تعتبر ثورة 14 فبراير بحق أكبر وأخطر حركة سياسية ثورية في تاريخ البحرين الحديث والمعاصر واجهة الحكم الخليفي المستبد ، وعملت بكل قوة على هزيمته وإسقاطه ، وإستبداله بنظام حكم وطني ديمقراطي .لم يشعر آل خليفة بالضعف والهوان والذل كما شعرو به بعد ثورة 14 فبراير . ولم يشعر آل خليفة بالخوف على حكمهم ومصالحهم وأموالهم كما شعرو به بعد ثورة 14 فبراير . لأن هذه الثورة عملت بكل قوة على الاطاحة بالحكم الخليفي وإقامة الدولة المدنية الديمقراطية التي يتساوى فيها جميع البحرينيين .لكن لابد من طرح سؤال مهم هنا ، لماذا تراجعت قوة وعنفوان ثورة 14 فبراير سريعا ؟ هل هو بسبب القبضة الأمنية الحديدية للحكم الخليفي ودخول قوات الاحتلال السعودي ؟ أم توجد عوامل أخرى من المهم تسليط الضوء عليها ؟من البديهي والمنطقي القول بوجود مجموعة من العوامل التي ساهمت في تراجع قوة ثورة 14 فبراير ، وليس عامل واحد فقط يتمثل في القبضة الأمنية للحكم الخليفي ودخول القوات السعودية للبحرين كما يردد البعض .تنقسم عوامل تراجع قوة ثورة 14 فبراير إلى ذاتية وموضوعية ، الأولى ترتبط بطبيعة تكوين حركة 14 فبراير على مستوى قادتها وأعضائها وخلاياها السرية ومدى قوة إرتباطها بالجماهير وتحريكهم على الأرض . وهذا الجانب ليس من الموضوعية أن نتناوله ونحن بعيدين عن العمل التنتظيمي والسري لحركة 14 فبراير .أما عن الجانب الموضوعي فهو ينقسم من وجهة نظرنا إلى خمسة عوامل ساهمت جميعها في عدم إستمرار ثورة 14 فبراير بنفس القوة والعنفوان كما كانت في بدايتها.العامل الأول : القبضة الأمنية الحديدية للحكم الخليفي في مواجهة ثورة 14 فبراير. في عهد الملك حمد تم تقوية الأجهزة الأمنية والعسكرية المختلفة ، أما بشراء السلاح أو بجلب المرتزقة بأعداد كبيرة وإعطائهم الجنسية البحرينية . ومن الشواهد الحية على مدى همجية ووحشية الأجهزة الأمنية الخليفية ما حدث في 17 فبراير 2011 –الخميس الدامي- من الهجوم على دوار اللؤلؤة وقمع وقتل المعتصمين السلميين . ولا يخفى على أحد ما أرتكبته السلطة في فترة ما سمي بالسلامة الوطنية من جرائم وأعمال يندى لها جبين الانسانية . فمن ينسى إعتقال المئات وتعذيبهم بوحشية حتى قتل بعضهم داخل السجون. ومن ينسى فصل الآلا ف من أعمالهم وقطع أرزاقهم . ومن ينسى التطاول على الأعراض والمقدسات وهدم المساجد .العامل الثاني : دخول قوات الاحتلال السعودي للبحرين تحت مسمى درع الجزيرة . لا شك أن تطور الأوضاع السياسية بصورة سريعة وكبيرة بقيادة حركة 14 فبراير أخاف المملكة السعودية كثيرا من إنتقال تأثيرات هذه الثورة الوليدة إلى الأراضي السعودية خصوصا المنطقة الشرقية صاحبة الأغلبية الشيعية . هذا إذا ما وضعنا في الحسبان إشتداد عود ثورات الربيع العربي . لذلك كله تحركت الحكومة السعودية سريعا في معالجة الأمور في البحرين ووضع حد لتنامي قوة ثورة 14 فبراير ، وقد حصل ذلك بدعم وضوء أخضر من الولايات المتحدة الأمريكية .العامل الثالث : الموقف الأمريكي\البريطاني اللاإنساني والمنحاز بالكامل للنظام الحاكم في البحرين . وهو موقف ينسجم مع السياسة الأمريكية البريطانية التي تقوم على دعم الأنظمة الدكتاتورية في المنطقة من أجل تحقيق مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية وإن كانت على حساب دماء الشعوب وإنتهاك حقوقهم وكرامتهم الانسانية . لا شك أن الدعم الامريكي البريطاني لحكومة البحرين قد عمل على تحسين صورة هذا النظام الدكتاتوري الدموي ، وحمايته من أي عقوبات دولية ، بل وجعله يتمادى أكثر في أعماله الوحشية ضد شعب البحرين .العامل الرابع : نجاح السلطة في البحرين من تحريك الطائفة السنية ضد ثورة 14 فبراير ، وجعلها من العوائق الكبيرة في عدم إسقاط الحكم الخليفي ، وفي عدم التحول من الدولة القمعية المستبدة إلى الدولة المدنية الديمقراطية . وما تجمع الفاتح بقيادة الشيخ المحمود إلا عملا مدروسا وحقيرا من السلطة في هذا الاتجاه .