أقلام حرة - لؤلؤة أوالبقلم: فاضل مدن يُعد آية الله الشيخ حسين النجاتي أحد أرفع علماء البحرين من ناحية المرتبة العلمية، كما يحتلّ موضع ثقة خاصة من زعيم الحوزة العلمية في النجف آية الله العظمى السيد علي السيستاني. ورغم ابتعاده عن الساحة السياسية في الفترة الأخيرة التي سبقت اندلاع ثورة 14 فبراير؛ غير أنه بقي مستهدفا بالتهديد والوعيد من قبل النظام الخليفي، والذي لا يضع حرمة لا للدين ولا لرجاله. حينما نتتبع التاريخ السياسي لسماحة الشيخ النجاتي، نجد أنه ابتعد قليلا عن العمل في الساحة السياسية بشكل مباشر، وظلّ يعمل ضمن كبار علماء البحرين، وهو تجمع غير رسمي يضم كبار علماء البحرين مثل سماحة آية الله الشيخ عيسى قاسم وسماحة السيد جواد الوداعي وغيرهم، وبقي دوره شبه محصور في الأمور الدينية العامة، عدا بعض المواقف المحورية التي تستهدف الطائفة، والتي كانت تستلزم تحرك العلماء الكبار، ومن بينهم النجاتي. ولكن دور النجاتي تغير كثيرا مع تأسيس حركة حق وتعرُّضها للاستهداف المباشر ووصمها بأنها حركة فاقدة للشرعية، فعمل وجود النجاتي على توفير درع شرعي للحركة - التي تأسّست بعد استقالة الأستاذ حسن مشيمع وآخرين من الوفاق بعد قبولها التسجيل في قانون الجمعيات - وقد أدّى الدّور ذاته كلٌّ من آية الله الشيخ محمد سند وآية الله الشيخ عبد الجليل المقداد (الذي كان يُصلّي في فترةٍ من الفترات مكان النجاتي)، كما كان للنجاتي موقف حازم لا يُنسى في موضوع إسقاط لقب الشهيد عن الشهيد علي جاسم. وبالجملة؛ كان للشيخ النجاتي دور خاص في بقاء حركة حق، رغم الهجمة الشرسة التي كانت تتعرّض لها، وتباعا فإن بقاء حق سمح بتأسيس حركات الممانعة اللاحقة، ابتداءاً من تيار الوفاء الإسلامي، ووصولاً إلى ثورة 14 فبراير، وما بينهما من تنظيمات اختلفت أحجامها وأدوارها. فللشيخ النجاتي يدٌ بيضاء في كل هذا. الألم الذي سببه النجاتي للنظام قبل الثورة تمثل جليا في الاستهداف الأول المباشر له خلال الضربة الأمنية في 2010 حيث تم سحب جنسيته وجنسية عائلته، فسلاح سحب الجنسية يمثل ورقة يستخدمها النظام بكثرة مع البحرينيين من أصول إيرانية، والشيخ لم يكن الاستثناء، ولولا الخوف من الارتدادات بسبب علاقة النجاتي مع السيستاني (الذي يمتلك كلمة مسموعة في العراق) لمّا تردّد النظام في اعتقال النجاتي والزج به في طامورة الأمن الوطني إلى جانب علماء دين آخرين، مثل الشيخ سعيد النوري والشيخ المخوضر والشيخ المحروس. الشيخ النجاتي، وبحسب مقربين منه، فضّل أن تبتعد الحركات السياسية ورموزها عن ملف سحب جنسيته، فقد كان يريد أن يحلها بطريقته الخاصة، دون الإفصاح عما كان ينوي عمله، ولا كيف كان سيتعامل مع تهديدات النظام. ولكن الأيام اللاحقة حملت ضربة موجعة لخط الممانعة عبر فقدان درعها المنيع المتمثل في الشيخ النجاتي الذي ابتعد تدريجيا عن الساحة، أو على الأقل عن ممارسة دوره المباشر السابق. النظام لم يكن ليقبل بأن يبقى النجاتي على الجانب في المعركة الطائفية التي شنها على سكان البحرين الأصليين، بل ظل يقحمه بين الفينة والأخرى مستخدما ورقة سحب الجنسية والتسفير بشكل ممجوج يكشف كيف أن النظام كان لا يزال يستذكر الآلام التي سببها له، والتي لا يزال يعيش آثارها لغاية اليوم. النجاتي يمثل نقطة تلقتي فيها العديد من أهداف السلطة، فالنجاتي - بأصوله الإيرانية - يعتبر تهديدا مباشرا لكل البحرينيين من ذات الأصول، والذي يرغب النظام في أن تحييدهم عن الثورة، فما يصيب النجاتي قد يصيب أيا منهم، بل أكثر. واستهداف فقيه يعدُّ نخبة النخبة في البحرين لهو تهديد لباقي الفقهاء، أمثال آية الله الشيخ عيسى قاسم، وهي محاولة إضافية للضغط عليه، بل أن استهداف النجاتي الآن هو مؤشر واضح أن النظام يرغب في الحصول على تنازل من قاسم نفسه. وإقليميا، فاستهداف النجاتي هو مغازلة طائفية للنظام الوهابي السعودي، وربما يكون جزءا من حالة الاصطفاف الإقليمي الذي يُقسّم المنطقة مع ارتفاع أصوات طبول الحرب على سوريا الممانعة. السبب المباشر للضغط على النجاتي قد يكون مبهما، ولكن من الواضح أن النظام عاجز عن اعتقاله، وأن السبب الأهم في عجز النظام عن المساس به ربما يعود إلى خوف النظام من ردة الفعل العراقية إذا ما ضغط السيستاني باتجاه الإفراج عن وكيله الأعلى مرتبة في البحرين.