ... لا تتحرك .. إرفع يديك إلى الأعلى ووجهك للحائــط . شيىء ما أحسـه يلمس ظهري وبقوة . يأتي أحدهم من خلفي ، يضع يديه على جســدي المبلول ، ويتحسس جسمي ... نعم إنه يفتشني . أعرفهم جيدآ أنهم جنود الإحتلال ، لا يخرجون إلا في عتمة الليل لا حبآ في الهدوء ، ولكن خوفآ على حياتهم ، لا يريدون أن يروا شيئآ يتحرك أمامهم يريدون ان يروا العالم كله ساكنآ وهم يتحركون . الجبن ... يجري في عروقهم ، والخوف ... يمزقهم يسألني أحدهم : من أنت ... أنا (( نجيب )) يرد عليا أنت مقبوض عليك وبصوت هامس أقول له لماذا أنا ... لم أفعل شيئآ حتى يقبض عليا . يصرخ الجندي بأعلى صوته أنت خرقت حظر التجوال ، ألا تعرف اننا فرضنا منع التجول على أهل هذه المدينة . قلت له نعم ... ولكنني خرجت لتوي بعد أن أحسست أنني أعيش في ســجن داخل منزلي ، أردت أن أحس بالأمطار وهي تغسل جسدي بعد ان حرمنا منها طويلآ ، أريد ان أشتم رائحة تراب وطني والأمطار تبلله ، أريد أن أرى الأمطار وهي تغسل الأشجار من الغبار العالق بها من أثر دباباتكم وناقلاتكم وجندكم . ومن دون أن يتكلم يركلني بســاقه ويضع الأصفاد في يدي ويربط ضمادة على عيني ويدفعني إلى عربة مدرعة أعدت خصيصآ لحمايتهم من رشقات الحجارة التي يحملها أطفال الإنتفاضة ،...... نعم ومنذو نعومة ظفاري وأنا أرى هذه السيارات تجوب مدننا وشوارعنا منتهكة حرمتنا . تتوقف الســيارة أســمع أصوات أناس يتكلمون ويضحكون لغتهم غير لغتنا لا أفهمها لكنني أعرفها جيدآ أنها لغة الإحتلال . نعم أنه حاجز حاجز للإحتلال . هذا ما يسمى بالخط الأخضر ... تنطلق السيارة مرة أخرى ولا أعرف أين وجهتها . أحس في داخلي بالفرح ... ولأول مرة ... أشعر بهذا الكم من النشوة التي تغمرني .. رغم القيود التي تكبل يدي ... تمنيت شيئآ واحدآ ، أن ترفع الضمادات التي على عيني حتى أرى ما لم أراه منذو ولدت .... حتى أحس بنشوة الفرح والإنتصار رغم ما أنا فيه . تتساءلون لماذا ســررت هكذا ..... لأول مرة أدخل وطني فلسطين منذو أن حرمت منه وهجرنا إلى قطاع غزة وسميت لاجئآ ....وأنا على أرض وطني .. ها أنذا أعود مرة أخرى .... نعم أنا مكبل اليدين لكنني أشتم رائحة وطني أشتم رائحة الشجر ورائحة الأرض من بيت لاهيا وحتى المجدل حيث أنزلتني السيارة وأودعت في سجن المجدل . يرفعون الضمادات عن عيني ويدفعونني إلى أحد زنازين السجن . يستقبلني شباب في عمر الورد ويرحبون بي وكأنني أخ لهم . يسألونني نراك مسرورآ ما الذي يجعلك تبتسم هكذا . أجبتهم لأنني لمست أرض وطني ولأول مرة في حياتي ، وكم تمنيتها عندما كان جدي وجدتي يحكون لي سيرتهم عن تلك الأرض . الغالية عليهم والدموع لا تكاد تجف من مقلهم ، لقد ماتـو وأوصونا بها بقولهم الأرض مثل العرض لا تفرطوا بأرضكم مهما طال الزمــان . المجدل أسم لم يمحه التاريخ من ذاكرتي، أنها بلدتي ومسقط رأس أجدادي رائحتهم تحيط بالمكان أشتمها هنا ، في كل بقعة من الأرض كم كانت مباركة وهم فيها ، جاء اليوم من يدنسها ويحيل طهارتها إلى نجاســة . اليوم أدخلها رغم أنف الإحتلال وبإرادته ولا يعرف أنه قد قدم لي أكبر خدمة في حياتي ، عندما وضع الأغلال في يدي وأحضرني مكبلآ إلى هنا ليعيد على ذاكرتي أمجاد وطني السليب بعد إن حاول بكل ما أوتي من قوى أن ينسيني أياه . أتذكره وبقوة بعد إن حفرت الأغلال إسمه على يدي بعد إن كان محفورآ في قلبي . سأعود إليه قريبآ ..... إما مستشهدآ أو محررآ ........ |
| الساعة الآن 08:22 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.5.2 TranZ By
Almuhajir