العامل الخامس : موقف الجمعيات السياسية المعارضة بقيادة الوفاق ومرجعيتها الدينية من ثورة 14 فبراير ومن رؤيتها للسلطة بعد قيامها بكل الجرائم والأعمال الوحشية في حق جماهير المعارضة الذين يشكلون أغلبية شعب البحرين . لم يكن موقف هؤلاء ثابتا من ثورة 14 فبراير ، ففي بداية الثورة عندما كانت في أوج قوتها كان دعم الجمعيات السياسية بقيادة الوفاق للثورة جيدا وواضحا خصوصا في المسيرات الضخمة التي خرجت في وسط العاصمة المنامة . أما بعد دخول قوات درع الجزيرة وإعلان ما سمي بحالة السلامة الوطنية ، فقد عملت هذه القوى السياسية المعارضة على التهدئة وعدم الاستمرار في مواجهة السلطة ، حتى قال الشيخ علي سلمان " إن الدماء التي سقطت أتت بثمارها ونكتفي بهذا القدر " . وقد بدى واضحا بعد فترة ما سمي بالسلامة الوطنية أن الجمعيات السياسية بقيادة الوفاق قد أعطيت مساحة واسعة من أجل إحتواء الثورة ، عبر مسيرات كانت في البداية باسم الوفاق فقط ، ولا تحمل عنوان الملكية الدستورية ، بل تحمل عنوان الاصلاح السياسي الديمقراطي المقابل لشعار إسقاط النظام .ثبت بشكل قاطع في ثورات الربيع العربي أن القوة العسكرية وحدها لا تكفي للقضاء على الثورة ، سواء في تونس ومصر أو اليمن والبحرين . وأن الموقف الأمريكي يتغير أو للدقة يتلون في خطابه عندما يستمر الحراك الشعبي الضاغط لإسقاط النظام ، وهذا ما حدث فعلا في تونس ومصر واليمن باستثناء البحرين ، لتراجع قوة وعنفوان ثورة 14 فبراير ، بسبب العوامل التي ذكرناها ، وأهمها هنا موقف الجمعيات السياسية المعارضة الملاين والمهادن للسلطة .كان من الطبيعي أن تأخذ ثورة 14 فبراير في البحرين مداها في القوة والتوسع على طريقة ثورة تونس ومصر ، وتحقيق بعض المكاسب المرحلية أقلها إسقاط رئيس الوزراء وحكومته ، على غرار سقوط زين العابدين بن علي في تونس وحسني مبارك في مصر وعلي صالح في اليمن ، إلا أن الوفاق ومعها الجمعيات السياسية تراجعوا أو قل للدقة أنهم لم يؤمنوا بالعمل الثوري من أجل إحداث التغيير السياسي الجذري في البحرين .صحيح أن الحكم الخليفي شدد من القبضة الأمنية على ثورة 14 فبراير وجعلها تتراجع في قوتها على الأرض ، وبدعم إقليمي من المملكة السعودية وبقية دول مجلس التعاون ، وبدعم أمريكي بريطاني على المستوى الدولي ، إلا أن هؤلاء جميعا فشلوا في القضاء على هذه الثورة العظيمة بمبادئها ومطالبها وتضحياتها .واليوم تدرك السلطة في البحرين ومن خلفها السعوديون والامريكيون أن المعالجة الأمنية والعسكرية لا تكفي وحدها للقضاء على ثورة 14 فبراير ، لذلك لابد من إستغلال التباين بين أطراف المعارضة في مستوى العمل السياسي وفي سقف المطالب السياسية ، ومن تقوية عمل الجمعيات السياسية بقيادة الوفاق في مقابل إضعاف تحركات وفعاليات حركة 14 فبراير ، ومن العمل على فرض المرجعية الدينية الشيعية التقليدية في قيادة ثورة 14 فبراير في المراحل القادمة من أجل تحجيمها وطنيا وتقويتها طائفيا ، وهذه المرجعية الدينية وجناحها السياسي المتمثل في الوفاق لعبت دورا كبيرا في فرض النجاح والاستقرار السياسي لمرحلة ميثاق العمل الوطني أو ما سمي بالمشروع الاصلاحي للملك . أثبتت ثورات الربيع العربي بصورة قاطعة أن الأنظمة العربية الديكتاتورية التي تقمع وتقتل شعبها وتنتهك حقوقهم وتسحق كرامتهم الانسانية ، لا يمكن إسقاطها أو حتى (إصلاحها جذريا) إلا بطريقتين لا ثالث لهما ، أما بالعمل الشعبي الثوري على طريقة ميدان التحرير في مصر ، أو بالعمل الثوري المسلح كما حدث في ليبيا مع التحفظ على التدخل الامريكي الأوربي . وكلا الشكلين من العمل السياسي الجاد لم تؤمن بهما الجمعيات السياسية بقيادة الوفاق ، الأمر الذي أضعف كثيرا من قوة ثورة 14 فبراير في مواجهة الحكم الخليفي في البحرين .
__DEFINE_LIKE_SHARE__
06-06-2012, 07:10 PM
العرض العادي
المواضيع المتشابهه 
